قبل سنوات كانت الطائف بأكملها عبارة عن بستان كبير تتضوع منه روائح الأزهار وعبير الورود، لا يكاد المطر يتأخر أسبوعا واحدا إلا ويروي الوهاد والشعاب بعد أن يروي النفوس ويشعلها بالحب وأخبار المحبين، وكان أول رمضان أصومه وقد جاء إلى مدينتنا وهي بين أجواء باردة ومعتدلة وأنا أتهيأ لفراق عالم الطفولة، أسير بجانب أبي إلى المسجد لتأدية الصلوات الخمس دائما أنتظر تسليم الإمام لأذهب إلى الرفاق لنلعب البرجون أو الكبوش وهي عظام عراقيب الغنم المجففة ومنها رئيس وخدم وأخر لا قيمة لها فلا يعبأ من لعب بخسارتها في صلاة التراويح التي لا أستطيع مغادرتها أكاد أقفز بعد كل تسليمة لكن نظرات أبي تعيدني لأكمل التسليمات كاملة، دون أن يتحدث معي ناصحا بلهجة طائفية، بينما أمي لا يزال لسانها مزدهرا بالفصيح حتى بعد أن فارقت قريتها في منطقة الباحة قبل عقود.
لم أتعود النوم حتى الظهر أو الضحى، عجز أهلي عن إقناعي بذلك كنت كديك مزعج أحوم حولهم وهم بين غلبة النعاس ومراقبتي، لا يشعرون بلذة نوم عميق يا ولد جني أنت لماذا لا تنم مثلنا. في منتصف رمضان زارنا إخوة لي يكبرونني بعشرين عاما قدموا من مدينة جدة ومن الدمام حيث يعمل أحدهم أحسست بتعاملهم معي بلطف واحترام كان أحدهم متزوجا ولديه أبناء قريبون من عمري أصبحت فجأة عماً صغيراً يجول في البيت وما بين هذا الدور الجديد وحفاظي على الصوم يوما كاملا أمامهم كرجل ضاعت الطاسة فلا أستطيع أن أروغ لآكل ما تيسر إن عضني الجوع أو أشرب بعض الماء الذي فقده جسدي بسبب لعبي وحركتي الزائدة الماء الذي يسكبه لنا السقاء ناجي اليماني في زير بآخر البيت ولي مشكلة مع ذلك الزير، فأنا أخاف أن أنزل يدي إليه لأملأ مغراف الماء قالت لي أختي أترى هذه الحمامة التي تعشعش قريبا منه إنها جنية تحرس الزير فلا تؤذها (فتبهز بك) كما تقول أمي ربما اتفقتا لإخافتي ولجم عبثي من يومها والذهاب وحيدا إلى الزير ليلا يعتبر مغامرة والصبر على العطش في نهار رمضان لا يطاق ظللت واقفا بين المستحيلين إلى أن كبرت وكبرت مدينتي وخرجنا جميعا من عالم الخوف والأوهام إلى النور والتحضر.
محمد محسن
لم أتعود النوم حتى الظهر أو الضحى، عجز أهلي عن إقناعي بذلك كنت كديك مزعج أحوم حولهم وهم بين غلبة النعاس ومراقبتي، لا يشعرون بلذة نوم عميق يا ولد جني أنت لماذا لا تنم مثلنا. في منتصف رمضان زارنا إخوة لي يكبرونني بعشرين عاما قدموا من مدينة جدة ومن الدمام حيث يعمل أحدهم أحسست بتعاملهم معي بلطف واحترام كان أحدهم متزوجا ولديه أبناء قريبون من عمري أصبحت فجأة عماً صغيراً يجول في البيت وما بين هذا الدور الجديد وحفاظي على الصوم يوما كاملا أمامهم كرجل ضاعت الطاسة فلا أستطيع أن أروغ لآكل ما تيسر إن عضني الجوع أو أشرب بعض الماء الذي فقده جسدي بسبب لعبي وحركتي الزائدة الماء الذي يسكبه لنا السقاء ناجي اليماني في زير بآخر البيت ولي مشكلة مع ذلك الزير، فأنا أخاف أن أنزل يدي إليه لأملأ مغراف الماء قالت لي أختي أترى هذه الحمامة التي تعشعش قريبا منه إنها جنية تحرس الزير فلا تؤذها (فتبهز بك) كما تقول أمي ربما اتفقتا لإخافتي ولجم عبثي من يومها والذهاب وحيدا إلى الزير ليلا يعتبر مغامرة والصبر على العطش في نهار رمضان لا يطاق ظللت واقفا بين المستحيلين إلى أن كبرت وكبرت مدينتي وخرجنا جميعا من عالم الخوف والأوهام إلى النور والتحضر.
محمد محسن