ما إن راسلني الأستاذ علي الرباعي للمشاركة في ستينية «عكاظ» حتى طارت بي الذاكرة إلى ردهات المعهد العلمي في عنيزة ولعام 1960 تحديداً حيث مكتبة المعهد تقع بين فصلين للسنة الأولى؛ فصل (أ) وفصل (ب)، وبين الفصلين غرفة صناعة الشاي ومكتبة المعهد، وكنت أمضي الفسحة التي يسمونها الطويلة في المكتبة وفي الوقت ذاته أخاتل فرّاشي المعهد وهم يعودون بأباريق الشاي بعد فراغ المدرسين من ترشف فناجيلهم، وقد أخطف كوب شاي سريعاً تساعدني برودته على تشربه بسرعة كي ألحق بالفصل مع دخول المدرس مباشرة، وغير هذا كانت ربع الساعة التي أقضيها في المكتبة تعطيني فرصة لتصفح الكتب، وإذا شدني واحد منها استعرته لأقرأه في البيت، ولكن الجرائد لا تعار ولذا فكلما جاءت جريدة كنا نتسابق على خطفها لنشرع في قراءتها بما لدينا من دقائق، ولا يعكر علينا إلا مجيء أحد الفراشين ليقول إن الأستاذ فلاناً يريد الجريدة الفلانية، وهذا ما حدث لي مرة بعد أن انتصرت على زميلي وخطفت جريدة «عكاظ» منه، وكانت الجريدة قد وصلت للتو عبر البريد وهي نسخة واحدة تبقى في المكتبة لمدة أسبوع كامل هي ومعها الجرائد الأخرى وكلها أسبوعيات وتصل لعنيزة عبر البريد السيار، ولكن حادثة ذلك العدد من «عكاظ» أسّس لي علاقة وجدانية مع هذه الجريدة، وبما أني تحاربت مع زميلي على الاستحواذ عليها قبل أي يد أخرى، وكانت تلك نشوة تشبه نشوة انقضاض الصقر على فريسته لكن اقتحام الفراش خلوتي في زاوية المكتبة حيث أعطيت ظهري للواجهة بنية الحيلولة دون اختطاف صديقي للجريدة من يدي أثناء القراءة وهي لعبة مارستها عليه من قبل، وحتماً فإنه يتربص للثأر مني وخطف الجريدة لحظة انهماكي معها، وإن تحوطت من زميلي فإني لا أملك أي تحصين ضد رغبة أستاذ أصدر أمراً بجلب الجريدة له وهذا ما حدث لي ليقلب انتصاري لهزيمة ماحقة طرب لها صاحبي وظل يتندر بها لشهور.
وانتهت مدة الفسحة ومعها ضاع علي كوب الشاي وعدت للفصل لأرى الأستاذ نفسه ومعه جريدة «عكاظ» وقد وضعها على رف عن يمين السبورة وراح يكتب عناصر الدرس على اللوح الأسود وعيون الطلبة كلهم تراقب ما تخطه يد المعلم إلا أنا الذي كنت أرمق الجريدة التي كانت بيدي قبل ربع ساعة وقد ظفرت بها بعد معافسة مع زميلي ثم طارت مني في لحظة فرح وتشفٍ من صديقي وانكسار مني، وظللت مكسوراً وزاد انكساري بعد نهاية الدرس حيث أمر المدرس زميلي المنافس بأن يعيد الجريدة إلى المكتبة، وهنا تحرك زميلي مترنحاً في مشيته وينظر نحوي بطرف عينه ويلوح بالجريدة مثل فارس يستعرض سيفه بعد أن أجهز على منافسه في ميدان المبارزة. وها هي اللحظة تتكرر بكل مشاعرها التي كانت ساكنة في ذاكرتي وما كنت أتصور أنني سأستعيدها ولكن هذه المناسبة الستينية حرّكت المخبوء وأعادتني فتى في الأولى متوسط ينازع صحبه، فيظفر حيناً وينهزم أحياناً أكثر.
أهدي حكايتي هذه لـ«عكاظ» في ستينيتها وهي التي أوقعتني علاقتي بها بلحظة انكسرت فيها ولكنها تركت لي ذكرى محفورة تحركت بعد ستين سنة من حدوثها.
وانتهت مدة الفسحة ومعها ضاع علي كوب الشاي وعدت للفصل لأرى الأستاذ نفسه ومعه جريدة «عكاظ» وقد وضعها على رف عن يمين السبورة وراح يكتب عناصر الدرس على اللوح الأسود وعيون الطلبة كلهم تراقب ما تخطه يد المعلم إلا أنا الذي كنت أرمق الجريدة التي كانت بيدي قبل ربع ساعة وقد ظفرت بها بعد معافسة مع زميلي ثم طارت مني في لحظة فرح وتشفٍ من صديقي وانكسار مني، وظللت مكسوراً وزاد انكساري بعد نهاية الدرس حيث أمر المدرس زميلي المنافس بأن يعيد الجريدة إلى المكتبة، وهنا تحرك زميلي مترنحاً في مشيته وينظر نحوي بطرف عينه ويلوح بالجريدة مثل فارس يستعرض سيفه بعد أن أجهز على منافسه في ميدان المبارزة. وها هي اللحظة تتكرر بكل مشاعرها التي كانت ساكنة في ذاكرتي وما كنت أتصور أنني سأستعيدها ولكن هذه المناسبة الستينية حرّكت المخبوء وأعادتني فتى في الأولى متوسط ينازع صحبه، فيظفر حيناً وينهزم أحياناً أكثر.
أهدي حكايتي هذه لـ«عكاظ» في ستينيتها وهي التي أوقعتني علاقتي بها بلحظة انكسرت فيها ولكنها تركت لي ذكرى محفورة تحركت بعد ستين سنة من حدوثها.