-A +A
أمل السعيد(أبوظبي)amal222424@

انطلقت اليوم في العاصمة الإماراتية أبوظبي فعاليات «ملتقى أبوظبي الإستراتيجي الثامن» تحت عنوان: عالم ما بعد الجائحة.

ويستضيف الملتقى، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات وتستمر جلساته على مدى يومين، نخبة من صناع القرار الدوليين وخبراء تحليل السياسات.

وقالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة إبتسام الكتبي إنه وبمناسبة احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بمرور خمسين عاماً على تأسيسها، سوف يضم الملتقى هذا العام جلسةً خاصة لمناقشة نموذج الإمارات كقوة إقليمية ورؤيتها الإستراتيجية للسنوات الخمسين المقبلة.

وأضافت الكتبي، أنه ومنذ انطلاق «ملتقى أبوظبي الإستراتيجي» عام 2014، والملتقى يركز على دراسة النظامين العالمي والإقليمي، وتحليل التحولات فيهما، ومحاولة التنبؤ بمساراتهما المستقبلية، وذلك بغرض رفد صانعي القرار بدولة الإمارات والمنطقة بأهم الآراء والأفكار التي تُسهم في فهم القضايا والاتجاهات الدولية والإقليمية.

ومن المقرر أن يناقش الملتقى في جلساته في اليوم الأول نموذج دولة الإمارات كقوة إقليمية وتأثير التكنولوجيا والأمن السيبراني في مستقبل السياسة الدولية، والتهديدات العالمية الناشئة كالأوبئة وتغير المناخ، وتأثير الرقمنة على مستقبل الاقتصاد العالمي، واحتمالات حتمية الحرب أو خيارات المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، والتنافس على النفوذ بين كل من أوروبا وروسيا.

بينما ستتناول جلسات اليوم الثاني مناقشة مآلات الأزمة في أفغانستان، والخيارات الإقليمية في مواجهة التهديدات الإيرانية، والخيارات الإستراتيجية لتركيا في إعادة تموضعها إقليميا، والتأثير المتوقع للاتفاقيات الإبراهيمية على مستقبل السلام في الشرق الأوسط، والتحديات التي تواجه الدول العربية خلال العقد المقبل، بينما سيختتم الملتقى جلساته ببحث ظاهرة تراجع الإسلام السياسي في المنطقة.

ويحتل ملتقى أبوظبي الإستراتيجي موقعاً مهماً على خارطة المؤتمرات المعنية بقضايا السياسة والأمن، حيث صُنف الملتقى على مدار أربعة أعوام منذ عام 2018 ولغاية الآن ضمن قائمة أفضل عشر مؤتمرات إستراتيجية على مستوى العالم، وذلك في التقرير العالمي السنوي الصادر عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية. كما احتل مركز الإمارات للسياسات المرتبة الأولى عربياً، والثانية ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مستوى مراكز البحث والتفكير في التصنيف نفسه.

وناقشت الجلسة الأولى 2021 الإمارات في العام الخمسين: قوة إقليمية برؤية عالمية.

وأشار وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين المرر إلى أن هناك سمات أساسية طبعت مسيرة الإمارات خلال السنوات الخمسين الماضية وحتى الآن، وهي توافر قيادة وطنية، سواء الآباء المؤسسين أو القيادة الحالية. فهذه القيادات تمتلك رؤية إستراتيجية، وهمها تطوير التنمية وأن تضع الإمارات في المرتبة الأولى، وهي قيادة تسعى لنيل ثقة شعبها والعالم والتكيف مع التحولات. أما السمة الثانية فهي الإنجازات، وبناء دولة اتحادية وتدعيمها، وكذلك الإنجاز على مستوى التنمية البشرية والإنسانية. واليوم نلحظ أن مشاركة النفط في الناتج الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة هو 28%، ما يعني أن سياسات التنويع الاقتصادي تسير بتقدم.

فيما تتمثل السمة الثالثة في سعي الإمارات المستمر على ترسيخ قيم دولة الإمارات في التسامح والتعايش واحتضان التنوع.

وبخصوص السنوات الخمسين المقبلة، فالحكومة الإماراتية وضعت المبادئ العشرة، وأنا أرى أنها تتمحور حول تدعيم قواعد الدولة الاتحادية، والعمل على خلق اقتصاد يكون الأفضل (التنمية الاقتصادية)، وتطوير القدرات البشرية، والاستمرار في تعزيز مكانة الدولة على المستوى الدولي. من جهة ثانية تتمحور المبادئ حول تفعيل أدوات التكنولوجيا والتقنية والمساعدات الخارجية.

ولفت وزير الدولة خليفة شاهين المرر إلى أن السياسة الخارجية الإماراتية تعمل على إعادة تفعيل وترسيخ حسن الجوار لبناء الاستقرار الإقليمي والجوار، والإسهام في حل الأزمات القائمة وليس فقط تخفيف التوتر وإدارة الأزمات. ومن أهداف السياسة الخارجية البحث عن المساحات المشتركة مع المحيط والعالم، وكذلك الاهتمام ببناء السلام ومكافحة التغير المناخي ومعالجة الأزمات الدولية لتعزيز السلام الدولي والتنمية.

ولدى سؤاله عن دور القوة الصلبة والقوة الناعمة في نموذج دولة الإمارات، أوضح الوزير أن دولة الإمارات لا تستخدم القوة الصلبة كأداة في السياسة الخارجية، وهي ملتزمة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وكل المشاركات التي انخرطت فيها الإمارات كانت ضمن القانون الدولي، ولم تستخدم قوتها العسكرية بشكل منفرد، وجميع مشاركاتها ذات الطابع العسكري مغطاة ضمن قوانين دولية، وليس من طبيعة الإمارات استعراض القوة، بل هي تعمل من خلال التحالفات المشروعة، وضمن قوانين مجلس الأمن الدولي في التدخل.

وأكد شاهين أن تأثير الإمارات الحقيقي هو تأثير القوة الناعمة، والعمل على كسب ثقة العالم، واكتساب المصداقية في أن الإمارات تسعى للاستقرار، والإنجازات التنموية، وهذا يجعل الإمارات حاضرة ومؤثرة على الأجندة الإقليمية والدولية. ولذلك تأثير الإمارات الفعلي هو تأثير القيم التي تمتلكها في الطاقة المتجددة والفضاء وأسلوب العيش والحياة، وتنظيم الأحداث الدولية الكبرى وغيرها.

وأشار الوزير إلى أن جائحة كورونا كانت جرس إنذار للنظام الدولي، وخلقت تفكيراً في ترتيب الأولويات. والإمارات أدارت أزمة الجائحة بشكل ناجح واستخدمت الفحص والتتبع للحالات وإعطاء التطعيم في وقت مبكر، واستوعبت الفجوات التي أحدثتها الجائحة في ما خص سلاسل الإمداد والاقتصاد وتحديات السفر والإغلاق وسوى ذلك. وفي كل الأحوال فإن مثل هذه الجائحة لا تواجه إلا بالتضامن الدولي.

ولفت الوزير إلى أن الإمارات تهتم بالأمن الغذائي وسلاسل الإمداد وتوظيف التكنولوجيا والتركيز على العلوم، وقد نجحت الإمارات بسبب توافر البنية التحتية الرقمية.

وفي حديث عن التحديات المستمرة التي صاحبت الجائحة، أشار إلى أنه في مرحلة التعافي هناك ضغوط كثيرة تظهر كالضغوط على المواد الأولية مثل أشباه الموصلات والرقائق وتحديات العودة إلى القدرة الإنتاجية لزمن ما قبل الجائحة.

وعن الاتفاق الإبراهيمي وتأثيره، قال شاهين إن القرار بإبرام الاتفاق الإبراهيمي هو قرار إستراتيجي، وتحقيق السلام هو رغبة عالمية. وفي منظور الإمارات حيال العلاقة مع إسرائيل أكد أنها ليست ضد أي طرف آخر، وأن هذا القرار لم يغير من التزام الإمارات بأسس الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فنحن مع حل يعترف بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينيةـ أي الاعتراف بحلّ الدولتين وضمن خط الرابع من حزيران وبالتالي اعتماد مرجعية المبادرة العربية للسلام.

وأورد الوزير أن الاتفاق الإبراهيمي يخدم المصالح الاقتصادية والتجارية، وهو سلام دافئ حيوي ينتج منه فوائد ملموسة للشعبين ولدولتي إسرائيل والإمارات، بما يعزز الاستقرار، والإسهام في حل الصراعات وليس الاستمرار في إداراتها. فإذا ما ساعد الاتفاق على ذلك فهذا إيجابي، والاتفاق ليس بديلا عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى الفلسطينيين والإسرائيليين التقدم لحل هذا الصراع، وهناك توجه من الإدارة الأمريكية لدعم حل الدولتين، وهناك جهود من مصر والأردن لتحسين الظروف لحل توافقي لهذا الصراع.

وعن دور الإمارات في الوساطة في حل النزاعات، أكد الوزير خليفة شاهين المرر أن منهج الإمارات الدائم تدعيم الاستقرار، وتجنب الصراعات، والمساعي الحميدة وتسهيل الأدوار وما جرى في السودان أو التيغراي أو مع كشمير والهند ليس وساطة رسمية، بل هو رغبة لتفعيل الحلول السلمية. ويمكننا الحديث عن نجاح دبلوماسي إماراتي حتى في إريتريا وإثيوبيا وليس وساطة بالمفهوم الدبلوماسي. وقال عن التجاذب الأمريكي الصيني فالإمارات لديها علاقات وشراكات إستراتيجية مع جميع اللاعبين الدوليين، إن هذا التنافس بين القوى الكبرى مستمر منذ زمن بعيد، وهناك توافق بينها في مجالات معينة، ولا بد من التعاطي مع ذلك بما يحقق المصالح المشتركة.

وأكد وزير الدولة الإماراتي أن مشاريع الإمارات للمستقبل يجعل الإمارات حاضرة في الأجندة الدولية، ويخلق رسائل إيجابية في منطقة مضطربة، وهو ما يزيد من القوة الناعمة الإماراتية، ويعزز مصداقية الإمارات في السعي لازدهار المنطقة وتحقيق التنمية، وكل ذلك يؤكد ثقة العالم في أن الإمارات قادرة على الإنجاز والدليل على ذلك إكسبو واستضافة كوب 28 في عام 2023. وذكر الوزير أن بناء القدرات الإماراتية والمخاطرة في اقتحام مشاريع كبرى (الوصول إلى المريخ) ليس سهلاً على دولة صغيرة، فالإمارات تريد أن تكون في المراتب الأولى في جميع المؤشرات الدولية، وبالتالي الاستعداد لكل الأزمات والطوارئ المستقبلية.

ولدى سؤال الوزير عن أبرز سمة للنموذج الإماراتي، أجاب بأنها قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على اقتحام المستقبل.

من جهتهم، أكد المتحدثون على دروس التاريخ، وأهميته في مواجهة تحديات الواقع، والمستقبل. وأجمعوا على ضرورة خلق ثقافة سيبرانية يمكن من خلالها تعزيز الفرص، والاستجابة بشكل فاعل للتحديات التي تواجه الأمن السيبراني. وناقشت الجلسة التغيرات التي طرأت على المفاهيم السابقة للأمن الدولي نتيجة التحولات المتعلقة بالأمن السيبراني. كما ناقشت إشكالية حقوق الأفراد، وحدود الحريات الفردية التي يمكن ضمانها. وجرى التأكيد على أهمية العمل الجماعي، ومتعدد الأطراف سواء داخل الدولة الواحدة، أو في الإطار العالمي الأوسع.

وأشار المتحدثون إلى النمو المتسارع للتكنولوجيا، فالميتافيرس سيكون لها تداعيات كبيرة على المجتمعات والأفراد، والأمر لا ينحصر في الواقع المعزز، وهناك تدفق متزايد للمعلومات التكنولوجية، والعلم ليس مستعدا لكل هذا، ومن هنا تأتي أهمية الاستشراف.

وعلى المستوى الوطني سعت الإمارات إلى بناء ثقافة سيبرانية مجتمعية، عبر تعزيز الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، ومختلف القطاعات الاجتماعية، والمؤسسات التعليمية. وتبنت خلال السنوات الماضية العديد من إستراتيجيات التحول الرقمي والتكنولوجي، ومن بين مشاريع الخمسين التي أعلن عنها مؤخراً كان للاقتصاد الرقمي، وللأمن السيبراني أهمية كبيرة حاضرة في رؤية الإمارات المستقبلية.