استأثر الحديث عن الخطر الذي تمثله إيران وتدخلاتها في شؤون المنطقة على الجانب الأكبر من نقاش المشاركين في الاجتماع الوزاري الذي انعقد أخيرا في أبو ظبي وضم وزراء إعلام كل من السعودية ومصر والبحرين والإمارات.
وإذا ما كان الاجتماع الذي شارك فيه عدد من الكتاب والمفكرين ورجال الإعلام في الدول الأربع، وقد تشرفت بأن أكون أحد المشاركين فيه، قد انعقد تحت عنوان «شرق أوسط بلا إرهاب» فإن إجماع المتحدثين على حجم الخطر الإيراني وضرورة مواجهته بشكل جاد وفعال على المستويين الإقليمي والدولي لا يعني النظر إلى ما تقوم به إيران من زعزعة لأمن المنطقة باعتباره ضربا من الإرهاب تمارسه ضد الدول والشعوب المجاورة لها فحسب وإنما التأكيد على وعي يذهب إلى أن إيران هي المسؤول الأول عما تتعرض له المنطقة من إرهاب أيا كان مصدره وأيا كانت الجماعات والمنظمات التي تقوم به، وهو وعي يشهد عليه ما تشهده المنطقة من اطراد تنامي التنظيمات الإرهابية بتنامي المد الإيراني الناتج عما انتهجته طهران من سياسة تصدير الثورة وما اعتمدته من إستراتيجية مؤسسة على إثارة الانحيازات الطائفية وضرب المكونات المذهبية في الدول المجاورة بعضها ببعض.
ولا تتوقف مسؤولية إيران عند حدود تأسيس ودعم التنظيمات الشيعية الموالية لها واستمالة المكونات السكانية العربية التي تتخذ من قم مرجعية لها، وإنما تمتد مسؤوليتها لتشمل التنظيمات السنية المتطرفة المارقة كذلك، وهو الأمر الذي أكدته الحقائق التي تكشفت عن دعم إيران للقاعدة وفتح أراضيها لكي تكون ملاذا آمنا لعدد من قياداتها المسجلين على لائحة المطلوبين دوليا والمسؤولين عن أعمال إرهابية شهدتها المنطقة وعدد من دول العالم.
إيران والإرهاب
وتتمثل مسؤولية إيران عن تنامي الإرهاب في المنطقة في مجموعة من العوامل يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: قدم نجاح الثورة التي قام بها الخميني وتمكن من خلالها من إسقاط شاه إيران وتأسيس دولة «دينية» على أنقاض الدولة المدنية أنموذجا لما يمكن أن يتحقق لحركات الإسلام السياسي من نجاح، وهو أنموذج استلهمته الحركات السنية، على الرغم من الاختلاف المذهبي بينها وبين الثورة الإيرانية، وذلك لما يجمع بينها وبين الثورة الإيرانية من رفض لمفهوم الدولة المدنية وطموح للوصول إلى السلطة، إضافة إلى ما يحرص عليه المتطرفون من كلا المذهبين من توظيف للإسلام وقيمه من أجل استدراج الشعوب المسلمة وكسب تأييدها ومن ثم تحقيق ما يطمحون إليه من وصول إلى السلطة، وإذا كان ذلك كذلك كان لنا أن نفسر كيف أن حركة جهيمان، وهي حركة سنية متطرفة جاءت متزامنة مع وصول الخميني للسلطة في إيران بعد صراع خاضته الجماعات الشيعية المتطرفة ضد الشاه، وكان نجاح الحراك الشيعي في زعزعة استقرار الدولة المدنية أقوى أنموذج يمكن الاقتداء به لضمان نجاح الحركات الدينية المتطرفة في زعزعة استقرار الدول والشعوب.
ثانيا: لم تكن ثورة الخميني ثورة دينية فحسب وإنما كانت ثورة مذهبية كذلك، ولم تتولد عنها دولة إسلامية فحسب وإنما دولة شيعية كذلك، وهو الأمر الذي استثار مخاوف الجماعات السنية التي لم تر في نجاح ثورة الخميني تهديدا لدولها المدنية وإنما هو تهديد لكياناتها السنية كذلك، وهو الأمر الذي أفضى إلى تشظي العلاقة بين تلك الجماعات السنية المتطرفة والدول التي تنتمي لها ذلك أن تلك الجماعات رأت أن نجاح ثورة الخميني وتحولها إلى دولة طائفية يستدعي قيام دول طائفية تواجهها، ومن هنا نشطت جماعات الإسلام السياسي السنية وارتفع سقف مطالبها وأصبحت ترى في مواجهة الدولة الشيعية الطائفية ما يمنحه شرعية الخروج على دولها ذات التأسيس المدني الذي يمنح الحق في المواطنة لكل مكوناتها على اختلاف مذاهبها وتتأسس علاقاتها الخارجية على مبادئ السياسة الدولية ومراعاة المصالح المشتركة بين الدول وليس على أسس مذهبية طائفية.
ثالثا: لم تكن ثورة الخميني ثورة تهدف إلى انقاذ الشعب الإيراني من ديكتاتورية الشاه، ولم تسع إلى تحقيق ما يتطلع إليه الشعب الإيراني من حرية وحياة كريمة، ذلك أنها بحكم أنها ثورة طائفية فقد كان هدفها عابرا للحدود وذلك لما توهمه قادتها وما سعوا إلى إيهام المنتمين إلى طائفتهم من أنهم يعبرون عن تطلعات تلك الطائفة ويعملون على الانتصار لهم في كافة الأقطار، ولهذا انتهجت الدولة الطائفية التي أسسوها مبدأ تصدير الثورة، وهو الأمر الذي اقتضى العمل على إثارة النزعات الطائفية واستغلال المرجعية الفقهية لقم كي تصبح مرجعية سياسية، ومن ثم استدراج من يوالونهم في المذهب لكي يكونوا أعداء لأوطانهم ومد المارقين منهم بالسلاح والدعم المعنوي، وتجاوز ذلك كله لتأسيس جماعات ومنظمات شكلت الأذرع التنفيذية للسياسة الإيرانية تحت شعارات طائفية، واستدراج تنظيمات ومنظمات سنية تحت شعارات العداء لإسرائيل وتحرير بيت المقدس، وهو ما أدخل المنطقة في نفق مظلم من الصراعات الطائفية التي ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة وضرب مصالح شعوبها.
رابعا: استثمرت إيران ظهور الجماعات المتطرفة السنية وعلى رأسها القاعدة فلم تتوان عن دعم تلك الجماعات وتوفير الملاذات الآمنة لها ومن ثم إعادة توجيهها ورسم الخطط الكفيلة بتنفيذ مخططاتها على يد جماعات تقف على الطرف النقيض منها مذهبيا، وتهدف إيران من وراء ما قامت به إلى تحقيق أمرين في وقت واحد: الأول زعزعة استقرار الدول المنتمية للمذهب السني على يد جماعات تنتمي لنفس المذهب وتكتسب لدى السنة مصداقية لا تمتلكها الجماعات الإرهابية الشيعية، والأمر الآخر يتمثل في شيطنة المذهب السني وجر الجماعات الإرهابية المنتمية إليه إلى توريط دولها مع العالم ومن ثم تبرير أي تدخل إيراني في المنطقة باعتباره تدخلا لمواجهة الإرهاب وهو ما حدث في العراق على نحو محدد حين استغلت ظهور داعش واتخذتها ذراعا لها ضربت به سنة العراق في الموصل وما حولها ثم تجييش الجماعات الشيعية العراقية واستنفارها لمواجهة داعش وإرسال الميليشيات الإيرانية لمساعدة الحكومة العراقية في مواجهة خطر داعش.
خامسا: ومما اعتمدته إيران لزعزعة استقرار المنطقة الدعم اللامحدود للجماعات والتنظيمات الشيعية المتشددة واتخاذها أذرعا لتنفيذ مخططاتها وعلى رأس تلك التنظيمات حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وتمكينها من الاستقواء على الدولة كما هو حادث في لبنان أو إسقاط الشرعية والاستيلاء على الدولة كما حدث في اليمن وهو الأمر الذي اعتبرته إيران انتصارا له واعتبرت صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في يدها بعد بغداد ودمشق وبيروت.
سادسا: غير أن أخطر ما قامت وتقوم به إيران في المنطقة إنما هو المشاركة في قمع الشعوب التي تثور ضد الأنظمة الموالية لطهران، وليس الهدف الوقوف إلى جانب تلك الأنظمة ضد شعوبها وإنما هو انتهاز الفرصة للتدخل في شؤون تلك الدول على نحو يصبح فيه احتلالا لأراضيها كما هو حادث في سورية.
الخطر الإيراني والملف النووي
تلك هي جوانب ما تشكله إيران من تهديد للمنطقة وزعزعة استقرارها، وهي جوانب تتصل بالأطماع التوسعية لإيران وسياسة تصدير الثورة غير أن الخطر الإيراني لا يتوقف عند ذلك إذ يمتد ليشمل موضوعين اثنين:
أولهما: العمل على امتلاك سلاح نووي وهو الأمر الذي أثار مخاوف الدول الكبرى، وهي مخاوف لا تتصل بامتلاك السلاح النووي فحسب، وإنما أن تمتلكه دولة مارقة تعلن عداءها للعالم وتحركها نزعة توسعية ضد دول المنطقة.
ثانيهما: تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على توسيع دائرة الخطر الإيراني، فلا يصبح قاصرا على دول الجوار بل يشمل كافة الدول الواقعة في المدى الذي يمكن أن تصله تلك الصواريخ.
ورغم تعدد مصادر وأوجه الخطر الإيراني ودوره في توسيع دائرة الإرهاب إلا أن المخاوف الأوروبية والأمريكية اختصرت الخطر الإيراني في امتلاك السلاح النووي، ومن ثم خاضت تلك الدول مفاوضات طويلة المدى مع النظام الإيراني استهدفت تقليص قدراته على الحصول على السلاح النووي، وحين تم التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن وجدت إيران الفرصة ملائمة لتطوير صواريخها الباليستية التي لم يشملها الاتفاق الذي وقعته مع كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، كما وجدت في تغاضي الدول التي وقعت الاتفاق عن بقية جوانب الخطر الإيراني فرصة لدعم مخططاتها التي تستهدف توسيع نفوذها وزعزعة استقرار المنطقة.
وإذا كان قد تبين للرئيس الإمريكي دونالد ترمب خلل الاتفاق النووي مع إيران فأعلن انسحاب أمريكا منه فإن بقية الدول وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا لا تزال مصرة على التمسك بذلك الاتفاق.
تواطؤ إعلامي
ومن الملاحظ أن التهوين الأوروبي من الخطر الإيراني على أمن المنطقة واقتصاره على الخطر النووي يجيء مصحوبا بشيء من التجاهل على المستويين الإعلامي والرسمي لما ترتكبه إيران وميليشياتها من وحشية وإفراط في استخدام القوة ضد الشعب السوري، وما تقوم به ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن.
ويجيء انسجام الدور الإعلامي مع الدور السياسي في تجاهل ما ترتكبه إيران من زعزعة لأمن المنطقة وقصر خطرها على الملف النووي خطوة نحو تكريس المصالح الاقتصادية التي تربط بين إيران والدول الموقعة على الاتفاق، ومن هنا يتواطؤ الإعلام الغربي على إخفاء الحقائق عن شعوب تلك الدول لتمرير الاتفاقات الاقتصادية التي تشكل فرصا استثمارية للشركات وتعزيزا لاقتصاد تلك الدول.
الموقف الأوروبي والمتمثل في اختصار الخطر الإيراني في السلاح النووي وغض الطرف عن التدخل في دول الجوار وزعزعة استقرارها لا ينبني على جهل هذا الدور وإنما عن تجاهله، والسياسة الأوروبية تنطلق من مبدأ «ليست هناك مبادئ دائمة وإنما مصالح دائمة» ولذلك فإن تصحيح الموقف الأوروبي لكي يصبح موقفا متمثلا لأبعاد الخطر الإيراني وتهديده لأمن المنطقة ومن ثم السلام والاستقرار العالميين يقتضي العمل على ثلاثة محاور تتمثل في الآتي:
أولا: تعزيز الدور الإعلامي في الكشف عما ترتكبه إيران من أعمال إجرامية في سورية وما تقوم به من دعم للميليشيات الموالية لها في اليمن ومحاولة الوصول إلى شبكات الإعلام الدولية، خصوصا في أوروبا وتزويدها بتقارير تكشف ما ترتكبه إيران من جرائم ضد الإنسانية في سورية.
ثانيا: إذا كانت الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران تحرص على ذلك الاتفاق انطلاقا من حرصها على المصالح التي توفرها لها المجالات الاستثمارية في إيران فإن بوسع الدول العربية المتضررة منها ومن ذلك الاتفاق النووي أن تؤكد لتلك الدول أن بإمكانها أن توفر لها من الفرص الاستثمارية وتحقق لها من المصالح ما لا تستطيع إيران تحقيقه لها.
ثالثا: على الدول العربية المتضررة من ذلك الاتفاق ومن تجاهل الدول الأوروبية للخطر الإيراني على المنطقة وتمسكها بالاتفاق النووي مع طهران أن تؤكد لتلك الدول حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصالحها في الدول العربية، وهو ضرر لا تتسبب فيه التدخلات الإيرانية وما تحدثه من زعزعة لأمن المنطقة، وإنما لتوازنات تربط بين المواقف السياسية لتلك الدول ومصالحها في دول المنطقة، وأن على الدول المتعاملة مع إيران والمتجاهلة لما تشكله من خطر على المنطقة أن تدرك أنها لا يمكن أن تحتفظ بمصالحها في الدول العربية ما لم تكن حريصة على مصالح تلك الدول العربية.
وإذا ما كان الاجتماع الذي شارك فيه عدد من الكتاب والمفكرين ورجال الإعلام في الدول الأربع، وقد تشرفت بأن أكون أحد المشاركين فيه، قد انعقد تحت عنوان «شرق أوسط بلا إرهاب» فإن إجماع المتحدثين على حجم الخطر الإيراني وضرورة مواجهته بشكل جاد وفعال على المستويين الإقليمي والدولي لا يعني النظر إلى ما تقوم به إيران من زعزعة لأمن المنطقة باعتباره ضربا من الإرهاب تمارسه ضد الدول والشعوب المجاورة لها فحسب وإنما التأكيد على وعي يذهب إلى أن إيران هي المسؤول الأول عما تتعرض له المنطقة من إرهاب أيا كان مصدره وأيا كانت الجماعات والمنظمات التي تقوم به، وهو وعي يشهد عليه ما تشهده المنطقة من اطراد تنامي التنظيمات الإرهابية بتنامي المد الإيراني الناتج عما انتهجته طهران من سياسة تصدير الثورة وما اعتمدته من إستراتيجية مؤسسة على إثارة الانحيازات الطائفية وضرب المكونات المذهبية في الدول المجاورة بعضها ببعض.
ولا تتوقف مسؤولية إيران عند حدود تأسيس ودعم التنظيمات الشيعية الموالية لها واستمالة المكونات السكانية العربية التي تتخذ من قم مرجعية لها، وإنما تمتد مسؤوليتها لتشمل التنظيمات السنية المتطرفة المارقة كذلك، وهو الأمر الذي أكدته الحقائق التي تكشفت عن دعم إيران للقاعدة وفتح أراضيها لكي تكون ملاذا آمنا لعدد من قياداتها المسجلين على لائحة المطلوبين دوليا والمسؤولين عن أعمال إرهابية شهدتها المنطقة وعدد من دول العالم.
إيران والإرهاب
وتتمثل مسؤولية إيران عن تنامي الإرهاب في المنطقة في مجموعة من العوامل يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولا: قدم نجاح الثورة التي قام بها الخميني وتمكن من خلالها من إسقاط شاه إيران وتأسيس دولة «دينية» على أنقاض الدولة المدنية أنموذجا لما يمكن أن يتحقق لحركات الإسلام السياسي من نجاح، وهو أنموذج استلهمته الحركات السنية، على الرغم من الاختلاف المذهبي بينها وبين الثورة الإيرانية، وذلك لما يجمع بينها وبين الثورة الإيرانية من رفض لمفهوم الدولة المدنية وطموح للوصول إلى السلطة، إضافة إلى ما يحرص عليه المتطرفون من كلا المذهبين من توظيف للإسلام وقيمه من أجل استدراج الشعوب المسلمة وكسب تأييدها ومن ثم تحقيق ما يطمحون إليه من وصول إلى السلطة، وإذا كان ذلك كذلك كان لنا أن نفسر كيف أن حركة جهيمان، وهي حركة سنية متطرفة جاءت متزامنة مع وصول الخميني للسلطة في إيران بعد صراع خاضته الجماعات الشيعية المتطرفة ضد الشاه، وكان نجاح الحراك الشيعي في زعزعة استقرار الدولة المدنية أقوى أنموذج يمكن الاقتداء به لضمان نجاح الحركات الدينية المتطرفة في زعزعة استقرار الدول والشعوب.
ثانيا: لم تكن ثورة الخميني ثورة دينية فحسب وإنما كانت ثورة مذهبية كذلك، ولم تتولد عنها دولة إسلامية فحسب وإنما دولة شيعية كذلك، وهو الأمر الذي استثار مخاوف الجماعات السنية التي لم تر في نجاح ثورة الخميني تهديدا لدولها المدنية وإنما هو تهديد لكياناتها السنية كذلك، وهو الأمر الذي أفضى إلى تشظي العلاقة بين تلك الجماعات السنية المتطرفة والدول التي تنتمي لها ذلك أن تلك الجماعات رأت أن نجاح ثورة الخميني وتحولها إلى دولة طائفية يستدعي قيام دول طائفية تواجهها، ومن هنا نشطت جماعات الإسلام السياسي السنية وارتفع سقف مطالبها وأصبحت ترى في مواجهة الدولة الشيعية الطائفية ما يمنحه شرعية الخروج على دولها ذات التأسيس المدني الذي يمنح الحق في المواطنة لكل مكوناتها على اختلاف مذاهبها وتتأسس علاقاتها الخارجية على مبادئ السياسة الدولية ومراعاة المصالح المشتركة بين الدول وليس على أسس مذهبية طائفية.
ثالثا: لم تكن ثورة الخميني ثورة تهدف إلى انقاذ الشعب الإيراني من ديكتاتورية الشاه، ولم تسع إلى تحقيق ما يتطلع إليه الشعب الإيراني من حرية وحياة كريمة، ذلك أنها بحكم أنها ثورة طائفية فقد كان هدفها عابرا للحدود وذلك لما توهمه قادتها وما سعوا إلى إيهام المنتمين إلى طائفتهم من أنهم يعبرون عن تطلعات تلك الطائفة ويعملون على الانتصار لهم في كافة الأقطار، ولهذا انتهجت الدولة الطائفية التي أسسوها مبدأ تصدير الثورة، وهو الأمر الذي اقتضى العمل على إثارة النزعات الطائفية واستغلال المرجعية الفقهية لقم كي تصبح مرجعية سياسية، ومن ثم استدراج من يوالونهم في المذهب لكي يكونوا أعداء لأوطانهم ومد المارقين منهم بالسلاح والدعم المعنوي، وتجاوز ذلك كله لتأسيس جماعات ومنظمات شكلت الأذرع التنفيذية للسياسة الإيرانية تحت شعارات طائفية، واستدراج تنظيمات ومنظمات سنية تحت شعارات العداء لإسرائيل وتحرير بيت المقدس، وهو ما أدخل المنطقة في نفق مظلم من الصراعات الطائفية التي ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة وضرب مصالح شعوبها.
رابعا: استثمرت إيران ظهور الجماعات المتطرفة السنية وعلى رأسها القاعدة فلم تتوان عن دعم تلك الجماعات وتوفير الملاذات الآمنة لها ومن ثم إعادة توجيهها ورسم الخطط الكفيلة بتنفيذ مخططاتها على يد جماعات تقف على الطرف النقيض منها مذهبيا، وتهدف إيران من وراء ما قامت به إلى تحقيق أمرين في وقت واحد: الأول زعزعة استقرار الدول المنتمية للمذهب السني على يد جماعات تنتمي لنفس المذهب وتكتسب لدى السنة مصداقية لا تمتلكها الجماعات الإرهابية الشيعية، والأمر الآخر يتمثل في شيطنة المذهب السني وجر الجماعات الإرهابية المنتمية إليه إلى توريط دولها مع العالم ومن ثم تبرير أي تدخل إيراني في المنطقة باعتباره تدخلا لمواجهة الإرهاب وهو ما حدث في العراق على نحو محدد حين استغلت ظهور داعش واتخذتها ذراعا لها ضربت به سنة العراق في الموصل وما حولها ثم تجييش الجماعات الشيعية العراقية واستنفارها لمواجهة داعش وإرسال الميليشيات الإيرانية لمساعدة الحكومة العراقية في مواجهة خطر داعش.
خامسا: ومما اعتمدته إيران لزعزعة استقرار المنطقة الدعم اللامحدود للجماعات والتنظيمات الشيعية المتشددة واتخاذها أذرعا لتنفيذ مخططاتها وعلى رأس تلك التنظيمات حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وتمكينها من الاستقواء على الدولة كما هو حادث في لبنان أو إسقاط الشرعية والاستيلاء على الدولة كما حدث في اليمن وهو الأمر الذي اعتبرته إيران انتصارا له واعتبرت صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في يدها بعد بغداد ودمشق وبيروت.
سادسا: غير أن أخطر ما قامت وتقوم به إيران في المنطقة إنما هو المشاركة في قمع الشعوب التي تثور ضد الأنظمة الموالية لطهران، وليس الهدف الوقوف إلى جانب تلك الأنظمة ضد شعوبها وإنما هو انتهاز الفرصة للتدخل في شؤون تلك الدول على نحو يصبح فيه احتلالا لأراضيها كما هو حادث في سورية.
الخطر الإيراني والملف النووي
تلك هي جوانب ما تشكله إيران من تهديد للمنطقة وزعزعة استقرارها، وهي جوانب تتصل بالأطماع التوسعية لإيران وسياسة تصدير الثورة غير أن الخطر الإيراني لا يتوقف عند ذلك إذ يمتد ليشمل موضوعين اثنين:
أولهما: العمل على امتلاك سلاح نووي وهو الأمر الذي أثار مخاوف الدول الكبرى، وهي مخاوف لا تتصل بامتلاك السلاح النووي فحسب، وإنما أن تمتلكه دولة مارقة تعلن عداءها للعالم وتحركها نزعة توسعية ضد دول المنطقة.
ثانيهما: تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على توسيع دائرة الخطر الإيراني، فلا يصبح قاصرا على دول الجوار بل يشمل كافة الدول الواقعة في المدى الذي يمكن أن تصله تلك الصواريخ.
ورغم تعدد مصادر وأوجه الخطر الإيراني ودوره في توسيع دائرة الإرهاب إلا أن المخاوف الأوروبية والأمريكية اختصرت الخطر الإيراني في امتلاك السلاح النووي، ومن ثم خاضت تلك الدول مفاوضات طويلة المدى مع النظام الإيراني استهدفت تقليص قدراته على الحصول على السلاح النووي، وحين تم التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن وجدت إيران الفرصة ملائمة لتطوير صواريخها الباليستية التي لم يشملها الاتفاق الذي وقعته مع كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، كما وجدت في تغاضي الدول التي وقعت الاتفاق عن بقية جوانب الخطر الإيراني فرصة لدعم مخططاتها التي تستهدف توسيع نفوذها وزعزعة استقرار المنطقة.
وإذا كان قد تبين للرئيس الإمريكي دونالد ترمب خلل الاتفاق النووي مع إيران فأعلن انسحاب أمريكا منه فإن بقية الدول وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا لا تزال مصرة على التمسك بذلك الاتفاق.
تواطؤ إعلامي
ومن الملاحظ أن التهوين الأوروبي من الخطر الإيراني على أمن المنطقة واقتصاره على الخطر النووي يجيء مصحوبا بشيء من التجاهل على المستويين الإعلامي والرسمي لما ترتكبه إيران وميليشياتها من وحشية وإفراط في استخدام القوة ضد الشعب السوري، وما تقوم به ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن.
ويجيء انسجام الدور الإعلامي مع الدور السياسي في تجاهل ما ترتكبه إيران من زعزعة لأمن المنطقة وقصر خطرها على الملف النووي خطوة نحو تكريس المصالح الاقتصادية التي تربط بين إيران والدول الموقعة على الاتفاق، ومن هنا يتواطؤ الإعلام الغربي على إخفاء الحقائق عن شعوب تلك الدول لتمرير الاتفاقات الاقتصادية التي تشكل فرصا استثمارية للشركات وتعزيزا لاقتصاد تلك الدول.
الموقف الأوروبي والمتمثل في اختصار الخطر الإيراني في السلاح النووي وغض الطرف عن التدخل في دول الجوار وزعزعة استقرارها لا ينبني على جهل هذا الدور وإنما عن تجاهله، والسياسة الأوروبية تنطلق من مبدأ «ليست هناك مبادئ دائمة وإنما مصالح دائمة» ولذلك فإن تصحيح الموقف الأوروبي لكي يصبح موقفا متمثلا لأبعاد الخطر الإيراني وتهديده لأمن المنطقة ومن ثم السلام والاستقرار العالميين يقتضي العمل على ثلاثة محاور تتمثل في الآتي:
أولا: تعزيز الدور الإعلامي في الكشف عما ترتكبه إيران من أعمال إجرامية في سورية وما تقوم به من دعم للميليشيات الموالية لها في اليمن ومحاولة الوصول إلى شبكات الإعلام الدولية، خصوصا في أوروبا وتزويدها بتقارير تكشف ما ترتكبه إيران من جرائم ضد الإنسانية في سورية.
ثانيا: إذا كانت الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران تحرص على ذلك الاتفاق انطلاقا من حرصها على المصالح التي توفرها لها المجالات الاستثمارية في إيران فإن بوسع الدول العربية المتضررة منها ومن ذلك الاتفاق النووي أن تؤكد لتلك الدول أن بإمكانها أن توفر لها من الفرص الاستثمارية وتحقق لها من المصالح ما لا تستطيع إيران تحقيقه لها.
ثالثا: على الدول العربية المتضررة من ذلك الاتفاق ومن تجاهل الدول الأوروبية للخطر الإيراني على المنطقة وتمسكها بالاتفاق النووي مع طهران أن تؤكد لتلك الدول حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصالحها في الدول العربية، وهو ضرر لا تتسبب فيه التدخلات الإيرانية وما تحدثه من زعزعة لأمن المنطقة، وإنما لتوازنات تربط بين المواقف السياسية لتلك الدول ومصالحها في دول المنطقة، وأن على الدول المتعاملة مع إيران والمتجاهلة لما تشكله من خطر على المنطقة أن تدرك أنها لا يمكن أن تحتفظ بمصالحها في الدول العربية ما لم تكن حريصة على مصالح تلك الدول العربية.