تعارفت القرى في مناطق جنوبية عدة منذ عقود مضت على الاستعداد لطقوس العيد بعادات معبرة عن مناسبات الفرح والمشاركة الاجتماعية، وتنطلق مراسم الليالي الأخيرة من شهر رمضان بتكليف عدد من الفتيان الأشداء بجمع ورص أعواد الحطب على شكل هرمي يرتفع لأربعة أمتار في قمم أعلى جبال القرية المعنية بترائي هلال شوال، فيما يُوكل أمر رصد ولادة القمر إلى أحدّ القرويين الأشد إبصاراً، ليطلق الرائي من بندقيته رصاصة في السماء، ويبدأ الشبان بإشعال النار في الأخشاب اليابسة ليتعالى اللهب في الفضاء، فتنطلق الأعيرة النارية من القرى المجاورة ويدق الشبان المعنيون بالمشعال الزير ليستمر كرنفال الفرح إلى منتصف ليلة العيد، ويبادر كل من يستهويه الإيقاع المتسارع إلى حمل بندقيته واللحاق بدائرة العرّاضة لتفريغ الشحنات السلبية والابتهاج بنعمة الله الذي بلغهم رمضان وأعانهم على صيامه وقيامه.
وتتذكر أجيال باعتزاز مهارة القرويين في الاعتماد على أنفسهم في إثبات دخول رمضان وخروجه، قبل توفر المذياع والتلفزة وأجهزة الرصد الفلكي، وقدرتهم على توفير وسائل لكل ما يحتاجون إليه، ويستعيد عريفة قرية بشير خبتي أحمد الدميني سيرة المشعال المتوارثة في منطقة الباحة إلى عهد قريب، موضحاً أن طبيعة المجتمع القروي تحتّم عليه أن يفرح مع الآخرين، بإعداد المهرجانات الخاصة بالأعياد التي تتسم بالمشاركة واستشعار مسؤولية الجميع بالإسهام في تعزيز البسمات على الشفاه وزرع البهجة في النفوس، مشيراً إلى العلاقة الوطيدة بين إشعال النار ودق الطبول والرقص بالبنادق، مؤكداً أن القرية الأعلى مشعالاً تحظى بكثير من الإشادة ويمتدحها الشعراء بقصائد زجلية يرددها كبار السن والشباب، ويرى الدميني أن غايات المشعال أوسع من كونه مجرد وسيلة إشعار بالعيد بل يغدو إشعارا لربات البيوت، ليبدأن بتحضير الطحين وتقطيع لحم البقر إلى قطع صغيرة، ويوضع في قدر ويصب عليه الماء ويترك على نار هادئة إلى الصباح كون القرويين يمرون بجميع البيوت، ويَسْمُون العيد بتناول لقمة أو لقمتين من كل مائدة، لتحظى كل سيدة بنصيب من الإطراء بحسب جودة ولذة «الفال» كما يطلق عليه، مضيفاً بأن الرجال يتسارعون مع تعالي لهب المشعال إلى خياط القرية لاستلام ثياب العيد.
فيما تؤكد (أم سعيد) أن السيدات بانتهاء مهام الخبزة والمرق يبدأن بخلط الحناء بالماء لتزيين باطن القدمين والكفين بلونه الأحمر، وتلف عليه أوراق التين البلدي ليمنحه شيئا من السواد ثم يلف عليها القماش، فيما ترتب كل ربة بيت منزلها وتخرج الشراشف الخاصة بالمساند والمنقوشة يدوياً، يعقبها كنس السلالم والساحات ورشها بالماء وتبخير مجالس الرجال بالجاوي والدخون وفرش الزل والمفارش المعدة سلفاً لصبحية العيد، وأضافت أن السيدات يعتنين بأطفالهن، بتحميم الأولاد والبنات في طشت داخل المنزل، ليعقبها تسليم كل واحد منهم ملابسه، لتعتني الأم لاحقاً بنفسها، وتخرج ما لديها من لباس شعبي وحلي فضي أو ذهبي، وريحان وكادي، فتتكامل الزينة في نفسها وبيتها وزوجها وأولادها، وأوضحت أن من أهازيج الفرح النسائية (يا عيد يا عواد يابو العوايد.. لهمتنا الحنا ونظم القلايد).
ويظل الحنين لتلك العادات كامناً في نفوس المعاصرين زمن المشعال، ليستيقظ مع كل إعلان برؤية الهلال عبر المراصد الفلكية، التي أسدلت الستار على موروث القرى وأخفتت وهج مشعالها.
وتتذكر أجيال باعتزاز مهارة القرويين في الاعتماد على أنفسهم في إثبات دخول رمضان وخروجه، قبل توفر المذياع والتلفزة وأجهزة الرصد الفلكي، وقدرتهم على توفير وسائل لكل ما يحتاجون إليه، ويستعيد عريفة قرية بشير خبتي أحمد الدميني سيرة المشعال المتوارثة في منطقة الباحة إلى عهد قريب، موضحاً أن طبيعة المجتمع القروي تحتّم عليه أن يفرح مع الآخرين، بإعداد المهرجانات الخاصة بالأعياد التي تتسم بالمشاركة واستشعار مسؤولية الجميع بالإسهام في تعزيز البسمات على الشفاه وزرع البهجة في النفوس، مشيراً إلى العلاقة الوطيدة بين إشعال النار ودق الطبول والرقص بالبنادق، مؤكداً أن القرية الأعلى مشعالاً تحظى بكثير من الإشادة ويمتدحها الشعراء بقصائد زجلية يرددها كبار السن والشباب، ويرى الدميني أن غايات المشعال أوسع من كونه مجرد وسيلة إشعار بالعيد بل يغدو إشعارا لربات البيوت، ليبدأن بتحضير الطحين وتقطيع لحم البقر إلى قطع صغيرة، ويوضع في قدر ويصب عليه الماء ويترك على نار هادئة إلى الصباح كون القرويين يمرون بجميع البيوت، ويَسْمُون العيد بتناول لقمة أو لقمتين من كل مائدة، لتحظى كل سيدة بنصيب من الإطراء بحسب جودة ولذة «الفال» كما يطلق عليه، مضيفاً بأن الرجال يتسارعون مع تعالي لهب المشعال إلى خياط القرية لاستلام ثياب العيد.
فيما تؤكد (أم سعيد) أن السيدات بانتهاء مهام الخبزة والمرق يبدأن بخلط الحناء بالماء لتزيين باطن القدمين والكفين بلونه الأحمر، وتلف عليه أوراق التين البلدي ليمنحه شيئا من السواد ثم يلف عليها القماش، فيما ترتب كل ربة بيت منزلها وتخرج الشراشف الخاصة بالمساند والمنقوشة يدوياً، يعقبها كنس السلالم والساحات ورشها بالماء وتبخير مجالس الرجال بالجاوي والدخون وفرش الزل والمفارش المعدة سلفاً لصبحية العيد، وأضافت أن السيدات يعتنين بأطفالهن، بتحميم الأولاد والبنات في طشت داخل المنزل، ليعقبها تسليم كل واحد منهم ملابسه، لتعتني الأم لاحقاً بنفسها، وتخرج ما لديها من لباس شعبي وحلي فضي أو ذهبي، وريحان وكادي، فتتكامل الزينة في نفسها وبيتها وزوجها وأولادها، وأوضحت أن من أهازيج الفرح النسائية (يا عيد يا عواد يابو العوايد.. لهمتنا الحنا ونظم القلايد).
ويظل الحنين لتلك العادات كامناً في نفوس المعاصرين زمن المشعال، ليستيقظ مع كل إعلان برؤية الهلال عبر المراصد الفلكية، التي أسدلت الستار على موروث القرى وأخفتت وهج مشعالها.