منال عواد المريطب
منال عواد المريطب
-A +A
إعداد: د. منال عواد المريطب - أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الملك عبدالعزيز
تتجدد علينا ذكرى التأسيس لتضيف للوطن مفاخر جديدة نعتز بتدوينها ونتفاخر باستدعائها لنزداد ولاء واعتزاراً بتاريخنا العريق وماضينا المجيد. لقد ساهم قادة ورجال الوطن الأشم في بنائه وقدموا لوحدته واستقراره الغالي والنفيس، فنقشوا مآثر زاهية في مسيرة الوطن المباركة، ولم تكن المرأة السعودية بمنأى عن المشاركة في بناء الوطن والذود عن حماه، فقد سجلت صفحات التاريخ شواهد عديدة لنساء وضعن بصمتهن في بناء وتوحيد هذا الوطن، ولا غَرو في ذلك فهي الزوجة والأم والابنة.

ساهمت المرأة السعودية في مآثر حضارية وتعليمية واجتماعية وحتى عسكرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر دوّن التاريخ الدور المؤثر لموضي بنت أبي وهطان زوجة الإمام محمد بن سعود التي امتازت بالحكمة ورجاحة العقل، وكانت خير سند لزوجها تقدم له النصح والرأي، وكان يستشيرها في أمور البلاد ويثق في رأيها، وكانت صاحبة بر وإحسان، ولها عناية خاصة بالعلم والأوقاف فنقش باسمها وقفاً شهيراً في الدرعية ما زال شاهداً لليوم سمّي «سبالة موضي»، وهو وقف خيري يقيم فيه عابرو السبيل وطلبة العلم في الدرعية.


ولم تكن المرأة في ذلك المجتمع بعيدة عن التأثير في مجريات الأحداث، بل قد تكون إحدى المساهمات في صياغة الحدث التاريخي معززة ذلك برجاحة العقل وقوة التأثير.

ولو عدنا للوراء قليلاً لوجدنا للمرأة في تلك المنطقة مساهمات مجتمعية خيرية عديدة، فهناك نساء اشتهرن بكرمهن وإحسانهن وإيوائهن لعابري السبيل، ومن أبرزهن جليلة بنت عبدالمحسن بن سعيد الدرعي، التي كانت تقيم استراحات وخانات للحجاج المارين بحجر اليمامة وذلك ليرتاحوا بها مؤقتاً من عناء السفر ويتزودوا بالمؤن والطعام، وقد أرادت جليلة أن يبقى هذا الأثر وقفاً لها بعد وفاتها فجعلت تلك الخانات وقفاً لله عز وجل، وقد عُرف هذا الوقف الذي يقع قرب منفوحة باسم «خان جليلة»، وقد حرّف اسمه لاحقاً عبر الزمن إلى «خان شليلة» ثم حرّفت ودمجت الكلمتين لتصبح «خنشليلة».

العناية

بالمرأة وتثقيفها

ساهمت المتعلمات من النساء في رفد الحركة العلمية في الدولة السعودية الأولى؛ ومنهن فاطمة بنت محمد بن عبدالوهاب التي كانت تعقد مجالس لتعليم النساء والرجال العلوم الشرعية، وكانت تجلس لتعليم طلاب العلم وتجعل بينها وبينهم ستاراً، وقد عهد عنها الفقه وغزارة العلم.

وننوه في هذا الصدد إلى حرص أئمة الدولة السعودية الأولى على العناية بالمرآة وتثقيفها وتعليمها أصول الدين، وبنى الإمام محمد بن سعود مسجداً كبيراً في الدرعية تُلقى فيه دروس للرجال والنساء صباحاً ومساءً، كذلك اعتنى خليفته الإمام عبدالعزيز بن محمد بتعليم المرأة فبنى حول مسجد البجيري مجمعاً جعل فيه قسماً للنساء تُلقى فيه دروس لهن في العلم والمعرفة، وقد ساهم هذا الأمر في وجود طبقة متعلمة من النساء تتقن القراءة والكتابة.

ولعل النماذج النسائية السابقة كانت مدونة ومتناثرة بين طيات الكتب ولكن لا شك أن هناك العديد من القصص والروايات لنساء ساهمن بصور شتى في تاريخ الوطن سياسياً واجتماعياً ولكن لم تسجل مساهمتهن لشح المصادر وقلة التدوين عنها.

خلاصة القول لقد بني هذا الوطن بسواعد وجهود أبنائه بكافة أطيافهم وفئاتهم رجالاً ونساء، وها نحن اليوم في هذه الذكرى المجيدة ليوم التأسيس نستدعي ذاكرة التاريخ ونستلهم مآثرهم الإنسانية لنشيد بجودهم عرفاناً وتقديراً.

يا أهل الحزم

يا نعم الذخيرة

لم تكن المرأة السعودية بعيدة عن المساهمات الحربية، إذ لعبت غالية البقمي دوراً عسكرياً بارزاً، وقادت قوات المدافعين عن تربة بعد وفاة زوجها أمير تربة، أثناء قدوم حملة طوسون، وحتى لا تضعف معنويات المدافعين أخفت نبأ وفاة زوجها، وتولت المهام ونظمت صفوف المقاتلين واعتمدت على مهارة استدراج القوات الغازية ثم حصارهم، فقتل عدد كبير منهم عام 1229هـ، وسجلت غالية البقمي بصمودها صفحة ناصعة لدور المرأة السعودية في حماية الوطن، وفي ذات السياق سجلت موضي بنت سعد الدهلاوي دعماً عسكرياً معنوياً لأهالي بلدتها الرس أثناء حصار إبراهيم باشا لهم عام 1232هـ-1817م، إذ كانت شاعرة مجيدة فاستغلت موهبتها ونظمت أبياتاً حماسية لتحفز المدافعين على البسالة والصمود أمام الجيش الغازي، ومن ذلك قولها:

سر وملفاك للعوجا مسيره

ديرة الشيخ بلّغه السلام

يا هل الحزم يا نعم الذخيره

ان لفاكم من الباشه علام

ادعو الله ولا تدعون غيره

واعرفوا ما من الميتة سلام

في يدينا السيوف اللِّي شطيره

تنزع الروس وتقص العظام

والفرنجي سريعات الذخيره

تلفظه مثل سيقان النعام