تغطي الشعاب المرجانية ما يقرب من 285 ألف كيلومتر مربع من قاع محيطات العالم وبحاره. وتتركز إلى حد كبير في عشرات السلاسل الرئيسية، لكنها تمارس تأثيراً عالمياً على الحياة البحرية والبشرية. ما يقرب من ربع الأنواع البحرية تقضي على الأقل جزءاً من حياتها هناك. كما تعمل الشعاب المرجانية على إخماد اندفاعات العواصف والأمواج التي يمكن أن تدمر الشواطئ. إنها تطعم ملايين الأشخاص، وتمثل نحو 20 مليار دولار سنوياً في السياحة العالمية.
ومع ذلك، فإن المرجان في العالم مهدد بالانقراض النهائي. لاحظ العلماء لأول مرة تبييضاً جماعياً للمرجان- علامة على الجوع- في العام 1983، وبحلول التسعينيات بدؤوا يربطون ما بين التبييض وتغير درجات حرارة البحر. وبين العامين 1987 و2019، ارتفعت درجة حرارة المحيطات بنسبة 450% أكثر من ارتفاعها بين العامين 1955 و1986. ومنذ العام 1980، شهدت 94% من الشعاب المرجانية نوبة واحدة على الأقل من الابيضاض الشديد. وعانى الحاجز المرجاني العظيم من ثلاثة أحداث مماثلة في السنوات الخمس الماضية. ويقدر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات، فإن معظم الشعاب المرجانية على كوكب الأرض ستعاني من ابيضاض حاد سنوياً بحلول العام 2034، وما لم يحدث تدخل، فإنها ستختفي تماماً بحلول العام 2100. ومن المرجح أن يستمر موت الشعاب المرجانية في العالم حتى لو بدأت الدول في السيطرة على انبعاثات الكربون. يقول كارلوس دوارتي، عالم البيئة البحرية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست): «إننا إذا أردنا عكس هذا الاتجاه فإن النافذة الزمنية أمامنا ضيقة جداً- عقد من الزمن». ويضيف: «النافذة تغلق بسرعة».
يرى العلماء الذين يطورون المعينات الحيوية (البروبيوتيك) أن العلاجات أكثر من مجرد حل مؤقت لتأجيل موت الشعاب المرجانية. ويعتقدون أن للبروبيوتيك فرصة حقيقية لعكس اتجاه بعض الأضرار، التي حدثت بالفعل، ما يمكّن المرجان المهدد من أن يزدهر، وما يقوّي المرجان الجديد الذي يولده الإنسان، والذي يتم زرعه في الشعاب المرجانية المريضة.
الأسئلة الكبيرة لا تزال بحاجة إلى إجابات. هل ستتلاشى البروبيوتيك عند وضعها في البحر؟ هل إنّ هذه الأساليب، كثيفة العمالة، ستكلف مبالغ طائلة عند تجربتها عبر شعاب بطول مئات الكيلومترات؟
حتى أكثر الداعمين حماسة يقرون بمخاطر هذه المحاولة. في بعض النواحي، تبدو علاجات الشعاب المرجانية إلى حد كبير أشبه بالهندسة الجيولوجية: رش الحديد في البحر لتشجيع نمو الطحالب التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، أو رش الهباء الجوي في الهواء لعكس أشعة الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، ما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ قد يؤدي نثر البكتيريا على الشعاب المرجانية إلى تغيير النظام البيئي للمحيطات على مستواه الأساسي.
يشعر بعض الخبراء بالقلق من أن بعض البكتيريا يمكن أن تؤدي بطريق الخطأ إلى تفشي أمراض مرجانية جديدة، وهو احتمال نشأ في تجربة مخبرية حديثة. كما أنّ لا أحد يعرف بالضبط كيف ستؤثر هذه العلاجات على حياة المحيطات في أعلى السلسلة الغذائية، مثل الأسماك وسرطان البحر الذي يتغذى على الزوائد المرجانية.
ومع ذلك، كما هو الحال مع تغير المناخ، أصبحت الآفاق العالمية للشعاب المرجانية قاتمة ومؤلمة للغاية، لدرجة أن العديد من دعاة الحفاظ على البيئة يعتقدون أن هناك حاجة إلى تدابير قصوى. تقول بيشوتو، عالمة الأحياء الدقيقة البحرية في كاوست: «العلماء في وضع حرج». لكنها تقول إن القرار واضح: «علينا أن نتحرك. وإلا، فسيكون قد فات الأوان».
إصلاح الشعاب المرجانية التالفة
يحاول الباحثون منذ السبعينات إصلاح الشعاب التالفة واستعادتها. ففي العام 2015، حاول الباحثون في المعهد الأسترالي لعلوم البحار AIMS وفي أماكن أخرى، أن يولدوا في المختبرات بشكل انتقائي ما يسمى بالمرجان الفائق، الذي يحمل جينات تساعد الحيوانات على تحمل الإجهاد. تعمل الفرق العاملة في المعهد، وفي مختبر غيتس كورال في جامعة هاواي، على استحداث هذا المرجان شديد الحساسية باستخدام «التطور المساعد»، الذي يتضمن اختيار المرجان البري ذي السمات الجينية المرغوبة، مثل القدرة على الصمود والبقاء على قيد الحياة في درجات حرارة المحيط المرتفعة، ثم تهجينه لإنتاج نسل يتميّز بصفات وفيرة. في دراسة مخبرية أُجريت في العام 2020 في AIMS، أثبت المرجان المُستحدث بهذه الطريقة قدرةً على تحمل درجات حرارة عالية حوالى 26 مرة أكثر من المرجان الآخر.
هناك نهج آخر يمكن اتّباعه لمساعدة المرجان، وهو تعزيز تكاثره. في العام 2017، بدأ فريق في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، ومنظمة Nature Conservancy، وSECORE International، وهي منظمة لحماية البيئة، في اصطياد البيض والمنويات التي يطلقها المرجان السليم في الطبيعة في ليالي نادرة، ولكن يمكن التنبؤ بها. أكمل الباحثون عملية الإخصاب في المختبر، ثم زرعوا اليرقات في الشعاب المرجانية المحتاجة.
تشترك هذه الأساليب جميعاً بعيب مخيف: يتعين على عمال الترميم التلاعب بالمرجان في المختبر وتحسين طرق زرعه في الشعاب المرجانية المريضة، وهي عملية بطيئة ومكلفة. يكون الأمر أسرع وبتكاليف معقولة إذا أمكن إعطاء العلاج مباشرة للمرجان المتوعّك في الطبيعة. ساعد هذا الاحتمال في قيادة الباحثين مثل راكيل بيشوتو من كاوست إلى النظر في إمكانيات البروبيوتيك.
التكوينات المرجانية هي أبراج من آلاف الحيوانات تسمى البوليبات polyps، كل منها غالباً ما يكون أصغر من ظفر الخنصر. يستضيف كل بولب مجموعة متنوعة من البكتيريا والطحالب والفطريات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، والمعروفة مجتمعة باسم المكروبيوم microbiome. ومثل المكروبات الموجودة في الأمعاء البشرية، يقوم هؤلاء السكان الصغار بمهام تحافظ على عمل النظام بأكمله. في السنوات الأخيرة، قدم التحليل الميتاجينومي- تسلسل جينات المكروبات الموجودة على البوليبات- صورة أوضح للمهام التي تؤديها المكروبات.
قام العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومعهد وودز هول لعلوم المحيطات، وفي أماكن أخرى، بعزل البكتيريا التي تستهلك النيتروجين الزائد، ما يمنع تكاثر الطحالب المجاورة التي تحرم المرجان من المغذيات. تعمل الكائنات الحية الدقيقة الأخرى على تحلل ما يسمى أنواع الأكسجين التفاعلية ROS- الجزيئات التي تدمر الخلايا المرجانية- أو تساعد المرجان على التقاط الكربون للحصول على الطاقة. فبقدر ما تساعد المكروبات في الأمعاء البشرية على تفتيت الطعام، والمساهمة في تغذيتنا وصحتنا، يفترض الباحثون أن المكروبات المرجانية المفيدة تجعل المضيف أكثر تحملاً في مواجهة الضغوط البيئية من خلال دعم صحته العامة، ودرء اعتلال البوليبات وفقدان الأنسجة.
ومع ارتفاع درجات حرارة المحيطات، تبدأ العلاقات المكروبية داخل المرجان في الانهيار. وجد العلماء في جامعة ولاية أوريغون أن المجتمعات البكتيرية في المرجان المجهد غالباً ما تفقد استقرارها، ما يمنح المكروبات المسببة للأمراض فرصة الانتشار. يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيطات، إلى جانب تحمض المحيطات الناجم عن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، إلى تعطيل عملية التكلس بمساعدة المكروبات، التي تعطي المرجان هيكله، ما يجعل من الصعب عليه إصلاح الضرر. في الوقت نفسه، تقوم البوليبات المجهدة بطرد طحالب Symbiodinium، التي تحول ضوء الشمس إلى طعام للبوليبات، ما يتركها من دون مصدر غذائي. وهذا يعطي المرجان مظهراً أبيض مميزاً يعتبره علماء الأحياء علامة على الهلاك لأن البوليبات المبيضة هي أيضاً أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. لقد شهدت بيشوتو هذا التحول المثير للقلق بشكل مباشر.
عالم يتداعى
عندما كانت طفلة في إجازة، غطست راكيل بيشوتو في الشعاب المرجانية البرازيلية بالقرب من باهيا، حيث فتنها هذا العالم النابض بالحياة تحتها. وحين غطست بعد أن صارت فتاة صبية، رأت ذلك العالم يتداعى. كان المرجان يتحول إلى هياكل عظمية هامدة. وتلك الأجزاء التي كانت تقف بحيوية بدت شاحبة ومريضة. وتقول بيشوتو: «في كل عام كان الوضع يزداد سوءاً. أغوص فأرى 90% من الأنواع ميتة». قررت راكيل أن تقوم بفعل تحويلي، أن تفعل شيئاً يمكنه أن ينعش المرجان البري. وتضيف: «نريد حماية التنوع الموجود بالفعل في الشعاب المرجانية، للتأكد من أن المستعمرات يمكنها البقاء صامدة على قيد الحياة».
وفي العام 2010، قامت راكيل بتجربة هدفت إلى تطوير بديل للمواد الكيميائية الخطرة المستخدمة في تنظيف تسرب النفط في غابات المانغروف البرازيلية. أظهر فريقها أن البكتيريا الممتصة للزيت، يمكن أن تكسر الزيت وتعزز صحة النبات ونموه. ماذا لو استطاعت حشد التعزيزات البكتيرية المركزة لحماية الشعاب المرجانية؟ لم يسبق لأحد أن جرّب المعينات الحيوية، لكن كان لديها حدس أنها قد تفيد.
كخطوة أولى، جلبت بيشوتو الأنسجة ومياه البحر من أسطح المرجان المحلي. ثم فحصت تسلسل الجينات البكتيرية في هذا المزيج للعثور على الأنواع، التي تؤدي وظائف تعزز البقاء على قيد الحياة. قامت بتربية المكروبات المحلية في مستنبت وخلطت الكوكتيلات المصممة حسب كل بيئة من بيئات الشعاب المرجانية. آتى عملها ثماره أواخر العام 2018، عندما نشرت هي وزملاؤها دراسة أظهرت أن مزيج المعينات الحيوية المصمم خصيصاً ساعد المرجان على الصمود أمام ارتفاع درجات حرارة المربيات المائية ومقاومة الأمراض.
التجربة الميدانية الأولى
في يوم بارد من يناير 2020، وضع العلماء في محطة سميثسونيان البحرية بفلوريدا معينات حيوية على المرجان في المحيط، وهي المرة الأولى التي تتم فيها تجربتها. لم تكن المعينات الحيوية، التي كانوا يطورونها على مدى 3 سنوات، مزيجاً واسع النطاق مثل مزيج بيشوتو. لقد تم تصميمه لمواجهة تهديد محدد، وهو أحد أخطر التهديدات للشعاب المرجانية في فلوريدا: مرض فقدان الأنسجة المرجانية الصخري. أرادت الباحثة كيلي بيتس، التي انضمت إلى الفريق في العام 2019 بعد العمل على علاجات بالمضادات الحيوية في جامعة نوفا ساوث إيسترن، اختبار المعينات الحيوية كمساعد أكثر طبيعيّةً لصحة المرجان.
كانت كيلي بيتس متحمسةً ولكن قلقة. كان فريقها يختبر المعينات الحيوية في الأحواض لأشهر عدة، لكن التواجد في الشعاب المرجانية كان مختلفاً تماماً.
تسبب مرض فقدان النسيج المرجاني الصخري، الذي يتغذى على البوليبات مثل الحمض، في تدمير أكثر من 96 ألف فدان من الشعاب المرجانية في فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي منذ العام 2014. وكان المرض- الذي يُشتبه في كونه بكتيرياً- ينتشر من دون رادع، ويفتك بالتكوينات الكبيرة في غضون أسابيع أو شهور. وبحلول العام 2017، كان سحق الجائحة قد تم تصعيده إلى أعلى قائمة أولويات دعاة الحفاظ على البيئة في فلوريدا. وباستخدام التسلسل الجيني السريع، حدد باحثو محطة سميثسونيان البحرية سلالة من بكتيريا Pseudomonas، الموجودة بكميات صغيرة على المرجان المحلي، والتي أنتجت المضاد الحيوي البحري korormicin. في اختبارات المربى المائي، استطاعت الجرعات المركزة من بكتيريا المعينات الحيوية أن تحشر المرض في مأزق.
عواقب غير مقصودة
يتصف علم الأحياء الدقيقة (المكروبيولوجي) بكونه علماً سياقياً. بمعنى أنه يمكن لتغيير تركيزات نوع مفيد من البكتيريا المرجانية أن يؤثر على بكتيريا رئيسية أخرى في المكروبيوم بطرق يصعب التنبؤ بها. بالنسبة للمشككين في المعينات الحيوية المرجانية، فإن هذا التعقيد وعدم القدرة على التنبؤ هو مصدر قلق.
ولكن المخاطر هي مجرد اعتبار عملي واحد. في هذه المرحلة، يصعب حساب تكلفة تطبيق الكوكتيلات عبر الشعاب المرجانية بأكملها. تقول بيشوتو إن القليل من الخلطات التي ابتكرتها استغرقت شوطاً طويلاً، ولكنها أيضاً كلفت ما يصل إلى 600 دولار إلى 700 دولار لعلاج كيلومتر مربع واحد من الشعاب المرجانية، على افتراض أن الغواصين المدربين يستخدمون البروبيوتيك الحيوي (وأن لديهم قارب غوص خاصاً بهم). قد يحمي الدواء المرجان من التلف الحراري لمدة تصل إلى شهر. أمّا على نطاق واسع، فإن الروبوتات المصممة لدهن المركبات ستكون أقل تكلفة من الغواصين البشريين، كما تقول.
ذكر مايكل سويت أن استحداث مرجان ينمو في المختبر من خلال التطور المساعد- وزرعه في شعاب مرجانية ومراقبته- سيكلف ما بين 49 و227 دولاراً لكل مستعمرة مرجانية. غالباً ما تحتوي الشعاب المرجانية على عشرات آلاف المستعمرات في كل كيلومتر مربع. يقول سويت إذا أضيفت بكتيريا المعينات الحيوية إلى المرجان المزروع في المختبر قبل الزرع، فإن التكلفة الإضافية «ستكون منخفضة، أمّا إذا احتجنا إلى إعادة نشر المعينات الحيوية بانتظام، فقد تصبح الطريقة مكلفة».
ومع ذلك، يعرف العلماء أن الشعاب المرجانية معرضة لخطر كبير لدرجة أن ممولي الحفاظ على البيئة من المرجح أن يمضوا قدماً مع فكرة استخدام المعينات الحيوية في الطبيعة.
في الواقع، فإنّ المنظمات الكبيرة تتبنى الفكرة. الصندوق العالمي للحياة الطبيعية في البرازيل، الذي يمول بعض أبحاث بيشوتو، متفائل بشأن آفاق هذه التقنية. في البرازيل، تحول حدث تبييض الشعاب المرجانية الضخم لعام 2019، إلى مفتاح لاستكشاف خيارات الحفظ الجديدة مثل المعينات الحيوية. وترى مؤسسة Great Barrier Reef Foundation (الحاجز المرجاني العظيم) الأسترالية، التي خصصت مئات الآلاف من الدولارات لأبحاث المعينات الحيوية، في علاجات بيشوتو وسيلة واعدة لتحصين المرجان المزروع في المختبر والمخصص للزراعة. يعمل مسؤولو المؤسسة مع بيشوتو وعلماء أستراليين، لتضمين البروبايوتيك الحيوي في مشاريع الترميم المستقبلية إذا سارت الاختبارات على نطاق صغير بشكل جيد.
عزيمة لا تلين
تتفهم بيشوتو مخاوف منتقديها ولكنها تشعر بواجب أخلاقي لاستخدام كل الوسائل لإنقاذ الشعاب المرجانية، وهذا يعني نشر المعينات الحيوية المرجانية في المحيطات قريباً جداً. ومن أجل تهدئتهم، تخطط بيشوتو لإجراء تجارب منضبطة هذا العام في المحيط الاصطناعي الذي تبلغ مساحته 700 متر مربع في المحيط الحيوي Biosphere 2 في جامعة أريزونا. ستمنحها الاختبارات نظرة أوضح على كيفية تأثير المعينات الحيوية على حياة الكائنات البحرية الأخرى. ومع ذلك، فهي لا تقضي الكثير من الوقت في التفكير في مسارها الدراسي. تعترف بأنها تفقد صبرها مع الأشخاص الذين يطالبون بالكثير من الحذر.
مسرح عمليات الفصل التالي من اختباراتها سيكون في كاوست، التي تقع على الساحل السعودي. نظراً لأن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر ازدهرت لسنوات في مياه ذات درجة حرارة مرتفعة، فإن البكتيريا التي تحد من أضرار الحرارة هنا قد تساعد العلماء على فهم كيفية منح ميزة مقاومة للحرارة للمرجان المعتلّ في أماكن أخرى. تقول بيشوتو: إن الشعاب المرجانية هي «كنزي المدفون. أذهب إليه وأحصل على الذهب». لكن علامات الإجهاد بدأت بالظهور حتى على المرجان القوي في البحر الأحمر. فقد حدث ابيضاض، ضرّ أجزاء من الشعاب المرجانية في العام 2020، ويخشى الخبراء أن يكون الأسوأ قادماً. تعمل بيشوتو على توليف مزيج من البكتيريا تأمل في وضعه على الشعاب المرجانية هذا العام، بينما لا تزال تكثف التجارب في Biosphere 2. وستكون التجربة هي المرة الأولى التي تختبر فيها هي وفريقها المعينات الحيوية في بحار الطبيعة.
تنفصل بعض تشكيلات شعاب البحر الأحمر المرجانية بواسطة امتدادات طويلة من قاع البحر الفارغ. سيسهل ذلك على بيشوتو تطبيق المعينات الحيوية على تشكيل واحد، مع ترك الأقرب منها دون مساس. وتقول: «ستكون هذه تجارب صغيرة جداً، ويمكن التحكم فيها جيداً».
إذا تم هذا الاختبار بسلاسة، فستقوم بيشوتو في النهاية بتطبيق مزيجها على عدة تكوينات شعاب مرجانية، كل منها بمساحة مترين مربعين. سيتم توزيع المكروبات عبر شرائح من مادة لاصقة موقوتة مقاومة للماء تلتصق بالمرجان أو بالرواسب القريبة. بعد بضعة أسابيع، ستعمد بيشوتو إلى تقييم صحة المرجان المعالَج بالمقارنة مع صحة المرجان غير المعالج. ستستمر الفحوصات الدورية لمدة عام، وستقوم طوال العملية بمراقبة الأسماك القريبة والكائنات الحية الكبيرة الأخرى، مثل الإسفنج، رصداً للتأثيرات البكتيرية غير المقصودة.
تدرك بيشوتو أبعاد وحجم هذا الفصل الجديد من اختباراتها، لكن الاتساع المضطرد لمدن الأشباح المرجانية التي تراها بأم عينها في غطساتها جعلها تعزّز التزامها وميلها إلى هذا التدخل الراديكالي. وهي متفائلة، ولديها إيمان المبتكرين بقوة المعالجة البيولوجية. هي تعرف أن بعض الناس قد يعتبرونها متسرعة، لكنها، مع آخرين، تؤمن أن التدخل الجريء مطلوب الآن. وتقول: «إذا طوّرنا جميع التقنيات، فلا يزال بإمكاننا امتلاك شعاب مرجانية جميلة، شعاب مرجانية مُعاد تأهيلها ويمكنها الازدهار». من دون هذه المساعدة المستهدفة، ترى في الأفق نذير عصور مظلمة طويلة تحت سطح البحر.
ومع ذلك، فإن المرجان في العالم مهدد بالانقراض النهائي. لاحظ العلماء لأول مرة تبييضاً جماعياً للمرجان- علامة على الجوع- في العام 1983، وبحلول التسعينيات بدؤوا يربطون ما بين التبييض وتغير درجات حرارة البحر. وبين العامين 1987 و2019، ارتفعت درجة حرارة المحيطات بنسبة 450% أكثر من ارتفاعها بين العامين 1955 و1986. ومنذ العام 1980، شهدت 94% من الشعاب المرجانية نوبة واحدة على الأقل من الابيضاض الشديد. وعانى الحاجز المرجاني العظيم من ثلاثة أحداث مماثلة في السنوات الخمس الماضية. ويقدر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات، فإن معظم الشعاب المرجانية على كوكب الأرض ستعاني من ابيضاض حاد سنوياً بحلول العام 2034، وما لم يحدث تدخل، فإنها ستختفي تماماً بحلول العام 2100. ومن المرجح أن يستمر موت الشعاب المرجانية في العالم حتى لو بدأت الدول في السيطرة على انبعاثات الكربون. يقول كارلوس دوارتي، عالم البيئة البحرية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست): «إننا إذا أردنا عكس هذا الاتجاه فإن النافذة الزمنية أمامنا ضيقة جداً- عقد من الزمن». ويضيف: «النافذة تغلق بسرعة».
يرى العلماء الذين يطورون المعينات الحيوية (البروبيوتيك) أن العلاجات أكثر من مجرد حل مؤقت لتأجيل موت الشعاب المرجانية. ويعتقدون أن للبروبيوتيك فرصة حقيقية لعكس اتجاه بعض الأضرار، التي حدثت بالفعل، ما يمكّن المرجان المهدد من أن يزدهر، وما يقوّي المرجان الجديد الذي يولده الإنسان، والذي يتم زرعه في الشعاب المرجانية المريضة.
الأسئلة الكبيرة لا تزال بحاجة إلى إجابات. هل ستتلاشى البروبيوتيك عند وضعها في البحر؟ هل إنّ هذه الأساليب، كثيفة العمالة، ستكلف مبالغ طائلة عند تجربتها عبر شعاب بطول مئات الكيلومترات؟
حتى أكثر الداعمين حماسة يقرون بمخاطر هذه المحاولة. في بعض النواحي، تبدو علاجات الشعاب المرجانية إلى حد كبير أشبه بالهندسة الجيولوجية: رش الحديد في البحر لتشجيع نمو الطحالب التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، أو رش الهباء الجوي في الهواء لعكس أشعة الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، ما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ قد يؤدي نثر البكتيريا على الشعاب المرجانية إلى تغيير النظام البيئي للمحيطات على مستواه الأساسي.
يشعر بعض الخبراء بالقلق من أن بعض البكتيريا يمكن أن تؤدي بطريق الخطأ إلى تفشي أمراض مرجانية جديدة، وهو احتمال نشأ في تجربة مخبرية حديثة. كما أنّ لا أحد يعرف بالضبط كيف ستؤثر هذه العلاجات على حياة المحيطات في أعلى السلسلة الغذائية، مثل الأسماك وسرطان البحر الذي يتغذى على الزوائد المرجانية.
ومع ذلك، كما هو الحال مع تغير المناخ، أصبحت الآفاق العالمية للشعاب المرجانية قاتمة ومؤلمة للغاية، لدرجة أن العديد من دعاة الحفاظ على البيئة يعتقدون أن هناك حاجة إلى تدابير قصوى. تقول بيشوتو، عالمة الأحياء الدقيقة البحرية في كاوست: «العلماء في وضع حرج». لكنها تقول إن القرار واضح: «علينا أن نتحرك. وإلا، فسيكون قد فات الأوان».
إصلاح الشعاب المرجانية التالفة
يحاول الباحثون منذ السبعينات إصلاح الشعاب التالفة واستعادتها. ففي العام 2015، حاول الباحثون في المعهد الأسترالي لعلوم البحار AIMS وفي أماكن أخرى، أن يولدوا في المختبرات بشكل انتقائي ما يسمى بالمرجان الفائق، الذي يحمل جينات تساعد الحيوانات على تحمل الإجهاد. تعمل الفرق العاملة في المعهد، وفي مختبر غيتس كورال في جامعة هاواي، على استحداث هذا المرجان شديد الحساسية باستخدام «التطور المساعد»، الذي يتضمن اختيار المرجان البري ذي السمات الجينية المرغوبة، مثل القدرة على الصمود والبقاء على قيد الحياة في درجات حرارة المحيط المرتفعة، ثم تهجينه لإنتاج نسل يتميّز بصفات وفيرة. في دراسة مخبرية أُجريت في العام 2020 في AIMS، أثبت المرجان المُستحدث بهذه الطريقة قدرةً على تحمل درجات حرارة عالية حوالى 26 مرة أكثر من المرجان الآخر.
هناك نهج آخر يمكن اتّباعه لمساعدة المرجان، وهو تعزيز تكاثره. في العام 2017، بدأ فريق في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، ومنظمة Nature Conservancy، وSECORE International، وهي منظمة لحماية البيئة، في اصطياد البيض والمنويات التي يطلقها المرجان السليم في الطبيعة في ليالي نادرة، ولكن يمكن التنبؤ بها. أكمل الباحثون عملية الإخصاب في المختبر، ثم زرعوا اليرقات في الشعاب المرجانية المحتاجة.
تشترك هذه الأساليب جميعاً بعيب مخيف: يتعين على عمال الترميم التلاعب بالمرجان في المختبر وتحسين طرق زرعه في الشعاب المرجانية المريضة، وهي عملية بطيئة ومكلفة. يكون الأمر أسرع وبتكاليف معقولة إذا أمكن إعطاء العلاج مباشرة للمرجان المتوعّك في الطبيعة. ساعد هذا الاحتمال في قيادة الباحثين مثل راكيل بيشوتو من كاوست إلى النظر في إمكانيات البروبيوتيك.
التكوينات المرجانية هي أبراج من آلاف الحيوانات تسمى البوليبات polyps، كل منها غالباً ما يكون أصغر من ظفر الخنصر. يستضيف كل بولب مجموعة متنوعة من البكتيريا والطحالب والفطريات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، والمعروفة مجتمعة باسم المكروبيوم microbiome. ومثل المكروبات الموجودة في الأمعاء البشرية، يقوم هؤلاء السكان الصغار بمهام تحافظ على عمل النظام بأكمله. في السنوات الأخيرة، قدم التحليل الميتاجينومي- تسلسل جينات المكروبات الموجودة على البوليبات- صورة أوضح للمهام التي تؤديها المكروبات.
قام العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومعهد وودز هول لعلوم المحيطات، وفي أماكن أخرى، بعزل البكتيريا التي تستهلك النيتروجين الزائد، ما يمنع تكاثر الطحالب المجاورة التي تحرم المرجان من المغذيات. تعمل الكائنات الحية الدقيقة الأخرى على تحلل ما يسمى أنواع الأكسجين التفاعلية ROS- الجزيئات التي تدمر الخلايا المرجانية- أو تساعد المرجان على التقاط الكربون للحصول على الطاقة. فبقدر ما تساعد المكروبات في الأمعاء البشرية على تفتيت الطعام، والمساهمة في تغذيتنا وصحتنا، يفترض الباحثون أن المكروبات المرجانية المفيدة تجعل المضيف أكثر تحملاً في مواجهة الضغوط البيئية من خلال دعم صحته العامة، ودرء اعتلال البوليبات وفقدان الأنسجة.
ومع ارتفاع درجات حرارة المحيطات، تبدأ العلاقات المكروبية داخل المرجان في الانهيار. وجد العلماء في جامعة ولاية أوريغون أن المجتمعات البكتيرية في المرجان المجهد غالباً ما تفقد استقرارها، ما يمنح المكروبات المسببة للأمراض فرصة الانتشار. يؤدي ارتفاع درجة حرارة المحيطات، إلى جانب تحمض المحيطات الناجم عن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون، إلى تعطيل عملية التكلس بمساعدة المكروبات، التي تعطي المرجان هيكله، ما يجعل من الصعب عليه إصلاح الضرر. في الوقت نفسه، تقوم البوليبات المجهدة بطرد طحالب Symbiodinium، التي تحول ضوء الشمس إلى طعام للبوليبات، ما يتركها من دون مصدر غذائي. وهذا يعطي المرجان مظهراً أبيض مميزاً يعتبره علماء الأحياء علامة على الهلاك لأن البوليبات المبيضة هي أيضاً أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. لقد شهدت بيشوتو هذا التحول المثير للقلق بشكل مباشر.
عالم يتداعى
عندما كانت طفلة في إجازة، غطست راكيل بيشوتو في الشعاب المرجانية البرازيلية بالقرب من باهيا، حيث فتنها هذا العالم النابض بالحياة تحتها. وحين غطست بعد أن صارت فتاة صبية، رأت ذلك العالم يتداعى. كان المرجان يتحول إلى هياكل عظمية هامدة. وتلك الأجزاء التي كانت تقف بحيوية بدت شاحبة ومريضة. وتقول بيشوتو: «في كل عام كان الوضع يزداد سوءاً. أغوص فأرى 90% من الأنواع ميتة». قررت راكيل أن تقوم بفعل تحويلي، أن تفعل شيئاً يمكنه أن ينعش المرجان البري. وتضيف: «نريد حماية التنوع الموجود بالفعل في الشعاب المرجانية، للتأكد من أن المستعمرات يمكنها البقاء صامدة على قيد الحياة».
وفي العام 2010، قامت راكيل بتجربة هدفت إلى تطوير بديل للمواد الكيميائية الخطرة المستخدمة في تنظيف تسرب النفط في غابات المانغروف البرازيلية. أظهر فريقها أن البكتيريا الممتصة للزيت، يمكن أن تكسر الزيت وتعزز صحة النبات ونموه. ماذا لو استطاعت حشد التعزيزات البكتيرية المركزة لحماية الشعاب المرجانية؟ لم يسبق لأحد أن جرّب المعينات الحيوية، لكن كان لديها حدس أنها قد تفيد.
كخطوة أولى، جلبت بيشوتو الأنسجة ومياه البحر من أسطح المرجان المحلي. ثم فحصت تسلسل الجينات البكتيرية في هذا المزيج للعثور على الأنواع، التي تؤدي وظائف تعزز البقاء على قيد الحياة. قامت بتربية المكروبات المحلية في مستنبت وخلطت الكوكتيلات المصممة حسب كل بيئة من بيئات الشعاب المرجانية. آتى عملها ثماره أواخر العام 2018، عندما نشرت هي وزملاؤها دراسة أظهرت أن مزيج المعينات الحيوية المصمم خصيصاً ساعد المرجان على الصمود أمام ارتفاع درجات حرارة المربيات المائية ومقاومة الأمراض.
التجربة الميدانية الأولى
في يوم بارد من يناير 2020، وضع العلماء في محطة سميثسونيان البحرية بفلوريدا معينات حيوية على المرجان في المحيط، وهي المرة الأولى التي تتم فيها تجربتها. لم تكن المعينات الحيوية، التي كانوا يطورونها على مدى 3 سنوات، مزيجاً واسع النطاق مثل مزيج بيشوتو. لقد تم تصميمه لمواجهة تهديد محدد، وهو أحد أخطر التهديدات للشعاب المرجانية في فلوريدا: مرض فقدان الأنسجة المرجانية الصخري. أرادت الباحثة كيلي بيتس، التي انضمت إلى الفريق في العام 2019 بعد العمل على علاجات بالمضادات الحيوية في جامعة نوفا ساوث إيسترن، اختبار المعينات الحيوية كمساعد أكثر طبيعيّةً لصحة المرجان.
كانت كيلي بيتس متحمسةً ولكن قلقة. كان فريقها يختبر المعينات الحيوية في الأحواض لأشهر عدة، لكن التواجد في الشعاب المرجانية كان مختلفاً تماماً.
تسبب مرض فقدان النسيج المرجاني الصخري، الذي يتغذى على البوليبات مثل الحمض، في تدمير أكثر من 96 ألف فدان من الشعاب المرجانية في فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي منذ العام 2014. وكان المرض- الذي يُشتبه في كونه بكتيرياً- ينتشر من دون رادع، ويفتك بالتكوينات الكبيرة في غضون أسابيع أو شهور. وبحلول العام 2017، كان سحق الجائحة قد تم تصعيده إلى أعلى قائمة أولويات دعاة الحفاظ على البيئة في فلوريدا. وباستخدام التسلسل الجيني السريع، حدد باحثو محطة سميثسونيان البحرية سلالة من بكتيريا Pseudomonas، الموجودة بكميات صغيرة على المرجان المحلي، والتي أنتجت المضاد الحيوي البحري korormicin. في اختبارات المربى المائي، استطاعت الجرعات المركزة من بكتيريا المعينات الحيوية أن تحشر المرض في مأزق.
عواقب غير مقصودة
يتصف علم الأحياء الدقيقة (المكروبيولوجي) بكونه علماً سياقياً. بمعنى أنه يمكن لتغيير تركيزات نوع مفيد من البكتيريا المرجانية أن يؤثر على بكتيريا رئيسية أخرى في المكروبيوم بطرق يصعب التنبؤ بها. بالنسبة للمشككين في المعينات الحيوية المرجانية، فإن هذا التعقيد وعدم القدرة على التنبؤ هو مصدر قلق.
ولكن المخاطر هي مجرد اعتبار عملي واحد. في هذه المرحلة، يصعب حساب تكلفة تطبيق الكوكتيلات عبر الشعاب المرجانية بأكملها. تقول بيشوتو إن القليل من الخلطات التي ابتكرتها استغرقت شوطاً طويلاً، ولكنها أيضاً كلفت ما يصل إلى 600 دولار إلى 700 دولار لعلاج كيلومتر مربع واحد من الشعاب المرجانية، على افتراض أن الغواصين المدربين يستخدمون البروبيوتيك الحيوي (وأن لديهم قارب غوص خاصاً بهم). قد يحمي الدواء المرجان من التلف الحراري لمدة تصل إلى شهر. أمّا على نطاق واسع، فإن الروبوتات المصممة لدهن المركبات ستكون أقل تكلفة من الغواصين البشريين، كما تقول.
ذكر مايكل سويت أن استحداث مرجان ينمو في المختبر من خلال التطور المساعد- وزرعه في شعاب مرجانية ومراقبته- سيكلف ما بين 49 و227 دولاراً لكل مستعمرة مرجانية. غالباً ما تحتوي الشعاب المرجانية على عشرات آلاف المستعمرات في كل كيلومتر مربع. يقول سويت إذا أضيفت بكتيريا المعينات الحيوية إلى المرجان المزروع في المختبر قبل الزرع، فإن التكلفة الإضافية «ستكون منخفضة، أمّا إذا احتجنا إلى إعادة نشر المعينات الحيوية بانتظام، فقد تصبح الطريقة مكلفة».
ومع ذلك، يعرف العلماء أن الشعاب المرجانية معرضة لخطر كبير لدرجة أن ممولي الحفاظ على البيئة من المرجح أن يمضوا قدماً مع فكرة استخدام المعينات الحيوية في الطبيعة.
في الواقع، فإنّ المنظمات الكبيرة تتبنى الفكرة. الصندوق العالمي للحياة الطبيعية في البرازيل، الذي يمول بعض أبحاث بيشوتو، متفائل بشأن آفاق هذه التقنية. في البرازيل، تحول حدث تبييض الشعاب المرجانية الضخم لعام 2019، إلى مفتاح لاستكشاف خيارات الحفظ الجديدة مثل المعينات الحيوية. وترى مؤسسة Great Barrier Reef Foundation (الحاجز المرجاني العظيم) الأسترالية، التي خصصت مئات الآلاف من الدولارات لأبحاث المعينات الحيوية، في علاجات بيشوتو وسيلة واعدة لتحصين المرجان المزروع في المختبر والمخصص للزراعة. يعمل مسؤولو المؤسسة مع بيشوتو وعلماء أستراليين، لتضمين البروبايوتيك الحيوي في مشاريع الترميم المستقبلية إذا سارت الاختبارات على نطاق صغير بشكل جيد.
عزيمة لا تلين
تتفهم بيشوتو مخاوف منتقديها ولكنها تشعر بواجب أخلاقي لاستخدام كل الوسائل لإنقاذ الشعاب المرجانية، وهذا يعني نشر المعينات الحيوية المرجانية في المحيطات قريباً جداً. ومن أجل تهدئتهم، تخطط بيشوتو لإجراء تجارب منضبطة هذا العام في المحيط الاصطناعي الذي تبلغ مساحته 700 متر مربع في المحيط الحيوي Biosphere 2 في جامعة أريزونا. ستمنحها الاختبارات نظرة أوضح على كيفية تأثير المعينات الحيوية على حياة الكائنات البحرية الأخرى. ومع ذلك، فهي لا تقضي الكثير من الوقت في التفكير في مسارها الدراسي. تعترف بأنها تفقد صبرها مع الأشخاص الذين يطالبون بالكثير من الحذر.
مسرح عمليات الفصل التالي من اختباراتها سيكون في كاوست، التي تقع على الساحل السعودي. نظراً لأن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر ازدهرت لسنوات في مياه ذات درجة حرارة مرتفعة، فإن البكتيريا التي تحد من أضرار الحرارة هنا قد تساعد العلماء على فهم كيفية منح ميزة مقاومة للحرارة للمرجان المعتلّ في أماكن أخرى. تقول بيشوتو: إن الشعاب المرجانية هي «كنزي المدفون. أذهب إليه وأحصل على الذهب». لكن علامات الإجهاد بدأت بالظهور حتى على المرجان القوي في البحر الأحمر. فقد حدث ابيضاض، ضرّ أجزاء من الشعاب المرجانية في العام 2020، ويخشى الخبراء أن يكون الأسوأ قادماً. تعمل بيشوتو على توليف مزيج من البكتيريا تأمل في وضعه على الشعاب المرجانية هذا العام، بينما لا تزال تكثف التجارب في Biosphere 2. وستكون التجربة هي المرة الأولى التي تختبر فيها هي وفريقها المعينات الحيوية في بحار الطبيعة.
تنفصل بعض تشكيلات شعاب البحر الأحمر المرجانية بواسطة امتدادات طويلة من قاع البحر الفارغ. سيسهل ذلك على بيشوتو تطبيق المعينات الحيوية على تشكيل واحد، مع ترك الأقرب منها دون مساس. وتقول: «ستكون هذه تجارب صغيرة جداً، ويمكن التحكم فيها جيداً».
إذا تم هذا الاختبار بسلاسة، فستقوم بيشوتو في النهاية بتطبيق مزيجها على عدة تكوينات شعاب مرجانية، كل منها بمساحة مترين مربعين. سيتم توزيع المكروبات عبر شرائح من مادة لاصقة موقوتة مقاومة للماء تلتصق بالمرجان أو بالرواسب القريبة. بعد بضعة أسابيع، ستعمد بيشوتو إلى تقييم صحة المرجان المعالَج بالمقارنة مع صحة المرجان غير المعالج. ستستمر الفحوصات الدورية لمدة عام، وستقوم طوال العملية بمراقبة الأسماك القريبة والكائنات الحية الكبيرة الأخرى، مثل الإسفنج، رصداً للتأثيرات البكتيرية غير المقصودة.
تدرك بيشوتو أبعاد وحجم هذا الفصل الجديد من اختباراتها، لكن الاتساع المضطرد لمدن الأشباح المرجانية التي تراها بأم عينها في غطساتها جعلها تعزّز التزامها وميلها إلى هذا التدخل الراديكالي. وهي متفائلة، ولديها إيمان المبتكرين بقوة المعالجة البيولوجية. هي تعرف أن بعض الناس قد يعتبرونها متسرعة، لكنها، مع آخرين، تؤمن أن التدخل الجريء مطلوب الآن. وتقول: «إذا طوّرنا جميع التقنيات، فلا يزال بإمكاننا امتلاك شعاب مرجانية جميلة، شعاب مرجانية مُعاد تأهيلها ويمكنها الازدهار». من دون هذه المساعدة المستهدفة، ترى في الأفق نذير عصور مظلمة طويلة تحت سطح البحر.