تركي الفيصل أثناء القاء كلمته
تركي الفيصل أثناء القاء كلمته
-A +A
محمد مكي (الرياض) m2makki@
وصف الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط بالأوضاع غير المستقرة البائسة المقلقة والمخيفة التي تغيظ الصديق وتَسُرّ العدو، مبيناً أن حال هذه المنطقة المتخمة بالصراعات والفتن اليوم هي ما يريد أعداؤنا أن نكون عليه.

وقال: «إننا «رجل العالم المريض»، الذي تفتك به أمراض متعددة، كثير منها نحنُ -العرب- من تسبب فيها بفرقتنا وتناحرنا، وبفشل كثير من دولنا ومن قادتنا بتجاهل أعراض أمراضنا وتشخيصها التشخيص السليم، وتجاهل السياسات التي تجنِّبنا هذا الوضع المزري الذي نعيشه في عدد من بلداننا. وإذا نظرنا إلى هذه الأوضاع من خلال حالة الاستقطاب والتشرذم، ومن خلال حالة عدم اليقين السائدة حالياً على المستوى الدولي وعلى المستوى الإقليمي، وعلى مستوى الدول؛ فإن منطقتنا مرشحة لسيناريوهات مستقبلية من صنع غيرنا. لقد فشلنا في عالمنا العربي في إدارة كثير من أمورنا خلال العقود الماضية، وطريقة إدارتنا لحاضرنا هي ما سيحدِّدُ كيف سيكون مستقبلنا».


وأكد الفيصل خلال كلمته في اللقاء الذي أقامته وزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات بأبو ظبي مساء أمس الأول (الاثنين) أن أوضاع العالم العربي بناءً على المعطيات القائمة في دُوله حالياً لا تدعو إلى التفاؤل، فهو عالمٌ منكشفٌ إستراتيجياً على جميع الأصعدة ومفتوحٌ على كافة الاحتمالات، مشيراً إلى أن حالة التشرذم والضعف قائمة منذ عقود جراء تداعيات أحداث جسام حلت في المنطقة خلال السنوات الماضية، والانكفاء على الذات وعدم التعامل مع المهددات المشتركة لكياناتنا ولشعوبنا، وسياسات اقتصادية واجتماعية وتعليمية وإعلامية وثقافية غير موفقة، والأنانية والطموح إلى الزعامة التي اتسمت بها بعض السياسات الخارجية العربية خلال عقود كثيرة، وأيضاً بسبب وقوع الدول العربية ضحيةَ سياساتٍ وتدخلات خارجية مستمرة.

وأوضح أن ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من اضطراباتٍ وفقدانٍ للتوازن على مستوى الدول وعلى مستوى الإقليم، كان نتيجةً حتميةً لخلط السياسات والخيارات المتبعة داخليّاً وخارجيّاً، مبيناً أن كل ما نشهده اليوم أيضاً من تداعيات ما سُمِّي بـ«الربيع العربي» ما هو إلا شهادةُ إدانةٍ لتلك السياسات ونتيجةٌ طبيعيةٌ لها.

وذكر أن ما جرى في العراق من انهيارٍ للدولة وللمجتمع، وانزلاق سورية إلى مستنقع الدم والدمار والخراب والإرهاب والمؤامرات والتدخلات الخارجية، ودخول اليمن في أتون صراعٍ وحربٍ داخلية، وفشل الدولة الليبية، وعدم الاستقرار في دول عربية أخرى، وانتشار ظاهرة الإرهاب العابر للحدود في كثير من دولنا، وشيوع ظاهرة المليشيات المسلحة غير الخاضعة للدولة الوطنية، وتفشِّي الطائفية البغيظة، وغيرها من ظواهر كان من أسبابها نرجسيّةُ مَن حكموها وتعاليهم على أوضاع مواطنيهم.

وحدّد الفيصل أهم التحديات الإستراتيجية التي تواجه العالم العربي في الاستقطاب الحادّ للقوى السياسية والاجتماعية الجديدة التي أفرزتها التحولات السياسية الجارية، وظهور النزعات الغريزية المُسَيَّسة الدينية والطائفية والمذهبية والإقليمية والقبلية المكتومة في سيكيولوجية شعوبنا. بجانب ضعف وهشاشة وتشرذم النظام الإقليمي العربي بمؤسساته كافة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ما أوجد فراغاً إستراتيجيّاً أتاح لإيران وتركيا وغيرهما التلاعب بوحدة بلداننا ونسيجنا الاجتماعي، إضافة إلى أن أهمية المنطقة الإستراتيجية فرضت أن تكون عُرضة للتقلبات الإستراتيجية في العالم وعرضة للتنافس بين قواه الكبرى على النفوذ والمصادر الطبيعية.

وزاد «يبقى الإرهاب خطراً ماثلاً وتحدياً إستراتيجيّاً لدولنا العربية؛ فالإرهاب العابر للحدود لكل القوى والميليشيات المتطرفة الطائفية في العراق وسورية واليمن ولبنان؛ يشكّل تهديداً وجوديّاً لمفهوم الدولة الوطنية في منطقتنا. ويبقى الصراع العربي الإسرائيلي تحدياً حقيقيّاً للمستقبل العربي. لقد كان هذا الصراع، ولا يزال، سبباً في تعثُّر كثير من المشاريع العربية خلال السبعين عاماً الماضية ومشاريع دولية أخرى قُدِّمت حول مستقبل المنطقة. فمن دون حَلِّ هذا الصراع حلّاً عادلاً يستجيب لمطالب الشرعية الدولية لن تستقر هذه المنطقة».

وأشار إلى أن آمال الشعوب الخليجية كانت معلقة على نجاح مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تحقيق أهداف تتجاوز هدف التضامن والتعاون والتنسيق، ومع ذلك فإن توقُّف عمل هذه المنظومة لا يخدم مصالحنا الجماعية أو الفردية حسب تصريحه، وتابع: «نرجسية حكام قطر تسببت في ذلك؛ فعلينا أن نستمر في السعي لاستعادة أحبائنا وأشقائنا أهل قطر إلى مسيرتنا المحمودة، وأن نعمل جميعاً في المملكة وفي الإمارات على تهيئة الظروف التي تسمح باستعادة وحدة هذه المنظومة، والخروج من وضع قد يتسبّب بأخطار أكبر على أمننا واستقرارنا. وعلينا أيضاً أن نعمل معاً من خلال رؤية واضحة لصَوْغ مستقبل أفضل لنظام إقليميّ عربيّ يتآكل، ونظام إقليمي خليجي مُهدَّد، للخروج من المآزق الكثيرة التي تشهدها أمتنا ودولنا العربية، ولتجنُّب مصير قد يكون أخطر مما نشهده».

وشدّد على أن الضمان الأكيد للحفاظ على أمننا واستقرارنا يتجلّى في المحافظة على وحدة نسيجنا الاجتماعي وتلاحم قياداتنا وشعوبنا. وتابع: «نحن، بالعزم والحزم، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والشيخ خليفة بن زايد؛ قادرون -مع بقية أشقائنا في الخليج، وأشقائنا في الدول العربية والإسلامية- على مواجهة التحديات والمخاطر التي هي تحديات ومخاطر للجميع».

واعتبر الفيصل العلاقات السعودية الإماراتية أنموذجاً للعلاقات التي ينبغي أن تسود بين الأشقاء، موضحاً أن هناك تاريخاً كبيراً لهذه العلاقات الأخوية الراسخة والشراكة الإستراتيجية بين البلدين الجارين. وأضاف: «لقد كان تأسيس هذه العلاقات المميزة، التي تُؤتي أُكلها حاليّاً، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً برؤية قائدَيْن تاريخيَّيْن وحكيمَيْن كانا يتطلّعان نحو مستقبل مشرق لبلديهما ولمنطقتهما ولعالمهما العربي والإسلامي؛ هما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراهما. إن ما تحقَّق في هذه العلاقات من إنجازات خلال الأعوام الأربعة الماضية ما كان ليتمّ لو لم يكن الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، أطال الله عمره، والشيخ محمد بن زايد ولي عهده، وحكام الإمارات الآخرين، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والأمير محمد بن سلمان ولي عهده؛ يؤمنون بأهمية هذه العلاقات إيمانَ مَن سبقوهم بها».