-A +A
د. عبدالله بن محمد الربيش *
وحده التاريخ.. هو الفيصل عند الحديث عن المجد ومآثر العظماء، وحين التأمّل في البناء وبطولاته، من أين استقت لبناته همتها، وعلى أي أرض في كنف الزمان أنبتت جذورها، وأثمرت فسائلها، حتى بلغت من الشموخ مبتغاها وأملها.

وحين يكون الحديث عن مملكتنا الغالية يقف التاريخ بصفحاته شاهد عيان على منعطفات هامة، وعراقة وأمجاد متأصلة، كان حجر أساسها وركيزتها إقامة الدولة السعودية الأولى عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود، رحمه الله، التي جاء تخليد ذكراها عبر ما صدر من قرار سام حكيم باعتماد اليوم الثاني والعشرين من نوفمبر من كل عام ذكرى لتأسيس الدولة السعودية باسم «يوم التأسيس».


ذكرى عظيمة وتأكيد جزل للعمق التاريخي الأصيل والجذور الراسخة المتينة لهذه الدولة المباركة، ووثاق لحمتها الوطنية ما بين قيادة حكيمة وشعب وفيّ ضمن كيان متماسك القواعد والأركان، مشيّد على أسس متينة وقيم سامية رفيعة، بدءًا من مرحلة التأسيس الأولى، مرورًا بالدولة السعودية الثانية، وانتهاءً بتوحيد المملكة على يد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود - طيب الله ثراه - تحت مسمى المملكة العربية السعودية، عرس تزهو به الأنفس والمشاعر فخرًا بماضيها، واعتزازًا بحاضرها، وطموحًا تقوده روح وثّابة متطلّعة لرسم مستقبلها، منتشية عبق الإخلاص والوفاء والولاء والانتماء.

جاء الاحتفاء بهذه الذكرى تأكيدًا من القيادة الرشيدة على أن ما تشهده البلاد اليوم من المكانة والسؤدد لهو امتداد لإرث عظيم، خلّفه قادة أجلاء، بنوا بالبسالة والقوة والشجاعة سيرة عطرة وتاريخا خالدا لهذه الأرض الطيبة، ليكون «يوم التأسيس» إلهاما لقصة مجد تليد يعجز تاريخ الأمم أن يحاكيه، كما جاءت أولى الاحتفالات متحلية براية «يوم بدينا» كشعار تمتزج فيه جملة من المعاني الجوهرية ذات البعد الشامل لموروث المملكة الرفيع، لتنعكس من دلالات رموزه البدايات لكل ما نشهده اليوم في هذا العصر الميمون.

فيوم التأسيس كان «البداية» ونقطة الانطلاق للبعد الإستراتيجي في النواحي السياسية والبيئية والمجتمعية التي عززت اليوم موقع المملكة على مستوى العالم كقوة وصناعة قرار، و«بداية» لنظام قوي محكم متين للأمن والأمان ينعم به شعب المملكة ليضمن لهم رغد العيش على أرضها ويجعل منها منبرًا يدعو إلى السلام ومكافحة الفساد، و«بداية» لركائز التنمية الشاملة المتسارعة التي حققت للمملكة مكانتها محليًا وعالميًا وجعلت منها مصدر إلهام للتغيير والتطور، و«بداية» للقوة الاستثمارية والاقتصادية التي مهدت الطريق للمملكة لتكون أنموذجا عالميا للأمن الاقتصادي وجودة الحياة، و«بداية» لحركة النهضة العلمية وازدهار النشاط الثقافي والمعرفي باعتبارها مقصد العلم وطلابه على مر التاريخ، لنشهد مراحل الانتقال من دور العلم والساحات والمكتبات إلى ما نعيشه اليوم من تطور نوعي رائد في منظومة التعليم ومؤسساته، وتنام متزايد لموقع المملكة ضمن المؤشرات العالمية في ظل ما يحظى به التعليم من رعاية ودعم من لدن قادة البلاد يقينًا ثابتًا منهم بأهميته في دعم ممكنات نهضة البلاد وتحقيق مستهدفاتها.

وفي هذه المناسبة الغالية - ذكرى يوم التأسيس - أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع منسوبي الجامعة بالتهنئة الخالصة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وإلى أمير المنطقة الشرقية الأمير سعود بن نايف، وإلى نائب أمير المنطقة الشرقية الأمير أحمد بن فهد بن سلمان - حفظهم الله - سائلاً الله عز وجل أن يديم على بلادنا أمنها ورخاءها ونموها وازدهارها فتظل رائدة شامخة أبية، يحفظ لها تاريخ الأمم كيف بدأت وكيف تبوأت مكانتها اليوم في مقدمة الدول.

* رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل