أثارت مشاركة الكاتب والباحث السعودي مشاري الذايدي في قناة الإخبارية عن الصحوة ودورها في تغيير اللازمة اللغوية لدى السعوديين الجدل الذي لم ينته في وسائل التواصل الاجتماعي إلى تاريخ تحرير هذه المادة الصحفية، بعد أن طغى على العديد من ردود الأفعال السخرية والانتقاص، ورغم الردود التي شارك فيها كتّاب ومثقفون إضافة إلى مغردين مجهولين على الحديث المجتزأ الذي أكد فيه الذايدي أنّ اللازمة اللغوية لدى السعوديين تغيّرت كثيراً بفعل الصحوة، واستشهد على ذلك ببعض الكلمات التي قال إنها نشرت في بحث أكاديمي في مجلة علمية محكّمة.
ما يلفت الانتباه في هذه المشكلة أنّ جلّ الردود التي شارك فيها باحثون وكتّاب لم تبحث عن الدراسة، ولم تشر إليها من قريب أو بعيد، وكأنّ الهدف من هذا الجدال ليس معرفة الحقيقة أو الاستدلال على بعض ما ورد في الدراسة العلميّة بقدر ما كان الهدف صرف النظر عن أدبيات الصحوة، والتعريف بآثارها، وتحويل الموضوع العلمي إلى ميدان للتنابز والاستخفاف!
«عكاظ» بحثت عن الدراسة التي دار حولها هذا الجدل، وحصلت عليها في العدد الأول من المجلّة الدورية المحكّمة «مجلة الخطاب الثقافي» التي أصدرتها الجمعية السعودية للهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود في الرياض، التي صدرت في 2006، وكان عنوان هذه الدراسة «اللازمة اللغوية / الدينية في كلام السعوديين: أنماطها ووظائفها الثقافية» للدكتور ناصر الحجيلان، حيث أرّخت الدراسة لبروز اللازمة الدينية في السعودية بشكل واضح منذ السبعينات الميلادية بعد قدوم الإخوان المسلمين من مصر وسورية إلى السعودية، ثم حركة جهيمان وأتباعه عام 1979، إذ أكدت الدراسة أنّ هذه الحركة برغم القضاء عليها في وقت وجيز إلاّ أنها تركت أثراً على وسائل التعليم والإعلام، إضافة إلى ما تبع ذلك من مشاركة عدد من السعوديين في الحرب الأفغانية ضد الروس التي استقطبت عدداً كبيراً من الناس الذين ذهبوا لأفغانستان ثم عادوا يحملون أفكاراً دينية معينة، حيث أخذت اللازمة / الدينية منذ التسعينات صيغاً معينة (كما تقول الدراسة) يعرفها الناس ويتعلمونها في المدارس ومراكز الأنشطة، ويستخدمونها على نطاق واسع.
وظائف اللازمة الدينية
للازمة الدينية كما تقول الدراسة وظيفتان؛ الأولى وظيفة اتصاليّة تعتمد عليها في التأثير على الفكر الجمعي للناس بنقل معانٍ صريحة وأخرى ضمنية وتأكيد قناعات المخاطب أو تغييرها، ووظيفة ثانية سوسيولوجية من خلال الشعور العملي بالانتماء إلى المجموعة، والرغبة في التميّز أو الاختلاف، والرغبة في التخلّص من الثقافة الخاصّة، واكتساب السلطة.
الدراسة التي أعدها الدكتور ناصر الحجيلان ونشرت في مجلة الخطاب الثقافي في 2006 تختتم بأنّ اللازمة الدينية حينما أسست لها أنموذجاً لغوياً معيناً قد أتاحت المجال لكي تكون عند بعض المستخدمين عادة سلوكية تشبه الموضة، يستخدمها الناس لمجاراة الاستخدام السائد في المجتمع، وعلى أنّ اللازمة الدينية تعتبر عادة قارّة عند فئة من المجتمع من الملتزمين دينيّاً، وهي لديهم تحمل قيمة ثقافية عليا تصل إلى درجة التقاليد، أو الدين نفسه مما يجعل التقيّد بها أمراً ملزماً ويؤدي خرقها إلى الصدام مع ما يتوقعه رأي الجماعة، لكنّ الدراسة تنفي أن تكون اللازمة الدينية في المجتمع السعودي عادة شعبيّة للجميع وأنها لا تحمل قيمة بؤرية ذات دافع لغوي له ارتباط قوي وحتمي يؤثر على حياة الإنسان السعودي، لأنّ تلك اللازمة (كما تقول الدراسة) لا تملك تصوراً يؤثر في أفكار الإنسان وأفعاله، وإنما هي شكل ثقافي يعطي انطباعاً معيناً عن الشخصية وعن ثقافة المجموعة أكثر من كونها كياناً ثقافياً يكفل المعطيات الأساسية للمجتمع.
الوظيفة الثقافية للازمة الدينية
أثبتت الدراسة أنّ اللوازم الدينية المستخدمة في الكلام الشفهي لدى فئة معينة من الناس تقوم بوظائف ثقافية بعضها يكون مقصوداً من المستخدمين، وبعضها لا يكون القصد منه واضحاً وإنما يبرز من خلال النظر في الثقافة المشتركة التي أنتجت تلك اللوازم، وتشير الدراسة إلى أنّ استخدام المتكلم لازمة دينية معينة بقصد يؤدي إلى مسايرة الشخص الذي يتكلم معه في طريقة حديثه حتى يبدو للمخاطب وكأنه يشترك معه في الانتماء، وإعطاء انطباع بأنّ مستخدمها شخص متدين لاستثارة المشاعر الدينية عن المخاطب على اعتبار أنّ ذلك سوف يساعده أو ييسّر أموره لقضاء معاملة عند الدوائر الرسمية أو إنجاز عمل يتطلب موافقة ذلك الشخص أو الأشخاص المخاطبين.
سمات اللازمة الدينية
أبرزت الدراسة العلميّة مجموعة من السمات التي تتسم بها اللازمة الدينية التي أدخلتها الصحوة على المجتمع السعودي ومنها إمكانية تبادل المواقع بين تلك اللوازم، وأنّ اللازمة الدينية ملصقة بالكلام ويمكن الاستغناء عنها دون أن يختلّ المعنى الحرفي المراد إيصاله.
وأشارت إلى إمكانية التخلي عن اللازمة الدينية عند مستخدميها بسهولة لأنّ الشخص لم يستخدمها في فترة حياته وكان كلامه آنذاك مفهوماً ومقبولاً في مجتمعه، كما أنه يتخلى عنها نهائياً وهو لا يزال ضمن انتمائه للصحوة الإسلامية في حالتين: الأولى حينما يكون مع أسرته في حديث شخصي وحميم، وكأنّ اللازمة الدينية ملصق يُستخدم للناس في الخارج، والحالة الثانية التي تختفي فيها اللازمة الدينية من حديث المتكلم عندما يغضب أو يفقد تركيزه لأنه في حال الانفعال يغيب الوعي وتصعب السيطرة على اللغة وبالتالي تختفي الأشياء المضافة عليها كالتفاصح أو استخدام لوازم دينية وتبقى الأمور الأساسية كاللهجة المحلية على اعتبار أن استخدام اللازمة الدينية كان عنصراً ثقافياً تبناه الشخص في حين أنّ لهجة الشخص الطبيعية هي عنصر داخلي أساسي يمثل التنشئة الثقافية التي اكتسبها الشخص منذ الطفولة من مجتمعه بما فيها تكوينه اللغوي.
أنماط اللازمة الدينية
هناك أنماط منذ السبعينات وخلال فترة الحرب الأفغانية الروسية صارت سمات مظهريّة يلتزم بها أشخاص متدينون وكانت تبدو واضحة للعيان، وقد برزت (كما تقول الدراسة) بشكل واضح وجليّ في فترة حرب الخليج في التسعينات، فما أن يلتزم الشخص دينيّاً حتى يلاحظ الناس عليه مجموعة مظاهر من ضمنها: تجنب سماع الأغاني والموسيقى، الإقلاع عن التدخين إن كان مدخناً والإكثار من استخدام المسواك، تقصير الثوب وأحياناً طرح العقال الذي يمسك غطاء الرأس (الشماغ الأحمر أو الغترة البيضاء)، الإكثار من ترديد تحيّة السّلام بصيغتها الكاملة وزيادة عدد العبارات الدينية الأخرى في كلامه.
الدراسة في هذه الأنماط ركّزت على الجانب اللغوي باعتباره عنصراً مساهماً في التكوين الثقافي للناس، وبحثت في اللوازم اللغوية الدينية المستخدمة في سياقاتها المختلفة، ورصدت الدراسة عدداً من العبارات اللغوية ذات الطابع الديني التي ترد على ألسنة المتكلمين بشكل تكراري يحتفظ بنمط أو أنماط لغوية معينة، وقسمت الدراسة هذه الأنماط إلى قسمين: لوازم دينية إيجابية في كونها تعبّر بشكل مباشر عن معانٍ تترك في الغالب أثراً إيجابياً عند المتلقي وتدفعه نحو إقامة اتصال مع المخاطب، ولوازم سلبية تعبر عن الغضب والنفور والكره وغير ذلك من المشاعر السلبية بين الناس.
الدراسة اعتمدت في لوازمها اللغوية / الدينية على مصادر عديدة متنوعة مثل: قناة المجد التلفزيونية (39%) إذاعة الرياض (18%) حوارات ومحاضرات حيّة قام الباحث بتسجيلها في عدّة مدن مثل: الباحة، الدمام، رأس تنورة، الرياض، جدة، حائل، رفحاء (21%) ومقاطع صوتية منشورة في النت (13%) وبعض الكتابات في الإنترنت التي لها طابع شفهي (9%). وعرضت الدراسة بعض اللوازم الدينية البارزة في الاستعمال اليومي للناس مثل «أخي في الله»، التي قالت الدراسة إنّ ربط كلمة «أخي» بأنها «في الله» منح الكلمة معنى دينياً، ومما يجدر ذكره أنّ الناس في الثقافة العربية يستخدمون كلمة «أخي» للدلالة على علاقة المودة مع المخاطب، وقد يضاف إليها وصف الأخ بأنه كريم أو عزيز أو فاضل أو غير ذلك من الأوصاف الإيجابيّة التي تعطي انطباعاً مؤدباً في التعامل مع الآخرين، لكنّ عبارة «أخي في الله» أو «أختي في الله» صار لها استخدام مكثّف في السعودية في السنوات الأخيرة حينما ارتبطت بالحزبيّة وصارت تظهر حتى في الأسلوب الكتابي.
اللازمة الدينية
الدراسة قسمت اللازمة اللغوية إلى: لازمة إقليمية، لازمة عمرية، لازمة نسويّة، لازمة مشتركة، وأكدت الدراسة أنّ اللوازم اللغوية السابقة تمثّل قيماً ثقافية خاصّة بالفرد والمجتمع، واستشهدت الدراسة بـ«يا بعد حيي» في حائل و«أنت توحي» في بادية نجد وشمالها و«إن زين ... هم زين» في الشرقية، إضافة إلى لوازم لغوية أخرى عمرية ونسويّة ومشتركة.
وأوضحت هذه الدراسة أنّ اللازمة الدينية هي لازمة لغوية تحوي لفظ الجلالة (الله) وفق صيغة لغوية تميل إلى الضبط بالشكل بمراعاة تحقيق العلامات الإعرابية أثناء الكلام، وتحيل الدراسة ظهور هذه اللازمة الدينية إلى عوامل فكرية واجتماعية واقتصادية ونفسية جعلت الناس يستخدمونها بشكل طبيعي، فالشخص يتأثر بمن يتعامل معه لفترة طويلة وربما يجد نفسه يكرر بعض عباراته إضافة إلى أنّ تعامل الشخص مع مجموعات تشترك في استخدام عبارات معينة تنقل تلك العبارات إلى الشخص سواء عن قصد أم بشكل عفوي.
اللوازم اللغوية المناطقية والقبلية
الدراسة أكدت أنّ هناك لوازم لغوية خاصة ببعض المناطق أو القبائل سبقت اللازمة اللغوية / الدينية ولا تزال مستخدمة على نطاق مرتبط بالسكان الباقين في أماكنهم وتحمل هويات تخصّ مستخدميها وتظهرهم للناس إلاّ أنّ انتشار اللازمة اللغوية / الدينية دفع البعض للتّخلّي عن اللازمة اللغوية الخاصة بمنطقته أو قبيلته.
وتقدم الدراسة التي نشرت في صفحات المجلة لمحة عن اللازمة اللغوية المرتبطة بالمناطق والقبائل في السعودية بشكل مختصر للتعريف بالكيفية التي بدأت فيها تلك اللوازم تتنحّى أمام اللازمة اللغوية / الدينية؛ فصارت اللازمة اللغوية تدل على المجموعة ذات الانتماء الفكري أكثر من دلالتها على المنطقة الجغرافية وهذه المجموعة الفكرية قد يمتد وجودها إلى مساحة أكبر من مساحة بلد أو منطقة لأنها متعلّقة بأيديولوجيا لا تقتصر على حدود جغرافية ولا ترتبط بالجنسيّة أو الانتماء القبلي.
ما يلفت الانتباه في هذه المشكلة أنّ جلّ الردود التي شارك فيها باحثون وكتّاب لم تبحث عن الدراسة، ولم تشر إليها من قريب أو بعيد، وكأنّ الهدف من هذا الجدال ليس معرفة الحقيقة أو الاستدلال على بعض ما ورد في الدراسة العلميّة بقدر ما كان الهدف صرف النظر عن أدبيات الصحوة، والتعريف بآثارها، وتحويل الموضوع العلمي إلى ميدان للتنابز والاستخفاف!
«عكاظ» بحثت عن الدراسة التي دار حولها هذا الجدل، وحصلت عليها في العدد الأول من المجلّة الدورية المحكّمة «مجلة الخطاب الثقافي» التي أصدرتها الجمعية السعودية للهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود في الرياض، التي صدرت في 2006، وكان عنوان هذه الدراسة «اللازمة اللغوية / الدينية في كلام السعوديين: أنماطها ووظائفها الثقافية» للدكتور ناصر الحجيلان، حيث أرّخت الدراسة لبروز اللازمة الدينية في السعودية بشكل واضح منذ السبعينات الميلادية بعد قدوم الإخوان المسلمين من مصر وسورية إلى السعودية، ثم حركة جهيمان وأتباعه عام 1979، إذ أكدت الدراسة أنّ هذه الحركة برغم القضاء عليها في وقت وجيز إلاّ أنها تركت أثراً على وسائل التعليم والإعلام، إضافة إلى ما تبع ذلك من مشاركة عدد من السعوديين في الحرب الأفغانية ضد الروس التي استقطبت عدداً كبيراً من الناس الذين ذهبوا لأفغانستان ثم عادوا يحملون أفكاراً دينية معينة، حيث أخذت اللازمة / الدينية منذ التسعينات صيغاً معينة (كما تقول الدراسة) يعرفها الناس ويتعلمونها في المدارس ومراكز الأنشطة، ويستخدمونها على نطاق واسع.
وظائف اللازمة الدينية
للازمة الدينية كما تقول الدراسة وظيفتان؛ الأولى وظيفة اتصاليّة تعتمد عليها في التأثير على الفكر الجمعي للناس بنقل معانٍ صريحة وأخرى ضمنية وتأكيد قناعات المخاطب أو تغييرها، ووظيفة ثانية سوسيولوجية من خلال الشعور العملي بالانتماء إلى المجموعة، والرغبة في التميّز أو الاختلاف، والرغبة في التخلّص من الثقافة الخاصّة، واكتساب السلطة.
الدراسة التي أعدها الدكتور ناصر الحجيلان ونشرت في مجلة الخطاب الثقافي في 2006 تختتم بأنّ اللازمة الدينية حينما أسست لها أنموذجاً لغوياً معيناً قد أتاحت المجال لكي تكون عند بعض المستخدمين عادة سلوكية تشبه الموضة، يستخدمها الناس لمجاراة الاستخدام السائد في المجتمع، وعلى أنّ اللازمة الدينية تعتبر عادة قارّة عند فئة من المجتمع من الملتزمين دينيّاً، وهي لديهم تحمل قيمة ثقافية عليا تصل إلى درجة التقاليد، أو الدين نفسه مما يجعل التقيّد بها أمراً ملزماً ويؤدي خرقها إلى الصدام مع ما يتوقعه رأي الجماعة، لكنّ الدراسة تنفي أن تكون اللازمة الدينية في المجتمع السعودي عادة شعبيّة للجميع وأنها لا تحمل قيمة بؤرية ذات دافع لغوي له ارتباط قوي وحتمي يؤثر على حياة الإنسان السعودي، لأنّ تلك اللازمة (كما تقول الدراسة) لا تملك تصوراً يؤثر في أفكار الإنسان وأفعاله، وإنما هي شكل ثقافي يعطي انطباعاً معيناً عن الشخصية وعن ثقافة المجموعة أكثر من كونها كياناً ثقافياً يكفل المعطيات الأساسية للمجتمع.
الوظيفة الثقافية للازمة الدينية
أثبتت الدراسة أنّ اللوازم الدينية المستخدمة في الكلام الشفهي لدى فئة معينة من الناس تقوم بوظائف ثقافية بعضها يكون مقصوداً من المستخدمين، وبعضها لا يكون القصد منه واضحاً وإنما يبرز من خلال النظر في الثقافة المشتركة التي أنتجت تلك اللوازم، وتشير الدراسة إلى أنّ استخدام المتكلم لازمة دينية معينة بقصد يؤدي إلى مسايرة الشخص الذي يتكلم معه في طريقة حديثه حتى يبدو للمخاطب وكأنه يشترك معه في الانتماء، وإعطاء انطباع بأنّ مستخدمها شخص متدين لاستثارة المشاعر الدينية عن المخاطب على اعتبار أنّ ذلك سوف يساعده أو ييسّر أموره لقضاء معاملة عند الدوائر الرسمية أو إنجاز عمل يتطلب موافقة ذلك الشخص أو الأشخاص المخاطبين.
سمات اللازمة الدينية
أبرزت الدراسة العلميّة مجموعة من السمات التي تتسم بها اللازمة الدينية التي أدخلتها الصحوة على المجتمع السعودي ومنها إمكانية تبادل المواقع بين تلك اللوازم، وأنّ اللازمة الدينية ملصقة بالكلام ويمكن الاستغناء عنها دون أن يختلّ المعنى الحرفي المراد إيصاله.
وأشارت إلى إمكانية التخلي عن اللازمة الدينية عند مستخدميها بسهولة لأنّ الشخص لم يستخدمها في فترة حياته وكان كلامه آنذاك مفهوماً ومقبولاً في مجتمعه، كما أنه يتخلى عنها نهائياً وهو لا يزال ضمن انتمائه للصحوة الإسلامية في حالتين: الأولى حينما يكون مع أسرته في حديث شخصي وحميم، وكأنّ اللازمة الدينية ملصق يُستخدم للناس في الخارج، والحالة الثانية التي تختفي فيها اللازمة الدينية من حديث المتكلم عندما يغضب أو يفقد تركيزه لأنه في حال الانفعال يغيب الوعي وتصعب السيطرة على اللغة وبالتالي تختفي الأشياء المضافة عليها كالتفاصح أو استخدام لوازم دينية وتبقى الأمور الأساسية كاللهجة المحلية على اعتبار أن استخدام اللازمة الدينية كان عنصراً ثقافياً تبناه الشخص في حين أنّ لهجة الشخص الطبيعية هي عنصر داخلي أساسي يمثل التنشئة الثقافية التي اكتسبها الشخص منذ الطفولة من مجتمعه بما فيها تكوينه اللغوي.
أنماط اللازمة الدينية
هناك أنماط منذ السبعينات وخلال فترة الحرب الأفغانية الروسية صارت سمات مظهريّة يلتزم بها أشخاص متدينون وكانت تبدو واضحة للعيان، وقد برزت (كما تقول الدراسة) بشكل واضح وجليّ في فترة حرب الخليج في التسعينات، فما أن يلتزم الشخص دينيّاً حتى يلاحظ الناس عليه مجموعة مظاهر من ضمنها: تجنب سماع الأغاني والموسيقى، الإقلاع عن التدخين إن كان مدخناً والإكثار من استخدام المسواك، تقصير الثوب وأحياناً طرح العقال الذي يمسك غطاء الرأس (الشماغ الأحمر أو الغترة البيضاء)، الإكثار من ترديد تحيّة السّلام بصيغتها الكاملة وزيادة عدد العبارات الدينية الأخرى في كلامه.
الدراسة في هذه الأنماط ركّزت على الجانب اللغوي باعتباره عنصراً مساهماً في التكوين الثقافي للناس، وبحثت في اللوازم اللغوية الدينية المستخدمة في سياقاتها المختلفة، ورصدت الدراسة عدداً من العبارات اللغوية ذات الطابع الديني التي ترد على ألسنة المتكلمين بشكل تكراري يحتفظ بنمط أو أنماط لغوية معينة، وقسمت الدراسة هذه الأنماط إلى قسمين: لوازم دينية إيجابية في كونها تعبّر بشكل مباشر عن معانٍ تترك في الغالب أثراً إيجابياً عند المتلقي وتدفعه نحو إقامة اتصال مع المخاطب، ولوازم سلبية تعبر عن الغضب والنفور والكره وغير ذلك من المشاعر السلبية بين الناس.
الدراسة اعتمدت في لوازمها اللغوية / الدينية على مصادر عديدة متنوعة مثل: قناة المجد التلفزيونية (39%) إذاعة الرياض (18%) حوارات ومحاضرات حيّة قام الباحث بتسجيلها في عدّة مدن مثل: الباحة، الدمام، رأس تنورة، الرياض، جدة، حائل، رفحاء (21%) ومقاطع صوتية منشورة في النت (13%) وبعض الكتابات في الإنترنت التي لها طابع شفهي (9%). وعرضت الدراسة بعض اللوازم الدينية البارزة في الاستعمال اليومي للناس مثل «أخي في الله»، التي قالت الدراسة إنّ ربط كلمة «أخي» بأنها «في الله» منح الكلمة معنى دينياً، ومما يجدر ذكره أنّ الناس في الثقافة العربية يستخدمون كلمة «أخي» للدلالة على علاقة المودة مع المخاطب، وقد يضاف إليها وصف الأخ بأنه كريم أو عزيز أو فاضل أو غير ذلك من الأوصاف الإيجابيّة التي تعطي انطباعاً مؤدباً في التعامل مع الآخرين، لكنّ عبارة «أخي في الله» أو «أختي في الله» صار لها استخدام مكثّف في السعودية في السنوات الأخيرة حينما ارتبطت بالحزبيّة وصارت تظهر حتى في الأسلوب الكتابي.
اللازمة الدينية
الدراسة قسمت اللازمة اللغوية إلى: لازمة إقليمية، لازمة عمرية، لازمة نسويّة، لازمة مشتركة، وأكدت الدراسة أنّ اللوازم اللغوية السابقة تمثّل قيماً ثقافية خاصّة بالفرد والمجتمع، واستشهدت الدراسة بـ«يا بعد حيي» في حائل و«أنت توحي» في بادية نجد وشمالها و«إن زين ... هم زين» في الشرقية، إضافة إلى لوازم لغوية أخرى عمرية ونسويّة ومشتركة.
وأوضحت هذه الدراسة أنّ اللازمة الدينية هي لازمة لغوية تحوي لفظ الجلالة (الله) وفق صيغة لغوية تميل إلى الضبط بالشكل بمراعاة تحقيق العلامات الإعرابية أثناء الكلام، وتحيل الدراسة ظهور هذه اللازمة الدينية إلى عوامل فكرية واجتماعية واقتصادية ونفسية جعلت الناس يستخدمونها بشكل طبيعي، فالشخص يتأثر بمن يتعامل معه لفترة طويلة وربما يجد نفسه يكرر بعض عباراته إضافة إلى أنّ تعامل الشخص مع مجموعات تشترك في استخدام عبارات معينة تنقل تلك العبارات إلى الشخص سواء عن قصد أم بشكل عفوي.
اللوازم اللغوية المناطقية والقبلية
الدراسة أكدت أنّ هناك لوازم لغوية خاصة ببعض المناطق أو القبائل سبقت اللازمة اللغوية / الدينية ولا تزال مستخدمة على نطاق مرتبط بالسكان الباقين في أماكنهم وتحمل هويات تخصّ مستخدميها وتظهرهم للناس إلاّ أنّ انتشار اللازمة اللغوية / الدينية دفع البعض للتّخلّي عن اللازمة اللغوية الخاصة بمنطقته أو قبيلته.
وتقدم الدراسة التي نشرت في صفحات المجلة لمحة عن اللازمة اللغوية المرتبطة بالمناطق والقبائل في السعودية بشكل مختصر للتعريف بالكيفية التي بدأت فيها تلك اللوازم تتنحّى أمام اللازمة اللغوية / الدينية؛ فصارت اللازمة اللغوية تدل على المجموعة ذات الانتماء الفكري أكثر من دلالتها على المنطقة الجغرافية وهذه المجموعة الفكرية قد يمتد وجودها إلى مساحة أكبر من مساحة بلد أو منطقة لأنها متعلّقة بأيديولوجيا لا تقتصر على حدود جغرافية ولا ترتبط بالجنسيّة أو الانتماء القبلي.