محمد بن عبدالرحمن السلامة
محمد بن عبدالرحمن السلامة
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
للعلاقة بين الملوك السعوديين، وبين مواطنيهم، خصوصية استثنائية، علاقة تحضر فيها الأبوية، والأخوية، والصداقة، مع حفظ واحتفاظ كل مواطن بأدب توقير قيادته، وحفظ مقامهم في حضورهم، وغيابهم، ويغلب الطابع العفوي، على نمط العلاقات، الأقرب لعلاقة أسرة واحدة أو عائلة ممتدة.

وتتميز علاقة المواطنين برموزهم بالحب والتقدير، لتغدو نموذجاً متفرداً في علاقة القائد بشعبه، وترسخت بمرور الأيام والأعوام لتسمو على كافة أشكال العلائق، لتتجاوز شكلية علاقة حاكم بمحكوم، فالقيادة السعودية دائمة السؤال عن شعبها، وملتزمة بالحضور معه في أفراحه وأتراحه، وتجتهد في وصع الخطط والبرامج وتعتمد المشاريع الهادفة لتحقيق الرفاه والحياة الكريمة، وصدور توجيهات حازمة وقرارات سامية، تلامس كافة جوانب حياته، وتطوّر أداء الخدمات الحكومية، وتوفّر ما يلزم من السكن الملائم، والنقل والطرق والمدارس والجامعات والمستشفيات والخدمات البلدية، وتتواصل مع المواطنين عبر المجالس المفتوحة شبه يومياً، في صورة مشرفة ومشرقة بمعاني الولاء والوفاء.


وأرجع أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك في جامعة القصيم الدكتور محمد بن عبدالرحمن السلامة التحام الشعب بقيادته، وولائه التام لها، إلى إيمانه الكامل بأن هذه القيادة جزء لا يتجزأ منه، لا ينفصل عنها، ولا تنفصل عنه - وعدّه أساس الاستقرار والأمن والتنمية والتقدم لأية دولة.

وأوضح السلامة أن الشريعة الإسلامية السمحة اهتمت بعلاقات الأفراد بعضِهم ببعضٍ، وَسَعَتْ إلى تعميق مبادئ الأخوة والتكافل والتعاون بين أفراد المجتمع عامةً، وبينهم وبين قادتهم خاصةً، وأصّلت أعظم المبادئ والقيم التي دعت إليها الشريعة، متمثلاً في مبدأ (الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف)؛ لكونه من أعظم الأمور التي أوجبها الله تعالى، وحث عليها رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-. وعدّ السلامة التلاحم القوي بين ولاة الأمر -حفظهم الله- والرعية، أبرز ما يميز الدولة السعودية منذ تأسيسِها على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- حتى العهد الزاخر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في ظل ارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها والتفافهم حولها، ووقوفهم معها في كل ما من شأنه خدمة هذه البلاد المباركة، ورفع شأنها ومكانتها، وتحقيق الأمن والأمان في ربوعها، بفضل الله وتوفيقه أولاً، ثم تمسك قادة هذه البلاد بعقيدة التوحيد وتطبيق الشريعة وتعاليم الإسلام في جميع نواحي الحياة، وهو النهج الذي سارت عليه القيادة الرشيدة على مدار تاريخ هذه البلاد، إلى أن غدا تعلق المواطنين بقيادتهم وتمسكهم بها والتفافهم حولها مضرب المثل بين الشعوب؛ فجاءت بلادنا نموذجاً متميزاً في الالتحام بين القيادة والشعب.

وكشف السلامة عن عمق علاقة أئمة الدولة بالرعية منذ التأسيس وتأسيس بنائها على النصح والتناصح في المقام الأول، وأرسوها بعدة أسس منها: الإحسان والعدل والتواضع والرحمة.

وأوضح السلامة أن للملك عبدالعزيز -رحمه الله- كلمات لطيفة تتعلق بالعلاقة بين المواطنين والقادة، إذ يقول في كلمته التي ألقاها بمناسبة انتهاء دورة مجلس الشورى بداية عام 1346هـ «التباعد بين الراعي والرعية يدع مجالاُ للنفعيين فيجعلون الحق باطلاً ويصورون الباطل حقاً، إذا لم تكن هناك صلة بين ولاة الأمر والأهالي، فاختلاط الرعية مع الحاكم يقضي على أولئك النفعيين من جهة، ويسهل الأمور ويحل المشكلات من جهة ثانية، فليس بيننا وبين أحد حجاب، فالدين لا يأمرنا بالاعتزال، والشرف لا يأمر بالابتعاد عن الناس» مشيراً إلى حرص الملك المؤسس على توضيح العلاقة التي تربطه بمواطنيه، ويبرهن على صدقه ومحبته، وإخلاصه واتصافه بنظرة إنسانية رائدة إذ كثيراً ما ردد «إني أرى الكبير فيكم كأبي والوسط كأخي والصغير كأبني».

وأضاف السلامة: بهذا الحب والنظرة الإنسانية ساد الملك عبدالعزيز واستجلب حب مواطنيه وحظي بإخلاصهم وحفز هممهم حتى أعز الله به وبهم الإسلام. ففي خطابه لأهل المدينة عام 1346هـ قال «إنني اعتبر كبيركم بمنزلة الوالد وأوسطكم أخاً، وصغيركم أبناً فكونوا يداً واحدة، وألفوا بين قلوبكم لتساعدوني على القيام بالمهمة الملقاة على عاتقنا»..

وأكد السلامة أن الملك عبدالعزيز حدد ملامح علاقته برعيته وثوابتها في مجالي الحقوق والواجبات لكل طرف من أطراف العلاقة تحديداً دقيقاً وواضحاً في البلاغ العام الذي أصدره بجدة عام 1344هـ بقوله: «إن لكم علينا حقوقاً وإن لنا عليكم حقوقاً، فمن حقوقكم علينا: النصح لكم، في الباطن والظاهر واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم إلا بحق الشريعة، وحقنا عليكم: المناصحة، والمسلم مرآة أخيه...» وعدّ الملك عبدالعزيز رفيقاً بالناس عامة وبرعيته خاصة فلم يحتجب عنهم أميراً ولا سلطاناً ولا ملكاً، بل كان يؤكد المرة تلو المرة أنه للجميع ومن الجميع وأنه لا يبخل على أحد بما يستطيع من رعاية أو عون فيدعو الناس أن يأتوه وأن يضعوا بين يديه متاعبهم وأن يصدقوه الشكوى في مظالمهم، وظل يردد هذا القول في أحاديثه والبلاغات الرسمية التي يصدرها بين الحين والآخر. منها على سبيل المثال قوله: «إن من كانت له مظلمة على كائن من كان موظفاً أو غيره كبيراً أو صغيراً ثم يخفي ظلامته فإنما إثمه على نفسه».

ولفت السلامة إلى ما كان يأمر الملك عبدالعزيز بتشكيله؛ من هيئات للتفتيش ويختار من عُرِفوا بالاستقامة، ويبعثهم إلى القرى والبلاد النائية، ويأمرهم بالبحث عن أحوال الناس واستطلاع أخبارهم والانصات إلى شكاياتهم وإنصاف مظلموهم والرفع إليه بتقرير عن ذلك.

واستعاد السلامة جانباً من أخلاق الملك عبدالعزيز وحسن تعامله مع المواطنين، إذ كلما عاد من الرياض إلى مكة أو من مكة إلى الرياض جمع أهلها وسألهم عن أحوالهم وطلب منهم أن يكاشفوه بما يكون لهم من شكايات ضد الأمراء أو الموظفين في دولته ويزوّد الجميع برسائل مباشرة تتضمن أجمل وأمثل النصائح.

ويرى السلامة أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في وطننا من أهم مميزات المجتمع السعودي، من خلال اتباع سياسة الباب المفتوح التي يحرص عليها قادتنا منذ تأسيس الدولة وسار قادة هذه البلاد على هذا النهج فأبوابهم مفتوحه للجميع وأي مواطن يستطيع أن يصل إليهم ليستمعوا إلى رأيه أو تظلمه أو مطالبه، فيسهموا في حلّ مشكلته ويسعوا لتسهيل أموره ويزرعوا الثقة في نفسه، مؤكداً أن طبيعة شعبنا تتميز بالوعي والتدين، وتتصف بالأصالة والوفاء؛ ولذلك نرى ما بينه وبين قيادته وولاة أمره من حب وتلاحم وترابط ووئام، كونه شعبا وفيا يقدم أروع الأمثلة في التماسك والولاء للوطن، والتلاحم مع قيادته الرشيدة في السراء والضراء، ويظهر ذلك جلياً، وتتجدد بشكل أعمق ووفاء أكبر في المناسبات الوطنية.

وعبّر السلامة بالامتنان والحمد لله الذي رزقنا قيادةً أحبت شعبها ووضعته على رأس أولوياتها، وأولته كل ما يستحق من عناية واهتمام، وَسَعت بكل جهودها لبناء وطن قوي ومتقدم؛ ليرفل الوطن والمواطن بالنعم والخيرات.