مع اقتراب الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 27)، هناك حاجة لإيصال صوت مجتمع الرعاية الصحية العالمي إلى طاولة المفاوضات بشأن المناخ. ويمكن للشركات -بل ويجب عليها أيضاً- أن تلعب دوراً حاسماً في معالجة التغير المناخي من خلال الوفاء بأهدافها ومتابعة التزاماتها تجاه الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وقد أصبح هذا الدور الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل التهديدات المتزايدة للتغير المناخي، وعدم المساواة الممنهج، والتفاوت في الخدمات الصحية بين دول العالم، والتي تشكل تهديداً حقيقياً للأفراد والمجتمعات والكوكب.
ويعتبر قطاع الرعاية الصحية مسؤولاً عما يترواح بين 4.4% و4.6% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم. وإذا ما اعتبرنا أن قطاع الرعاية الصحية العالمي دولة، فإنه سيمثل خامس أكبر دولة منتجة لانبعاثات غازات الدفيئة على كوكب الأرض وفقاً لتقرير أجرته شركة «هيلث كير وذ آوت هارم» بالتعاون مع «أروب». ومن هذا المنطلق يتحتم علينا التركيز على تقنيات الرعاية الصحية التي تسهم في توفير التشخيص المبكر للأمراض وعلاجها بشكل أفضل وأسرع لمزيد من المرضى، بالتوازي مع التقليل من أو إزالة تأثيرنا على البيئة. وتتمثل إحدى الطرق العديدة لمعالجة أزمة المناخ المستمرة في دعم إتاحة الرعاية الصحية على نطاق عالمي، لا سيما لنصف سكان العالم الذين يعانون من نقص الخدمات وعدم القدرة على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، وذلك بالاعتماد على التقنيات الرقمية وحلول الرعاية الصحية عن بعد.
ولدعم مستقبل أكثر استدامة في قطاع الرعاية الصحية، يجب أن نبحث عن طرق تساعد الأنظمة الصحية على تحسين الكفاءة وتقليل النفايات. ومع ما شهده العالم من نقص في الموظفين وزيادة في أعداد المرضى بسبب الجائحة، بات لزاماً على القطاع الصحي إيجاد طرق للاستفادة من الموارد الحالية بشكل أفضل في تقديم الرعاية للمزيد من المرضى. وتمتاز التقنيات الصحية الرقمية وحلول الرعاية الصحية عن بُعد بتأثيرها الإيجابي على التغيير البيئي لأنها تُغني المرضى عن الحاجة لقطع المسافات الطويلة من وإلى مرافق الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تقليل استخدام معدات الحماية الشخصية ذات الاستخدام الواحد والتي تتسبب بمستويات عالية من الاحتباس الحراري.
وبصفتنا شركة رائدة في مجال ابتكار التقنيات الطبية والتشخيصية، فإننا نعمل على تطوير آليات فعالة وتسخير قوة التقنيات الرقمية لتحويل أكبر المعدات الطبية إلى أجهزة تترك بصمة بيئية أصغر على كوكبنا، كما أننا ندعم القطاع الصحي في الشرق الأوسط بحلول تمكّن من المراقبة الآنية الشاملة لحالة المرضى في مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات والمنظومة الصحية بأكملها. وبذلك نخوّل القطاع الصحي خفض بصمته الكربونية ودعم الدول لتحقيق الأهداف المناخية، ونساعد الفرق السريرية على تقديم الرعاية المناسبة السريعة دون تأخير.
في المستشفيات المتواجدة في المناطق النائية والمجتمعات الريفية في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يستفيد مرضى وحدات العناية المركزة من مراقبة حالتهم الصحية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع باستخدام برمجيات متقدمة تجمع بيانات المرضى من مصادر متعددة وتراقب باستمرار العلامات الحيوية. وفي حالة اكتشاف أي خطر، يجري إرسال تنبيه إلى فريق متخصص يقدم استشارات العناية المركزة عن بعد، فيتصل بدوره مع الفريق الموجود في المستشفى لمساعدته على تقديم الرعاية المناسبة على الفور. وقد جرى تطبيق تقنية العناية المركزة عن بُعد في المملكة العربية السعودية وهي تدعم المملكة في الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060. ويتم كذلك استخدام هذا الحل الاستشاري عن بُعد في دول أخرى مثل قطر وتركيا.
على صعيد آخر، ساعدت تقنيات خدمة الصيانة والإصلاح عن بُعد في ضمان استمرار معدات الرعاية الصحية بالعمل خلال فترة الجائحة وما بعدها حتى اليوم. وتلبي جنرال إلكتريك للرعاية الصحية الطلبات المتزايدة لقطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال شرق أفريقيا وتركيا من خلال أكثر من 250 من مهندسي الخدمة، والذين ساهموا في معالجة نحو ثلث مشكلات المعدات الصحية عن بُعد.
وفي سيناريوهات أخرى، برهنت أنظمة المراقبة عن بعد على فعاليتها في حالات نقل مرضى القلب بسيارات الإسعاف إلى المستشفى، حيث إنها تمكّن من إجراء فحص التخطيط الكهربائي للقلب أثناء النقل مما يتيح للطبيب الاطلاع فورياً على نتيجة الفحص عند وصول المريض إلى المستشفى وتقييم حالة المريض بشكل أسرع، مما يدعم عملية اتخاذ القرار بشأن العلاج المناسب.
هذا وتعالج الحلول عن بُعد أيضاً مسألة القيود التي تم فرضها على عمليات التدريب العملي، والتي لعبت دوراً محورياً أثناء الجائحة، إذ قمنا بتقديم حل الخبير الرقمي، وهو نهج جديد للتدريب العملي عبر جلسات مباشرة ومخصصة تتم من خلال جهاز لوحي محمول قادر على الاتصال بالنظام بسهولة.
لقد انصبّت جهودنا لسنوات عديدة على تطوير المعدات الطبية للارتقاء بجودتها إلى أفضل مستوى وعملنا على تحسين برامج متقدمة لزيادة مستويات الثقة في التشخيص، ونحن مواظبون على تحدي أنفسنا لمواصلة مسيرة التطوير. ويتمثل أحد الأمثلة الشاهدة على ذلك في تطوير نظام الرنين المغناطيسي الجديد الذي صُمم لتقليل استخدام الهيليوم بنسبة تصل إلى 67%، إذ يعد الهيليوم مورداً نادراً وغير متجدد. ويعتبر الإصدار الحالي من منظومة الرنين المغناطيسي أخف بمقدار 2 طن من سابقتها. قمنا كذلك بتمكين الطاقم الطبي من تقليل حجم الطاقة المستهلكة في عمليات الرنين المغناطيسي وخفض وقت الفحص بنسبة تصل إلى 50%، مما يساهم في توفير الموارد وتحسين تجربة المريض.
ونظراً لأن الانبعاثات الصادرة عن قطاع الرعاية الصحية تُفضي إلى تفاقم مشكلة تغير المناخ وتداعياته السلبية على الصحة، فمن المهم إيجاد حلول مستدامة واعتماد مبادرات أكثر مراعاة للبيئة لدعم جهود محاربة التغير المناخي. ومن هذا المنطلق، يتوجب على القطاعين العام والخاص التعاون سويةً بغية إنجاح اعتماد ممارسات أكثر استدامة في أنظمة الرعاية الصحية؛ ففي غياب هذا التعاون، سيكون من المحال تحقيق الإمكانات الكاملة لتقنيات الرعاية الصحية عن بُعد.
تعد قضية تغير المناخ جزءاً لا يتجزأ من مهمتنا في جنرال إلكتريك للرعاية الصحية الهادفة إلى تحسين الخدمات والنتائج للمرضى ومقدمي الرعاية الصحية والباحثين حول العالم، وتقع على عاتقنا مسؤولية تعزيز إجراءاتنا للتقليل من انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عنّا. ولدعم قطاع الرعاية الصحية في المنطقة وتلبية طموحات الاستدامة، التزمنا بمبادرة «الأهداف المستندة إلى العلم»، ونعمل على وضع أهداف طموحة لتقليل انبعاثات النطاقين الأول والثاني والناجمة عن عملياتنا بالإضافة إلى تطوير أهدافنا المتعلقة بالحد من انبعاثات النطاق الثالث والتي تتوافق مع أهداف خفض الاحتباس الحراري إلى ما دون 1.5 درجة مئوية.
وفي ضوء استمرار تبعات الجائحة والمخاوف الصحية الأخرى في التأثير على قطاع الرعاية الصحية العالمي، سيستغرق تحقيق بعض الإجراءات لحماية الناس وكوكب الأرض وقتاً أطول. ومع ذلك، سيسهم تغيير طريقة تقديم الرعاية الصحية حالياً في بناء مستقبل أكثر استدامة للجميع في العالم.
https://www.youtube.com/watch?v=T581qq1XgCA