-A +A
«عكاظ» (جدة) Okaz_Online@
لم يغب عن ذهن فلاديمير بوتين عند توليه هرم السلطة في روسيا الاتحادية أنها ليست دولة اعتيادية، وقادتها ليسوا كبقية قادة دول العالم؛ بل من طراز خاص يتلاءم مع طبيعة الدولة وتاريخها وحاضرها وتطلعاتها المستقبلية.

خُطى بوتين مفعمة بالحيوية في «ديناميكية» وانفتاح وشخصية قوية، بجسد منتصب، وذراعان متحركتان مع مشيته، وكلمات توحيان بالعزيمة والقوة، وعينان زرقاوان تشعان بالذكاء، ما يعطي دورا تاريخيا لروسيا وعظمتها.


ولإيمانه بقدرات الحاكم على صنع المستحيل؛ فإن حركاته وابتسامته وطريقة تفاوضه توحي أنه ينطلق من ثقة عميقة بالنفس لا يمكن كسرها أو فك شفرتها إلا بالرجوع إلى الإرث السوفيتي المتجذر في روحه ووجدانه؛ خصوصا أنه يمتلك مقومات شخصية مادية أهلته للعب أدوار عالمية مهمة، بمظهره الجذاب وأناقته وهويته الخاصة وطريقة تحدثه، ومشيته المعبرة عن شخصية عميقة أو بئر مليئة بالأسرار.

ولم يخطئ المحلل السياسي «تراسوف» عندما تناول بوتين بالدراسة؛ إذ رأى أن طبيعة شخصيته الديناميكية المتمثلة في ثباته الانفعالي والتزامه الصارم ورسم خريطة للسلطة في روسيا بشكل دقيق خلق نوعا من الاستقرار ساهم في حماية الاتحاد الفيدرالي الروسي من التفكك، وحقق معجزة في دقة التزامن بين عملية تطوير وتحديث البلاد ودخول نادي الدول القادرة على اتخاذ القرارات. ولما اختير بوتين كقائد «كاريزمي» أكثر تأثيرا في العالم، لا يرجع السبب لأنه روسي شكلا وموضوعا، أو لأنه ورث تاريخاً لدولة كانت واحدة من أكبر الكيانات السياسية عالمياً، إنما وجد «الروس» فيه أنفسهم؛ فمنذ توليه السلطة قدم نفسه قائداً صارماً استعاد لروسيا مكانتها وأجبر العالم على احترامها، ووفر لمواطنيه حياة كريمة باحترام وعدالة.

وعندما قال رئيس مجلس الدوما الروسي: «بدون بوتين ليست هناك روسيا»، فإن ملايين الروس رأوا فيه ذلك الرجل قبيل انتخابه للمرة الرابعة في مارس العام الماضي (2018)، ويبدو أنه أقنعهم في أنه لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله، إذ أثبتت خبراته أنه شخص مفيد في روسيا الجديدة ما بعد الحقبة السوفيتية؛ باستعادة الصداقات القديمة وإنشاء شبكة من الاتصالات وتعلم اللعب بالقواعد الجديدة. وبالعودة إلى طفولة بوتين وشبابه الأول فإنها سوفيتية بامتياز، إذ عاصر فترة السمو والمجد السمة البارزة للاتحاد السوفيتي، وهو ما صنع في نفسه حب العظمة، والحنين للأيام التي كان يمثل السوفييت فيها القطب الثاني المساوي للولايات المتحدة الأمريكية.