لعلها القضية الصحفية الأولى التي يشترك بها عدد كبير من المثقفين لإبداء وجهة نظرهم حيال سؤال وجودي مرتبط بفيروس كورونا وأثره المميت. لتكشف الردود العجلة والمتأنية عن تشبث الأنتلجنسيا بالحياة وتعلقهم بها وإن برر بعضهم حرصه على الحياة بإنهاء مشاريع كتابية مؤجلة. فيما استحضر بعضهم أدبيات شعبية وتراثية من حكم وأمثال وشعر وعده البعض عدواً ما من صداقته بُدٌ كما قال المتنبي في بيته الشهير، ولعل أقصر إجابات عن سؤال هل تخاف من كورونا جاءت في رد رئيس تحرير المجلة العربية محمد السيف بكلمة واحدة (لا) والشاعر محمد محسن الغامدي الذي عزا خشيته من كرونا إلى مخافة الرحيل قبل إتمام مشروعه الأدبي. والكاتبة حليمة مظفر التي أرجعت خوفها إلى كونها لا تحب الضعف وتخشى المرض ولأنها تخاف على والدتها الحبيبة، فيما استعاد الكاتب الدكتور علي الموسى قصة «مركي» الذي جاء للسوق بذخيرة قديمة غير آمنة وطلب جماعة قريته أن يختبر الذخيرة أمامهم فكان معظمها فاسدا إلا أن واحدة انطلقت وقتلت شيخ القبيلة في مقاربة تراثية مع ما يعدي وما لا يعدي. وقال الكاتب خالد العضاض لا أخشى فايروس كورونا؛ لأني سعودي، وفي المملكة، وفي قلب سلمان.
فيما يرى عالم الاجتماع الدكتور سعد الصويان أن خشية الإصابة بكورونا ليس لمجرد حب الحياة، مع أنه سبب مهم طبعا، إلا أن في جعبته مشاريع بحثية يتطلع إلى أن ينهيها قبل أن يودع الحياة أو يقعده المرض.
ويؤكد الكاتب حماد السالمي على المثل القائل من خاف سلم. وقال أخاف، بكل تأكيد، وإلا لماذا أعتزل وأحترز. وعد الخوف في حد ذاته وقاية نفسية وعملية تغني عن العلاج ما صاب منه وما خاب، وقال «الخوف شجاعة لا شبهة فيها للجبن».
وعبر المسرحي علي السعيد عن خشية الإصابة بكورونا ولذا التزم التعليمات بعد التوكل على الله كي لا يكون أحد المصابين. وتمنى أن لا يصاب به أي إنسان وأن نبذل الأسباب لتلافيه.
ويؤكد الشاعر أحمد السيد عطيف أنه لا يريد أن يموت بمرض شائع أو وباء كونه سيغادر الحياة وحيدا دون مراسم وفاة وعزاء، ويذهب إلى أن المثقف الذي لا يحب الحياة ليس مثقفا وأضاف «نتطلع لمشاركة أحبابنا وأقاربنا المزيد من مناسبات الأفراح. واعمل على مشروع كتابي كبير حمّلته على ذاكرة إلكترونية حتى يكمله صديق فيما لو أدركني الموت».
ويذهب القاص عبدالسلام الحميد إلى منطقية الخشية من الإصابة وتساءل هل هناك عاقل لا يخاف الإصابة بهذا الفايروس بعد كل جهود وزارة الصحة للتوعية بمخاطره؟ وبعد كل ما قدمته حكومتنا الرشيدة لتجنيبنا مخاوف الإصابة؟، وأضاف هذا فايروس تسبب في تغيير شكل العالم ككل، وأصبح مرحلة مفصلية في تاريخ العالم، ما قبل الكورونا وما بعدها، وقال «مع كل هذا وتسألني إن كنت أخشى الإصابة به»؟؟؟
وعد الكاتب عبدالله ثابت المرض الأسوأ توهّم المرض، وكشف أنه سمع مؤخراً حديثاً للاستشاري النفسي أحمد صبرة يشرح عن (الأثر النفسي جسماني الذي يلحقه الوهم بصاحبه، وكيف أنه بالنهاية يمتد ليؤذي مناعته)! وأضاف ثابت «المهم أن يعمل المرء بالاحتياطات المعلنة، ولا يعطي الأمر أكبر من حجمه ما دام لا يتصرف بشكل طائش ومتساهل ومستهتر» مشيراً إلى أن أقدار الله إذا وقعت لا مفر من وقوعها، مؤكداً أنه بكورونا وغيرها من عساه الذي لا يخشى تصاريف الدهر وتمنى الصون والسلامة للجميع..
فيما يرى الشاعر عبدالرحمن موكلي أن السؤال المفترض: (هل تتخذ احتياطات من كورونا وما مدى قناعتك بهذه الاحتياطات) وأجاب «بالطبع أخشى الإصابة بكورونا بحكم أن أي مرض مهما كان ضعفه وسببه مصدر تخوف الإنسان، كون الإنسان السوي يحب الحياة ويحرص عليها».
ويؤكد الشاعر محمد خضر خشيته من كورونا وأن تُصاب ممن تحب أو بمن كان مأمناً لك. عبر هجومٍ يتوزع في كل مكان رابضاً على الأسطح وفي الأيدي والأنفاس، ومترصداً كقدرٍ يبدأ حكايتهُ من اللمسِ الذي هو أقربُ ما يكون لك ومن حالةِ السِلم فيك ما يجعل الإنسان أكثر حذراً من قبل مع أشياء لا تتوقع أن تكون سبب إصابتك وهل ستكون حالة حرجة؟ أم عابرة؟ سريرية؟ أو يمكن حجزكَ في البيت، وأضاف ثمة شيء أصغر مما نتصور ضرره أكبر مما نتوقع ويقضي على حدية الأفكار، وأضاف "أجيب عن السؤال لأبدد مخاوفي ولأواجهه بطريقتي، ما عده كمامة وقفارا ومعقما من نوع آخر، ويرى أن سبب الخشية عند معظم الناس حاجتهم لمزيد وقت فقط ولذا كان القلق متشابها..
ويرى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في محافظة جدة محمد آل صبيح أن الجميع في وضع لا يحسدون عليه وفي حالة يصعب وصفها ما يستدعي حضور بيت المتنبي (ومن نكد الدنُيا على الحُر أن يرى، عدواً له مامن صداقته بدُ) وقوله «وما لخوف إلا ما تخوفه الفتى، وما الأمنُ إلا ما رآه الفتى أمنا) وقال "نحن في معركة تاريخية كبرى نتدرع فيها بكل ما نملك لنحمي أجسادنا وأرواحنا وأفكارنا من هذا العدو الذي أجمع العالم على خشيته، وأضاف، «ومن نزلت بساحته المنايا، فلا أرض تقيه ولا سماء».
فيما قال الكاتب وحيد الغامدي (حقيقةً لم أعد أعرف.. فلربما أنني أصبت به وتعافيت دون أن أعرف، وربما ليس كذلك وربما سيمرّ بلا آثار كما حصل مع بعضهم، وربما يمرّ بآلام مريرة كما حصل مع آخرين. وأضاف «في الحقيقة أحتاط يومياً للأمر، لكني لستُ مرعوباً أو موسوساً. فجزء مهم من المقاومة هو عدم الاستسلام للمخاوف».
ويقر الشاعر صالح الحربي بالخوف من الإصابة بكورونا وبأي مرض آخر حتى لو كان صداعا أو التهاب لوزات، إلا أنه لا يخاف الموت كون المرض متعبا جسديًا ونفسيًا،، ومتعبا لعائلته وأحبابه وأصدقائه نفسيًا.
ويعترف الشاعر إبراهيم الحسين بالخشية من الإصابة بكورونا، لأنه لا يريد أن يموت لسبب سخيف كما قال، ولأنه غير متعجل للعودة إلى التراب، كما أن هناك صمتا كريها لا يرغب فيه الآن بحكم إن القهوة التي اشتراها قبل أيام لم تنفد بعد ولا يريد بأي حال أن يكون هناك ما يحول بينه وبين رؤيتها تفيض ولا يريد أن يكون هناك ما يشغله عن رؤية بضعة سيارات تعبر شارعهم أو يقطعه عن التأفف من شدة الحرارة، كما لا يريد التوقف عن القلق لأنه لو أصيب ربما لا يستطيع مواصلة ذلك، ثم لا تنسى مفاتيحي التي عادة ما تكون في جيبي والتي اعتادت على التأرجح في أصابعي، وأضاف كما أني تركت ثيابي في المغسلة ولم أقل لها إني لن أعود فما الذي ستظنه به هي التي لا تعرف كيف تعود وحدها فيما لو أنه وقع وأصبت، ومن بين الأسباب كما يرى متابعته مسلسلا تلفزيونيا وكتبا لم يكمل قراءتها وفواتير ماء وكهرباء واتصالات وغرامات وأشياء أخرى تدخل في باب المدفوعات لم أسددها، فكيف سأقوم بذلك لو أنني أصبت. ويؤكد أنه جدد قبل فترة بسيطة جواز سفره لخمس سنوات، وتساءل (أليس من العته أن أصاب فأقله دع الخمس تمر وبعدها لكل حادث أغنية)؟ ويجيب «هناك أسباب كثيرة ووجيهة غير هذه التي ذكرت حتى أخشى الإصابة وأذهب ليس بثمن بخس بل بلا ثمن».
ويرى القاص إبراهيم مضواح الألمعي أن في كورونا ما يخيف من كل مرضٍ، فالأنفلونزا تُرْعِبُ، وكرونا لا تقفُ عند مستوى واحدٍ من مستوياتِ الخوف، إذ إن حديث طبيبٍ متفائلٍ يحيلها سحابة صيفٍ خفيفةِ الظِّلِّ، وآخرَ متشائم يجعله يشعر أنها تُطبقُ على أنفاسه، أو تَــفتِكُ بأحدِ أحبابه، مشيرا إلى أنه كلما قرأ نَعيَ أحدِ ضحاياها، يتوهمها تتسلَّلُ من الأبوابِ والنوافذِ، فيرتجف لأنَّهُ ما يزالُ لديه كتبٌ لم يقرأها، وأفكارٌ لم يكتبها، ولحظاتٌ حلم بها ولم يعشها، فتعاوده المخاوف، وتتضاعفُ كون نفسه لم تَعُدْ نفسًا واحدةً، بل تعددت بتعدُّدِ الأولادِ والأحبابِ، ليحاول التَّمَاسُكَ والرِّضا، ويرى أن الأمان غدا وهما، انعدام الأمان ثمنُ الحياة.
فيما قال رئيس أدبي مكة الدكتور حامد الربيعي «نعم أخشى، تساءل كيف لا أخشى وقد أكون وسيطا سيئا أحمل المتاعب لصغير بريء أو لكبير عنده أمل مضيء».
ويروي الشاعر عبدالرحمن سابي قصة خضوعه للحظر الصحي بفندق شيراتون الدمام لمدة أسبوعين في طريق عودته من جزر المالديف ليغدو الخوف أمرا واقعا معاشا في أدق التفاصيل اليومية وقال: لولا الستر لعرجت على مواقف بها من التضاد والغرابة والضحك ما يدفع القارئ لوصمي بالجنون، ويرى أن وسائل التواصل أسهمت بشكل كبير في الوصول بالجميع إلى الخوف الفعلي من هذا الداء، مشيراً إلى أنه يظل للمرء حرصه على حياته وحبه في البقاء سليما معافى والعمل على الأخذ بالأسباب المحققة لما يجب فعله في ظل هذا الاستمرار الفاعل للفايروس باعتباره حقيقة لا يمكن التعالي عن قراءتها والتعاطي مع متطلباتها بما يحقق السلامة للجميع، ولا ينسى عند عودته و أخذ العينة الأولى للفحص فعلم عامل الفندق الذي أراد الصعود معه في المصعد وحين علم بحاله فرّ منه وصعد في الدرج طلبا للسلامة.
ويرى الشاعر علي الأمير أن خشية الإصابة بفايروس كورونا مؤكدة كونها تشكل تهديدا لحياته وما من إنسان إلا وهو يخشى ما يهدد حياته، وعد أي إجابة غير هذه الإجابة فذلكة في غير مكانها.