انطلقت مساء اليوم (الأربعاء) أعمال «مؤتمر الرياض للفلسفة»، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، تحت شعار «مهرجان الأفكار»، الذي يتناول محوراً رئيسياً بعنوان «اللا متوقع»، بحضور مفكرين ومؤسسات دولية وإقليمية مرموقة، لمناقشة القضايا الفلسفية المعاصرة الأكثر إلحاحاً، وتسليط الضوء على دور الفلسفة ومساعدتها في فهم العالم اليوم، إلى جانب تغطيتها للحالات الإنسانية، في مكتبة الملك فهد بمدينة الرياض.
وافتتحت أعمال المؤتمر بكلمة للرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان، رحب فيها بالحضور والمشاركين. وقال: «يشرفنا في هيئة الأدب والنشر والترجمة أن نرحب بكم جميعاً في افتتاح مؤتمر الفلسفة، ونشكركم على تلبية الدعوة، إذ نجد في ذلك دعماً لهذا المؤتمر الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية، متمنياً أن تكون هذه النسخة من المؤتمر انطلاقة لمؤتمر ذي حضور دولي بارز في هذه السنة والسنوات القادمة، وأن تقام على غراره مؤتمرات دولية». وأضاف: «نجتمع اليوم لنفس الأسباب التي اجتمع من أجلها الفلاسفة على مرّ العصور، من أجل عالم أكثر وضوحاً، وعندما يكون أكثر وضوحاً تصبح قدرتنا على تغييره أكبر، وعندما تتخذ هذه التغيرات الإيجابية شكلها المؤثر نخرج جميعاً من اللوم الذي وجهه كارل ماركس للفلاسفة».
وأكد علوان في كلمته أن وجود الضيوف والمشاركين في المملكة سيحفز النقاش الفلسفي، «لا سيما حول المحور الرئيسي للمؤتمر وهو (اللا متوقع)، لأن المملكة من أكثر الدول تغيراً على مستوى العالم، ولا تكاد تضاهيها دولة في سرعة الحراك النهضوي الذي ستكون له انعكاسات فلسفية وفكرية وثقافية مختلفة».
تلا ذلك بدء أول أنشطة المؤتمر بمحاضرة عامة بعنوان «الفلسفة في الإسلام: وجهات نظر من تراثنا»، أدارها الدكتور جوزيف كوهين، الأستاذ في كلية دبلين، وشارك فيها كل من الناقد الأدبي الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي، والدكتور سليمان الناصر، الاستشاري في القطاع الخاص، والدكتور إبراهام خان، مدير قسم الدراسات العليا في كلية اللاهوت بجامعة تورنتو. وتناول المتحدثون حيوية المشهد الفكري في المملكة العربية السعودية، ونقاش البحث الفلسفي السعودي، والآفاق الفلسفية المنبثقة من لقاء الفكر الإسلامي بالفلسفة، حيث تحدث الدكتور الغذامي عن الإرادة الحرة ومفاهيم العدالة والحرية والمساواة، مشدداً على أهمية أن يكون العدل والمساواة والحرية مبنية على التعددية الثقافية، لأنها لا تقتصر على مفاهيم العقلنة فقط، التي يتساوى في فعلها العامي والفيلسوف. وفصّل أقوال عدد من العلماء حول ذلك ومنهم الجرجاني، وابن القيم، مختتماً حديثه بمقولة تشومسكي: «إن من ينكر وجود الإرادة الحرة هو أكثر من يبحث عنها».
بدوره، تحدث الدكتور الناصر عن الفكر الإسلامي واتصال الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية وفلسفة الأخلاق، مشيراً إلى أنه لا مفر من الحوار بين الباحثين والمفكرين. وقال: «إن الحوار هو حوار العقل وحوار العقلانية النافعة، وهو هبة إلهية للإنسان، ويوسع العقل لأنه نظر من جانبين».
وفي السياق ذاته، تساءل الدكتور إبراهام خان عن العلاقة بين الفلسفة والأدب، وهل الأدب يتفاعل مع الأفكار؟ وهل المؤلف يكتب ببساطة ليتخلص من الشغف بداخله؟ متناولاً العقلانية ودفع العقل للتفكير، وأن هناك نوعاً من الفارق المفاهيمي بينهما. كما تناول في حديثه «الحوار»، متسائلاً: أين نجد الحوار؟ هل في حوار أفلاطون أو غيره؟ وكيف نعيش في عالم توجد فيه هذه الخلافات الكثيرة لنفهم أننا مختلفون ثم نتعايش بعضنا مع بعض؟ كما تحدث عن مبدأ الاختيار الحر، مؤكداً أن «الحرية هي قدرتنا وسلطتنا على تشكيل حياتنا»، منادياً بفهم ماهية الفلسفة الإسلامية وعلاقتها بالحداثة.
ويعد «مؤتمر الرياض للفلسفة» أول مؤتمر فلسفي من نوعه يقام بالمملكة، وتنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة على مدى ثلاثة أيام، من الثامن وحتى العاشر من ديسمبر الجاري، بمشاركة عدد من المتخصصين وخبراء الفلسفة ونظرياتها وتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم، بهدف إيجاد مساحة حوار تناقش مستجدات علم الفلسفة وتطبيقاته الحديثة، وتدعم المحتوى الفلسفي متعدد الأبعاد والآفاق، بالإضافة إلى بناء جسور التعاون بين المؤسسات الناشطة في مجال الفلسفة من مختلف دول العالم، والدفع بعجلة البحث العلمي والأكاديمي في المجال الفلسفي. وقد اعتمد في دورته الأولى مفهوم «اللا متوقع» كمحور مركزي سينسج من خلاله الحضور موضوعاتهم وتأملاتهم وأبحاثهم من خلال المحاضرات، والجلسات العامة، والورش الفلسفية المتنوعة.