لا يريد أحد أن يصدق أننا في بريطانيا أضحينا على وشك العودة إلى «الإغلاق»، والحجر المنزلي. وهما التدبيران اللذان ظللنا نكتوي بهما منذ نهاية مارس 2020 حتى أغسطس الماضي. فقد تزايد عدد الإصابات الجديدة بفايروس كورونا الجديد. وتزايد تبعاً لذلك عدد الوفيات. وبدأت تشغلنا من جديد مخاوف نقص الأغذية، والسلع المنزلية الضرورية. صحيح أن بعض الناس يضطرون إلى الخروج من منازلهم لشراء ما يريدونه من الأسواق المجاورة. لكن الحل الأفضل هو طلب قائمة التبضع من المتاجر التموينية الكبرى من خلال تطبيقات «الديلفري». بيد أن ذلك أضحى أصعب من مغامرة الذهاب للأسواق، إذ إن الخوف من الإغلاق الوشيك، والإصابات المتزايدة جعل سكان بريطانيا يتدافعون لشراء حاجاتهم إلكترونياً، حتى أنه لم يعد هناك موعد قريب لتسليم الطلبيات. ولم تعد بريطانيا بالدقة التي عرفت بها في تقديم خدماتها العامة لسكانها؛ إذ إن أية رسالة بريدية يمكن أن تتأخر أسابيع.. والسبب كوفيد-19. وليس ثمة مجالٌ للذهاب إلى طبيب الحي، أو أي مستشفى قريب، إذا شعر المرء بأي مرض. أقصى حل تقدمه لك الحكومة هو موعد مع طبيبك عبر تطبيق «زوم». وإذا أصبت بأي مرض في الأسنان، فلا بد أن تتعلم فضيلة الصبر على الألم. معظم أطباء الأسنان لا يقابلون مرضاهم بسبب الخوف من التفشي الوبائي. والرد المتوقع حين تتصل بعيادة طبيب الأسنان هو: فضلاً اذهب إلى قسم الطوارئ في أقرب مستشفى عام. ومن يجرؤ على الذهاب إلى مستشفى عام؟ هل يذهب الإنسان إلى حتفه بظلفه؟ هذا هو الاعتقاد الشائع أن المشافي موبوءة بفايروس كوفيد-19، وأن التقاط الفايروس من هناك راجح، بل مؤكد. رئيس الوزراء بوريس جونسون كان قبل أسابيع يناشد البريطانيين العودة للعمل من مكاتبهم في قلب لندن.. هل سيجد مجيباً؟ طبعاً لا. فليس هناك من يغامر بركوب قطارات لندن وحافلاتها في مثل هذه الأجواء المفزعة. عملياً ليس لدينا سوى شاشة التلفزيون، التي عليك أن تتسمّر أمامها طوال النهار وآناء الليل. مهما حاولت الهروب من القنوات الإخبارية لتفادي سماع الأخبار الوبائية الأليمة؛ فإن متابعتها واجبة، لأنك لا بد أن تتابع تعليمات الحكومة البريطانية، وقرارات وزرائها، ونصائح خدمتها الصحية. وأحدث تلك السياسات استخدام جونسون سياسة «الجزرة والعصا». فقد أعلن الليل قبل الماضي أن أي شخص يتأكد تشخيص إصابته بكوفيد-19 يكون ملزماً بعزل نفسه صحياً 14 يوماً، وإذا غادر منزله لأي سبب خلال فترة العزل فسيتم تغريمه من ألف جنيه (5 آلاف ريال) إلى 10 آلاف جنيه (50 ألف ريال). وستكون فرق الفحص وتعقب المخالطين مكلفة بمراقبة ضمان انصياع المصابين بالعزل، والإبلاغ عن المخالفين. وتردد أيضاً أن الحكومة ستشجع السكان على الإبلاغ عن جيرانهم إذا لاحظوا أي مخالفات! وإذا كان الموظف أو العامل لا يمكنه العمل من منزله، واضطر للبقاء فيه بموجب تعليمات الإغلاق، فستختصه الحكومة بمبلغ 500 جنيه (2500 ريال) على سبيل الهبة. ولم يمنع ذلك اندلاع مظاهرات المناوئين للتدابير الوقائية، والمعترضين على ارتداء الكمامات، الذين اشتبكوا مع رجال الشرطة في ميدان الطرف الأغر في لندن أمس الأول. ويتوقع أن يعلن جونسون، في خطاب متلفز غداً (الثلاثاء) حزمة التدابير المشددة الجديدة. ومع أن الحديث عن الإغلاق والحجر المنزلي لا يزال مرسلاً من دون تفاصيل محددة؛ إلا أن التوقعات تجمع على أنه سيحظر على البريطانيين ارتياد الحانات. كما سيتم إغلاق المطاعم، والفنادق، وأماكن الترفيه. كما ستمنع العائلات من التزاور. وستبقى المدارس مفتوحة. وقال أقطاب قطاع الضيافة أمس إن أي إغلاق جديد سيقضي على منشآتهم نهائياً، خصوصاً أن واحداً من كل 5 فنادق لا يزال مغلقاً منذ مارس الماضي جراء الأزمة الصحية. وذكرت صحف لندن أمس، أن وزير الخزانة ريشي سوناك قال إنه سيعمد الى تجميد أية زيادات في الأجور وإعانات البطالة والإعاقة، في مسعى يائس لمنع تدهور النفقات الحكومية. وستحل في نهاية أكتوبر القادم نهاية برنامج الحكومة الذي تتحمل بمقتضاه دفع رواتب 900 ألف من العاملين في القطاع الخاص. ولا يُعرف ماذا سيكون مصير هؤلاء الموظفين إذا تعلل مالكو الشركات التي توظفهم بعدم قدرتهم على دفع أي أجور، في ظل إغلاق الاقتصاد مجدداً. وذكرت صحيفة (ذا صن) أمس، أن بريطانيا قد تخضع لقبضة تدبير الإغلاق من وقت لآخر خلال الأشهر الستة القادمة. وأضافت أن علماء الحكومة أثاروا الفزع في نفس جونسون بتحذيرهم من آلاف الوفيات إذا لم يعمد إلى الإغلاق خلال الأيام القليلة القادمة. ونسبت الصحيفة إلى «مصدر حكومي» قوله إن عمليات الإغلاق قد تستمر حتى يصبح اللقاح الواقي من فايروس كورونا الجديد متاحاً. ورفض متحدث باسم رئاسة الحكومة نفي تلك المعلومات.