تجديد الخطاب الديني وإرساء التسامح والحوار سمة ملازمة لملتقيات العلماء والمفكرين.
تجديد الخطاب الديني وإرساء التسامح والحوار سمة ملازمة لملتقيات العلماء والمفكرين.
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
ينقسم الفقهاء المعاصرون اليوم إلى أقسام عدة، فيتشّوف البعض لغربلة الفقه، وإعادة طرحه في صيغة عصرية تتناغم ومعطيات العصر وتنسجم مع التحولات، فيما يتحفظ البعضُ خشيةً على الثوابت، ويتوقف آخرون بين الفريقين ترقباً لما تؤول إليه الأمور.

ولم يكن مصطلح تجديد الخطاب الديني من المصطلحات الحادثة، بل هو مصطلح تليد، وورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها».


ويتصور البعض أن التجديد حسي، بتغيير النصوص أو تحريفها، أو أنه خاص بالشريعة الإسلامية دون غيرها من الشرائع والأديان، علماً بأن الغلو والتعصب والتطرف قائم في أمم وأتباع وخطابات، وليس التجديد متاحاً لكل من يدعي بالشرع معرفة، بل هو شأن المجتهدين، الذين يتمتعون إضافة إلى علمهم الشرعي بالقدرة على الاستنباط والمقارنة والمقايسة وترجيح الأصلح لكل زمان ومكان.

ومن مظاهر التجديد مخالفة المجتهدين في المذهب الواحد لشيوخهم، فما قال به أبو يوسف ومحمد بن الحسن ليس مطابقاً لما قال به أبو حنيفة في كل مسألة، والفقه الشافعي منه قديم وجديد، وتلاميذ المذاهب الفقهية لم يجمدوا على قول الأسلاف، بل تلبستهم روح التجديد فخرجوا من إطار التقليد. انبنت صراعات بين أتباع الأديان على خطابات دينية، ولا تزال بعض الحروب تبرر لنفسها من منطلق النص المقدس، وهناك توظيف سياسي للدِّين لحوز مكاسب دنيوية، ومن هنا يغدو تجديد الخطاب الديني في كل الأديان ضرورة تقتضيها تطلعات العالم للسلام والتعايش ونبذ الكراهية، والقضاء على كل أشكال التمييز المذهبي والديني.

ولا تزال بعض جماعات الإسلام السياسي والأصوليين في المسيحية واليهودية يرفعون شعارات التطرف والتزمت، ويجندون لخدمة أهدافهم أتباعا متحمسين، وعلى درجة عالية من الجهل بقيمة الدِّين، ما يحيلهم لوقود قابل للاشتعال وإذكاء روح الفتنة اعتماداً على موروث ناسب زمنه. والتجديد ينطلق من استيعاب المستحدثات، وآلية التعاطي مع النوازل والمستجدات الفكرية والعملية والسياسية، دون المساس بالقطعيات والمسلّمات.

ولن يخرج التجديد عن عباءة أهل الذكر الذين قال الله فيهم: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، كما أنه يفتقر للطرح الموضوعي والتجرد من أهواء ومغانم الدنيا وممالئة السلطات، فالمجدد باحث عن الحقيقة، مع اعتراف، بمهارة الكثير من المسلمين في الفقه، فربما حامل فقه لمن هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ولن تعجز المجامع الفقهية، والمؤسسات الفكرية في العالم من توليف صيغ تعايش تحد من الصراعات والحروب والمطامع المرتهنة لخطاب سبقه العصر، وتمردت عليه الجغرافيا، وتناساه التاريخ، وملّت منه المجتمعات الطامحة للتواصل والتعاون والتكامل لعمارة الدنيا والإحسان لبعضهم بالعلم والتكنولوجيا والصناعات المؤهلة لحياة آمنة وبعيدة عن المخاوف.