ربما كانت فكرة الوطن ملتبسة في الأذهان، شأن بدايات الدولة، إذ لم يتحرر مصطلح الوطن، إلا إثر قيام الدولة الوطنية، ولم تعرف الثقافة البشرية مصطلح وطن، منذ عهد الرومان، والامبراطوريات الكبرى، التي كانت تلتهم غيرها وتلغيه، فتغدو عظيمة، وكلما جاء لاحق أعظم ألغى السابق، وكانت فكرة المدن هي المعروفة (روما، بغداد، القاهرة، دمشق، القيروان، قرطبة، غرناطة، الدرعية، الرياض)، وكل مدينة تحصّن نفسها بأسوار تحيط بها، تغلقها كل مساء، ما يحول دون الاعتداء عليها، فالوطن مصطلح مرتبط بالأمن، والثروة، والحقوق. والملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه، تزامنت فكرته مع الوعي الاستقلالي، في العالم العربي، ولذلك جاء إليه العرب من كل الأقطار، إيماناً بمشروعه الذي يبني الحلم المأمول، وحدّد الملك المؤسس بعقلية تفاوضية، جغرافية دولته، ولم يدخل في حروب ونزاعات وغزو، ولم يتمدّد أكثر استشعاراً منه بخطر التمدّد، وطيلة 31 عاماً وهو يتآلف ويحالف، المكونات القبلية والكيانات داخل المملكة، فجعل الجميع جزءاً من التكوين فأحبوه، وهذه اللُحمة التي حققها، فيما بيننا حمت بلادنا طيلة تاريخها العريق من عواصف هبّت على غيرنا، وللعلم فكل الخطابات التي رفعت الشعارات الوحدوية والأممية فشلت، (البعث، القومية، الإخوان، الخميني) والإسلاموية مرفوضة؛ لأنها تسوّق أفكاراً تضاد الوطن، وتجنح لإلغائه، وكل من عادى الوطن ألغاه الوطن، وكل من تصدى لفكرة الوطن سقط، ونظل نرفض كل من يحاول إلغاء وطنيتنا، أو الإساءة لهذا الكيان، لأنه المعنى الممتد الذي ننتمي له، ونريده لأحفادنا وأحفادهم، وكل عام والوطن والجميع مواطنين ومقيمين بخير، وكل يوم هو لنا في وطننا يوم الوطن.