يبدو أن السياسي الذي اعتاد النصر في لعبة الكريكت الشعبية في باكستان، متفائلاً بمستقبل بلاده بعد أن تسلم رئاسة الوزراء في الـ 18 من أغسطس، إذ يحلم بصناعة «باكستان جديدة» قوية كما أرادها «الآباء المؤسسون». ويؤكد عمران خان، في حواره مع «عكاظ» و«سعودي جازيت»، على أن الشعب الباكستاني لا ينسى مواقف المملكة بجانب باكستان في المواقف العصيبة، إضافة إلى أن المملكة «تحظى بحب استثنائي في قلوب الشعب الباكستاني»، مشدداً على أن بلاده لن تسمح لأحد أن يعتدي عليها و«سنقف مع المملكة». ويكشف رئيس الوزراء الباكستاني عن إعجابه الكبير بالخطوات الإصلاحية في المملكة، ووصف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بـ «الزعيم السياسي المحنك والناجح في دعم القضايا الإسلامية في المحافل». وأشاد بحملة المملكة القوية على الفساد، مضيفاً «حملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية هي بالضبط ما يجب أن نفعله، فعندما كان سمو ولي العهد يقوم بذلك في المملكة، كنت متحمساً لأفعل الشيء نفسه في باكستان ويمكننا فعل ذلك هنا، وإننا نجري الآن حملة كبيرة لمكافحة الفساد». وشرح خان خطته على تقوية مؤسسات الدولة الباكستانية، وصناعة الإنسان، كما تطرق في الحوار إلى جوانب شخصية، وأمنياته. فإلى نص الحوار:
• دولة رئيس الوزراء، أود أن أبدأ لقائي بسؤال الساعة الذي يطرحه الملايين في المنطقة العربية: من هو عمران خان؟ هل هو لاعب كريكت مشهور؟ أم أنه عُرف بإنسانيته الجياشة، إذ نجح ببناء أشهر مستشفى لعلاج الأورام السرطانية في العالم بباكستان؟ أم أنه السياسي الذي ناضل 22 عاماً ليحقق رؤيته حول باكستان الجديدة؟
•• في الواقع، عمران خان هو إنسان عادي، ولكنه لديه أحلام كبيرة، فهو ذلك الإنسان العادي الذي يحلق في أحلامه ولديه أفكار كبيرة وإبداعية، ويناضل لتحقيق هذه الأحلام، وفي كل مرة كنت أواجه نكسات وأزمات في حياتي، وكنت أتعلم من هذه الأوقات الصعبة والأزمات. ودعني أكون صريحا معك، أنا لا أتذمر من تلك اللحظات العصيبة، لأنني تعلمت منها أن الفشل هو أفضل مدرسة للتعليم. تسألني من هو عمران خان؟ عمران خان هو الإنسان الذي بدأ حياته في عالم لعبة الكريكت، وتعلم كيف يكافح في رياضة الكريكت، وكيف ينتصر، وأيضاً يتعلم أن لا تقهره الخسارة. لقد رأيت والدتي -رحمها الله- تعاني من مرض السرطان، فقررت حينها أن أبني مستشفى لعلاج السرطان باسم شوكت خانم تخليدا لذكراها.
وبعد اعتزالي الكريكت، شرعت في بناء المستشفى الخاص بالأورام السرطانية، ثم قررت بعد ذلك أن أعمل على بناء باكستان الجديدة التي كنت أحلم برؤيتها في شبابي، وللأسف باكستان لم تكن تسلك تلك الوجهة في ذلك الحين، وبدأ نضالي الثاني لتغيير باكستان وإن كلمة «نيا باكستان» أو باكستان الجديدة هي باكستان التي يتطلع إليها الآباء المؤسسون. وكان قدوتي هو مؤسس باكستان، محمد علي جناح، وهو القائد الذي لم يكن أعظم قائد عرفته باكستان فحسب؛ بل كان القائد الأعظم في القرن 20، إلى جانب الفيلسوف والشاعر الباكستاني محمد إقبال، وهؤلاء القادة ساهموا في بناء باكستان. وتوجهت بلادي نحو منحنى خاطئ، ولذلك انخرطت في العمل السياسي.
•شعرت من خطاباتكم السابقة وإجابتكم لسؤالي، أنكم تتعاملون بكل شفافية ووضوح وصراحة مطلقة، فهل تعتقدون أنه خلال الخمسة الأعوام القادمة من حكمكم، أنكم قادرون على حل الأزمات التراكمية التي تواجه باكستان والتي تعود لعقود من الزمن؟
•• انظر، دعني أحدثك كمسلم، أننا حين نصلي خمس مرات في اليوم فإننا ندعو الله تعالى جميعا شيئا واحداً وهو ما ورد في سورة الفاتحة «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، وكل ما أمرنا به من المولى عز وجل أن نسأل الله ذلك الصراط المستقيم. وكما تعلم أن التوفيق ليس في أيدينا، بل في يد الله سبحانه تعالى، وكل ما يرجى منا فعله هو أن نجتهد في هذا الطريق الذي هدانا الله إليه، وكل ما نخطط فعله هو تغيير باكستان لنضعها على الطريق المستقيم، الذي يجب أن تسير عليه الدولة، إذ يجب أن نؤسس مجتمع العدالة والإنسانية. إذن فهذا كل ما نحاول فعله، سنغير الطريقة التي تحكم بها باكستان وسنغير طريقة تفكير شعب باكستان وسنحقق ذلك بطريقتين:
أولا: سنرفع حالة النصف الأفقر من المجتمع إلى الأفضل اقتصاديا، بدل أن نسمح للأغنياء بتوسيع ثرواتهم، وسننتشل الشعب من الفقر بنفس الطريقة التي سلكتها الصين، إذ قام قادة الصين العظماء بانتشال 700 مليون إنسان من الفقر خلال الأعوام الـ 30 الماضية وأضحت الصين قوة عالمية.
وكل ما نريد فعله هو أن لا نكرر ما كانت تفعله باكستان على مدى الأعوام الماضية من أخطاء، إذ كان الأغنياء يزدادون غنى. نريد أن نرفع سوية الفقراء إلى حال أفضل اقتصاديا، خصوصا تلك الطبقة التي تعاني من الفقر والبطالة. نريد أن نحسن مستوى هذه الطبقة الفقيرة، لذلك أنا أختلف بشكل جذري مع الطريقة التي كانت تدار بها باكستان في السابق.
أما النقطة الثانية: فنريد أن نجعل باكستان الدولة التي تستثمر في الطاقات البشرية وننفق الأموال على الإنسان وعلى البنية التحية، وعندما نطور الإنسان فإن الإنسان يستثمر في البنية التحتية، فالمفتاح الأساسي هو صحة الإنسان وتعليمه، فضلا عن توفير المياه الصالحة للشرب، فضلا عن بناء دولة مؤسسات قوية، فالدولة تبنى على مؤسسات قوية وليست هزيلة.
وللأسف الغرب يتحكم في قراراتنا، لأن الغرب لديه مؤسسات قوية، ولدينا مؤسسات ضعيفة. ويجب أن تكون الدولة والأفراد أقوياء، ولكن ليس فوق القانون، وللأسف في بلادنا فإن لدينا مؤسسات ضعيفة وضعف المؤسسات يعني أن القوة للأفراد، فعلى سبيل المثال دولة كسويسرا، هناك لا يمكنك أن تعرف من هو رئيس الوزراء، لأن المؤسسات قوية والأنظمة تذهب وتأتي أنظمة أخرى؛ لكن المؤسسات تظل قوية وهذه دولة المؤسسات الحقيقية، لكن للأسف في بلادنا فإننا عانينا من حكم الاستعمار، ومن الديموقراطيات الناشئة ولهذا فإن لدينا مؤسسات ضعيفة فبدلا من أن ننفق المال على الإنسان فإننا نعمل على بناء مؤسسات قوية للدولة.
•• دعني في البداية أقول أن باكستان عانت في الأعوام الـ 15 الماضية من الحرب على الإرهاب، واختارت باكستان أن تنضم للحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، التي لم تتورط فيها باكستان، فالقاعدة كانت في أفغانستان ودخلت باكستان في هذه الحرب وعانت جراء ذلك الأمرين، وقتل 88 ألف باكستاني إلى الآن في هذه الحرب، وكانت الخسائر الاقتصادية أكثر من 100 مليار دولار، وتم تدمير المناطق القبلية على حدود أفغانستان وكل ما نريده الآن هو السلام ونريد الاستقرار في باكستان، ولنحصل على الاستقرار نريد السلام لكل الجيران. لدينا علاقات جيدة جدا في الأصل مع الصين ونريد علاقات جيدة مع أفغانستان والهند. اخترنا أن نعمل، ونريد تطوير علاقات جيدة مع أفغانستان والهند قائمة على الثقة المتبادلة وهذا ما كان مفقودا للأسف، فباكستان لديها وجهة نظر، وهناك وجهات نظر للهند وأفغانستان، وهناك نقص في الثقة، بمعنى أزمة ثقة ونحن نريد بناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة.
وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائد محنك نجح في دعم القضايا الإسلامية في كل المحافل، والمملكة العربية السعودية تحظى بمحبة وعلاقة خاصة في قلوب الشعب الباكستاني، والسبب الأول لذلك هو احتضان المملكة لمكة والمدينة، ولكل مسلم مشاعر استثنائية تجاه المملكة، كما أن الحكومة السعودية كانت دائما كريمة، ووقفت مع باكستان في الأزمات التي مرت بها، فعندما كانت تعاني بلادنا من الكوارث الطبيعية كانت المملكة متصدرة في تقديم المساعدات الجبارة والكبيرة فهناك حب استثنائي للسعودية، وبالطبع فإن كل باكستاني يتمنى أن تظل المملكة آمنة ومزدهرة. كلنا ندعو للمملكة العربية السعودية.
•• في الواقع لم أكن أود الخروج من باكستان في الثلاثة الأشهر الأولى، والسبب هو أننا واجهنا مشاكل متعددة سياسية واقتصادية ومتنوعة، لذا كنت أود ترتيب بيتنا الداخلي أولاً قبل السفر خارج البلاد. أنا في الحقيقة لا أحب السفر خارج البلاد كثيراً لأنني أعتقد أن المهمة الرئيسية لزعيم البلاد هو متابعة مختلف المشاكل التي تواجهها البلاد، لكن المملكة العربية السعودية كانت المحطة الأولى لأنني تلقيت دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وثانياً أنني أراها فرصة كأي مسلم لزيارة مكة والمدينة، فلذلك جعلتها استثناء وقد جرت العادة التاريخية في باكستان عندما يتم إجراء الانتخابات فإن الذي يفوز بالانتخابات يتوجه للسعودية أولاً.
• إذن كيف ترون مستقبل العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان؟ وكيف يمكن لباكستان أن تتفاعل مع قضايا الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن أيضاً أن تعمل المملكة مع باكستان لحفظ الأمن في المنطقة ومكافحة الإرهاب وإحلال السلام عالمياً؟
•• أعتقد أنه قبل كل شيء، الباكستانيون يريدون أن يظهروا للشعب السعودي أننا نقف إلى جوار المملكة العربية السعودية؛ لأن السعودية وقفت معنا في أوقات الأزمات فإننا سنقف معها دائماً عندما تمر في أوقات صعبة، ثانياً فإن ما نريد أن نفعله بشكل مثالي هو ضمان السلام في الشرق الأوسط؛ لأنه من المحبط أن يرى المسلمون هذه الصراعات بين الدول الإسلامية. وإذا نظرت إلى العالم الإسلام اليوم في ليبيا والصومال وسورية وما يدور فيها وما يدور في أفغانستان، ماذا ستفعل باكستان؟ لحسن الحظ فإن باكستان استطاعت القضاء على الإرهاب، ونحن نسعى أن يحل السلام في الشرق الأوسط ونحن نرغب أن نلعب دورا في تقريب وجهات النظر ما بين العالم الإسلامي وتعزيز العمل الإسلامي وسيكون هذا جهدنا الأساسي.
أما في ما يخص الجانب اليمني فإذا كانت جهودنا مطلوبة هناك فإننا سنلعب دوراً إيجابياً هناك.
•• باكستان لديها فرص غزيرة ومنوعة للاستثمار وربما أن لدى باكستان فرصاً أكثر من أي بلد آخر في المنطقة، والسبب هو أن لدى باكستان ثاني أكثر الشعوب من الجيل الشاب. إنها البلاد التي تمتلك 200 مليون نسمة، كما أنها بلد متنوع جداً، وهناك شيء آخر ربما لا يعرفه أحد عن باكستان، هو أن لديها 12 منطقة مناخية من أعلى المناطق الجبلية إلى البحر، ولديها أكثر المناخات تنوعاً مما يعني أن لديها مناخا مختلفا مع كل خطوة فإن لدينا من مناخ أخفض منطقة إلى المناخ الجبلي البارد إلى المناخ المداري. اثنا عشر مناخاً مختلفاً.
•12 مناخاً.. هل يمكننا أن نقول مناخ جديد كل شهر؟
•• لا لا، أريد أن أقول أن لديها مناخا مختلفا مع كل ارتفاع ومن الشمال للجنوب يتقلب المناخ، فإن لدى باكستان فرصاً كبيرة لإنتاج أي نوع من الفواكه وإنتاج أي نوع من الخضراوات بسبب هذا التنوع الذي نمتلكه، والذي يتغير من الغرب للشرق، ولديها أرض خصبة جداً ولديها مخزون ضخم من المعادن والذي يتضمن مخزون الفحم الحجري والنحاس ومخزون الذهب وغيرها من المعادن الثمينة. لعل باكستان كان لديها أسباب تمنعها من استغلال الإمكانات المتاحة وذلك بسبب الحكم الضعيف، إن سبب فقر باكستان لا يعود إلى فقرها بالموارد، بل إلى سوء الحكم، فلذا علينا أن نعمل على منظومة الحكم وهذا أهم أمر. عندما أقول تعزيز المؤسسات فإن قوة المؤسسات تعني قوة الحكم، وعندما يكون لديك حكم رشيد تجتذب الاستثمارات.
لذلك فالسبب الرئيسي في عدم رغبتي في الخروج من باكستان وعدم مغادرتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، هو أننا نريد أن نعزز منظومة الحكم وعندما يبدأ نظام الحكم بالعمل فإن باكستان ستكون على الأرجح من أفضل البلاد للاستثمار، ببساطة لأنها بلد الـ 200 مليون، أحد أكثر الشعوب شباباً، مما يعني أن لديها المحرك الأساسي للنمو، ولذلك قلت إن علينا أن نعزز منظومة الحكم. وستحصل المملكة العربية السعودية إذن على فرص كبيرة للاستثمار في باكستان.
•• إن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان هو أحد أبرز الفرص التي تدفع الآخرين للاستثمار في باكستان. لأنه يربط البحر بالحدود الصينية، وعلى طول الطريق ستكون هناك مناطق اقتصادية ستمثل مجالات تدفع الناس للاستثمارات كبيرة في باكستان، وفي المستقبل عندما يحل السلام في أفغانستان إن شاء الله، فإن الممر الاقتصادي سيصل باكستان مع دول آسيا الوسطى، لأن الممر الاقتصادي سيمر عبر أفغانستان إلى وسط آسيا فكل هذه المنطقة ستتغير. وهذا ما هو المستقبل عليه.
فعندما يكون لديك سوق كبير وتتحسن العلاقات مع الهند يوماً ما إن شاء الله، فسيكون لديك سوق هندي ضخم من جهة، والسوق الصيني وآسيا الوسطى. فالوضع الجيوإستراتيجي الذي تحتله باكستان يفيد أنه إذا استطعنا ترشيد نظام الحكم كما قلت فإن هذا أفضل الأماكن للاستثمار.
•خلال حديثكم، تحدثتم عن الشرق الأوسط بنوع من الألم، واستطعت أن ألمس ذلك في ثنايا الحديث، لقد وقع الشرق الأوسط ضحية لحرب طائفية فظيعة وتحديدا في سورية والعراق واليمن ولبنان. باكستان نفسها عانت من الحرب بالوكالة قبل ذلك، فكيف ترون الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية وباكستان معا من أجل إحلال السلام وجعل المنطقة خالية من العنف والإرهاب والطائفية وخالية من الحروب؟
•• المملكة العربية السعودية دولة محورية في العالم الإسلامي وربما يعود أحد الأسباب إلى ما تمتلكه المملكة من المخزون النفطي والقوة السياسية والقوة المالية، وذلك يتوازى مع احتضانها لمكة والمدينة، فكل المسلمين ينظرون إليها على أنها مركز العالم الإسلامي، فالسعودية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً ونحن أيضاً نريد أن نلعب دورنا في القضاء على هذه الصراعات وتقريب الشعوب من بعضها؛ لأن هذا لا ينفع إلا أعداء العالم الإسلامي وإذا استطعنا أن نطفئ هذه النيران فإن هذا سيعطينا دورا أكبر لإحلال السلام.
•المملكة العربية السعودية كانت للأسف هدفا لاعتداءات صواريخ الميليشيات الحوثية والذين حاولوا أيضا الاعتداء على الحرم المكي الشريف، كيف سيكون رد حكومتكم إذا تعرضت المملكة التي تحتضن الحرمين الشريفين لأي اعتداءات؟
•• هذا الموقف عبرت عنه جميع الحكومات المتعاقبة في باكستان، وهو أننا لن نسمح لأحد أن يعتدي على المملكة العربية السعودية وسنقف مع المملكة، ولكنني أستطيع أن أقول شيئاً وهو أنه يمكن حل جميع الصراعات عن طريق الحوار السياسي.
انظر إلى أفغانستان، الصراع في أفغانستان مستمر منذ 60 عاماً، ولايزال الناس يقولون أنه ليس هناك حل عسكري في أفغانستان، وقد تم تصنيفنا سابقاً على أننا ندعم طالبان، أو طالبان خان، والآن أدرك الجميع أنه ليس هناك حل في أفغانستان سوى حل واحد وهو الحل السياسي. وأنا أعتقد أن أي صراع له حل سياسي، لأن العسكرة غير مرغوبة والحلول السلمية هي الأفضل.
•دولة رئيس الوزراء، باكستان عضو مؤسس في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي يتخذ الرياض مقراً له، هذه المبادرة التي تم تبنيها من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. كيف ترى دور باكستان في هذا السياق؟
•• حسنا إن باكستان متمرسة جدا في مكافحة الإرهاب إلى درجة أنه لا أحد يمكن أن يوجد لديه خبرات لمكافحة الإرهاب مثل باكستان، إن ما واجهته باكستان من الإرهاب كان مدميا. أنا لست متأكداً إذا كانت هناك دولة أخرى تستطيع أن تتحمل ذلك الوضع، كان لدينا وفيات وقتلى، كنا نتعرض يوميا لهجمات انتحارية كبيرة في مختلف أنحاء البلاد وبلغت ذروتها عام 2013، إذ زادت حدة الهجمات الانتحارية، واستطاعت وكالة الاستخبارات والجيش الباكستاني، اللذان لا أستطيع أن أوفيهما حقهما من الثناء إلى جانب القوى الأمنية الباكستانية، تحقيق ما لم تتمكن أي دولة أخرى من تحقيقه. فإن لدى باكستان هذه التجربة الفريدة ويمكنها أن تنصح البلاد الأخرى كيف تكافح الإرهاب. ولكن في نفس الوقت فإن السبيل الآخر يجب أن يكون الحوار السياسي لأن الصراعات يجب حلها. مثلا انظر إلى حركة IRA في بريطانيا (الحركة الجمهورية الإيرلندية) بعد 30 إلى 40 عاما تنازلوا في النهاية وجلسوا للحوار السياسي وتم حل الصراع، لذلك دائماً أنا أعتقد أنه كجزء من مكافحة الإرهاب فإن الصراعات تحل بالحوار السياسي.
•• بكل أمانة، نحن نشيد بحملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية، فالفساد هو السبب الرئيسي الذي يجعل البلاد تظل فقيرة، أنا دائما أكرر أن البلاد لا تظل فقيرة بسبب نقص الموارد ولكن تصبح فقيرة بسبب الفساد. إن ما يفعله الفساد هو ليس فقط أن الأموال التي يجب أن تصرف على الشعب تسحب من المنظومة وتخبأ في حسابات خارجية، ذلك سبب واحد، ولكن السبب الآخر هو أخذ ذلك المال، والانخراط في الفساد يمكنك أن تحصل أموالاً من المنظومة عبر تدمير مؤسسات الدولة، فهناك دمار كبير أحدثه الفساد فعندما يكون رأس الهرم فاسداً فإنه يدمر مؤسسات الدولة وعندما تتدمر مؤسسات الدولة تضيع البلاد، وتصبح دولة من العالم الثالث. فلاشك إذن أن حملة مكافحة الفساد في المملكة هي بالضبط ما يجب أن نفعله، فعندما كان سموه يقوم بذلك في السعودية، كنت متحمساً لأفعل الشيء نفسه في باكستان ويمكننا فعل ذلك هنا وإننا نجري الآن حملة كبيرة لمكافحة الفساد، كما أن شخصية الأمير محمد بن سلمان مبهرة، هذه الشخصية التي أصبحت مثار الاهتمام للقاعدة الشبابية وأصبح ملهما للجيل الجديد.
•هناك تشابه في الأطروحات بخصوص رؤية المملكة 2030 ورؤية باكستان الجديدة، خصوصا أن معظم الشعب الباكستاني من الجيل الشاب، وكذلك معظم الشعب السعودي من الجيل الشاب أيضاً، فهل ترون أن هناك تقاربا في كلا الرؤيتين؟ وهل يمكن تطبيق هاتين الرؤيتين ليس بما ينفع البلدين فقط، بل بما ينفع الأمة الإسلامية؟
•• عندما يكون لدينا جيل شاب، فإن لدينا مسؤولية كبيرة لتعليمه وتزويده بالتعليم ذي الدرجة العالية، وهنا أنا لا أتحدث عن التعليم الابتدائي فقط، بل بالأخص التعليم العالي، نريد جامعات ذات نوعية عالية فإننا -إن شاء الله- في دولة باكستان سنطور لهم الجامعات الحالية، ثم نبدأ بإقامة جامعات بأحدث التقنيات، وسنبدأ بإنشاء أحدث جامعة في قصر رئيس الوزراء، والذي يفترض أن يكون منزل رئيس الوزراء المخصص لي وهو مكان كبير جداً، لذا قررت أن أعيش في بيت صغير وأحول ذلك المكان الكبير، الذي كان مخصصاً لشخص واحد هو رئيس الوزراء إلى جامعة حديثة جداً للتعليم العالي والدراسات العليا، ليس هناك دولة تستطيع أن تتطور بدون التعليم وعلى وجه الخصوص التعليم العالي. وإن ما نملكه الآن هو اقتصاد المعرفة، وإن اقتصاد المعرفة يعني أنك لا يجب عليك أن تبذل كثيراً من الموارد، فالمعرفة في العقل، والمثال أمامنا هي سنغافورة، باكستان بدأت مشوارها قبل سنغافورة واليوم سنغافورة الآن في مجال الصادرات قد تجاوزت باكستان كثيراً، لأنها استثمرت في الناس.
•كما تعلمون أن العلم والثقافة هما أهم العناصر لتطوير البلاد، وكان مشروعكم التعليمي في جامعة النومل، قد احتل مكانة مرموقة ولدينا أيضاً جامعات مرموقة جداً في المملكة العربية السعودية، كيف ترى أنه يمكن استثمار هذا السياق الفكري والتعليمي في كلا البلدين؟
•• أنا أتطلع للحديث إلى سمو ولي للعهد وتحديدا في المجالات التي يمكن أن نفيد فيها بعضنا، والتعليم هو أحد أكبر هذه المجالات. لقد أسسنا جامعة النومل في منطقة ريفية وهي الدائرة التي أنتمي إليها (ميان والي) والذي اكتشفناه أنه إذا وفرت تعليماً جيداً للناس الفقراء والذين يفتقدون للتعليم الجيد، فإذا وفرت لهم تعليماً جيداً فإن تعطشهم للتقدم كبير جداً وسيتغلبون على الناس الذين مثلي ممن حصلوا على تعليم جيد وذهبوا لمدارس ذات نوعية عالية، سيكون لديهم دافع أكبر بكثير من الناس الآخرين، فجامعة النومل كانت تابعة لجامعة براكفورد و90% من الناس في هذه المناطق الريفية يحصلون على تعليم مجاني، 90% منهم يحصلون على منح، وكانت نتائجهم أفضل بكثير من النتائج في جامعة براكفورد، فما أدركناه حقاً هو أن علينا أن نوفر التعليم لهذه الطبقة الفقيرة الطبقة المهمشة في هذه البلاد ولديهم الرغبة القصوى في الدراسة وتطوير أنفسهم.
•أنتم كرئيس للوزراء كيف ستوسعون الدبلوماسية التعليمية التي بدأتها في جامعة نومل؟ كيف ستنشرون قاعدة التعليم النوعي في جميع أنحاء باكستان؟
•• نعم لاشك، أن أهم شيء هو أن نتعاون مع بعضنا، نحن نحب أن نتعاون في مجال التعليم، وما عرفناه عن تجربة المملكة العربية السعودية، وأنا أعتقد رغم أنني لست محيطاً بوضع التعليم في المملكة، ولكن أعتقد أن هناك كثيرا من الأموال أنفقت على التعليم العالي في السعودية.
•• دعني أشير إلى شيء مهم حول التدخلات الخارجية، وهي أن المشكلة بدأت من حقبة الاستعمار، إذ كان معظم العالم الإسلامي تحت حكم الاحتلال في النصف الأول من القرن العشرين، وعندما خرجت البلاد الإسلامية من الوصاية الاستعمارية، كانت تريد أن تقف على قدميها وتجد نوعاً من منظومة الحكم وكانت كل دولة مسلمة تمر في نوع معين من النشأة، ولكن الذي حصل هو أننا بدأنا نتعرض لنوع جديد من الاستعمار، يوجهنا كيف نتصرف باسم حقوق الإنسان وغيره من العناوين، ويبدي قلقه على وضع المرأة في العالم الإسلامي، وإلى حد ما كانت الدول الغربية تملي على الدول الإسلامية كيف تتصرف وأي ثقافة يجب أن يتبنوا، وما هو الصحيح وما هو الخطأ وكان هذا استعماراً جديداً، كما كان في الحقيقة إمبريالية ثقافية، فالدول لا تتطور حين تفرض عليها ثقافات الدول القوية. تنمو الدول حين تكون ثقافاتها الخاصة تبحث حول العالم وتتأثر بالدول الأخرى، ولكنها تنمو بشكل عضوي حين تكون جذورها ضاربة في تربتها فهذه هي الطريقة التي تنشأ بها الدول.
ولكن عندما تفرض عليك ثقافة الأقوياء فإنها تسبب أزمة ثقافية في البلاد، وتسبب مشاكل للمجتمع، فالأصولية هي بالحقيقة ردة فعل المجتمع الإسلامي تجاه الثقافات الأخرى التي يتم فرضها عليها بالقوة، وذلك يسبب ما يسمى بالتغريب الزائف والذي ينمو في سياقه التاريخي والثقافي وإذا كنا نتصور أن المجتمع المسلم سيتبنى الطريقة الغربية في الحياة بدون التواصل مع الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي فإن ذلك يسبب تداخلا ويسبب أزمة وردة فعل، فأنا مؤمن جداً أن المجتمعات يجب أن تنمو في ظل ثقافتها الخاصة وتاريخها ودينها الخاص.
•• بدايةً.. الإسلام هو دين الوسطية، والإسلام لو نظرت للتاريخ كان أكثر دين معتدل بين الأديان من ناحية أن الأقليات الأخرى عاشت في المجتمعات الإسلامية لقرون طويلة بحريتها الدينية بالمقارنة، أنا أتحدث عن كل شيء بالمقارنة، فلو نظرت إلى الحكم الإسلامي في الأندلس وتاريخ المسلمين في إسبانيا فقد كان حكماً منفتحاً أتاح الحرية لكل الأديان، وقد نص القرآن بشكل خاص أنه «لا إكراه في الدين» حسب النص القرآني، فما يتعلق بالرسوم الهولندية المسيئة فإنها قضية مهمة جدا لم يتم تناولها من الدول الإسلامية، فاليهود أخبروا العالم بنجاح، أن الهولوكوست سبب كثيراً من الآلام للشعب اليهودي وقالوا بوضوح لا تتحدثوا عن هذا الموضوع ولا تعتمدوا على تفسيراتكم الخاصة، لأن ذلك يسبب لنا ألما، والعالم الغربي يتفهم ذلك، لكن الغرب لا يفهم الألم الذي يسببه للمسلمين حينما يقوم الغرب بتمرير تعليقات ساخرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو حينما يبدؤون باستهداف القرآن الكريم، وهذا فشل العالم الإسلامي، لأننا لم نكن قادرين أن نشرح للعالم الغربي لماذا هذا يؤلمنا جداً، لأن الطريقة التي ينظر بها العالم الغربي للدين تختلف جداً عن الطريقة التي ننظر بها للدين، الطريقة التي ننظر بها للأنبياء والرسل تختلف جدا عن الطريقة التي ينظرون بها للأنبياء والرسل الذين كانوا مرسلين من الله، ونحن نحاول أن نشرح لهم أن إذا استمر هذا الأمر بأن يقوم أحد من العالم الغربي بإهانة مشاعر المسلمين بالتهجم على النبي الكريم، وعندما يحصل ذلك فإنه سيستشيط غضباً في العالم الإسلامي، لأن الأكثرية في العالم الغربي لن يتفهموا، وسيصفون الإسلام بأنه دين غير متسامح وستتنامى مشاعر الإسلاموفوبيا في الغرب. لذا فإنني أشعر بقوة أن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة يجب أن تشرح للقوى الغربية أن هذا الأمر يسبب لنا إهانة ونحن أكثر من مليار وثلاثمئة مليون إنسان على هذه الأرض وهذا يهيننا، لماذا لا يستطع البشر
أن يعيشوا سوياً، لماذا لا يستطيعون علاج هذه المسألة بحساسية كما يتعامل الغرب مع الهولوكوست.
•ما هي رسالتكم إلى مليوني مغترب باكستاني في المملكة العربية السعودية، وأنا أعلم أن دولة رئيس الوزراء يعطي أهمية كبيرة للباكستانيين الذين يعيشون في الخارج ما هي رسالتك لهم؟ وما هي الرسالة التي توجهها بلسان 200 مليون باكستاني إلى الشعب السعودي؟
•• رسالتي للباكستانيين الذين يعملون في الخارج أريد أن أقول لهم أنني أحياناً أشعر بالأسى وأننا لم نستطع أن نصنع في بلادنا بيئة تناسبهم، إنه من الصعب أن تغترب خارج البلاد وتترك أسرتك وراءك وتعمل. كل ما عليك فعله هو أن تعمل بجد وتكد دائما لتطعم عائلتك هنا، وأنا أدعو الله تعالى أن يأتي ذلك اليوم الذي يأتي به الناس من الخارج ليعملوا في باكستان، وسنوفر بيئة توفر على الناس مؤونة السفر والبحث عن الوظيفة في الغربة، وإنني لا أملك الآن شيئاً سوى الإعجاب بهؤلاء الباكستانيين الذين يعملون بجد ويعيلون أسرهم ويرسلون تحويلات لباكستان تساعدنا في الأوقات العصيبة، إنه ذلك المال القادم من تحويلات الباكستانيين المغتربين، ليس لدي شيء لهم الآن سوى الإعجاب. ونؤكد أننا سنتابع شؤونهم، لقد تابعنا شؤونهم وقد وجهت جميع سفاراتنا أن يعتنوا بالباكستانيين المجتهدين الذين يعملون خارج البلاد. وإلى شعب المملكة العربية السعودية لدي رسالة؛ أن شعب باكستان يحب شعب المملكة، وسنتذكر دائما ونكرر أن حكومة المملكة العربية السعودية وقفت إلى جوارنا في الأوقات العصيبة.
•بعيداً عن السياسة، هل لديك وقت تقضيه مع أفراد الأسرة، لأنني علمت بأنكم تعملون على مدار الساعة؟
•• حسناً، فمنذ تم عقد الانتخابات الباكستانية لم يعد لدي وقت كاف لعائلتي، ومنذ أن وصلت للسلطة لم آخذ أي يوم إجازة لأن علي أن أتعامل مع كل المشاكل التي تواجهها باكستان، وكنت دائماً أعتقد أن أول ثلاثة إلى أربعة أشهر ستكون صعبة جدا بالنظر إلى أن باكستان تواجه عددا من الأزمات، ولكن أرى أن الأمور ستكون أسهل بعد ذلك، أعتقد أن باكستان هي البلاد التي تمتلك شعباً قوياً جداً، وأؤكد على ما ذكرته أن على باكستان أن تصلح شيئاً واحداً، ألا وهو نظام الحكم، ثم ستصبح الأمور أسهل، وسيكون من السهل علي أن أقضى وقتاً أطول مع أسرتي.
• شكراً جزيلاً دولة رئيس الوزراء؛ على إتاحة الفرصة للحديث معكم، ونتمنى لكم النجاح والتوفيق.
•• في الواقع الشكر موصول لكم. ولقد استمتعت بالحوار معكم.
• دولة رئيس الوزراء، أود أن أبدأ لقائي بسؤال الساعة الذي يطرحه الملايين في المنطقة العربية: من هو عمران خان؟ هل هو لاعب كريكت مشهور؟ أم أنه عُرف بإنسانيته الجياشة، إذ نجح ببناء أشهر مستشفى لعلاج الأورام السرطانية في العالم بباكستان؟ أم أنه السياسي الذي ناضل 22 عاماً ليحقق رؤيته حول باكستان الجديدة؟
•• في الواقع، عمران خان هو إنسان عادي، ولكنه لديه أحلام كبيرة، فهو ذلك الإنسان العادي الذي يحلق في أحلامه ولديه أفكار كبيرة وإبداعية، ويناضل لتحقيق هذه الأحلام، وفي كل مرة كنت أواجه نكسات وأزمات في حياتي، وكنت أتعلم من هذه الأوقات الصعبة والأزمات. ودعني أكون صريحا معك، أنا لا أتذمر من تلك اللحظات العصيبة، لأنني تعلمت منها أن الفشل هو أفضل مدرسة للتعليم. تسألني من هو عمران خان؟ عمران خان هو الإنسان الذي بدأ حياته في عالم لعبة الكريكت، وتعلم كيف يكافح في رياضة الكريكت، وكيف ينتصر، وأيضاً يتعلم أن لا تقهره الخسارة. لقد رأيت والدتي -رحمها الله- تعاني من مرض السرطان، فقررت حينها أن أبني مستشفى لعلاج السرطان باسم شوكت خانم تخليدا لذكراها.
وبعد اعتزالي الكريكت، شرعت في بناء المستشفى الخاص بالأورام السرطانية، ثم قررت بعد ذلك أن أعمل على بناء باكستان الجديدة التي كنت أحلم برؤيتها في شبابي، وللأسف باكستان لم تكن تسلك تلك الوجهة في ذلك الحين، وبدأ نضالي الثاني لتغيير باكستان وإن كلمة «نيا باكستان» أو باكستان الجديدة هي باكستان التي يتطلع إليها الآباء المؤسسون. وكان قدوتي هو مؤسس باكستان، محمد علي جناح، وهو القائد الذي لم يكن أعظم قائد عرفته باكستان فحسب؛ بل كان القائد الأعظم في القرن 20، إلى جانب الفيلسوف والشاعر الباكستاني محمد إقبال، وهؤلاء القادة ساهموا في بناء باكستان. وتوجهت بلادي نحو منحنى خاطئ، ولذلك انخرطت في العمل السياسي.
٢٢ عاما من النضال السياسي
وبعد 22 عاماً من النضال السياسي أضحى لدي فرص لتحقيق أحلامي، فالسلطة لها هدف والسلطة التي نملكها الآن هو حلمي الأخير التي أرغب من خلالها أن أرى باكستان كدولة الإنسانية ودولة العدالة ودولة الكفاءات، دولة الرعاية الاجتماعية.•شعرت من خطاباتكم السابقة وإجابتكم لسؤالي، أنكم تتعاملون بكل شفافية ووضوح وصراحة مطلقة، فهل تعتقدون أنه خلال الخمسة الأعوام القادمة من حكمكم، أنكم قادرون على حل الأزمات التراكمية التي تواجه باكستان والتي تعود لعقود من الزمن؟
•• انظر، دعني أحدثك كمسلم، أننا حين نصلي خمس مرات في اليوم فإننا ندعو الله تعالى جميعا شيئا واحداً وهو ما ورد في سورة الفاتحة «اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، وكل ما أمرنا به من المولى عز وجل أن نسأل الله ذلك الصراط المستقيم. وكما تعلم أن التوفيق ليس في أيدينا، بل في يد الله سبحانه تعالى، وكل ما يرجى منا فعله هو أن نجتهد في هذا الطريق الذي هدانا الله إليه، وكل ما نخطط فعله هو تغيير باكستان لنضعها على الطريق المستقيم، الذي يجب أن تسير عليه الدولة، إذ يجب أن نؤسس مجتمع العدالة والإنسانية. إذن فهذا كل ما نحاول فعله، سنغير الطريقة التي تحكم بها باكستان وسنغير طريقة تفكير شعب باكستان وسنحقق ذلك بطريقتين:
أولا: سنرفع حالة النصف الأفقر من المجتمع إلى الأفضل اقتصاديا، بدل أن نسمح للأغنياء بتوسيع ثرواتهم، وسننتشل الشعب من الفقر بنفس الطريقة التي سلكتها الصين، إذ قام قادة الصين العظماء بانتشال 700 مليون إنسان من الفقر خلال الأعوام الـ 30 الماضية وأضحت الصين قوة عالمية.
وكل ما نريد فعله هو أن لا نكرر ما كانت تفعله باكستان على مدى الأعوام الماضية من أخطاء، إذ كان الأغنياء يزدادون غنى. نريد أن نرفع سوية الفقراء إلى حال أفضل اقتصاديا، خصوصا تلك الطبقة التي تعاني من الفقر والبطالة. نريد أن نحسن مستوى هذه الطبقة الفقيرة، لذلك أنا أختلف بشكل جذري مع الطريقة التي كانت تدار بها باكستان في السابق.
أما النقطة الثانية: فنريد أن نجعل باكستان الدولة التي تستثمر في الطاقات البشرية وننفق الأموال على الإنسان وعلى البنية التحية، وعندما نطور الإنسان فإن الإنسان يستثمر في البنية التحتية، فالمفتاح الأساسي هو صحة الإنسان وتعليمه، فضلا عن توفير المياه الصالحة للشرب، فضلا عن بناء دولة مؤسسات قوية، فالدولة تبنى على مؤسسات قوية وليست هزيلة.
وللأسف الغرب يتحكم في قراراتنا، لأن الغرب لديه مؤسسات قوية، ولدينا مؤسسات ضعيفة. ويجب أن تكون الدولة والأفراد أقوياء، ولكن ليس فوق القانون، وللأسف في بلادنا فإن لدينا مؤسسات ضعيفة وضعف المؤسسات يعني أن القوة للأفراد، فعلى سبيل المثال دولة كسويسرا، هناك لا يمكنك أن تعرف من هو رئيس الوزراء، لأن المؤسسات قوية والأنظمة تذهب وتأتي أنظمة أخرى؛ لكن المؤسسات تظل قوية وهذه دولة المؤسسات الحقيقية، لكن للأسف في بلادنا فإننا عانينا من حكم الاستعمار، ومن الديموقراطيات الناشئة ولهذا فإن لدينا مؤسسات ضعيفة فبدلا من أن ننفق المال على الإنسان فإننا نعمل على بناء مؤسسات قوية للدولة.
المملكة في قلوب الباكستانيين
•دولة رئيس الوزراء.. نشعر أن الحراك الدبلوماسي المحلي النشط حاليا هو مفعم برؤية باكستان الجديدة ولقد راقبنا تحولات السياسة الباكستانية الخارجية في نفس الوقت أيضاً. كيف ترون الحراك السياسي الباكستاني النشط في الإطار الجيوسياسي والإسلامي إلى جانب إعادة تموضع باكستان الجديدة لتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية؟•• دعني في البداية أقول أن باكستان عانت في الأعوام الـ 15 الماضية من الحرب على الإرهاب، واختارت باكستان أن تنضم للحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، التي لم تتورط فيها باكستان، فالقاعدة كانت في أفغانستان ودخلت باكستان في هذه الحرب وعانت جراء ذلك الأمرين، وقتل 88 ألف باكستاني إلى الآن في هذه الحرب، وكانت الخسائر الاقتصادية أكثر من 100 مليار دولار، وتم تدمير المناطق القبلية على حدود أفغانستان وكل ما نريده الآن هو السلام ونريد الاستقرار في باكستان، ولنحصل على الاستقرار نريد السلام لكل الجيران. لدينا علاقات جيدة جدا في الأصل مع الصين ونريد علاقات جيدة مع أفغانستان والهند. اخترنا أن نعمل، ونريد تطوير علاقات جيدة مع أفغانستان والهند قائمة على الثقة المتبادلة وهذا ما كان مفقودا للأسف، فباكستان لديها وجهة نظر، وهناك وجهات نظر للهند وأفغانستان، وهناك نقص في الثقة، بمعنى أزمة ثقة ونحن نريد بناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة.
وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائد محنك نجح في دعم القضايا الإسلامية في كل المحافل، والمملكة العربية السعودية تحظى بمحبة وعلاقة خاصة في قلوب الشعب الباكستاني، والسبب الأول لذلك هو احتضان المملكة لمكة والمدينة، ولكل مسلم مشاعر استثنائية تجاه المملكة، كما أن الحكومة السعودية كانت دائما كريمة، ووقفت مع باكستان في الأزمات التي مرت بها، فعندما كانت تعاني بلادنا من الكوارث الطبيعية كانت المملكة متصدرة في تقديم المساعدات الجبارة والكبيرة فهناك حب استثنائي للسعودية، وبالطبع فإن كل باكستاني يتمنى أن تظل المملكة آمنة ومزدهرة. كلنا ندعو للمملكة العربية السعودية.
زيارة المملكة تقليد ثابت
• دولة رئيس الوزراء. لماذا اخترت المملكة العربية السعودية لتكون المحطة الأولى في زياراتكم الخارجية؟•• في الواقع لم أكن أود الخروج من باكستان في الثلاثة الأشهر الأولى، والسبب هو أننا واجهنا مشاكل متعددة سياسية واقتصادية ومتنوعة، لذا كنت أود ترتيب بيتنا الداخلي أولاً قبل السفر خارج البلاد. أنا في الحقيقة لا أحب السفر خارج البلاد كثيراً لأنني أعتقد أن المهمة الرئيسية لزعيم البلاد هو متابعة مختلف المشاكل التي تواجهها البلاد، لكن المملكة العربية السعودية كانت المحطة الأولى لأنني تلقيت دعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وثانياً أنني أراها فرصة كأي مسلم لزيارة مكة والمدينة، فلذلك جعلتها استثناء وقد جرت العادة التاريخية في باكستان عندما يتم إجراء الانتخابات فإن الذي يفوز بالانتخابات يتوجه للسعودية أولاً.
• إذن كيف ترون مستقبل العلاقات بين المملكة العربية السعودية وباكستان؟ وكيف يمكن لباكستان أن تتفاعل مع قضايا الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن أيضاً أن تعمل المملكة مع باكستان لحفظ الأمن في المنطقة ومكافحة الإرهاب وإحلال السلام عالمياً؟
•• أعتقد أنه قبل كل شيء، الباكستانيون يريدون أن يظهروا للشعب السعودي أننا نقف إلى جوار المملكة العربية السعودية؛ لأن السعودية وقفت معنا في أوقات الأزمات فإننا سنقف معها دائماً عندما تمر في أوقات صعبة، ثانياً فإن ما نريد أن نفعله بشكل مثالي هو ضمان السلام في الشرق الأوسط؛ لأنه من المحبط أن يرى المسلمون هذه الصراعات بين الدول الإسلامية. وإذا نظرت إلى العالم الإسلام اليوم في ليبيا والصومال وسورية وما يدور فيها وما يدور في أفغانستان، ماذا ستفعل باكستان؟ لحسن الحظ فإن باكستان استطاعت القضاء على الإرهاب، ونحن نسعى أن يحل السلام في الشرق الأوسط ونحن نرغب أن نلعب دورا في تقريب وجهات النظر ما بين العالم الإسلامي وتعزيز العمل الإسلامي وسيكون هذا جهدنا الأساسي.
أما في ما يخص الجانب اليمني فإذا كانت جهودنا مطلوبة هناك فإننا سنلعب دوراً إيجابياً هناك.
فرص غزيرة للاستثمار
•وفق رؤيتكم لباكستان الجديدة ترغبون في تعزيز الاقتصاد ورفاهية الشعب، وفي المملكة أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030. كيف يمكن للبلدين أن يعملا معا برأيكم في تعزيز الشراكة الاقتصادية؟ وفي أي المجالات ترون أنه يجب إعطاء اهتمام أكبر لتعزيز آفاق الشراكات في المجالات الإعلامية والصناعية والدفاعية؟•• باكستان لديها فرص غزيرة ومنوعة للاستثمار وربما أن لدى باكستان فرصاً أكثر من أي بلد آخر في المنطقة، والسبب هو أن لدى باكستان ثاني أكثر الشعوب من الجيل الشاب. إنها البلاد التي تمتلك 200 مليون نسمة، كما أنها بلد متنوع جداً، وهناك شيء آخر ربما لا يعرفه أحد عن باكستان، هو أن لديها 12 منطقة مناخية من أعلى المناطق الجبلية إلى البحر، ولديها أكثر المناخات تنوعاً مما يعني أن لديها مناخا مختلفا مع كل خطوة فإن لدينا من مناخ أخفض منطقة إلى المناخ الجبلي البارد إلى المناخ المداري. اثنا عشر مناخاً مختلفاً.
•12 مناخاً.. هل يمكننا أن نقول مناخ جديد كل شهر؟
•• لا لا، أريد أن أقول أن لديها مناخا مختلفا مع كل ارتفاع ومن الشمال للجنوب يتقلب المناخ، فإن لدى باكستان فرصاً كبيرة لإنتاج أي نوع من الفواكه وإنتاج أي نوع من الخضراوات بسبب هذا التنوع الذي نمتلكه، والذي يتغير من الغرب للشرق، ولديها أرض خصبة جداً ولديها مخزون ضخم من المعادن والذي يتضمن مخزون الفحم الحجري والنحاس ومخزون الذهب وغيرها من المعادن الثمينة. لعل باكستان كان لديها أسباب تمنعها من استغلال الإمكانات المتاحة وذلك بسبب الحكم الضعيف، إن سبب فقر باكستان لا يعود إلى فقرها بالموارد، بل إلى سوء الحكم، فلذا علينا أن نعمل على منظومة الحكم وهذا أهم أمر. عندما أقول تعزيز المؤسسات فإن قوة المؤسسات تعني قوة الحكم، وعندما يكون لديك حكم رشيد تجتذب الاستثمارات.
لذلك فالسبب الرئيسي في عدم رغبتي في الخروج من باكستان وعدم مغادرتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، هو أننا نريد أن نعزز منظومة الحكم وعندما يبدأ نظام الحكم بالعمل فإن باكستان ستكون على الأرجح من أفضل البلاد للاستثمار، ببساطة لأنها بلد الـ 200 مليون، أحد أكثر الشعوب شباباً، مما يعني أن لديها المحرك الأساسي للنمو، ولذلك قلت إن علينا أن نعزز منظومة الحكم. وستحصل المملكة العربية السعودية إذن على فرص كبيرة للاستثمار في باكستان.
الممر الاقتصادي إلى الصين
•هل ترى دولتكم أن هناك مجالا للمملكة العربية السعودية للاستثمار في الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان؟•• إن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان هو أحد أبرز الفرص التي تدفع الآخرين للاستثمار في باكستان. لأنه يربط البحر بالحدود الصينية، وعلى طول الطريق ستكون هناك مناطق اقتصادية ستمثل مجالات تدفع الناس للاستثمارات كبيرة في باكستان، وفي المستقبل عندما يحل السلام في أفغانستان إن شاء الله، فإن الممر الاقتصادي سيصل باكستان مع دول آسيا الوسطى، لأن الممر الاقتصادي سيمر عبر أفغانستان إلى وسط آسيا فكل هذه المنطقة ستتغير. وهذا ما هو المستقبل عليه.
فعندما يكون لديك سوق كبير وتتحسن العلاقات مع الهند يوماً ما إن شاء الله، فسيكون لديك سوق هندي ضخم من جهة، والسوق الصيني وآسيا الوسطى. فالوضع الجيوإستراتيجي الذي تحتله باكستان يفيد أنه إذا استطعنا ترشيد نظام الحكم كما قلت فإن هذا أفضل الأماكن للاستثمار.
•خلال حديثكم، تحدثتم عن الشرق الأوسط بنوع من الألم، واستطعت أن ألمس ذلك في ثنايا الحديث، لقد وقع الشرق الأوسط ضحية لحرب طائفية فظيعة وتحديدا في سورية والعراق واليمن ولبنان. باكستان نفسها عانت من الحرب بالوكالة قبل ذلك، فكيف ترون الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية وباكستان معا من أجل إحلال السلام وجعل المنطقة خالية من العنف والإرهاب والطائفية وخالية من الحروب؟
•• المملكة العربية السعودية دولة محورية في العالم الإسلامي وربما يعود أحد الأسباب إلى ما تمتلكه المملكة من المخزون النفطي والقوة السياسية والقوة المالية، وذلك يتوازى مع احتضانها لمكة والمدينة، فكل المسلمين ينظرون إليها على أنها مركز العالم الإسلامي، فالسعودية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً ونحن أيضاً نريد أن نلعب دورنا في القضاء على هذه الصراعات وتقريب الشعوب من بعضها؛ لأن هذا لا ينفع إلا أعداء العالم الإسلامي وإذا استطعنا أن نطفئ هذه النيران فإن هذا سيعطينا دورا أكبر لإحلال السلام.
•المملكة العربية السعودية كانت للأسف هدفا لاعتداءات صواريخ الميليشيات الحوثية والذين حاولوا أيضا الاعتداء على الحرم المكي الشريف، كيف سيكون رد حكومتكم إذا تعرضت المملكة التي تحتضن الحرمين الشريفين لأي اعتداءات؟
•• هذا الموقف عبرت عنه جميع الحكومات المتعاقبة في باكستان، وهو أننا لن نسمح لأحد أن يعتدي على المملكة العربية السعودية وسنقف مع المملكة، ولكنني أستطيع أن أقول شيئاً وهو أنه يمكن حل جميع الصراعات عن طريق الحوار السياسي.
انظر إلى أفغانستان، الصراع في أفغانستان مستمر منذ 60 عاماً، ولايزال الناس يقولون أنه ليس هناك حل عسكري في أفغانستان، وقد تم تصنيفنا سابقاً على أننا ندعم طالبان، أو طالبان خان، والآن أدرك الجميع أنه ليس هناك حل في أفغانستان سوى حل واحد وهو الحل السياسي. وأنا أعتقد أن أي صراع له حل سياسي، لأن العسكرة غير مرغوبة والحلول السلمية هي الأفضل.
•دولة رئيس الوزراء، باكستان عضو مؤسس في التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي يتخذ الرياض مقراً له، هذه المبادرة التي تم تبنيها من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. كيف ترى دور باكستان في هذا السياق؟
•• حسنا إن باكستان متمرسة جدا في مكافحة الإرهاب إلى درجة أنه لا أحد يمكن أن يوجد لديه خبرات لمكافحة الإرهاب مثل باكستان، إن ما واجهته باكستان من الإرهاب كان مدميا. أنا لست متأكداً إذا كانت هناك دولة أخرى تستطيع أن تتحمل ذلك الوضع، كان لدينا وفيات وقتلى، كنا نتعرض يوميا لهجمات انتحارية كبيرة في مختلف أنحاء البلاد وبلغت ذروتها عام 2013، إذ زادت حدة الهجمات الانتحارية، واستطاعت وكالة الاستخبارات والجيش الباكستاني، اللذان لا أستطيع أن أوفيهما حقهما من الثناء إلى جانب القوى الأمنية الباكستانية، تحقيق ما لم تتمكن أي دولة أخرى من تحقيقه. فإن لدى باكستان هذه التجربة الفريدة ويمكنها أن تنصح البلاد الأخرى كيف تكافح الإرهاب. ولكن في نفس الوقت فإن السبيل الآخر يجب أن يكون الحوار السياسي لأن الصراعات يجب حلها. مثلا انظر إلى حركة IRA في بريطانيا (الحركة الجمهورية الإيرلندية) بعد 30 إلى 40 عاما تنازلوا في النهاية وجلسوا للحوار السياسي وتم حل الصراع، لذلك دائماً أنا أعتقد أنه كجزء من مكافحة الإرهاب فإن الصراعات تحل بالحوار السياسي.
الفساد يدمر الدول
•كيف ترون الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بموجب رؤية المملكة 2030؟ لقد أثنيتم دولتكم في الحقيقة على حملة مكافحة الفساد التي أطلقها ولي العهد، كيف تنظر إلى هذه الرؤية؟ وهل تشعر أن هناك تشابها بين رؤية باكستان الجديدة وبين رؤية المملكة 2030؟•• بكل أمانة، نحن نشيد بحملة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية، فالفساد هو السبب الرئيسي الذي يجعل البلاد تظل فقيرة، أنا دائما أكرر أن البلاد لا تظل فقيرة بسبب نقص الموارد ولكن تصبح فقيرة بسبب الفساد. إن ما يفعله الفساد هو ليس فقط أن الأموال التي يجب أن تصرف على الشعب تسحب من المنظومة وتخبأ في حسابات خارجية، ذلك سبب واحد، ولكن السبب الآخر هو أخذ ذلك المال، والانخراط في الفساد يمكنك أن تحصل أموالاً من المنظومة عبر تدمير مؤسسات الدولة، فهناك دمار كبير أحدثه الفساد فعندما يكون رأس الهرم فاسداً فإنه يدمر مؤسسات الدولة وعندما تتدمر مؤسسات الدولة تضيع البلاد، وتصبح دولة من العالم الثالث. فلاشك إذن أن حملة مكافحة الفساد في المملكة هي بالضبط ما يجب أن نفعله، فعندما كان سموه يقوم بذلك في السعودية، كنت متحمساً لأفعل الشيء نفسه في باكستان ويمكننا فعل ذلك هنا وإننا نجري الآن حملة كبيرة لمكافحة الفساد، كما أن شخصية الأمير محمد بن سلمان مبهرة، هذه الشخصية التي أصبحت مثار الاهتمام للقاعدة الشبابية وأصبح ملهما للجيل الجديد.
•هناك تشابه في الأطروحات بخصوص رؤية المملكة 2030 ورؤية باكستان الجديدة، خصوصا أن معظم الشعب الباكستاني من الجيل الشاب، وكذلك معظم الشعب السعودي من الجيل الشاب أيضاً، فهل ترون أن هناك تقاربا في كلا الرؤيتين؟ وهل يمكن تطبيق هاتين الرؤيتين ليس بما ينفع البلدين فقط، بل بما ينفع الأمة الإسلامية؟
•• عندما يكون لدينا جيل شاب، فإن لدينا مسؤولية كبيرة لتعليمه وتزويده بالتعليم ذي الدرجة العالية، وهنا أنا لا أتحدث عن التعليم الابتدائي فقط، بل بالأخص التعليم العالي، نريد جامعات ذات نوعية عالية فإننا -إن شاء الله- في دولة باكستان سنطور لهم الجامعات الحالية، ثم نبدأ بإقامة جامعات بأحدث التقنيات، وسنبدأ بإنشاء أحدث جامعة في قصر رئيس الوزراء، والذي يفترض أن يكون منزل رئيس الوزراء المخصص لي وهو مكان كبير جداً، لذا قررت أن أعيش في بيت صغير وأحول ذلك المكان الكبير، الذي كان مخصصاً لشخص واحد هو رئيس الوزراء إلى جامعة حديثة جداً للتعليم العالي والدراسات العليا، ليس هناك دولة تستطيع أن تتطور بدون التعليم وعلى وجه الخصوص التعليم العالي. وإن ما نملكه الآن هو اقتصاد المعرفة، وإن اقتصاد المعرفة يعني أنك لا يجب عليك أن تبذل كثيراً من الموارد، فالمعرفة في العقل، والمثال أمامنا هي سنغافورة، باكستان بدأت مشوارها قبل سنغافورة واليوم سنغافورة الآن في مجال الصادرات قد تجاوزت باكستان كثيراً، لأنها استثمرت في الناس.
•كما تعلمون أن العلم والثقافة هما أهم العناصر لتطوير البلاد، وكان مشروعكم التعليمي في جامعة النومل، قد احتل مكانة مرموقة ولدينا أيضاً جامعات مرموقة جداً في المملكة العربية السعودية، كيف ترى أنه يمكن استثمار هذا السياق الفكري والتعليمي في كلا البلدين؟
•• أنا أتطلع للحديث إلى سمو ولي للعهد وتحديدا في المجالات التي يمكن أن نفيد فيها بعضنا، والتعليم هو أحد أكبر هذه المجالات. لقد أسسنا جامعة النومل في منطقة ريفية وهي الدائرة التي أنتمي إليها (ميان والي) والذي اكتشفناه أنه إذا وفرت تعليماً جيداً للناس الفقراء والذين يفتقدون للتعليم الجيد، فإذا وفرت لهم تعليماً جيداً فإن تعطشهم للتقدم كبير جداً وسيتغلبون على الناس الذين مثلي ممن حصلوا على تعليم جيد وذهبوا لمدارس ذات نوعية عالية، سيكون لديهم دافع أكبر بكثير من الناس الآخرين، فجامعة النومل كانت تابعة لجامعة براكفورد و90% من الناس في هذه المناطق الريفية يحصلون على تعليم مجاني، 90% منهم يحصلون على منح، وكانت نتائجهم أفضل بكثير من النتائج في جامعة براكفورد، فما أدركناه حقاً هو أن علينا أن نوفر التعليم لهذه الطبقة الفقيرة الطبقة المهمشة في هذه البلاد ولديهم الرغبة القصوى في الدراسة وتطوير أنفسهم.
•أنتم كرئيس للوزراء كيف ستوسعون الدبلوماسية التعليمية التي بدأتها في جامعة نومل؟ كيف ستنشرون قاعدة التعليم النوعي في جميع أنحاء باكستان؟
•• نعم لاشك، أن أهم شيء هو أن نتعاون مع بعضنا، نحن نحب أن نتعاون في مجال التعليم، وما عرفناه عن تجربة المملكة العربية السعودية، وأنا أعتقد رغم أنني لست محيطاً بوضع التعليم في المملكة، ولكن أعتقد أن هناك كثيرا من الأموال أنفقت على التعليم العالي في السعودية.
استعمار جديد
•لقد عبرت حكومتكم عن موقف داعم للمملكة حول كندا، وهذا يؤكد موقف حكومتكم المؤيد لعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فما رؤيتكم بخصوص التدخلات في شؤون الدول الأخرى؟ وعدم التدخل من أسس السياسة الخارجية للمملكة، فالسعودية لم تسمح مطلقاً لأي دولة أن تتدخل في شؤونها، وهي لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى؟•• دعني أشير إلى شيء مهم حول التدخلات الخارجية، وهي أن المشكلة بدأت من حقبة الاستعمار، إذ كان معظم العالم الإسلامي تحت حكم الاحتلال في النصف الأول من القرن العشرين، وعندما خرجت البلاد الإسلامية من الوصاية الاستعمارية، كانت تريد أن تقف على قدميها وتجد نوعاً من منظومة الحكم وكانت كل دولة مسلمة تمر في نوع معين من النشأة، ولكن الذي حصل هو أننا بدأنا نتعرض لنوع جديد من الاستعمار، يوجهنا كيف نتصرف باسم حقوق الإنسان وغيره من العناوين، ويبدي قلقه على وضع المرأة في العالم الإسلامي، وإلى حد ما كانت الدول الغربية تملي على الدول الإسلامية كيف تتصرف وأي ثقافة يجب أن يتبنوا، وما هو الصحيح وما هو الخطأ وكان هذا استعماراً جديداً، كما كان في الحقيقة إمبريالية ثقافية، فالدول لا تتطور حين تفرض عليها ثقافات الدول القوية. تنمو الدول حين تكون ثقافاتها الخاصة تبحث حول العالم وتتأثر بالدول الأخرى، ولكنها تنمو بشكل عضوي حين تكون جذورها ضاربة في تربتها فهذه هي الطريقة التي تنشأ بها الدول.
ولكن عندما تفرض عليك ثقافة الأقوياء فإنها تسبب أزمة ثقافية في البلاد، وتسبب مشاكل للمجتمع، فالأصولية هي بالحقيقة ردة فعل المجتمع الإسلامي تجاه الثقافات الأخرى التي يتم فرضها عليها بالقوة، وذلك يسبب ما يسمى بالتغريب الزائف والذي ينمو في سياقه التاريخي والثقافي وإذا كنا نتصور أن المجتمع المسلم سيتبنى الطريقة الغربية في الحياة بدون التواصل مع الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي فإن ذلك يسبب تداخلا ويسبب أزمة وردة فعل، فأنا مؤمن جداً أن المجتمعات يجب أن تنمو في ظل ثقافتها الخاصة وتاريخها ودينها الخاص.
مهين لـ 1.3 مليار مسلم
•وقفكم بشأن الرسوم المسيئة في هولندا كان إيجابيا، هذا الموقف أدى إلى تغيير كبير في الموقف الهولندي وأنتم تحدثتم عن ظاهرة الإسلاموفوبيا، وأنتم تعلمون جيدا أن المملكة العربية السعودية تتبنى الوسطية والاعتدال، فكيف يمكن لبلدينا أن يرسلا رسالة للغرب أن هذا الإسلام بريء من الإرهاب وأن الإسلام تم اختطافه من قبل جماعات إرهابية؟•• بدايةً.. الإسلام هو دين الوسطية، والإسلام لو نظرت للتاريخ كان أكثر دين معتدل بين الأديان من ناحية أن الأقليات الأخرى عاشت في المجتمعات الإسلامية لقرون طويلة بحريتها الدينية بالمقارنة، أنا أتحدث عن كل شيء بالمقارنة، فلو نظرت إلى الحكم الإسلامي في الأندلس وتاريخ المسلمين في إسبانيا فقد كان حكماً منفتحاً أتاح الحرية لكل الأديان، وقد نص القرآن بشكل خاص أنه «لا إكراه في الدين» حسب النص القرآني، فما يتعلق بالرسوم الهولندية المسيئة فإنها قضية مهمة جدا لم يتم تناولها من الدول الإسلامية، فاليهود أخبروا العالم بنجاح، أن الهولوكوست سبب كثيراً من الآلام للشعب اليهودي وقالوا بوضوح لا تتحدثوا عن هذا الموضوع ولا تعتمدوا على تفسيراتكم الخاصة، لأن ذلك يسبب لنا ألما، والعالم الغربي يتفهم ذلك، لكن الغرب لا يفهم الألم الذي يسببه للمسلمين حينما يقوم الغرب بتمرير تعليقات ساخرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو حينما يبدؤون باستهداف القرآن الكريم، وهذا فشل العالم الإسلامي، لأننا لم نكن قادرين أن نشرح للعالم الغربي لماذا هذا يؤلمنا جداً، لأن الطريقة التي ينظر بها العالم الغربي للدين تختلف جداً عن الطريقة التي ننظر بها للدين، الطريقة التي ننظر بها للأنبياء والرسل تختلف جدا عن الطريقة التي ينظرون بها للأنبياء والرسل الذين كانوا مرسلين من الله، ونحن نحاول أن نشرح لهم أن إذا استمر هذا الأمر بأن يقوم أحد من العالم الغربي بإهانة مشاعر المسلمين بالتهجم على النبي الكريم، وعندما يحصل ذلك فإنه سيستشيط غضباً في العالم الإسلامي، لأن الأكثرية في العالم الغربي لن يتفهموا، وسيصفون الإسلام بأنه دين غير متسامح وستتنامى مشاعر الإسلاموفوبيا في الغرب. لذا فإنني أشعر بقوة أن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة يجب أن تشرح للقوى الغربية أن هذا الأمر يسبب لنا إهانة ونحن أكثر من مليار وثلاثمئة مليون إنسان على هذه الأرض وهذا يهيننا، لماذا لا يستطع البشر
أن يعيشوا سوياً، لماذا لا يستطيعون علاج هذه المسألة بحساسية كما يتعامل الغرب مع الهولوكوست.
•ما هي رسالتكم إلى مليوني مغترب باكستاني في المملكة العربية السعودية، وأنا أعلم أن دولة رئيس الوزراء يعطي أهمية كبيرة للباكستانيين الذين يعيشون في الخارج ما هي رسالتك لهم؟ وما هي الرسالة التي توجهها بلسان 200 مليون باكستاني إلى الشعب السعودي؟
•• رسالتي للباكستانيين الذين يعملون في الخارج أريد أن أقول لهم أنني أحياناً أشعر بالأسى وأننا لم نستطع أن نصنع في بلادنا بيئة تناسبهم، إنه من الصعب أن تغترب خارج البلاد وتترك أسرتك وراءك وتعمل. كل ما عليك فعله هو أن تعمل بجد وتكد دائما لتطعم عائلتك هنا، وأنا أدعو الله تعالى أن يأتي ذلك اليوم الذي يأتي به الناس من الخارج ليعملوا في باكستان، وسنوفر بيئة توفر على الناس مؤونة السفر والبحث عن الوظيفة في الغربة، وإنني لا أملك الآن شيئاً سوى الإعجاب بهؤلاء الباكستانيين الذين يعملون بجد ويعيلون أسرهم ويرسلون تحويلات لباكستان تساعدنا في الأوقات العصيبة، إنه ذلك المال القادم من تحويلات الباكستانيين المغتربين، ليس لدي شيء لهم الآن سوى الإعجاب. ونؤكد أننا سنتابع شؤونهم، لقد تابعنا شؤونهم وقد وجهت جميع سفاراتنا أن يعتنوا بالباكستانيين المجتهدين الذين يعملون خارج البلاد. وإلى شعب المملكة العربية السعودية لدي رسالة؛ أن شعب باكستان يحب شعب المملكة، وسنتذكر دائما ونكرر أن حكومة المملكة العربية السعودية وقفت إلى جوارنا في الأوقات العصيبة.
•بعيداً عن السياسة، هل لديك وقت تقضيه مع أفراد الأسرة، لأنني علمت بأنكم تعملون على مدار الساعة؟
•• حسناً، فمنذ تم عقد الانتخابات الباكستانية لم يعد لدي وقت كاف لعائلتي، ومنذ أن وصلت للسلطة لم آخذ أي يوم إجازة لأن علي أن أتعامل مع كل المشاكل التي تواجهها باكستان، وكنت دائماً أعتقد أن أول ثلاثة إلى أربعة أشهر ستكون صعبة جدا بالنظر إلى أن باكستان تواجه عددا من الأزمات، ولكن أرى أن الأمور ستكون أسهل بعد ذلك، أعتقد أن باكستان هي البلاد التي تمتلك شعباً قوياً جداً، وأؤكد على ما ذكرته أن على باكستان أن تصلح شيئاً واحداً، ألا وهو نظام الحكم، ثم ستصبح الأمور أسهل، وسيكون من السهل علي أن أقضى وقتاً أطول مع أسرتي.
• شكراً جزيلاً دولة رئيس الوزراء؛ على إتاحة الفرصة للحديث معكم، ونتمنى لكم النجاح والتوفيق.
•• في الواقع الشكر موصول لكم. ولقد استمتعت بالحوار معكم.