لا يمكن إحصاء القرون التي عزّزت عداء الفقهاء والوعاظ للفلسفة، وتحشيد الطبقات الشعبية ذات التديّن التقليدي ضد الفلاسفة، والتأليب عليهم والكيد لهم، وإهدار دمهم في ظل تقاطع المصالح بين النخب الحاكمة والفقهاء والأعوان والقضاة. ولعل أحد أسباب العداوة الظاهرة والخفية يعود إلى رفض العقل والسعي لإقصائه عن العبادة والحياة، والحيلولة دون تمكين الفيلسوف من قراءة النص الدِّيني لكي لا يتجاوز الفهم المباشر للنص، والارتقاء به لمعان ودلالات ترفع من كفاءة ومكانة العقل والعلم لتمدين الحياة وإسعاد الأحياء بالبرهان الفلسفي، والتأويلات العقلية والمنطقية في قوالبها المفاهيمية.
وأثار الفقهاء شكوك الناس في مقاصد وغايات الفلاسفة، ونعت الوعاظ رموز الفلسفة بالزندقة، بل بلغت بهم المسألة تكفيرهم وحرق كتبهم وقتل من طالته يدهم أو تهجيره، مكتفين بطرحهم التقليدي والتفسير الحرفي والكلمي للنص الديني باللغة العربية، دون حاجة لمصادر إضافية.
ونجا المنطق من تفنيد بعضهم، باعتباره آلة العلوم، ولتسويغ توظيفه في المجادلة، لمجابهة وإبطال آراء الخصوم.
ولم تخرج الصراعات المعرفية بين الأطياف والتيارات عن إطار الحرص على الاستقطاب، والتعصب، وإزاحة الآخر، ظناً أنه ينافس على المغانم والمكاسب الدنيوية التي اعتاد التقليديون الاستئثار بها واعتبار أنفسهم الأحق بها كونهم علماء ربانيين.
وعد المفكر العراقي الدكتور رشيد الخيّون الفلسفة شأن سائر العلوم، تبحث في قضايا الوجود، وترد على تساؤلات الإنسان عنها، وتتطلب النَّظر، إلا أنها لطالما كانت نقمة على أصحابها، فابن رشد (ت: 595 هـ)، سُجن بسبب الفلسفة واضطر إلى جحد ما كتبه، مشيراً إلى تعمد بعض الفقهاء شيطنة الفلسفة لإقصائها بعناوين لافتة، ومنهم أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ): «مقاصد الفلاسفة»، و«تهافت الفلاسفة»، ولم يتردد في وصمهم بالغباء والحُمق، وهو القائل في تصنيفه: «فلما رأيت هذا العِرق مِن الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء، انتدبت لتحرير هذا الكتاب». وكتاب «مصارعة الفلاسفة»، لمحمد بن عبد الكريم الشَّهرستاني (ت: 548هـ)، موجهاً جدله مع مقالات ابن سينا (ت: 428هـ). فقال معترفاً: «المبرز في علوم الحِكمة، وعلامة الدَّهر في الفلسفة... ولا يلحقه لاحق وإن ركض الجواد» فحاز الأول لقب «حجة الإسلام»، والثَّاني عُرف بـ«طراز الشّريعة». وردّ ابن رشد على الغزالي، بـ«تهافت التَّهافت»، ونصير الدين الطّوسي على الشهرستاني بـ«مصارع المصارع».
ويؤكد الخيون أنه وإثر تاريخ مِن «المصارعة» و«التَّهافت» بين الفلاسفة والفقهاء، لم يُلغ الفقه الفلسفة، ولا الفلسفة ألغت الفقه، إذ لكلّ علم مريدوه، ولفت إلى أن الفلسفة تعني حُبَّ الحِكمة والنَّظر واستيعاب التَّقدم العلمي، ويذهب إلى إقصاء الفلسفة مِن التعليم والثَّقافة، يعني الحِرمان مِن أغنى مناهل المعرفة الإنسانيَّة، على الرغم مِن تاريخ العداء بينها وبين الفقه.
وأثار الفقهاء شكوك الناس في مقاصد وغايات الفلاسفة، ونعت الوعاظ رموز الفلسفة بالزندقة، بل بلغت بهم المسألة تكفيرهم وحرق كتبهم وقتل من طالته يدهم أو تهجيره، مكتفين بطرحهم التقليدي والتفسير الحرفي والكلمي للنص الديني باللغة العربية، دون حاجة لمصادر إضافية.
ونجا المنطق من تفنيد بعضهم، باعتباره آلة العلوم، ولتسويغ توظيفه في المجادلة، لمجابهة وإبطال آراء الخصوم.
ولم تخرج الصراعات المعرفية بين الأطياف والتيارات عن إطار الحرص على الاستقطاب، والتعصب، وإزاحة الآخر، ظناً أنه ينافس على المغانم والمكاسب الدنيوية التي اعتاد التقليديون الاستئثار بها واعتبار أنفسهم الأحق بها كونهم علماء ربانيين.
وعد المفكر العراقي الدكتور رشيد الخيّون الفلسفة شأن سائر العلوم، تبحث في قضايا الوجود، وترد على تساؤلات الإنسان عنها، وتتطلب النَّظر، إلا أنها لطالما كانت نقمة على أصحابها، فابن رشد (ت: 595 هـ)، سُجن بسبب الفلسفة واضطر إلى جحد ما كتبه، مشيراً إلى تعمد بعض الفقهاء شيطنة الفلسفة لإقصائها بعناوين لافتة، ومنهم أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ): «مقاصد الفلاسفة»، و«تهافت الفلاسفة»، ولم يتردد في وصمهم بالغباء والحُمق، وهو القائل في تصنيفه: «فلما رأيت هذا العِرق مِن الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء، انتدبت لتحرير هذا الكتاب». وكتاب «مصارعة الفلاسفة»، لمحمد بن عبد الكريم الشَّهرستاني (ت: 548هـ)، موجهاً جدله مع مقالات ابن سينا (ت: 428هـ). فقال معترفاً: «المبرز في علوم الحِكمة، وعلامة الدَّهر في الفلسفة... ولا يلحقه لاحق وإن ركض الجواد» فحاز الأول لقب «حجة الإسلام»، والثَّاني عُرف بـ«طراز الشّريعة». وردّ ابن رشد على الغزالي، بـ«تهافت التَّهافت»، ونصير الدين الطّوسي على الشهرستاني بـ«مصارع المصارع».
ويؤكد الخيون أنه وإثر تاريخ مِن «المصارعة» و«التَّهافت» بين الفلاسفة والفقهاء، لم يُلغ الفقه الفلسفة، ولا الفلسفة ألغت الفقه، إذ لكلّ علم مريدوه، ولفت إلى أن الفلسفة تعني حُبَّ الحِكمة والنَّظر واستيعاب التَّقدم العلمي، ويذهب إلى إقصاء الفلسفة مِن التعليم والثَّقافة، يعني الحِرمان مِن أغنى مناهل المعرفة الإنسانيَّة، على الرغم مِن تاريخ العداء بينها وبين الفقه.