الترجمة من الكتب الأجنبية إلى العربية، ومنها
إلى ما سبق، قام صاحبنا بترجمة عدد من الكتب الأجنبية إلى العربية ومنها: «الاستعمار: مراجعة نظرية عامة» لمؤلفه يورغان أوسترهامل (1999)، «البنية الاجتماعية للواقع، دراسة في علم اجتماع المعرفة» لمؤلفيه بيتربيرغر وتوماس لوكمان (2000)، «قراءات في علم اجتماع الأدب» لمؤلفه جون هول (2004)، «مجتمع مسلم» من تأليف إرنست غيلنر (2005)، «علم الاجتماع والإسلام: دراسة نقدية لفكر ماكس فيبر» من تأليف براين تيرنر (2012)، «دراسات معاصرة في علم الاجتماع والإنثروبولوجيا» لمجموعة من المؤلفين (2013)، «وائل حلاق ومجادلوه» لمجموعة من المؤلفين (2015)، «التحضر في الجزيرة العربية» لمؤلفه ن.س.جريل (1990)، «مدينة ما قبل الصناعة» من تأليف ج.جويبرغ (1990)، «التحضر في الشرق الأوسط» من تأليف كوستيلو وفرانسيس فنسنت (1983).
والملاحظ أن باقادر في جهوده التأليفية أولى جزءاً من اهتمامه بنشر إبداعات مواطناته عن طريق نقلها من العربية إلى الإنجليزية. ومن ذلك أنه قام عام 1999 بالاشتراك مع أفا هينريتشسدورف بتحرير كتاب «اغتيال الضوء: قصص قصيرة سعودية حديثة»، وهو كتاب اشتمل على 16 قصة سعودية قصيرة، كانت إحداها لابنة مكة المكرمة الأديبة خيرية إبراهيم السقاف، وهي قصة «اغتيال الضوء عند مجرى النهر». وكان باقادر قد تعاون قبل ذلك في عام 1998 مع أفا هينريتشسدورف وديبرا إيكرز في تحرير وترجمة كتاب «أصوات التغيير: قصص قصيرة لكاتبات سعوديات»، الذي يعد أول كتاب باللغة الإنجليزية يخصص بالكامل للإبداع الأدبي النسائي السعودي.
ومن ضمن بحوثه الجميلة، وهي كثيرة ومنشورة في الدوريات العلمية بالعربية والإنجليزية، بحث بعنوان «حكاياتي مع عجائز مكة» أنجزه من خلال اختياره عينة من 13 امرأة مسنة من خلفيات مختلفة وطرح أسئلة عليهن حول مراحل ومناحي حياتهن اليومية في الحجاز، وكيف تأثرن وأثرن؟ وكيف تغلبن على شظف الحياة واستفدن من بحبوحتها؟ وصولاً إلى استنتاج القواسم المشتركة بينهن.
ومن الأمور الأخرى في سيرة الدكتور باقادر أنه حظي بعضوية العديد من الجمعيات، بل تولى في بعضها مناصب رفيعة. فهو مثلاً عضو الجمعية السعودية والجمعية العربية والجمعية الأمريكية والجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وهو زميل مدى الحياة بجامعة كمبردج البريطانية، وأستاذ زائر في عدد من الجامعات الأمريكية والإسلامية، كما شغل منصب نائب المجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
يُعد الأستاذ الدكتور أبوبكر باقادر أحد أهم المتخصصين في العلوم الاجتماعية على المستويين الخليجي والعربي، وواحداً من علماء الاجتماع الذين أثروا المكتبتين العربية والأجنبية بالمؤلفات والترجمات، حيث إن من يقرأ سيرته سيجده إنساناً متوهجاً ومتوثباً لخدمة وطنه السعودي وتقديمه للعالم كبلد متنوع حضارياً وتراثياً وتنموياً في مواجهة أولئك الذين يتناولونه بطريقة نمطية بعيدة عن الحقيقة لأغراض أيديولوجية وسياسية.
إنه نموذج عجيب ومتميز للأكاديمي والمثقف العاشق للمعرفة والبحث والتنقل بين المكتبات والتعاطي مع ظواهر العصر دون التخلي عن القيم الأصيلة التي غرسته فيه بيئة النشأة والتكوين الأولي في مكة المكرمة بكل ما لها من قدسية وروحانية وإرث ديني وثقافي وتنوع إثني ومذهبي. فمثلاً تجده وسط انفتاحه على الفلسفات والعلوم الغربية وأصحابها يعود إلى حكايات العجائز المكيات ومروياتهن الشفهية. وعلى حين يقتبس في أعماله من المراجع والمصادر الأجنبية، فإنه لا ينسى الغرف من المخطوطات التراثية والمؤلفات الإسلامية القديمة وحكايات رواد الحضارة العربية الإسلامية.العلوم المتأخرة
يُعرّف باقادر العلوم الاجتماعية بأنها من العلوم المتأخرة، لكنها تمكنت، رغم ذلك، من أن تحتل مكاناً مهماً في عالم العلوم الإنسانية وأن تستفيد من العلوم التاريخية والأخلاقية والفلسفية وتزاحمها في محاولة الإجابة عن تفسير مختلف الظواهر والسلوكيات المجتمعية، فصارت بمثابة مرآة تزداد عمقاً وصوابية وتوجهاً من حيث القدرة على جمع المعلومات ومراكمتها وضبطها وتفسيرها للإجابة عن قائمة طويلة من التساؤلات التي تشغل بال الأفراد والجماعات. ويضيف قائلاً، إن العلوم الاجتماعية استخدمت فترة من الزمن من قبل الإدارات الاستعمارية من منطلق أن العلم قوة، ووظفتها في الحصول على معلومات مهمة ذات صلة بالمجتمعات التي سيطرت عليها. وفي العقود الأخيرة بدأت العلوم الاجتماعية، بشكل عام، تأخذ مكانها ومسارها في العالمين العربي والإسلامي باعتبارها علوماً تفسيرية تقارب الظواهر القائمة، وصار لها تجليات مهمة في الدراسات الحضرية ودراسات الجريمة والأسرة والقبيلة والأقليات والحقوق وغيرها.
ويعترف باقادر أن العلوم الاجتماعية من العلوم المشاكسة عند السياسيين لأنها تنشر الأفكار الجديدة وتحث الطلائع المجتمعية على البحث والتنقيب وانتقاد الأفكار القديمة المتوارثة وتفتح أمامهم آفاقاً واسعة للتفسير والتغيير نحو الأفضل. ومن جهة أخرى، يقر بأن مشكلة بعض العرب أنه ينقل تجارب الآخر ويحاول تطبيقه على واقعه المختلف تماماً، أي دون أن يعي أن لكل مجتمع خصوصيات ومشاكل وذهنيات خاصة به، وفي السياق نفسه، يرى أن الغرب لديه مراكز متخصصة وعلماء متخصصون في مناطق جغرافية وجماعات معينة تقوم بعمل دراسات دقيقة بشفافية، بينما لا توجد مثل هذه المراكز في العالم العربي، وإنْ وجدت فإنها تقوم بتزيين وتجميل الواقع بدلاً من دراسته وإظهاره على حقيقته. ثقافة الإسلام
ولد أبوبكر أحمد أبوبكر باقادر العمودي في مكة المكرمة سنة 1950 لعائلة من أصول حضرمية وفدت من وادي دوعن قديماً، واستقرت في الحجاز شأنها في ذلك شأن العديد من العائلات التي خرجت من تلك البقعة وانتشرت في أرجاء الجزيرة العربية ودول جنوب شرق آسيا للعمل في التجارة والدعوة والتدريس أو نهل المعارف والعلوم، فظهر منها أعلام ورواد في مختلف الميادين خدموا أوطانهم بإخلاص وتفان. كان لميلاده في مكة تأثير كبير عليه سواء لجهة ما تميز به من انفتاح وتعامل مع مختلف الجنسيات بروح متسامحة أو لجهة الورع والاهتمام بالقضايا الإسلامية والعلوم الفقهية.
ولعل ما يؤكد ذلك اعتزازه بهويته وثقافته المكية، بدليل حديثه المتكرر عنها في الحوارات التي أجريت معه. ففي حواره مع صحيفة البلاد السعودية (27/3/2021) مثلاً، نجده يصف مكة بـ«حضن تجتمع فيها أطياف الثقافة الإسلامية والعلاقات الدولية العالمية في مكان واحد لتعيد تشكيلها لما يمكن أن يسمى بثقافة مكة أو ثقافة الإسلام في التسامح وتجاوز الفروقات ليصبح الجميع أسرة واحدة»، موضحاً أن «في مكة عادات وتقاليد ولغات مختلفة إلا أن سكانها استطاعوا باختلافهم وتباينهم أن يشكلوا ثقافة مجتمع واحد له هوية واحدة. هناك يشعرون أنهم ينتمون إلى مكان واحد ولهم أسلوب حياة مشترك. ومكة كانت منذ الأزمنة الغابرة مجالاً لتبادل الأفكار والمهارات والوقوف على ما يجري في العالم من خلال الحجيج الذين ينقلون أخبار بلدانهم، فصارت من المناطق السباقة للانفتاح على منتجات العالم من الناحية الفكرية وكذلك الأجهزة والأدوات وهو سبق لها على غيرها». واستطرد قائلاً: «مكة مدينة حضارية ولها روافد قروية وبدوية تزيدها تنوعاً وإشعاعاً. ولطالما كان الحرم المكي مكاناً لجذب العلماء لمزيد من العطاء.. كثير من الكتاب والمؤلفين جاءوا لعمل أجزاء من كتبهم في الحرم وأمام الكعبة، هذا التنوع والحيوية والتشكل يمثل روح هذه البقعة من الأرض وانفتاحها على كل الثقافات».في رحاب مكة
ظل باقادر في رحاب مكة وشعابها، مختلطاً بأطيافها المختلفة، مولعاً بالاستماع إلى لغتها وحكاياتها، مستمتعاً بطقوسها وعاداتها وتقاليدها وأجوائها الروحانية، إلى أن أنهى دراسته النظامية في مدارسها وحصل على شهادة الثانوية العامة سنة 1967. خطوته التالية تمثلت في الانتقال إلى شرق وطنه، وتحديداً إلى مدينة الظهران، للالتحاق بكلية البترول والمعادن (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً)، حيث درس فيها الرياضيات البحتة لمدة خمسة أعوام انتهت بحصوله على بكالوريوس الرياضيات عام 1972. في إجاباته عن سؤال لماذا قرر دراسة الرياضيات؟ أجاب قائلاً: «كنت أحب التأمل، والرياضيات البحتة كانت فرصة للتأمل. الرياضيات محورها الأساسي أن تثبت أن كميات مختلفة متساوية بالمطلق هذا ما جذبني للرياضيات في حينها».
بعد ذلك انجذب، باعترافه، إلى مشاكل التنمية والاستثمار في البشر وفكرة التغير الثقافي والاجتماعي ودور الإنسان في تغيير الأفكار وأسلوب الحياة، خصوصاً وأن «مكة مختبر كبير لهذا، فهي تعج بالأفكار والرؤى الاجتماعية والثقافية وهذا كان رافداً لتعلقي بالعلوم الاجتماعية» بحسب كلامه. فكان قراره تغيير وجهة تخصصه في دراساته العليا. وهكذا حينما سافر إلى الولايات المتحدة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ويسكونسن ــ ماديسون، اختار أن يتخصص في العلوم الاجتماعية، وبالفعل أنهى مهمته ونال درجة الدكتوراه بنجاح لافت سنة 1979، ليعود إلى وطنه لبدء مسيرته العملية التي قادته إلى مناصب أكاديمية ومسؤوليات رسمية مختلفة.أنسنة علوم الجامعة
فمنذ تخرجه وعودته إلى السعودية تدرج في المناصب الأكاديمية المختلفة إلى أن أصبح أستاذاً ورئيساً لقسم علم الاجتماع وقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. يقول الذين عملوا معه في تلك الفترة أو تتلمذوا على يده، إنه قام بأنسنة علوم الجامعة وسعى لنشر الثقافة من خلال الجمعيات والروابط والمنتديات، وأنجز بحوثاً متميزة أخضعها لمعايير علمية دقيقة، علاوة على تقلده منصب نائب رئيس معهد شؤون الأقليات بالجامعة. من واقع تجربته في التدريس بالجامعة استرعى انتباهه وجود فرق كبير بين جيل الطلبة القديم وجيل الطلبة الجديد، فقال ما مفاده، إن همّ الأول كان تلقي المعلومة وامتصاصها وإعادة تكرارها، بينما بات الثاني يسعى إلى التميز والإبداع والابتكار والتماهي مع متطلبات العصر من خلال الاستيعاب والتفكير وطرح الأسئلة الكثيرة ومتابعة التجارب العالمية. وهذا، بحسب قوله، انعكس بدوره على الحياة الأكاديمية الجامعية، فصارت مختلفة عما كانت عليه في الماضي، إذ راحت الجامعات السعودية تتنافس فيما بينها للحصول على مراتب أفضل في التصنيف العالمي والمحلي للجامعات. فارق آخر بين طلبة اليوم وطلبة الأمس توقف عنده صاحبنا، تمثل في أن طالب اليوم، بعكس طالب الأمس، إذا ما انتقل من مجتمعه المحافظ إلى المجتمعات المتقدمة في الغرب والشرق لمواصلة دراسته لم يعد يصاب بما عرف بـ«الصدمة الثقافية والحضارية» بسبب انفتاحه المسبق على العالم ودرايته بمظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فيها.العمل الحكومي
في 28 ديسمبر 2006 صدر قرار بتعيينه وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدولية، فانتقل من الحقل الأكاديمي إلى وظائف الدولة ليعمل من خلال وظيفته هذه على تصدير الصورة الحقيقية للنهضة والتنمية التي تعيشها بلاده إلى العالم الخارجي، بما في ذلك تقديم صورة حية لإسهامات الأديب والمثقف والفنان السعودي الحضارية والإنسانية. والحقيقة أنه نجح نجاحاً مشهوداً في هذا السبيل من خلال إقامة الأيام والأسابيع السعودية في العواصم والمدن العربية والإسلامية، ومن خلال الأجنحة السعودية في معارض الكتاب الدولية، وأيضاً من خلال نقل وترجمة العديد من الأعمال السعودية المعاصرة إلى لغات أخرى بهدف تعريف الآخر بما تنبض به الحياة السعودية من أمور لا يعرفها أو لم يتسن له معرفتها. من وزارة الثقافة والإعلام السعودية (التي رحب باقادر في أحاديثه بتقسيمها إلى وزارتين مستقلتين، معتبراً الفصل بين الثقافة والإعلام خطوة موفقة، لأن لكل منهما احتياجات ومهام مختلفة)، انتقل الرجل في الثامن من مارس 2006 إلى منظمة التعاون الإسلامي للعمل كمدير عام لإدارة الثقافة فيها. وهنا أيضاً شمر عن سواعده لعمل نقلة نوعية في تلك الإدارة. وقد تجلى ذلك في قيامه بتفعيل دور الثقافة في المنظمة وجعلها من ضمن أولوياتها، من منطلق أن الثقافة قادرة على صهر المسلمين في بوتقة وهوية وكينونة واحدة وتوحيد توجهات أمة تكالبت عليها الظروف ومزقتها الخلافات والرؤى السياسية المتباينة.
خلال مشواره المتميز بالدأب والاطلاع والحركة والمشاركات الثقافية الداخلية والخارجية، نجح باقادر في رفد المكتبة العربية والأجنبية بالعديد من المؤلفات القيمة في مجال تخصصه الأكاديمي وفروعه. من هذه المؤلفات: «كبار السن، عطاء بلا حدود» (1999)، «مشكلات الزواج والأسرة في دول مجلس التعاون الخليجي» (2003)، «الإسلام والإنثروبولوجيا» (2004)، «آفاق علم اجتماع عربي معاصر» (2006). هذا إضافة إلى أعمال أصدرها بمشاركة آخرين وهي: «صورة العربي ناظراً ومنظوراً إليه» (1999)، «الأقليات: رؤى إسلامية» (2008)، «الإنثروبولوجيا في الوطن العربي» (2012)، «الإنثروبولوجيا: حقل علمي واحد وأربع مدارس» (2017). علاوة على ما سبق، صدرت له الكتب التالية: «كبار السن عطاء بلاحدود» (1999).
لم ينس باقادر جدة، المدينة التي سكنت فؤاده من بعد مكة بحكم إقامته بها، فشارك زميلته عالمة الاجتماع السعودية الدكتورة ثريا التركي في إنجاز مؤلف عنها يحكي التحولات الاجتماعية التي طرأت عليها، وذلك من خلال تناول الحياة الأسرية بها في فترتين، والإشارة هنا إلى كتاب «جدة أم الرخا والشدة»، الذي صدر في عام 2006 وحقق رواجاً كبيراً.
«جدة أم الرخا والشدة»
من مؤلفات باقادر:
«الاستعمار: مراجعة نظرية عامة» لمؤلفه يورغان أوسترهامل
«البنية الاجتماعية للواقع، دراسة في علم اجتماع المعرفة»
«قراءات في علم اجتماع الأدب» لمؤلفه جون هول
«مدينة ما قبل الصناعة»
من تأليف ج. جويبرغ
إلى ما سبق، قام صاحبنا بترجمة عدد من الكتب الأجنبية إلى العربية ومنها: «الاستعمار: مراجعة نظرية عامة» لمؤلفه يورغان أوسترهامل (1999)، «البنية الاجتماعية للواقع، دراسة في علم اجتماع المعرفة» لمؤلفيه بيتربيرغر وتوماس لوكمان (2000)، «قراءات في علم اجتماع الأدب» لمؤلفه جون هول (2004)، «مجتمع مسلم» من تأليف إرنست غيلنر (2005)، «علم الاجتماع والإسلام: دراسة نقدية لفكر ماكس فيبر» من تأليف براين تيرنر (2012)، «دراسات معاصرة في علم الاجتماع والإنثروبولوجيا» لمجموعة من المؤلفين (2013)، «وائل حلاق ومجادلوه» لمجموعة من المؤلفين (2015)، «التحضر في الجزيرة العربية» لمؤلفه ن.س.جريل (1990)، «مدينة ما قبل الصناعة» من تأليف ج.جويبرغ (1990)، «التحضر في الشرق الأوسط» من تأليف كوستيلو وفرانسيس فنسنت (1983).
والملاحظ أن باقادر في جهوده التأليفية أولى جزءاً من اهتمامه بنشر إبداعات مواطناته عن طريق نقلها من العربية إلى الإنجليزية. ومن ذلك أنه قام عام 1999 بالاشتراك مع أفا هينريتشسدورف بتحرير كتاب «اغتيال الضوء: قصص قصيرة سعودية حديثة»، وهو كتاب اشتمل على 16 قصة سعودية قصيرة، كانت إحداها لابنة مكة المكرمة الأديبة خيرية إبراهيم السقاف، وهي قصة «اغتيال الضوء عند مجرى النهر». وكان باقادر قد تعاون قبل ذلك في عام 1998 مع أفا هينريتشسدورف وديبرا إيكرز في تحرير وترجمة كتاب «أصوات التغيير: قصص قصيرة لكاتبات سعوديات»، الذي يعد أول كتاب باللغة الإنجليزية يخصص بالكامل للإبداع الأدبي النسائي السعودي.
ومن ضمن بحوثه الجميلة، وهي كثيرة ومنشورة في الدوريات العلمية بالعربية والإنجليزية، بحث بعنوان «حكاياتي مع عجائز مكة» أنجزه من خلال اختياره عينة من 13 امرأة مسنة من خلفيات مختلفة وطرح أسئلة عليهن حول مراحل ومناحي حياتهن اليومية في الحجاز، وكيف تأثرن وأثرن؟ وكيف تغلبن على شظف الحياة واستفدن من بحبوحتها؟ وصولاً إلى استنتاج القواسم المشتركة بينهن.
ومن الأمور الأخرى في سيرة الدكتور باقادر أنه حظي بعضوية العديد من الجمعيات، بل تولى في بعضها مناصب رفيعة. فهو مثلاً عضو الجمعية السعودية والجمعية العربية والجمعية الأمريكية والجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وهو زميل مدى الحياة بجامعة كمبردج البريطانية، وأستاذ زائر في عدد من الجامعات الأمريكية والإسلامية، كما شغل منصب نائب المجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
يُعد الأستاذ الدكتور أبوبكر باقادر أحد أهم المتخصصين في العلوم الاجتماعية على المستويين الخليجي والعربي، وواحداً من علماء الاجتماع الذين أثروا المكتبتين العربية والأجنبية بالمؤلفات والترجمات، حيث إن من يقرأ سيرته سيجده إنساناً متوهجاً ومتوثباً لخدمة وطنه السعودي وتقديمه للعالم كبلد متنوع حضارياً وتراثياً وتنموياً في مواجهة أولئك الذين يتناولونه بطريقة نمطية بعيدة عن الحقيقة لأغراض أيديولوجية وسياسية.
إنه نموذج عجيب ومتميز للأكاديمي والمثقف العاشق للمعرفة والبحث والتنقل بين المكتبات والتعاطي مع ظواهر العصر دون التخلي عن القيم الأصيلة التي غرسته فيه بيئة النشأة والتكوين الأولي في مكة المكرمة بكل ما لها من قدسية وروحانية وإرث ديني وثقافي وتنوع إثني ومذهبي. فمثلاً تجده وسط انفتاحه على الفلسفات والعلوم الغربية وأصحابها يعود إلى حكايات العجائز المكيات ومروياتهن الشفهية. وعلى حين يقتبس في أعماله من المراجع والمصادر الأجنبية، فإنه لا ينسى الغرف من المخطوطات التراثية والمؤلفات الإسلامية القديمة وحكايات رواد الحضارة العربية الإسلامية.العلوم المتأخرة
يُعرّف باقادر العلوم الاجتماعية بأنها من العلوم المتأخرة، لكنها تمكنت، رغم ذلك، من أن تحتل مكاناً مهماً في عالم العلوم الإنسانية وأن تستفيد من العلوم التاريخية والأخلاقية والفلسفية وتزاحمها في محاولة الإجابة عن تفسير مختلف الظواهر والسلوكيات المجتمعية، فصارت بمثابة مرآة تزداد عمقاً وصوابية وتوجهاً من حيث القدرة على جمع المعلومات ومراكمتها وضبطها وتفسيرها للإجابة عن قائمة طويلة من التساؤلات التي تشغل بال الأفراد والجماعات. ويضيف قائلاً، إن العلوم الاجتماعية استخدمت فترة من الزمن من قبل الإدارات الاستعمارية من منطلق أن العلم قوة، ووظفتها في الحصول على معلومات مهمة ذات صلة بالمجتمعات التي سيطرت عليها. وفي العقود الأخيرة بدأت العلوم الاجتماعية، بشكل عام، تأخذ مكانها ومسارها في العالمين العربي والإسلامي باعتبارها علوماً تفسيرية تقارب الظواهر القائمة، وصار لها تجليات مهمة في الدراسات الحضرية ودراسات الجريمة والأسرة والقبيلة والأقليات والحقوق وغيرها.
ويعترف باقادر أن العلوم الاجتماعية من العلوم المشاكسة عند السياسيين لأنها تنشر الأفكار الجديدة وتحث الطلائع المجتمعية على البحث والتنقيب وانتقاد الأفكار القديمة المتوارثة وتفتح أمامهم آفاقاً واسعة للتفسير والتغيير نحو الأفضل. ومن جهة أخرى، يقر بأن مشكلة بعض العرب أنه ينقل تجارب الآخر ويحاول تطبيقه على واقعه المختلف تماماً، أي دون أن يعي أن لكل مجتمع خصوصيات ومشاكل وذهنيات خاصة به، وفي السياق نفسه، يرى أن الغرب لديه مراكز متخصصة وعلماء متخصصون في مناطق جغرافية وجماعات معينة تقوم بعمل دراسات دقيقة بشفافية، بينما لا توجد مثل هذه المراكز في العالم العربي، وإنْ وجدت فإنها تقوم بتزيين وتجميل الواقع بدلاً من دراسته وإظهاره على حقيقته. ثقافة الإسلام
ولد أبوبكر أحمد أبوبكر باقادر العمودي في مكة المكرمة سنة 1950 لعائلة من أصول حضرمية وفدت من وادي دوعن قديماً، واستقرت في الحجاز شأنها في ذلك شأن العديد من العائلات التي خرجت من تلك البقعة وانتشرت في أرجاء الجزيرة العربية ودول جنوب شرق آسيا للعمل في التجارة والدعوة والتدريس أو نهل المعارف والعلوم، فظهر منها أعلام ورواد في مختلف الميادين خدموا أوطانهم بإخلاص وتفان. كان لميلاده في مكة تأثير كبير عليه سواء لجهة ما تميز به من انفتاح وتعامل مع مختلف الجنسيات بروح متسامحة أو لجهة الورع والاهتمام بالقضايا الإسلامية والعلوم الفقهية.
ولعل ما يؤكد ذلك اعتزازه بهويته وثقافته المكية، بدليل حديثه المتكرر عنها في الحوارات التي أجريت معه. ففي حواره مع صحيفة البلاد السعودية (27/3/2021) مثلاً، نجده يصف مكة بـ«حضن تجتمع فيها أطياف الثقافة الإسلامية والعلاقات الدولية العالمية في مكان واحد لتعيد تشكيلها لما يمكن أن يسمى بثقافة مكة أو ثقافة الإسلام في التسامح وتجاوز الفروقات ليصبح الجميع أسرة واحدة»، موضحاً أن «في مكة عادات وتقاليد ولغات مختلفة إلا أن سكانها استطاعوا باختلافهم وتباينهم أن يشكلوا ثقافة مجتمع واحد له هوية واحدة. هناك يشعرون أنهم ينتمون إلى مكان واحد ولهم أسلوب حياة مشترك. ومكة كانت منذ الأزمنة الغابرة مجالاً لتبادل الأفكار والمهارات والوقوف على ما يجري في العالم من خلال الحجيج الذين ينقلون أخبار بلدانهم، فصارت من المناطق السباقة للانفتاح على منتجات العالم من الناحية الفكرية وكذلك الأجهزة والأدوات وهو سبق لها على غيرها». واستطرد قائلاً: «مكة مدينة حضارية ولها روافد قروية وبدوية تزيدها تنوعاً وإشعاعاً. ولطالما كان الحرم المكي مكاناً لجذب العلماء لمزيد من العطاء.. كثير من الكتاب والمؤلفين جاءوا لعمل أجزاء من كتبهم في الحرم وأمام الكعبة، هذا التنوع والحيوية والتشكل يمثل روح هذه البقعة من الأرض وانفتاحها على كل الثقافات».في رحاب مكة
ظل باقادر في رحاب مكة وشعابها، مختلطاً بأطيافها المختلفة، مولعاً بالاستماع إلى لغتها وحكاياتها، مستمتعاً بطقوسها وعاداتها وتقاليدها وأجوائها الروحانية، إلى أن أنهى دراسته النظامية في مدارسها وحصل على شهادة الثانوية العامة سنة 1967. خطوته التالية تمثلت في الانتقال إلى شرق وطنه، وتحديداً إلى مدينة الظهران، للالتحاق بكلية البترول والمعادن (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً)، حيث درس فيها الرياضيات البحتة لمدة خمسة أعوام انتهت بحصوله على بكالوريوس الرياضيات عام 1972. في إجاباته عن سؤال لماذا قرر دراسة الرياضيات؟ أجاب قائلاً: «كنت أحب التأمل، والرياضيات البحتة كانت فرصة للتأمل. الرياضيات محورها الأساسي أن تثبت أن كميات مختلفة متساوية بالمطلق هذا ما جذبني للرياضيات في حينها».
بعد ذلك انجذب، باعترافه، إلى مشاكل التنمية والاستثمار في البشر وفكرة التغير الثقافي والاجتماعي ودور الإنسان في تغيير الأفكار وأسلوب الحياة، خصوصاً وأن «مكة مختبر كبير لهذا، فهي تعج بالأفكار والرؤى الاجتماعية والثقافية وهذا كان رافداً لتعلقي بالعلوم الاجتماعية» بحسب كلامه. فكان قراره تغيير وجهة تخصصه في دراساته العليا. وهكذا حينما سافر إلى الولايات المتحدة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ويسكونسن ــ ماديسون، اختار أن يتخصص في العلوم الاجتماعية، وبالفعل أنهى مهمته ونال درجة الدكتوراه بنجاح لافت سنة 1979، ليعود إلى وطنه لبدء مسيرته العملية التي قادته إلى مناصب أكاديمية ومسؤوليات رسمية مختلفة.أنسنة علوم الجامعة
فمنذ تخرجه وعودته إلى السعودية تدرج في المناصب الأكاديمية المختلفة إلى أن أصبح أستاذاً ورئيساً لقسم علم الاجتماع وقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. يقول الذين عملوا معه في تلك الفترة أو تتلمذوا على يده، إنه قام بأنسنة علوم الجامعة وسعى لنشر الثقافة من خلال الجمعيات والروابط والمنتديات، وأنجز بحوثاً متميزة أخضعها لمعايير علمية دقيقة، علاوة على تقلده منصب نائب رئيس معهد شؤون الأقليات بالجامعة. من واقع تجربته في التدريس بالجامعة استرعى انتباهه وجود فرق كبير بين جيل الطلبة القديم وجيل الطلبة الجديد، فقال ما مفاده، إن همّ الأول كان تلقي المعلومة وامتصاصها وإعادة تكرارها، بينما بات الثاني يسعى إلى التميز والإبداع والابتكار والتماهي مع متطلبات العصر من خلال الاستيعاب والتفكير وطرح الأسئلة الكثيرة ومتابعة التجارب العالمية. وهذا، بحسب قوله، انعكس بدوره على الحياة الأكاديمية الجامعية، فصارت مختلفة عما كانت عليه في الماضي، إذ راحت الجامعات السعودية تتنافس فيما بينها للحصول على مراتب أفضل في التصنيف العالمي والمحلي للجامعات. فارق آخر بين طلبة اليوم وطلبة الأمس توقف عنده صاحبنا، تمثل في أن طالب اليوم، بعكس طالب الأمس، إذا ما انتقل من مجتمعه المحافظ إلى المجتمعات المتقدمة في الغرب والشرق لمواصلة دراسته لم يعد يصاب بما عرف بـ«الصدمة الثقافية والحضارية» بسبب انفتاحه المسبق على العالم ودرايته بمظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فيها.العمل الحكومي
في 28 ديسمبر 2006 صدر قرار بتعيينه وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدولية، فانتقل من الحقل الأكاديمي إلى وظائف الدولة ليعمل من خلال وظيفته هذه على تصدير الصورة الحقيقية للنهضة والتنمية التي تعيشها بلاده إلى العالم الخارجي، بما في ذلك تقديم صورة حية لإسهامات الأديب والمثقف والفنان السعودي الحضارية والإنسانية. والحقيقة أنه نجح نجاحاً مشهوداً في هذا السبيل من خلال إقامة الأيام والأسابيع السعودية في العواصم والمدن العربية والإسلامية، ومن خلال الأجنحة السعودية في معارض الكتاب الدولية، وأيضاً من خلال نقل وترجمة العديد من الأعمال السعودية المعاصرة إلى لغات أخرى بهدف تعريف الآخر بما تنبض به الحياة السعودية من أمور لا يعرفها أو لم يتسن له معرفتها. من وزارة الثقافة والإعلام السعودية (التي رحب باقادر في أحاديثه بتقسيمها إلى وزارتين مستقلتين، معتبراً الفصل بين الثقافة والإعلام خطوة موفقة، لأن لكل منهما احتياجات ومهام مختلفة)، انتقل الرجل في الثامن من مارس 2006 إلى منظمة التعاون الإسلامي للعمل كمدير عام لإدارة الثقافة فيها. وهنا أيضاً شمر عن سواعده لعمل نقلة نوعية في تلك الإدارة. وقد تجلى ذلك في قيامه بتفعيل دور الثقافة في المنظمة وجعلها من ضمن أولوياتها، من منطلق أن الثقافة قادرة على صهر المسلمين في بوتقة وهوية وكينونة واحدة وتوحيد توجهات أمة تكالبت عليها الظروف ومزقتها الخلافات والرؤى السياسية المتباينة.
خلال مشواره المتميز بالدأب والاطلاع والحركة والمشاركات الثقافية الداخلية والخارجية، نجح باقادر في رفد المكتبة العربية والأجنبية بالعديد من المؤلفات القيمة في مجال تخصصه الأكاديمي وفروعه. من هذه المؤلفات: «كبار السن، عطاء بلا حدود» (1999)، «مشكلات الزواج والأسرة في دول مجلس التعاون الخليجي» (2003)، «الإسلام والإنثروبولوجيا» (2004)، «آفاق علم اجتماع عربي معاصر» (2006). هذا إضافة إلى أعمال أصدرها بمشاركة آخرين وهي: «صورة العربي ناظراً ومنظوراً إليه» (1999)، «الأقليات: رؤى إسلامية» (2008)، «الإنثروبولوجيا في الوطن العربي» (2012)، «الإنثروبولوجيا: حقل علمي واحد وأربع مدارس» (2017). علاوة على ما سبق، صدرت له الكتب التالية: «كبار السن عطاء بلاحدود» (1999).
لم ينس باقادر جدة، المدينة التي سكنت فؤاده من بعد مكة بحكم إقامته بها، فشارك زميلته عالمة الاجتماع السعودية الدكتورة ثريا التركي في إنجاز مؤلف عنها يحكي التحولات الاجتماعية التي طرأت عليها، وذلك من خلال تناول الحياة الأسرية بها في فترتين، والإشارة هنا إلى كتاب «جدة أم الرخا والشدة»، الذي صدر في عام 2006 وحقق رواجاً كبيراً.
«جدة أم الرخا والشدة»
من مؤلفات باقادر:
«الاستعمار: مراجعة نظرية عامة» لمؤلفه يورغان أوسترهامل
«البنية الاجتماعية للواقع، دراسة في علم اجتماع المعرفة»
«قراءات في علم اجتماع الأدب» لمؤلفه جون هول
«مدينة ما قبل الصناعة»
من تأليف ج. جويبرغ