مستشفى جونز هوبكنز بعد تشييده في 1889.
مستشفى جونز هوبكنز بعد تشييده في 1889.




جونز هوبكنز.
جونز هوبكنز.
-A +A
كتب معاوية يس:

ودع العالم في 1 مايو 97 ألفاً من الأموات.. واستقبل 228 ألف مولود..

مؤشران يقودان العالم في حربه على كوفيد 19.. ما الفرق بينهما ؟

«جونز هوبكنز» تحدّث معلومات مؤشرها مرة يومياً.. و«ويرلد أوميتر» على مدار اليوم

عدد المتعافين من كوفيد 19 يرتفع إلى ثُلث عدد الإصابات في العالم

البحث عن أخبار سارة أضحى اهتماماً شاغلاً خلال فترة منع التجول، والحجر المنزلي، الرامية لصد تفشي وباء كوفيد 19. وهو بحث ليس مخصصاً لأغراض مهنة الصحافة، بل هو شخصي، لتقليص الوحشة والاكتئاب اللذين غدت تثيرهما سيطرة مجريات الجائحة على نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية والصحفية. تصور- عزيزي القارئ- أن إذاعة عالمية كبرى ألغت معظم هيكلتها البرامجية، لتقدم ما تسميه «نشرة أخبار كورونا»! وعلى النقيض من ذلك، تلقيت رسالة من محرر صحيفة «ديلي تلغراف» يطلب مني فيها الاشتراك في خدمة جديدة، أطلق عليها «نشرة الأخبار الأخرى» (Bulletin of Other News). وبات فرضاً على متابعي بث القنوات الفضائية والأرضية العالمية أن يطالعوا صفحة ثابتة على الشاشات، ترصد أحدث أرقام الإصابات والوفيات بفايروس كورونا الجديد. صحيح أن العلم بالشيء خير من الجهل به. غير أن متابعة المعلومات في مظانها أكثر سداداً في تحقيق الإحاطة المنشودة. والأفضل، في ما يمكن النّصح به، متابعة أهم مؤشرين لرصد إحصاءات كوفيد 19 في العالم. وهما: مؤشر جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، ومؤشر موقع «ويرلدأوميتر» Worldometer. وقد يجد المرء فيهما ما قد يغذي عقله بمعلومات لم يحسب أنه سيجدها في أي منهما. والاكتفاء بمطالعتهما ناجمة عن أنهما يتيحان معلوماتهما وأرقامهما بقدر عال من المصداقية. كما أن أرقامهما أضحت المرجع الرئيسي لتشكيل وصياغة اتجاهات الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي حيال الجائحة، والأمل في إمكان دحرها بأقل قدر من الخسائر في الأرواح، والاقتصاد، والنسيج الاجتماعي للشعوب. والأهم من ذلك أنهما يتضمنان قدراً كبيراً من المعلومات التحليلية التي يمكن للشخص العادي أن يحيط بها من دون كثير عناء.

لماذا جونز هوبكنز ؟

جامعة جونز هوبكنز ومستشفاها الجامعي يعدان من أبرز المؤسسات العلمية المتقدمة في الطب والعلاج والبحوث. وقد أسسهما لخدمة هدف معين حدده قبل وفاته بتسعة أشهر في عام 1873 رجل الأعمال الأمريكي جونز هوبكنز: أن تنشأ الجامعة لتقدم أحدث ما تتوصل اليه علوم الطب، وأن يكون المستشفى الملحق بها مفتوحاً لجميع السكان، بغض النظر عن اللون، والجنس، والدين، وبلا مقابل مالي. وحققت الجامعة ومشفاها إنجازات طبية وعلمية غيّرت وجه الطب على مستوى العالم. ويكفيهما فخراً أن جراحيهما ابتكروا القفاز المطاطي الذي يستخدم في غرف العمليات الجراحية. وهم أيضاً من اخترعوا جهاز غسل الكلى.

وفي سياق تعريف الجامعة بمؤشرها الخاص بوباء كوفيد 19، تذهب إلى أن خبراءها «في الصحة العمومية، والأمراض المُعدية، والجاهزية للطوارئ ظلوا في صدارة الرد الدولي بمواجهة كوفيد 19». وتصفه بأنه «مَوْردٌ للمساعدة في تعزيز فهم الفايروس (كورونا الجديد)، وتنوير العامة، وتزويد صنّاع السياسات بزادٍ يعينهم على رد، وتحسين الرعاية، وإنقاذ الأرواح». تقدم اللوحة الرئيسية للمؤشر عدد الإصابات في العالم، والولايات المتحدة، وجميع دول العالم. وكذلك عدد الوفيات، وعدد من تم إخضاعهم للفحص في الولايات المتحدة، وعدد المتعافين عالمياً. ويتم تحديث الموقع يومياً.

وفي المقابل، فإن مؤشر «ويرلدأوميتر» يشير إلى أن من يديرونه هم مطورون، وباحثون، ومتطوعون، بهدف إتاحة الإحصاءات العالمية في قالب يحض على التفكير، وفي الزمن الملائم لجمهور عريض في أرجاء العالم. وتقوم بنشر المؤشر شركة صغيرة مستقلة للإعلام الرقمي، مقرها الولايات المتحدة. ويتمسك مديرو المؤشر بالقول: «نحن ليس لدينا انتماء سياسي، أو حكومي، أو انتماء للكيانات التجارية الكبيرة». ويؤكدون أن الموقع حائز على ثقة الحكومات البريطانية، والباكستانية، والتايلندية، وجامعة جونز هوبكنز، وصحيفتي فايننشال تايمز، ونيويورك تايمز، وهيئة الإذاعة البريطانية، وجامعة أكسفورد. وبشأن مصدر إحصاءاته ومعلوماته، يشير الموقع إلى أنه يعتمد على «البيانات الرسمية»، إما مباشرة من قنوات الاتصالات الخاصة بالحكومات، أو بطريقة غير مباشرة من خلال وسائل الإعلام المحلية التي تُرجّح مصداقيتها. ويقدم هذا المؤشر إحصاء إجمالياً بحالات الإصابة المؤكدة عالمياً، وعدد الوفيات عالمياً، وعدد المتعافين عالمياً. وعلاوة على ذلك، يقدم هذا المؤشر جدولاً مفصلاً بعدد الإصابات والوفيات والتعافي في دول العالم، ومناطقه التي اجتاحها الوباء. ويضيف إلى ذلك بعض المؤشرات الإحصائية الأخرى، كعدد الإصابات النشطة، وعدد الحالات الخطيرة، والحرجة؛ وعدد الإصابات من كل مليون من سكان كل بلد، وعدد الوفيات من كل مليون نسمة من السكان، وعدد الاختبارات التي أجريت، ومعدل من تم فحصهم من كل مليون نسمة. ويفضل مؤشر«ويرلدأوميتر» ذاك الذي تصدره جامعة جونز هوبكنز بأنه يتم تحديثه آنياً، على مدار ساعات اليوم. وقد سبقت إشارة إلى أن الأخير تقوم الجامعة بتحديثه «يومياً»، على حد تعبير الموقع. ومن خلال المتابعة الدقيقة، يبدو جلياً أنه يتم تحديثه مرة واحدة خلال اليوم، وليس كلما استجدت أرقام أعلنت لتوها.

أول مايو 2020

يوم مهم بلا شك. فهو يصادف الاحتفال بعيد العمال العالمي، وهو تقليد ظل مرعياً في معظم دول العالم منذ نهاية القرن التاسع عشر. ويفترض أن يكون عطلة في عدد كبير من دول العالم. لكنه صادف أيضاً يوم إعداد هذا التقرير. ولذلك فإن الأرقام التي يتضمنها لا بد أن تتغير مع مرور كل ساعة.

صحيح أن جائحة كوفيد 19 وقعها ثقيل على الأنفس. ولكن أبلغ الدروس التي يمكن للمتأمل أن يتعلمها منها أن الحياة ماضية مهما واصل هذا الوحش الخفي عربدته، وأوقع مزيداً من الوفيات والمصابين كل يوم. ويعني ذلك أن ثمة فسحة كبيرة للأمل في انقضاء هذا الوباء. سيأتي يوم إما أزاله الله جل وعلا، أو يسّر للبشرية لقاحاً أو دواء لتتعايش معه. وبدر لي أن القلق والخوف الذي سبّبه لكثيرين ربما يُعزى، ضمن أسباب أخرى عدة، إلى أنه أول عهد أجيالنا وأجيال الألفية الجديدة بوباء عالمي. فقد اندلعت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في 1918 - 1919. أي قبل 100 عام ونيّف. ولا شك في أن من عاشوا تلك الحقبة بقيت منهم قلة قليلة على قيد الحياة. ويزيد الخوف والقلق أيضاً من جراء انتشار وسائل التواصل الاحتماعي التي تنقل معلومات مغلوطة تزيد الهلع في صفوف الناس.

من حق الناس أن يحلموا بيوم يمكن أن تعود فيه الأمور إلى طبيعتها السابقة للوباء. وهو ما بدأت صحف العالم ترمز إليه بـ AC، أي حقبة ما بعد كوفيد 19. وبرز أيضاً بهذا الشأن مصطلح جديد سيسطر على الخطاب السياسي والإعلامي خلال الفترة القريبة القادمة، وهو تعبير New Normal، أي الواقع الجديد للحياة في أتون التعايش مع فايروس كورونا، وبعد صدّه. وبالطبع هناك حالمون كثر بتلك العودة لأنهم يريدون للنشاط الاقتصادي أن يستأنف دورته المعتادة. وهذه الفئة من رجال الصناعات والأعمال هم الذين يضغطون على حكومات الدول الكبرى لإزالة إجراءات الإغلاق. لكن قادة القطاع الصحي في بلدان العالم كافة يرون أن ذلك القرار لن يتم من دون مشورتهم، لأنهم لا يريدون رفع الإغلاق لينفتح الباب أمام موجة ثانية من التفشي الوبائي، دون أن يلوح في الأفق دواء، ولا لقاح. ولهذا تساءلت صحف أمريكية عدة، بعد تصريحات للرئيس دونالد ترمب بذلك الشأن: الثروة أم الصحة ؟ (?Wealth or health). والمسألة ليست سياسة فحسب، بل هناك جماعات غربية مناهضة لمبدأ استخدام اللقاحات، يهمها أن تؤثر أيضاً في آراء القادة السياسيين بهذا الخصوص. ولكن ما يبدو مشجعاً حقاً أن معظم الدول ارتضت أن تكون الكلمة الفصل في رفع التدابير الاحترازية للقطاع الصحي، الذي يكتوي أكثر من غيره بالمواجهة المباشرة ضد كوفيد 19. ومهما كانت قتامة الوضع بالنسبة إلى زوال الوباء، فإن ثمة إحصاءات تؤكد أن الحياة ماضية، وأن من حق الناس أن يتطلعوا ويحلموا بغد قريب تزول فيه هذه الغُمّة.

ففي مقابل الأرقام المحزنة لعدد الإصابات والوفيات، تشير أرقام تتزايد كل يوم إلى أن ملايين آخرين يبصرون النور وسط هذه العتمة، ويتطلعون لحياة أفضل. ففيما بلغ عدد الإصابات المؤكدة في 1 مايو 3.352+ مليون إصابة، وعدد الوفيات 234000+، فإن عدد المتعافين ارتفع إلى 1.01 مليون (يعني الثلث تقريباً. وهو مؤشر يبعث مزيداً من الأمل). وفيما كان يتم تشييع 97 ألفاً توفوا في الأول من مايو، من جملة 19.5 مليون توفوا هذا العام (2020)، بعضهم بكوفيد 19، وآلاف منهم بالملاريا، ونقص المناعة المكتسب (الأيدز)؛ رأى النور في هذا اليوم 228000+ مولود. وبلغ عدد المواليد منذ أول يناير حتى 1 مايو 46.7 مليون مولود. وفيما يختطف كوفيد 19 مزيداً من الأرواح كل يوم منذ ديسمبر 2019، فإن حكمة الخالق شاءت أن يصل العدد الإجمالي للنمو السكاني منذ يناير 2020 حتى أول مايو 27 مليون نسمة (عدد المواليد ناقصاً عدد الوفيات).

ويعني ذلك بلغة الأرقام أن نمو سكان كوكبنا ازداد في 1 مايو بأكثر من 134 ألفاً. وبلغ عدد الصحف التي تم توزيعها في 1 مايو 282.4 مليون صحيفة. وقام 3.8 مليون نسمة بشراء أجهزة هاتف نقال في هذا اليوم.

أما عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تم تبادلها في هذا اليوم فقد بلغ 156.3 مليار رسالة. وأطلق المغردون 463.3 مليون تغريدة على موقع تويتر في أول مايو. وكل نعمة من نعم الحياة تقابلها حقيقة لا يمكن تجاوزها. ففيما بلغ عدد سكان الكوكب الأرضي 7.7 مليار نسمة، هناك 842.7 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية، و1.69 مليار يعانون من زيادة الوزن. وعلى الجانب الآخر فقدت الإنسانية هذا العام (2020) 14.1 مليون جنين بحالات إجهاض (منهم 70 ألفاً في يوم واحد هو الأول من مايو الجاري). وفيما أنفقت الحكومات في 1 مايو 8.96 مليار دولار على الخدمات الصحية، بلغت جملة ما أنفقه البشر في هذا اليوم على شراء المخدرات 663 مليون دولار (133.3 مليار دولار منذ مطلع 2020). هكذا هي سنة الله في خلقه. وقديماً قال صاحب لامية العجم:

أعللُ النفسَ بالآمالِ أرقُبهاما أضيقَ العيشَ لولا فُسحة الأمل

جونز هوبكنز.. الوصية الباقية

ولد رجل الأعمال الأمريكي جونز هوبكنز في بلدة آن أرنديل، بولاية ماريلاند الأمريكية، في 19 مايو 1795، لوالد يعمل بتجارة التبغ، الذي يزرعه في مزرعة شاسعة أهداها ملك إنجلترا لأجداده. غير أن حظوظ جونز هوبكنز تبدلت وهو في الثانية عشرة من عمره، حين قرر والده تحت وطأة معتقداته المذهبية، تحرير جميع العبيد الذين يملكهم، وكانوا بالمئات. وأخرج جونز من المدرسة ليعمل في المزرعة. وحين بلغ عامه السابع عشر، انتقل جونز إلى بلتيمور ليُعِين عمَّه في محل تجارة للجملة يملكه هناك. وفي بيت عمه مكث سنوات عدة، حتى أتقن فنون التجارة، ووقع في حب ابنة عمه اليزابيث هوبكنز، التي كانت في السادسة عشرة من عمرها. غير أن جونز فاجأ الأسرة بإعلانه أنه يعتزم الاقتران بابنة عمه، فرفض الأب والأم الفكرة. ولما لم ينجح جونز في إقناع عمه وزوجة عمه بالزواج، قرر أن لا يتزوج مطلقاً ما دام الأمر كذلك. وانهمك- بحسب من ترجموا له- في جمع الثروة. ولما أصبح ثرياً ابتنى لإليزابيث منزلاً لا يبعد كثيراً عن منزل ذويها، أقامت فيه بمفردها حتى وفاتها عن 88 عاماً. وغادر جونز منزل عمه ليبدأ عمله التجاري الخاص به. وبدأ يُقرض الآخرين. وأصبح لاحقاً رئيساً لبنك بلتيمور الوطني، ومديراً للسكك الحديد بالولاية. وحين بدأ يشيخ، طفق يبحث عن وسيلة يضع بها ثروته «في خدمة الإنسانية». وقام بتوزيع فنادقه، وقطعه العقارية على أقاربه، وعدد من خدمه. وبعد استشارة عدد من أصدقائه، أعرب عن رغبته في أن يتم إنشاء جامعة باسمه، يكون ملحقاً بها مستشفى. وأعلن في عام 1867 أنه قرر تخصيص 7 ملايين دولار من ثروته لذلك الغرض، على أن يوزع المبلغ بالتساوي بين الجامعة والمستشفى. وقبل نحو تسعة أشهر من وفاته، كتب رسالة إلى مجلس الأمناء الذي تم تكوينه لتحقيق رغبته يقول فيها: «إنها رغبتي أن تتضمن الخطة إنشاء مستشفى يجب أن يكون بناؤه وتنظيمه تمكن مقارنتهما بأية مؤسسة من ذلك النوع في هذه البلاد، أو في أوروبا. ويجب أن يتم في هذا المستشفى استقبال المرضى المعوزين من هذه المدينة ومحيطها، دون اعتبار للجنس، والعمر، أو اللون، الذين قد يكونون بحاجة إلى علاج جراحي، أو طبي؛ والذين يمكن استقبالهم في المستشفى من دون أن يسبب ذلك خطراً على النزلاء الآخرين، وفقراء هذه المدينة والولاية، من جميع الأجناس، ممن أصيبوا بأي حوادث.. يتم استقبالهم في المستشفى مجّاناً. كما أن عليكم استقبال عدد محدد من المرضى القادرين على دفع تعويض مقابل الغرفة، والرعاية التي قد يتطلبونها. وبهذه الطريقة سيكون بمستطاعكم استقبال الغرباء وأبناء شعبنا الذين ليس لهم أصدقاء ولا أقارب يعتنون بهم (...) وسيكون من أخص واجباتكم توفير الموارد اللازمة لخدمات المستشفى، وتزويده بجراحين وأطباء من أعلى المستويات والمهارات». وشدد جونز هوبكنز على «أنكم يجب أن تضعوا في اعتباركم على الدوام أن تلك هي رغبتي وهدفي أن تكون هذه المؤسسة جزءاً من مدرسة طبية لتلك الجامعة، اللتين وفرت لهما أموالاً كافية في وصيتي». وتوفي جونز هوبكنز في عام 1873. الطريف أن من اهتموا بسيرة هوبكنز افترضوا أنه لولا معارضة عمه أن يقترن بابنته، ولو تمّ الزواج، لَمَا أُنشئت الجامعة، ولا المستشفى الملحق بها.