تحمل السعودية على عاتقها مسؤولية العمل على توفير إمدادات طاقة نظيفة للعالم، وذلك في وقت تتزايد التحذيرات حول العالم من مستقبل مليء بمخاطر الانبعاثات الحرارية وفي مقدمتها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع دعوات إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتقليلها.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية مشاركة السعودية في مؤتمر قمة المناخ التي انطلقت أمس (الأحد) والمعروفة أيضا بالمؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، في مدينة غلاسكو الأسكتلندية.
التمويل
أسهمت الجهود الوطنية السعودية لمواجهة التغير المناخي في تطوير الإستراتيجية الوطنية للبيئة، وتحقيق التحول في القطاع البيئي، وتتضمن الإستراتيجية 65 مبادرة تغطي الجوانب البيئية كافة، بتكلفة تتجاوز 50 مليار ريال، لذا فقد شهدت عملية هيكلة منظومة العمل البيئي في المملكة إنشاء 5 مراكز بيئية متخصصة في مجالات كالأرصاد، والالتزام البيئي، والتنوع الأحيائي، وتنمية الغطاء النباتي، ومكافحة التصحر، وإدارة النفايات، كما استضافت الرياض منتدى مبادرة السعودية الخضراء، الذي شهد الإعلان عن أكثر من 59 مبادرة تبنتها المملكة بحجم استثمارات يفوق 185 مليار دولار، إضافة إلى استضافتها قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بحضور قادة المنطقة، وتم خلالها إعلان تدشين حقبة جديدة من المبادرات للمنطقة تسهم في مواجهة التغير المناخي.
الطاقة والنقل
في هذا المحور المهم، أطلقت وزارة الطاقة مبادرة خادم الحرمين الشريفين للطاقة المتجددة، الهادفة إلى زيادة نسبة الطاقة المتجددة للوصول إلى المزيج الأمثل، ورفع كفاءة قطاع الكهرباء، وتحقيق الأهداف البيئية بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية المهمة، إذ يشمل برنامج الطاقة المتجددة تطوير 30 مشروعاً تُنفّذ خلال السنوات السبع القادمة، ليضيف نحو 10 جيجاواط من الطاقة الكهربائية المُنتجة من المصادر المتجددة، إلى مزيج الطاقة الكهربائية في المملكة.
وخلال رئاسة المملكة لقمة دول مجموعة العشرين عام 2020، عملت المجموعة خلال اجتماعاتها في العام الماضي على تبني مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، لتحقيق هدف الحياد الكربوني المتوائم مع اتفاقية باريس للمناخ، والمتوافق مع الطموحات والتطلعات التنموية لكل دولة، إذ تستهدف السعودية الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات في العام 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري الكربوني، عبر المجموعة الأولى من مبادرات «السعودية الخضراء»، والتي يزيد عددها على 60 مبادرة، باستثمارات تتجاوز قيمتها 700 مليار ريال؛ لرسم مستقبل أكثر استدامة في المملكة.
ويتوافق هدف السعودية للوصول إلى الحياد الصفري مع خططها التنموية وجهود تمكين تنوعها الاقتصادي، ويتماشى مع «خط الأساس المتحرك» الذي ورد في المساهمات الوطنية المحددة للمملكة، وبما يحفظ دورها الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وقد شرعت وزارة الطاقة في وضع إطار كامل للبرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون، للإسهام إيجابياً في استدامة المواد الهيدروكربونية، وتحقيق الطموحات الدولية لمواجهة التغير المناخي، كما تم إطلاق برنامج استدامة الطلب على البترول، بمشاركة مجموعة من الجهات الحكومية والشركات ومراكز البحوث، لاستدامة وتنمية الطلب على المواد الهيدروكربونية كمصدر تنافسي للطاقة، من خلال رفع كفاءتها الاقتصادية والبيئية، وضمان أن يتم التحول في مزيج الطاقة بطريقة فعالة ومستدامة للمملكة.
ومن ضمن الجهود، عمل مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية على إنتاج الدليل الإرشادي للاقتصاد الدائري للكربون، بالتعاون مع المنظمات الدولية الرائدة في مجال الطاقة مثل: الوكالة الدولية للطاقة، وكالة الطاقة النووية، الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ تشمل خطط المملكة في مجال مصادر الطاقة المتجددة، «طاقة الرياح والطاقة الشمسية» اللتين ستمثلان ما نسبته 50% من الطاقة المستخدمة لإنتاج الكهرباء في المملكة بحلول العام 2030.
وستنضم السعودية إلى التعهد العالمي بشأن الميثان لخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 30% مقارنة بمستوى الانبعاثات في العام 2020، ويأتي ذلك في إطار أهداف مبادرة السعودية الخضراء لتوسيع نطاق العمل المناخي في المملكة، إذ سيسهم في خفض انبعاثات الميثان في تعزيز الصحة العامة والإنتاجية الزراعية، كما تعمل منظومة النقل في المملكة بالتعاون مع القطاعات ذات العلاقة على تقليل نسب التلوث الناجمة عن حركة وسائل النقل والمشاريع المتعلقة بها، وتعزيز مبادرات حماية البيئة والمحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي، بالنظر إلى أهمية هذا الجانب في تعزيز البيئة داخل المدن، وتقليل آثار ظاهرة التصحّر وزحف الرمال على الطرق بينها.
البيئة
وفي جانب البيئة، تضمنت جهود حماية البيئة وصون مواردها الطبيعية في السعودية إنشاء صندوق للبيئة للإسهام في تحقيق الاستدامة المالية لهذا القطاع، وإنشاء القوات الخاصة بالأمن البيئي، وتطوير القدرات الوطنية في مجال التنبؤ بالكوارث الطبيعية والإنذار المبكر، وإضافة إلى ذلك، تضمن بيان اجتماع قادة مجموعة العشرين الذي استضافته المملكة خلال العام الماضي، تطلعهم إلى خفض تدهور الأراضي بنسبة 50% بحلول العام 2040.
وأثناء قمة الرياض، أطلق قادة مجموعة العشرين المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي وتعزيز حماية الموائل البرية لإصلاح الأراضي ومنع تدهورها، والمبادرة العالمية للحفاظ على الشعب المرجانية، وتعمل السعودية على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ هاتين المبادرتين بالتعاون مع شركائها في المجموعة.
وأخيراً، أطلقت المملكة مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، الهادفتين إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10% من الإسهامات العالمية، وزارعة 50 مليار شجرة في المنطقة لتحقيق نسبة 5% من المستهدف العالمي للتشجير، كما وضعت المبادرتان خارطة طريق لحماية البيئة، والمساهمة بشكل كبير في تحقيق المستهدفات العالمية في مواجهة تغير المناخ، وسيتم من خلالها العمل على زيادة الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية، إذ تهدف «مبادرة السعودية الخضراء» إلى زيادة حصة السعودية من الطاقة المتجددة بنسبة 50% بحلول العام 2030، وتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من المساهمات العالمية، وزراعة 10 مليارات شجرة، ورفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضي المملكة.
كما تم إنشاء «مجلس للمحميات الملكية» لتنمية المحميات الطبيعية في 6 مواقع بالمملكة، وذلك برفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضي السعودية، التي تتجاوز المستهدف العالمي الحالي لحماية 17% من أراضي كل دولة.
وقد بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرات التشجير في المملكة بزراعة أكثر من 450 مليون شجرة، وإعادة تأهيل 8 ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، وتخصيص أراضٍ محميةٍ جديدة، ليصبح إجمالي المناطق المحمية في المملكة حتى الآن أكثر من 20% من إجمالي مساحتها، وإضافة إلى ذلك، عملت وزارة البيئة والمياه والزراعة على الاستثمار الأمثل للثروة المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، والتأسيس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات، ورفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94%.
وتتضمن المبادرات الرائدة للمملكة في مجال العمل المناخي مبادرة لتأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، ومبادرة عالمية لتقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم، ويبلغ إجمالي الاستثمار في المبادرتين نحو 39 مليار ريال، وستسهم السعودية في تمويل نحو 15% من إجمالي الاستثمار في تأسيس هاتين المبادرتين، فيما ستعمل مع الدول وصناديق التنمية الإقليمية والدولية لبحث سبل تمويلهما وتنفيذهما.
وشهدت قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر إعلان أبرز المبادرات التي سيتم العمل عليها، مثل: إنشاء منصة تعاون لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وإنشاء مركز لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه بين دول مجلس التعاون الخليجي، وإطلاق صندوق عالمي للاستثمار في حلول التكنولوجيا النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومركز عالمي للاستدامة السياحية.
العلوم والابتكار
انضمت المملكة لمبادرة مهمة الابتكار في العام 2015، كمؤسس رئيسي لهذه المبادرة الهادفة إلى مضاعفة الأموال المخصصة للأبحاث والدراسات المتخصصة في الطاقة النظيفة وترشيدها، وكفاءة الاستخدامات، من أجل تقليل العوادم الضارة، وتأثيرها على التغير المناخي من خلال تقنيات الطاقة المبتكرة.
الشباب الأخضر
تضم السعودية عددًا هائلاً من الشباب، إذ إن 51% من سكانها تقل أعمارهم عن 25 عاماً، وقد عملت الحكومة على تمكينهم للمساهمة في تحقيق «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحسين نوعية الحياة في المملكة.
لقد استهدفت قمة الشباب الأخضر، إشراك الشباب في صياغة مستقبل العمل المناخي في إطار أنشطة تفاعلية ونقاشات مكثفة، شملت عقد ورش عمل تناقش قضايا المناخ، وتشكيل لجان تضم أبرز الشباب الناشطين، وتنفيذ أنشطة تعاونية معنية بالسياسات المناخية، وجلسات علمية، تتناول آليات الأخذ بزمام المبادرة، عبر قيادة الشباب للعمل المناخي، وتحولهم إلى صنّاع تغيير، كما سعت مبادرة القمة إلى إثارة النقاش بين الشباب حول أهمية تطوير التعليم من أجل تدريب رواد الأعمال البيئيين الحاليين والمستقبليين، وأفضل الأساليب لزيادة الغطاء النباتي، بإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، والحفاظ على الحياة البحرية، وخفض الانبعاثات الكربونية، وغيرها من القضايا البيئية الحيوية.
بناء البيئة المناسبة في المدن والمناطق
يعد مشروع مدينة «نيوم» أحد المشاريع الضخمة لرؤية المملكة 2030، الذي يعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وستكون نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها المدينة (صفر)، عن طريق استخدام وسائل النقل الكهربائية، وإنتاج غاز الهيدروجين الأخضر، ويأتي إطلاق مشروع مدينة «ذا لاين» للمدن الذكية في نيوم، تحقيقاً لأهداف رؤية المملكة 2030 على صعيد التنويع الاقتصادي، إذ يوفر المشروع 280 ألف فرصة عمل، ويضيف 48 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030.
إن مشروع «ذا لاين» أحد مشاريع المُدن الذكية المعززة بالذكاء الاصطناعي، بطول 170 كيلومترا، وتعتمد على الطاقة النظيفة بنسبة 100%، ضمن بيئة بلا ضوضاء أو تلوث، وخالية من المركبات، مما يجعلها نقطة تحول مهمة في سبيل إنجاز مدينة المستقبل (نيوم)، وتعيد مدينة «ذا لاين» تعريف مفهوم التنمية الحضرية من خلال تطوير مجتمعات يكون فيها الإنسان محورها الرئيسي، مما يعزز جودة الحياة، ويضمن الوصول إلى مرافق الخدمات الأساسية كافة في غضون 5 دقائق سيراً على الأقدام.