تستقبل منشأة الجمرات الضخمة اليوم الآلاف من حجاج بيت الله الحرام المتعجلين الذين توافدوا منذ وقت مبكر لرمي الجمرات الثلاث في ثاني أيام التشريق ليشدوا بعدها الرحال مغادرين لهذا المشعر نحو بيت الله الحرام ليؤدوا طواف الوداع ومن ثم المغادرة نحو أوطانهم. وعلى هذه البقعة من الأرض لا يبقى خلف وفود الحجيج سوى دموع متناثرة فوق تلك الأرض المباركة وذكريات تبقى لتحكى لأهاليهم وأحبابهم حول تجربتهم في أداء هذه الشعيرة العظيمة. هنا شاهدنا حاجة المسنة وهي تقف في ركن بعيد ترفع أكفها لتتضرع نحو المولى عز وجل بأن يمن عليها بالقبول والمغفرة، اقتربنا منها لنحدثها فبدأت بمسح دموعها وبادرتنا قائلة: «أدعو لي يا أولادي فهذه حجتي الأولى بعد عمر طويل». واستطردت الحاجة أم وليد لتقول: «أنا في نعمة عظيمة والفرحة لا تسعني منذ أن أخبروني بذهابي للحج، فقد كانت هذه أعظم أمنياتي التي دعوت الله طويلا أن يحققها لي وبحمده تحققت وتيسرت ولكن لحظات الوداع صعبة يا ولدي». أمسكنا طرف الحديث وسألناها عن مشاعرها عند القدوم والآن عند المغادرة ابتسمت والدموع تملأ عينيها، وقالت لا تسألني عن شعور لا يوصف، فقد عشت هنا بضعة أيام كانت أجمل أيام عمري وأروعها على الإطلاق، فالحمد لله.. الحمد لله قالتها وهي تهم بالمغادرة لتترك خلفها ذكرياتها الجميلة ودموعها عائدة إلى مقر بعثتها لتحزم حقائبها وتغادر المكان.