بين تحصين 60 ألف حاج في أيام معدودات لمواجهة جائحة «كوفيد-19»، ووفاة أكثر من 15 ألف آخرين بسبب وباء «الكوليرا» عام 1865، مسافة زمنية طويلة من الجهود المتراكمة توجتها المملكة على مدى 95 عاماً بتجنيد أكثر من 30 ألف كادر صحي من أطباء وممرضين وصيادلة وخدمات مساندة لخدمة الحجيج قبل وأثناء الجائحة.
كتاب «الحجر الصحي في الحجاز» لمؤلفته الدكتورة جولدن صاري يلدز، الصادرة ترجمته الأولى عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عام 2001، الكثير من الكوارث الصحية التي كانت تعصف بآلاف الأرواح خلال موسم الحج قبل 100 عام خصوصا عند انتشار الأوبئة والجوائح.
وتشير المؤلفة إلى أن السبب الأول في هذا الانتشار هو التساهل في تطبيق الإجراءات والضوابط الصحية السليمة، وتقول «كانت الأحوال الصحية غاية في السوء، بل كانت كارثة حقيقية، فقد كانت السفن تحمل فوق طاقتها وتضج بزحام شديد، يتسبب في أمراض مستمرة، وبسبب الزيادة الكبيرة في أعداد الحجاج، كانت شركات السفن، تطبع تذاكر أكثر من الطاقة الاستيعابية للسفينة».
وتتبعت «يلدز» أبرز الأوبئة التي كانت تفتك بالحجاج قديمًا وهو وباء الكوليرا الذي وُثق ظهوره في الحجاز لأول مرة عام 1831، وخلال 85 عاماً من هذا التاريخ، ظهر الوباء 22 مرة، وكانت الأوبئة تتعاقب كل عام.
وفي عام 1865 خلفت «الكوليرا» وفيات تراوحت بين 15 إلى 30 ألف حسب بعض الإحصاءات المدونة في الوثائق التاريخية، وتعاقب ظهور هذا الوباء أعوام 1881، 1882، 1883، 1890، 1891، 1893.
وفي عام 1873 تحركت سفينة من جدة، في اليوم الرابع من شهر يوليو حاملة ۱۳۷۰ حاجًا عائدين إلى بلادهم توفي منهم 334 حاجاً قبل وصولهم إلى بلادهم.
ولم يكن ضعف الإجراءات الاحترازية وتدني مستوى الخدمات الصحية سبباً وحيداً لانتشار الأوبئة بين الحجاج قديماً، بل إن ضعف الوعي الاجتماعي بالخطر، وعدم وجود وسائل ناجعة للتوعية بطرق الوقاية، أسهما بدورهما في تفاقم المشكلة قديماً، ففي عام 1894 أحضرت الجهات الصحية آلة لتعقيم ملابس الرجال والنساء ضمن إجراءات لكبح انتشار الأمراض، إلا أن توجس الناس وعدم وصول المعلومة بشكل صحيح حول دور هذه الآلة وانتشار الإشاعات حولها، أدى إلى نفورهم وعدم قبولهم استخدامها لتعقيم ملابسهم.
يذكر الرحالة «جرفیس کورتلمونت» أن عدم حرص الأطباء على التوعية بأهمية آلة التعقيم أسهم كذلك في عدم تقبل الناس لها.
وتشير دراسة أصدرها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة حديثاً إلى أن الحج قد تأثر بالأوبئة منذ قرون بعيدة وخصوصا أوبئة الكوليرا والطاعون وما زالت الأمراض المعدية تمثل مهدداً حقيقياً لمواسم الحج الحديثة؛ حيث تبين من خلال البحث أن نسبتها قد تراوحت في مواسم الحج السابقة بين (26.4% إلى 60.5%)، أكثرها كانت الأمراض التنفسية (زكام ورشح والتهاب رئوي) تلتها أمراض الجهاز الهضمي (النزلات المعوية والإسهالات) والحمى الشوكية. وأن نسبة الوفيات بسبب الأمراض المعدية في الحج قد تراوحت ما بين 1.08% إلى 13.67% وبمتوسط 7.89%.
أما في موسم حج 1441 فقد بلغ أعلى عدد للإصابات 195 إصابة بمكة المكرمة (من غير الحجاج) وكان ذلك في اليوم الثاني من ذي الحجة 1441 ولم تسجل حالات وفاة بين الحجاج.
واختتمت الدراسة مؤكدة أن الأوبئة والأمراض المعدية كانت ومازالت مهدداً حقيقياً خلال مواسم الحج، وللوقاية منها يجب الاستمرار في رصد الأمراض المعدية خلال مواسم الحج وعمل دليل شامل بها، كذلك يجب استخدام وسائل حديثة للكشف المبكر وضرورة تطوير إدارة مخاطر الأمراض المعدية في التجمعات، ونشر التوعية الصحية العامة والتدريب بصورة مستمرة أثناء الحج بمخاطر الأمراض المعدية وطرق الوقاية منها وضرورة التطعيم للحجاج والفئات العاملة في الحج واستمرار الأبحاث والدراسات لمكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها.