قفار مدينة في حائل شهدت أحداثا مرعبة عن الأوبئة بحسب كتب التاريخ.
قفار مدينة في حائل شهدت أحداثا مرعبة عن الأوبئة بحسب كتب التاريخ.
-A +A
متعب العواد (حائل) Motabalawwad@
لعبت حكايا وقصص الآباء والأجداد في مجتمع حائل دوراً كبيراً في توعية أبنائهم من الأوبئة والأمراض التي فتكت بهم قبل أكثر من 100 عام ونيف، إذ مرت المملكة في عهد الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود في رحلته الأولى في توحيد البلاد، بتفاصيل محزنة في الرياض والقصيم وحائل من انتشار الأوبئة التي فتكت بأرواح كثير من الرجال والنساء والأطفال، إلاّ أن سنة 1337هـ (1919م) في نجد كانت غير عادية إذ تفشى فيها الوباء وحصد أرواح الآلاف من البشر وعم كافة أرجاء الجزيرة العربية والعالم بأسره، ولم يسلم منه إلا القليل، وكانت حائل آنذاك أقل المناطق العربية إصابة مثلما يحدث حالياً، فهي من أقل المناطق إصابات بكورونا الذي يواصل المسير في حصد الأرواح حول العالم.

وكان أهالي حائل اتخذوا عدداً من التدابير الاحترازية المهمة، منها تخصيص غار في أحد الجبال ليكون محجراً للمصابين، يخدمون أنفسهم بأنفسهم بالماء والدواء الشعبي وإلزام الأهالي في المدينة والبادية والمزارع في حالة الاشتباه بوضع مريضهم في هذا المكان، مع تزويده بالماء والدواء الشعبي وغذاء الحنطة حتى يشفى من مرضه أو ينتقل إلى رحمة الله. وكانت زيارته تتم عبر نداء المريض من مكان بعيد للسؤال عن صحته ومعرفة إن كان لا يزال حيّاً أم مات، وكانت الطريقة ناجحة في عزل الوباء عن السكان والمدينة لمدة 90 يوماً..


هذه القصص وغيرها من حكايا الأوبئة يستعيدها الشباب والفتيات والأطفال من كتب المستشرقين التي تؤكد نجاح مدينتهم في تطويق كثير من الأوبئة.

قصة «حمى قفار»

قفار من مدن حائل القريبة وتقع في سفح جبال أجا الشرقية في جنوب غربي حائل، وتكاد تلتحم بها الآن مع زيادة العمران ونمو البناء الحديث، ففي عام 1288هـ (1871م) انتشر بها وباء خطير يعتقد أنه (الكوليرا) طبقاً لتشخيص أحد الزائرين لحائل من بلاد السند، وظل الوباء يفتك بسكانها ويزرع الرعب والألم في نفوس من حولها، وولد خلال أيام قليلة مقابر جماعية لدرجة إن الشخص كان يدفن أحد أفراد أسرته وفي الغد يدفن هو بواسطة أحد ذويه، كما تعرضت إحدى الضواحي القريبة من حائل للوباء نفسه الذي قضى خلال سنتين فقط على أرواح وممتلكات أغلب سكان الضاحية، وهلك فيها أكثر من 300 من سكانها، كما قضى على ما بين 700 إلى 800 من أرواح سكان مدينة حائل.

رواية توثق الكارثة الوبائية

ولم يصمت الأديب علي الحبردي أمام قصة الحمى، وكتب رواية بعنوان «حمى قفار» من إصدارات النادي الأدبي بحائل 1424هـ، 2004 ونقلنا الكاتب مباشرة إلى عام 1288هـ ورسم ملامح المرض والوباء، لنراه وقد وجد ضالته لدى ذلك العهد الماضي بهدف بناء قصة تاريخية يستند إليها على مدى نصف قرن من الزمان كان هو حصيلة أحداث الرواية التي ارتبطت ببيئة منطقة حائل وتحديداً في مكان تاريخي شهير يدعى «قفار».

وكان الأديب والناقد عبدالحفيظ الشمري كتب معلقاً على رواية «حمى قفار» بقولة هي «شهادة مهمة على مرحلة مؤثرة ومعبرة تتمثل في كارثة بيئة لم تعرف حتى الآن أسبابها في وفاة أهل قرية كاملة بوباء غامض».

سنة الرحمة

ومن القصص الدارجة والعالقة ما حدث في عام 1337هـ (1919م)، إذ تفشى وباء لم يعرف في إقليم نجد عامة بما فيها حائل، داء معدٍ ومخيف خلّف وراءه عدداً من الضحايا، واختلف المؤرخون فيما مضى بتشخيصه، ففي حين اعتقد البعض أن الداء كان الكوليرا ظن البعض الآخر أنه الطاعون في حين كشفت دراسة طبية عام 1430هـ (2009م) قام بها الدكتور صالح الصقير استشاري الطب الباطني وباحث في تاريخ الأوبئة أن أول انتشار لإنفلونزا الخنازير «h1n1» في الجزيرة العربية كان قبل 93 عاماً (أي بالعام نفسه الذي انتشرت به إنفلونزا الخنازيز بالعالم وأودت بحياة أكثر من 40 مليون نسمة خلال 3 أشهر فقط، وأكد الدكتور الصقير: أن هناك دوائر علمية وأبحاثاً تؤكد ذلك مثلما حدث عام 1997م وعام 2009م، ويقول الباحث التاريخي إبراهيم القاضي: «في هذه السنة أوقع الله بالجزيرة العربية كلها البادية والحاضرة مرضاً وانتقصت الجزيرة بنفوس عديدة».

سنة الحميقة

في عام 1353هـ (1934-1935م) انتشر بين أطفال مدينة حائل الحميقة (مرض الحصبة) وأصيب به عدد كبير من الأطفال، وكان الناس يعالجون أطفالهم بدخان هدب الإثل ونجحت طريقة العلاج ولم يمت طفل واحد، وتكشف مصادر تاريخية أن العلاج جاء لشخص من حائل كرؤيا في منامه لينشر العلاج على الأطفال المتضررين فنادى بهم الصباح وبدأ في العلاج.