روى أحد المسؤولين السابقين في منطقة الباحة، أنه استقبل مواطناً يشتكي أحد أفراد قريته، وتناول معروضه، وكتب عليه التوجيه المعتاد، وأحاله لجهات الاختصاص للتحقق من صحة الشكوى، ولم يلبث، عاد الشاكي ليقدم معروضاً ثانياً، ويبدو أن المسؤول وسّع صدره، وتقبّل الشكوى وأحالها لمسار مختص، وفي صباح يوم تالٍ كان الشاكي نفسه حاضراً ومعه ثلاث شكاوى ضد أفراد من قبيلته وتظلّم من مؤسسات حكومية، ما استثار غضب المسؤول، ودفعه لسؤال الشاكي: ما الدافع لإتعاب نفسك وإرهاق الآخرين وإشغال الجهات الرسمية؟ فكان جوابه الموجز «حقي والله ما أسكت عنه». وإثر التقصي اتضح أن الشاكي لا حق له، وإنما تعلّق بالمشاكل، وافتتن بتقديم العرائض ولا يتبرم من خسارة أي دعوى ولديه استعداد أن يداوم يومياً موزعاً وقته بين الجهات ففي الصباح يتجه للشرطة، وفي الضحى للأمانة، وفي الظهر للمحكمة، وبعد الظهر للإمارة.
وكشف أحد المسؤولين الحاليين في الباحة، أن عدد الشكاوى الكيدية المقدمة يومياً تتجاوز 200 شكوى، ما يعني أننا إزاء ظاهرة تتفشى بين عيّنة مجتمعية غير مسؤولة، لا تحترم وقت الموظفين، ولا المواطنين، ولا تقدر الأواصر الاجتماعية، وصلة الأرحام، وتطلّع لمناقشة الظاهرة من النُخب ووضع الحلول اللازمة للتصدي للظواهر المعيقة لنحو 50% من تنمية المنطقة، لعرقلتها للمشاريع.
أمين الباحة: تغليب المصالح الشخصية
يؤكد أمين منطقة الباحة الدكتور علي بن محمد السواط، أن الشكاوى الكيدية لا تزال شائعة، ولا تزال تعرقل وتؤخر تنفيذ بعض المشاريع التنموية، وعزا شيوعها إلى اختلال منظومة القيم وتضارب المصالح لدى فئة من أفراد المجتمع والانسياق إلى تغليب المصلحة الفردية الخاصة على المصلحة العامة دون وجه حق، إضافة إلى التعقيد والتداخل في جوانب حياة المجتمع اليوم.
وأوضح أن الشكاوى الكيدية في العقود الماضية لم تكن بحجم ما هي عليه اليوم بسبب بساطة الحياة آنذاك ونتيجة لسيادة الأعراف والأخلاق وارتقاء الوازع الديني لأفراد المجتمع.
وعبّر السواط عن انزعاجه من بعض كبار السن المراجعين يومياً في الإدارات الحكومية لتقديم ومتابعة الشكاوى، وقال: «أشفقت عليهم وأقنعت عدداً منهم بالكف عن تقديم الشكاوى والخلود إلى الراحة التامة في خريف العمر».
وكشف أنه بمجرد بدء حديث لدقائق مع المشتكي؛ يفصح وبشكل عفوي عن أبعاد وخلفية شكواه، فيتضح أن خلافاً أسرياً أو حالة طلاق أو اختلاف على ميراث يقود المشتكي إلى تقديم شكوى في موضوع آخر مختلف بدافع الانتقام من الخصم.
ولفت إلى أن الشكاوى الكيدية اليوم تبطئ مسيرة التنمية، خصوصاً في الجهات الخدمية على وجه الخصوص، كاعتراض غير مبرر على نوع أو موقع أو آلية تنفيذ مشروع تنموي حكومي، مضيفاً أنها إشغال للسلطات واستنزاف للوقت والجهد وتتسبب في تكاليف من المال العام من أجل دراستها وبحثها والتحقق من مصداقيتها ثم اتخاذ اللازم حيالها.
أخصائي اجتماعي: تعميم «blacklist» لتفادي الأذى
يرى الأخصائي الاجتماعي سيف مهدي، أن الشخصية المعتادة على الشكاوى الكيدية تشعر بنقص ما، أو تعاني أزمات بسبب تراكمات اجتماعية؛ منها فقدان الحضور المجتمعي، والتهميش، والطفولة البائسة، مؤكداً أن بعض المعاناة تخلق شخصيات شرسة وناقمة ولا تلين لاسترضاء، ولا تذعن لأنظمة، ولا تخشى عقوبة، وتطلّع لوضع (blacklist) بأسماء المشهورين بالدعاوى الكيدية تشهيراً بهم، وإشعاراً للجهات الحكومية لتفادي أذيتهم للآخرين، كون بعضهم يشعر بالرضا عن نفسه لأنه أزعج خصمه، أو عطّله عن عمله. ويظل الأمل كبيراً في تعزيز مواد نظام التكاليف والمصروفات القضائية بما يكفل التصدي للدعاوى الكيدية بإيقاع عقوبات تعزيرية من بينها الغرامة والتعزير بالسجن انطلاقاً من توفير بيئة نظامية فاعلة للحد من الدعاوى الكيدية.
مدير النقل: تعثّر مشاريع طُرق
ذهب مدير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية في منطقة الباحة المهندس مسفر المالكي، إلى أن للشكاوى الكيدية تأثيراً كبيراً على سير العمل في أي قطاع، وعدّها من أسباب عرقلة التنمية، مؤكداً تأثيرها سلباً على إنتاجية الموظفين وإمكانية العمل. وأوضح أنه من سابق تجربة اُستهدفَ الفرعُ بعدد من الشكاوى الكيدية فأثرت على تنفيذ أحد المشاريع وإنجازها وتسببت في إيقاف أجزاء من المشروع، وتطلّع لوسائل معالجة لهذه المشكلة ومنها فرض عقوبات صارمة وتحديد آلية محددة تضمن حفظ حقوق الطرفين.
شكاوى ماكرة تشوه الصورة
أبدى أمين منطقة الباحة السواط، أسفه أن البعض يفتح على جهة إدارية جبهات عدة، فيرفع شكواه إلى الجهات العليا في الدولة وفي ذات الوقت يرفعها إلى الوزارات التنفيذية وإلى الجهات الرقابية والجهات القضائية، مشيراً إلى أن الشكاوى الكيدية ماكرة، كونها تحرّف الحقيقة وتشوه الصورة وتنبني صياغتها على مبالغة وتهويل وتضخيم للموضوع من وجهة نظر أحادية، وأضاف «بعضها تستمر في اللف والدوران في أروقة مكاتب الجهات الخدمية والرقابية لأعوام طويلة وفي النهاية يتم حفظها». وقال السواط، أنا كمسؤول حكومي في جهة خدمية مهمة لا أتحسس ولا أنزعج مطلقاً من أي شكوى كيدية تطالني شخصياً لأن إبطالها ميسور والحقيقة دائماً تفصح عن نفسها وربما تنشأ عن سوء فهم لدى المشتكي ولم يكن الغرض منها الإساءة.
وعدّ السواط، تنامي الشكاوى الكيدية إضرارا بالمصالح العليا للمجتمع وتؤثر سلباً على مشاريع التنمية، ما يوجب التدخل في هذا الموضوع من خلال استحداث أنظمة وتشريعات جديدة تضبط وتحد من الظاهرة، متطلعاً لتفعيل وتطبيق وإنفاذ الأنظمة القائمة التي يفترض أنها تحد من الشكاوى الكيدية، كونه صدرت أحكام قضائية على البعض بالتوقف عن تقديم الشكاوى الكيدية في مواضيع محددة، إلا أنه يستمر ويمعن في تقديم الشكاوى بالوكالة عن طريق آخرين من الأقارب أو المعارف، محاولاً إخفاء شخصيته أو انتحال اسم مستعار لكي يضر بالآخرين وهو متوارٍ عن الأنظار.
ويرى أن رضا الناس غاية لا تدرك، ودعا كل من يتصدى للخدمة العامة في الوظيفة الحكومية أن يتحلى بالصبر والحكمة والهدوء، وأن لا يستاء من تلك الشكاوى الكيدية أو يتحسس منها، في ظل التعليمات العليا التي نصّت على عدم إيقاف تنفيذ أي مشروع حكومي في حال وجود أي شكوى أو اعتراض، وأن على المشتكي اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة لإنصافه إذا كان صاحب حق.
استشاري نفسي: غيرة وكراهية شخصية
أكد الاستشاري النفسي الدكتور سلطان مشرف، أن المتقدمين بالشكاوى الكيدية مشارب مختلفة، ولا يمكن إدراجهم في خانة ثابتة، أو قالب واحد، وعزا الدوافع للشكاوى إلى غيرة، أو كراهية شخصية، أو حسد، أو دافع انتقامي، وتشفٍّ، بسبب التنافس الوظيفي أو الحضور الاجتماعي. ورجّح مشرف أن يكون الدافع لاستمراء الشكاوى انعدام العقوبة الصارمة بحق المتقدم بدعاوى كيدية، وتساهل بعض الأنظمة وتطبيقاتها في تلقي شكواه بالقبول، وصنّف بعض الحالات بالمضطربة أو الطامحة لإثبات وجودها ووجهاتها في محيطها.
وكشف أحد المسؤولين الحاليين في الباحة، أن عدد الشكاوى الكيدية المقدمة يومياً تتجاوز 200 شكوى، ما يعني أننا إزاء ظاهرة تتفشى بين عيّنة مجتمعية غير مسؤولة، لا تحترم وقت الموظفين، ولا المواطنين، ولا تقدر الأواصر الاجتماعية، وصلة الأرحام، وتطلّع لمناقشة الظاهرة من النُخب ووضع الحلول اللازمة للتصدي للظواهر المعيقة لنحو 50% من تنمية المنطقة، لعرقلتها للمشاريع.
أمين الباحة: تغليب المصالح الشخصية
يؤكد أمين منطقة الباحة الدكتور علي بن محمد السواط، أن الشكاوى الكيدية لا تزال شائعة، ولا تزال تعرقل وتؤخر تنفيذ بعض المشاريع التنموية، وعزا شيوعها إلى اختلال منظومة القيم وتضارب المصالح لدى فئة من أفراد المجتمع والانسياق إلى تغليب المصلحة الفردية الخاصة على المصلحة العامة دون وجه حق، إضافة إلى التعقيد والتداخل في جوانب حياة المجتمع اليوم.
وأوضح أن الشكاوى الكيدية في العقود الماضية لم تكن بحجم ما هي عليه اليوم بسبب بساطة الحياة آنذاك ونتيجة لسيادة الأعراف والأخلاق وارتقاء الوازع الديني لأفراد المجتمع.
وعبّر السواط عن انزعاجه من بعض كبار السن المراجعين يومياً في الإدارات الحكومية لتقديم ومتابعة الشكاوى، وقال: «أشفقت عليهم وأقنعت عدداً منهم بالكف عن تقديم الشكاوى والخلود إلى الراحة التامة في خريف العمر».
وكشف أنه بمجرد بدء حديث لدقائق مع المشتكي؛ يفصح وبشكل عفوي عن أبعاد وخلفية شكواه، فيتضح أن خلافاً أسرياً أو حالة طلاق أو اختلاف على ميراث يقود المشتكي إلى تقديم شكوى في موضوع آخر مختلف بدافع الانتقام من الخصم.
ولفت إلى أن الشكاوى الكيدية اليوم تبطئ مسيرة التنمية، خصوصاً في الجهات الخدمية على وجه الخصوص، كاعتراض غير مبرر على نوع أو موقع أو آلية تنفيذ مشروع تنموي حكومي، مضيفاً أنها إشغال للسلطات واستنزاف للوقت والجهد وتتسبب في تكاليف من المال العام من أجل دراستها وبحثها والتحقق من مصداقيتها ثم اتخاذ اللازم حيالها.
أخصائي اجتماعي: تعميم «blacklist» لتفادي الأذى
يرى الأخصائي الاجتماعي سيف مهدي، أن الشخصية المعتادة على الشكاوى الكيدية تشعر بنقص ما، أو تعاني أزمات بسبب تراكمات اجتماعية؛ منها فقدان الحضور المجتمعي، والتهميش، والطفولة البائسة، مؤكداً أن بعض المعاناة تخلق شخصيات شرسة وناقمة ولا تلين لاسترضاء، ولا تذعن لأنظمة، ولا تخشى عقوبة، وتطلّع لوضع (blacklist) بأسماء المشهورين بالدعاوى الكيدية تشهيراً بهم، وإشعاراً للجهات الحكومية لتفادي أذيتهم للآخرين، كون بعضهم يشعر بالرضا عن نفسه لأنه أزعج خصمه، أو عطّله عن عمله. ويظل الأمل كبيراً في تعزيز مواد نظام التكاليف والمصروفات القضائية بما يكفل التصدي للدعاوى الكيدية بإيقاع عقوبات تعزيرية من بينها الغرامة والتعزير بالسجن انطلاقاً من توفير بيئة نظامية فاعلة للحد من الدعاوى الكيدية.
مدير النقل: تعثّر مشاريع طُرق
ذهب مدير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية في منطقة الباحة المهندس مسفر المالكي، إلى أن للشكاوى الكيدية تأثيراً كبيراً على سير العمل في أي قطاع، وعدّها من أسباب عرقلة التنمية، مؤكداً تأثيرها سلباً على إنتاجية الموظفين وإمكانية العمل. وأوضح أنه من سابق تجربة اُستهدفَ الفرعُ بعدد من الشكاوى الكيدية فأثرت على تنفيذ أحد المشاريع وإنجازها وتسببت في إيقاف أجزاء من المشروع، وتطلّع لوسائل معالجة لهذه المشكلة ومنها فرض عقوبات صارمة وتحديد آلية محددة تضمن حفظ حقوق الطرفين.
شكاوى ماكرة تشوه الصورة
أبدى أمين منطقة الباحة السواط، أسفه أن البعض يفتح على جهة إدارية جبهات عدة، فيرفع شكواه إلى الجهات العليا في الدولة وفي ذات الوقت يرفعها إلى الوزارات التنفيذية وإلى الجهات الرقابية والجهات القضائية، مشيراً إلى أن الشكاوى الكيدية ماكرة، كونها تحرّف الحقيقة وتشوه الصورة وتنبني صياغتها على مبالغة وتهويل وتضخيم للموضوع من وجهة نظر أحادية، وأضاف «بعضها تستمر في اللف والدوران في أروقة مكاتب الجهات الخدمية والرقابية لأعوام طويلة وفي النهاية يتم حفظها». وقال السواط، أنا كمسؤول حكومي في جهة خدمية مهمة لا أتحسس ولا أنزعج مطلقاً من أي شكوى كيدية تطالني شخصياً لأن إبطالها ميسور والحقيقة دائماً تفصح عن نفسها وربما تنشأ عن سوء فهم لدى المشتكي ولم يكن الغرض منها الإساءة.
وعدّ السواط، تنامي الشكاوى الكيدية إضرارا بالمصالح العليا للمجتمع وتؤثر سلباً على مشاريع التنمية، ما يوجب التدخل في هذا الموضوع من خلال استحداث أنظمة وتشريعات جديدة تضبط وتحد من الظاهرة، متطلعاً لتفعيل وتطبيق وإنفاذ الأنظمة القائمة التي يفترض أنها تحد من الشكاوى الكيدية، كونه صدرت أحكام قضائية على البعض بالتوقف عن تقديم الشكاوى الكيدية في مواضيع محددة، إلا أنه يستمر ويمعن في تقديم الشكاوى بالوكالة عن طريق آخرين من الأقارب أو المعارف، محاولاً إخفاء شخصيته أو انتحال اسم مستعار لكي يضر بالآخرين وهو متوارٍ عن الأنظار.
ويرى أن رضا الناس غاية لا تدرك، ودعا كل من يتصدى للخدمة العامة في الوظيفة الحكومية أن يتحلى بالصبر والحكمة والهدوء، وأن لا يستاء من تلك الشكاوى الكيدية أو يتحسس منها، في ظل التعليمات العليا التي نصّت على عدم إيقاف تنفيذ أي مشروع حكومي في حال وجود أي شكوى أو اعتراض، وأن على المشتكي اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة لإنصافه إذا كان صاحب حق.
استشاري نفسي: غيرة وكراهية شخصية
أكد الاستشاري النفسي الدكتور سلطان مشرف، أن المتقدمين بالشكاوى الكيدية مشارب مختلفة، ولا يمكن إدراجهم في خانة ثابتة، أو قالب واحد، وعزا الدوافع للشكاوى إلى غيرة، أو كراهية شخصية، أو حسد، أو دافع انتقامي، وتشفٍّ، بسبب التنافس الوظيفي أو الحضور الاجتماعي. ورجّح مشرف أن يكون الدافع لاستمراء الشكاوى انعدام العقوبة الصارمة بحق المتقدم بدعاوى كيدية، وتساهل بعض الأنظمة وتطبيقاتها في تلقي شكواه بالقبول، وصنّف بعض الحالات بالمضطربة أو الطامحة لإثبات وجودها ووجهاتها في محيطها.