-A +A
رجال الدولة، المؤهلون لملء مواقعهم، وتشريف مناصبهم، يعرفون جيداً خطورة التصريحات العشوائية، ولذا يحتفظون لكل مقام بما يناسبه من مقال، ويعون جيداً لماذا ومتى يتكلمون، ومتى يكتفون بالتبسم، وإيثار الصمت، كون رصيدهم اللبق لا يبخل بـ«طيّب القول» ويظل عامراً بالكلمات المهذبة، والردود الراقية، والإجابات المسكتة، دون نبوة صارم، أو كبوة جواد.

وتكتنز الدبلوماسية السعودية من طول الصبر، ونقاء الفكر، وحُسن اختيار العبارات، وانتقاء ما يقتضيه الحال، من مفردات «ضرورية» مشتقة من معدن اللغة السامية، ما يغنيها عن إثارة عابرة، ليقينها أن «الأدب» في القول والفعل، وفي الاعتدال والقوة شرط لحلحلة أي أزمة.


لم تعرف الدبلوماسية في بلاد الحرمين اليأس، ولن تستسلم للإحباط، ولا ترتهن للخيارات، المؤججة، ولا تعتمد سياسات «حرق المراكب»، فخطوط الرجعة مفتوحة المآلات والاحتمالات، في ظل إعطاء الأولوية للمصلحة العامة بأوسع التعامل بالفعل والأقوال، لا بالضيّق من ردود الأفعال.

وإذا ضاقت على الآخرين معاجم الأرض بما رحبت، اتسعت قواميس السماء لمسؤولي وطن هو مهبط الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقبلة المسلمين، ومهد العروبة، وكل هذه المزايا تشعر المسؤول بالاعتزاز، وتضعه في مراتب السمو والعلو، كون الدبلوماسية اللبقة تعلي من شأن ليّن الكلم، وعاطر الدلالة، وحصيف التعبير، بحكم ما تعنيه مهمات «الدبلوماسي» من تنقية الأجواء، وتفادي التعكير، ولا غرو ولا غرابة طالما أن الخطاب السعودي محلياً ودولياً وإقليمياً يستمد روحه من مبادئ دين حنيف، «وهُدوا إلى الطيّب من القول»، وقِيم عروبة خالدة، ونزعة إنسانية لا تفنى.