-A +A
إذا كان لمكة شرف انطلاق التوحيد والعبادة وجمع المسلمين، فإن لها شرفاً آخر يتمثل في جمعها شمل العرب إذ سكنها العرب البائدة ومنهم أقوام عاد، وثمود، وجديس، وعبيل، وجُرهُم، وأطلق عليهم وصف «البائدة» لقدمهم النسبي، ولاندثارهم قبل الإسلام. كما جاء إليها واستقر بها العرب العاربة من القحطانيين إثر تهدم سد مأرب، والعرب المستعربة وهم من صلب سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، الذي تزوج من رعلة الجرهمية، وكان الخليل غادر وترك إسماعيل وأمه في مكة فحزن ودعا الله «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» وما إن أرهقهما العطش حتى ظهر نبع زمزم فشربت وأروته، وتسامعت قبيلة (جُرْهُم) بخبر البئر، وكانت تسكن على مسافة قصيرة من مكة فاستأذنت لتنقل بيوتها حول البئر واحتضنت إسماعيل فنشأ بينها وتعلم منها العربية وتزوج من فتياتها، فأنجبت نسلاً أطلق عليه المؤرخون العرب المستعربة.

وتعددت الروايات حول تحديد حرم مكة؛ ففي حين ترى إحداها أن آدم عليه السلام حين هبط من السماء خاف على نفسه فكلف الله الملائكة بحراسته فوقفت في مواضع عدة من الجهات الأربع وكانت له حرماً، فيما تذهب رواية إلى أن إبراهيم عليه السلام عندما طلب من ابنه اسماعيل يزوده بحجر ليضعه في الركن ليكون مبتدأ الطواف التقط حجراً له أشعة، فكان أقصى ما يصله الإشعاع حرماً حكمه حكم المسجد الحرام من حرمة وأجر صلاة وقداسة.