بدأ العمل على إزالة أكبر خط لنقل النفط في العالم (التابلاين) بعد سبعين عاماً من تأسيسه، والذي كانت تملكه شركات البترول الأربع الكبرى المالكة آنذاك لشركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو).
وقد أنشئ خط التابلاين بأمر ملكي من الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه-؛ لنقل صادرات المملكة العربية السعودية من البترول إلى البواخر العالمية، حيث اختصر هذا الخط مسافة نقل البترول إلى الربع، بطول
1664 كم عبر الأنابيب من المنطقة الشرقية إلى ميناء الزهراني على البحر المتوسط في مدينة صيدا في لبنان، بعد أن كانت الناقلات النفطية تقطع مسافة 6000 كم تقريباً من الخليج العربي مروراً ببحر العرب والبحر الأحمر؛ لتصل إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
وأوضح عضو الجمعية التاريخية السعودية زاهي الخليوي لـ«عكاظ»، أنه بدأ العمل بإنشاء هذا الخط في بداية عام 1948م، وانتهى العمل منه في 2 سبتمبر 1950م؛ لينقل نصف مليون برميل يومياً من السعودية إلى الأسواق العالمية، إذ بلغت تكلفة إنشاء خط التابلاين 230 مليون دولار، ليتكون من 200 ألف قطعة أنابيب بوزن إجمالي 35 ألف طن، وشارك فيه 3 آلاف من آليات ومعدات البناء، وعمل فيه 16 ألف شخص، غالبيتهم من أبناء هذا الوطن الغالي.
وأضاف الخليوي أنه نشأ على ضفافه مدن وقرى عدة ضُم غالبها في منطقة إدارية سميت «محافظة خط الأنابيب» عام 1949م، واستوطنتها البادية؛ ليتوافر فيها السكن والتعليم والصحة وسائر الخدمات، بل وحتى الكماليات من الرياضة والترفيه وغيرها، واستقطبت هذه القرى رجال الأعمال من كافة أنحاء المملكة والدول المجاورة؛ لتكون مركزاً للتبادل التجاري وبوابةً اقتصادية للمملكة بعد إنشاء طريق ينتظم هذه المدن ليصل بين منابع النفط في المنطقة الشرقية ودول الشام والعراق.
وبين الخليوي أن محافظة خط الأنابيب تضم بالترتيب من الشرق (رأس أبو مشعاب، النعيرية، القيصومة، الشعبة، رفحاء، العويقيلة، عرعر، حزم الجلاميد، طريف)، حيث استمر جريان النفط في خط الأنابيب منذ بدئه في أواخر عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ثم في عهد الملك سعود -رحمه الله-، ليتوقف فترة قصيرة في عهد الملك فيصل -رحمه الله- عام 1967م خلال حرب الأيام الستة (النكسة)، ثم عاود الضخ حتى كانت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م في عهد الملك خالد -رحمه الله-، فقررت الشركة إنهاء اتفاقيات التشغيل مع الدول التي يمر بها التابلاين، وفي عهد الملك فهد -رحمه الله- تقرر إيقاف تدفق النفط في صيدا نهائياً عام 1983م، بعد استمرار القلاقل في لبنان، ليتم نقل كميات من النفط بعد ذلك إلى مصفاة الزرقاء بالأردن، حتى كانت نهاية ذلك بحلول حرب الخليج 1990م، ليبقى بعدها خط الأنابيب «التابلاين» جسداً بلا روح، وليظل شاهداً على حقبة من التطور والازدهار لهذا الوطن المعطاء.
وطالب الخليوي بعد قرار إزالة التابلاين كل مهتم بالتراث الوطني والآثار بوضع بعض أجزائه - كالأنابيب والمحركات... - في متاحف المدن التي كان سبباً في نشأتها، ولو زينت مداخل تلك المدن وميادينها بتماثيل ترمز له حفظاً للتراث، إضافة إلى ذلك لو تبنت مشكورة إحدى جامعات المملكة - أو الجهة ذات الاختصاص- ترجمة صحيفة التابلاين التي كانت تصدر شهرياً باللغة الإنجليزية، وحُفظ لنا منها 191 عدداً، حيث يضم كل عدد عموداً تنشر فيه أخبار وصور كل مدينة يمر بها.
ولقرب التابلاين من أبناء المدن التي نشأت على جنباته، فقد خلدوا ذكره في أشعارهم، فمن ذلك ما قال الشاعر كريم الذايدي:
يالبيب وين الذكريات القديمة
وضعك يقطع بسرة القلب يالبيب
معقول مالك عندنا اليوم قيمة
يا معلمٍ يزهاك اسم الأنابيب
وقال الشاعر عبدالله بن عون:
وإليا عطينا سكة التابلاين
ولا قد عطيناها عليها حراذين
نصبح على طارات شهب المكاين
بين العراقيين والاردنيين
وقال شاعر آخر:
الله على اللي عسكرت باللواليب
مامونةٍ ولا النجايب خطيره
ترفعت من فوق خط الأنابيب
تشدى الطخاه اللي بجانب نقيره
وقال شاعر على طرق الهجيني:
نبي فريق شمال البيب
ولا قطينٍ على لوقه
فوق اشهب مثل لون الذيب
ياحلو قطع الفرج فوقه
وقال آخر:
يالبيب ما تنسأل يالبيب
عن اللي مرك وعناني
تصوير: نايف الشريهي