شعار منظمة التعاون الإسلامي.
شعار منظمة التعاون الإسلامي.
-A +A
أحمد سكوتي (جدة) askoty@
لم يكن إنشاء منظمة التعاون الإسلامي منذ أكثر من نصف قرن إلا لتكون صوتا جامعا للعالم الإسلامي، وكيانا قويا يوحد صف الأمة في توقيت حساس، وفق مقتضيات شرعية ودينية وأخلاقية منطلقة من شعار «اليد الواحدة»، وإيمانا بمبدأ «ولا تفرقوا»، لتكون ضربة البداية من 24 دولة شكلت عضوية التأسيس، بعد أول قمة لزعماء دول العالم الإسلامي عقدت في الرباط 1969/9/25، بعد حريق الأقصى في 1969/8/21.

ولعل البداية الفعلية لمنظمة التعاون الإسلامي، التي كانت تسمى سابقا «منظمة المؤتمر الإسلامي»، انطلقت في جدة بعد 6 أشهر من تلك القمة، وتحديدا في مارس 1970، إذ تم إنشاء أمانة المنظمة واختيار جدة مقرا لها، ليأتي العمل أكثر تنظيما وتفصيلا في ظل ضمان الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل.


وسنة بعد أخرى أثبتت المنظمة أنها قادرة على تحديات الأمة ومتطلبات العصر، إذ توالى الانضمام لها، لتضم 57 دولة تشكل الآن قوام هذه المنظمة القوية، التي اتخذت من المصير المشترك مسارا، وأولويات المرحلة خطا مستقيما لا تحيد عنه، في ظل الحفاظ على حماية المصالح الحيوية للمسلمين في شتى بقاع الأرض.

ولعل القاسم المشترك للدول الأعضاء تشكل في دستور وافقت عليه المنظمة في فبراير 1972، ونص على «تقوية التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية في الحقول الاجتماعية والعلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية».

ولأن ما وضع بخط اليد ترجمه القول، سارت المنظمة بخطى حثيثة نحو الكثير من وحدة الصف، إذ بعد أقل من 5 سنوات (ديسمبر 1973) تم الاتفاق على إنشاء البنك الإسلامي، ليولد في يوليو 1975 كنواة للقوة الاقتصادية والدعم المتبادل للتقدم الاقتصادي والاجتماعي للدول الأعضاء.

وما لبثت أن تعددت المؤسسات والأجهزة المتخصصة للمنظمة، لتفرد جناحيها من المشرق إلى المغرب، محتضنة الثقافة والعلوم والتعليم والإعلام والرياضة وتفرض نفسها في عضوية دائمة في الأمم المتحدة.

ولا ينكر أحد في العالم الإسلامي كم كانت المنظمة الفعالة بآلياتها ومؤسساتها وأجهزتها سندا لهم بعد الله في الكثير من المواقف، ولعل دور البنك الإسلامي الحيوي وتمويلاته للمشاريع في أقاصي الأرض خير دليل على أن الهدف طويل المدى في تقوية كل الدول الإسلامية، والعمل على تنميتها لا تقزيمها والحط من قدرها بل رفعتها ونهضة شعوبها.

إن الحكمة ظلت نهجا يعلو صوته، ويسمع صداه في كل ردهات المنظمة، والتي مر عليها الكثير من عوامل التغيرات السياسية، فكانت صلابة الموقف وقوة التأسيس وشفافية العمل وحنكة التعامل جدار صد لكل الرياح التي تهب من حيث لا يحتسب أحد.

واليوم يحق للمنظمة أن تفخر أنها استطاعت على مدى نصف قرن أن تقول «ها أنا»، فلا يجرؤ أحد أن يلغيها بجرة قلم، ولا يستطيع أحد أن يتجاوزها في أي محفل عام أو خاص، لأنها باتت صوت الأمة الإسلامية التي دأبت على التمسك بالإجماع ووحدة الكلمة، ولا حياد عنهما.

لا يشك أحد في أن الأمة ظلت وتظل في حاجة ماسة دائما لتقوية بنيانها وتقوية صفوفها، والبناء على ما تم تأسيسه، لا العمل على تفتيته أو النيل منه، لأن اليوم الذي يمر يسجله التاريخ، فإما يكون لنا أو خصما علينا، خصوصا أن القضايا التي تهم الأمة الإسلامية تتطلب اليوم قبل الغد وحدة الصف، وليس إضعافه لا قولا ولا فعلا.