الدكتور علي بن محمد السواط
الدكتور علي بن محمد السواط
الباحة
الباحة
-A +A
حاوره: علي الرباعي
يؤكد أمين منطقة الباحة الدكتور علي بن محمد السواط أن ذكرى التأسيس أثيرة عند المواطن والمسؤول، لافتاً إلى أهميتها في تحفيز الذاكرة للاعتداد بالماضي، والاتكاء على الإرث لبناء مستقبل مشرق، والالتزام بواجبات المواطنة المعزز للإنتاجية، وهنا نص الحوار:

• أي ذكرى يحفظها لنا يوم التأسيس؟


•• دعني بدايةً أتوقف عند كلمة «التأسيس» ومعناها اللغوي والاصطلاحي، فكلمة (تأسيس) اسم مصدره الفعل أسَّسَ بمعنى خلقَ وأوجدَ وأنشأَ، والتأسيس هنا يعني إقامة الشيء على أساس يدل على التثبيت والتوطيد والتجذير، ونحن المهندسون العاملون في الإنشاءات وتخطيط المدن نولي مرحلة «التأسيس» عناية واهتمام كبيرين، فتأسيس المبنى هو بناؤه ورفع قواعده، وتأسيس مدينة هو بناؤها وتشييدها ووضع أساسها ونواتها.

أما التأسيس في المعنى وعلم الكلام فهو كما يُقال عبارة عن إفادة معنى آخر لم يكن أصلاً قبله، فالتأسيس أصلٌ وهو خير من التأكيد الذي هو الفرع، لأن حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة.. هكذا يقولون.

وإذا كان التأسيس بهذه الأهمية البالغة في البناء والتشييد كمرحلة أساسية (أولية) لا غنى عنها يبنى عليها كل عمل لاحق، فما بالكم بتأسيس كيان وطن عظيم وإرساء دعائمه الوطيدة وترسيخ لبناته الأولى.

ولكي ندرك عظمة تأسيس هذا الوطن الشامخ فلا بد أن نقارن بين مرحلتين نقيضتين؛ هما مرحلة ما قبل التأسيس ومرحلة ما بعده، فلنستذكر كيف كنا في عهد التناحر والاقتتال والسلب والنهب والفقر، وماذا أصبحنا عليه بعد التأسيس من انتشار الأمن والأمان ورغد العيش والسلم الاجتماعي.

• ما واجب المواطن والمسؤول تجاه هذا اليوم؟

•• الاستذكار والاستحضار أولاً من خلال التدبر والتمعن في مراحل النشوء الأولى واستعراض الصعوبات والتضحيات الكبيرة المبذولة للحفاظ على المسيرة الوطنية، وهي واجب المواطن والمسؤول في ذكرى يوم التأسيس والمسؤول هو مواطن يتفيأ ظلال الوطن والمواطن هو دوماً في موقع المسؤولية تجاه هذا الوطن العظيم ومقدراته، إن واجب المواطن والمسؤول تجاه يوم التأسيس أن نحافظ على البناء والكيان والمكتسبات وأن ننميها ونقويها ولا ندخر جهداً في هذا الواجب الوطني المحتم علينا، وأن ندرك جيداً أن دولتنا العظيمة ليست عابرة أو طارئة بل هي متجذرة في أعماق هذه الأرض المباركة، هنا تتمازج عراقه واصالة التاريخ مع حضور جغرافيا المكان والوطن.

• كيف نقرأ مراحل التنمية الوطنية عبر مراحل دولتنا؟

•• أتمنى أن نتجاور في ذلك المنهجية التقليدية للقراءات التاريخية وأن نطور منهجاً مختلفاً للقراءة التنموية الوطنية لأنها قصة عالمية غير مسبوقة، فالتنمية متشعبة وله أبعاد مختلفة ولا يمكن اجتزاؤها من السياقات الوطنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المحيطة بها والمؤثرة عليها، ودعني أقول إننا حتى اليوم لم نقرأ مسيرتنا التنموية قراءة موضوعية وتحليلية كما يجب عطفاً على حجم وكبر التجربة وعظم المنجزات التي تحققت في وقت قياسي.

إن مسيرة التنمية في مراحل دولتنا المباركة أشبه ما تكون بالمعجزة التي أوجدت في عمق الصحراء، ولا يمكن النظر لتلك المراحل كسلسلة كرونولوجية تاريخية متعاقبة ومتحاقبة فقط، بل هي أكثر وأشمل وأعقد من ذلك بكثير، فالتأسيس ووضع النواة للدولة السعودية الأولى تم على يد الإمام محمد بن سعود والأمن والأمان هو اللبنة الأولى للتنمية، إذ لا بد للتنمية من مرجعية حاكمة تضمن الأمن وتحقق الأمان أولاً ثم تبدأ رحلة التنمية، أما الدولة السعودية الثانية فقد كانت عنواناً للصمود ومواجهة التحديات العاصفة وهذا التفاني لا ينفك أيضاً عن رحلة التنمية، ثم جاءت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس والموحد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهنا بدأت مسيرة التنمية الحقيقية بعد إعلان المملكة العربية السعودية كياناً ووطناً ودولة معاصرة يشار إليها بالبنان.

يمكننا النظرة للتنمية كطبقات متراكمة ضمن كيان البناء الوطني الشامخ والصاعد إلى الأعلى تركز على القاعدة وجذور ومرتكزات التأسيس المتينة التي تشجع على استمرار وتعظيم البناء العلوي التنموي، كما يمكن اعتبار التنمية حلقات متناغمة تدور حول نواة الوطن وبؤرته المركزية التي تتجلى في قيادتنا الرشيدة أدام الله عزها وشعبنا الوفي المتماسك والملتف حول قيادته. لقد بدأت التنمية الحديثة في المملكة على يدي الملك المؤسس واستمرت تتطور وتتنامى كالشجرة المباركة على أيدي أبنائه الملوك البررة الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبدالله رحمهم الله جميعاً.

ثم بزغت حقبة تنموية شكّلت منعطفاً تاريخياً بارزاً في مسيرتنا التنموية منذ انطلاق عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- عندما أطلق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رؤية المملكة الطموحة ٢٠٣٠، هذه الرؤية التي ستقودنا إلى عنان السماء أصبح محط أنظار وإعجاب العالم، تنميتنا المستقبلية في المملكة بقيادة الأمير محمد بن سلمان هي تنمية الذكاء الاصطناعي والنانو ونيوم وذا لاين والبحث والتطوير والفضاء وإطلاق القدرات الوطنية المبدعة والبارعة وغيرها من المشاريع العملاقة التي انطلقت لتذهب بنا إلى مستقبل تنموي مختلف وآفاق تنموية رحبة سيكون لها تأثير عميق ومباشر على التنمية المستقبلية في العالم ككل.

• ما أبرز فعاليات الأمانة في يوم التأسيس؟

•• قامت الأمانة وبلديات منطقة الباحة بتجهيز مظاهر الاحتفال بيوم التأسيس من خلال تركيب الأعلام والعقود الخضراء ولوحات التهنئة بصور ولاة الأمر، بالإضافة إلى تجهيز المتنزهات والحدائق والساحات البلدية والأماكن العامة ومواقع إقامة الفعاليات، ونحن نتوقع قدوم عدد كبير من الزوار لمنطقة الباحة في إجازة يوم التأسيس وقد تم الاستعداد لذلك، كما أن وزارة الثقافة تنظم الفعاليات الرسمية المعتمدة في عدة مدن منها مدينة الباحة أسوة ببقية المناطق في المملكة، وتتضمن الفعاليات مهرجاناً للحرف اليدوية وركناً للقهوة وعروضاً مرئية وعروضاً متجولة وفرقا فلكلورية وشعبية وعزفاً منفرداً على العود وورشاً تدريبية.

كما قامت جامعة الباحة وإدارة التعليم ومدارس المنطقة بتنظيم فعاليات متنوعة بمناسبة ذكرى يوم التأسيس، وفعاليات أخرى لدى النادي الأدبي الثقافي وجمعية الثقافة والفنون بالمنطقة.

• ما نصيب منطقة الباحة من التنمية من التأسيس إلى الرؤية؟

•• نصيب منطقة الباحة من التنمية من التأسيس إلى الرؤية لا يختلف عن نصيب أي منطقة أخرى في منظومة العقد الوطني الجميل، فالوطن جسد واحد ينمو ويتطور كنظام واحد مترابط ومتكامل، فلا نستطيع مثلاً أن نقول إن اليدين ضمن الجسد التنموي الوطني تنموان أكثر من القدمين أو أي جزء آخر من الجسم، وهذا هو مفهوم التنمية المستدامة الشاملة التي تعم أرجاء الوطن. فقد حظيت منطقة الباحة أولاً بالأمن والأمان وهما من اشتراطات التنمية التي لا غنى عنها لتحقيق الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، كما أن البنية التحتية والخدمات في منطقة الباحة أصبحت اليوم متينة ومتكاملة في ظل سخاء الدولة وعنايتها، ومنطقة الباحة موعودة بمستقبل أكثر ازدهاراً في ظل إطلاق ولي العهد للمكتب الإستراتيجي بالمنطقة والذي يقوده أمير المنطقة، هذا المكتب الإستراتيجي للتطوير سيعمل كبوصلة تحدد اتجاه ونوعية التنمية ويضبط إيقاع العملية التنموية بشكل عام ويضمن تعاضدها وتناغمها ويدفع بها إلى رؤية تنموية واضحة لمستقبل منطقة الباحة التي تحظى بمقومات طبيعية زراعية وطبيعية وميز نسبية تراثية ومناخية جعلتها واحدة من الوجهات السياحية الرئيسية الثماني ضمن رؤية المملكة الطموحة ٢٠٣٠.

• ماذا يعني امتداد دولتنا السعودية لأكثر من ٣٠٠ عام؟

•• هذا يعني أن دولتنا المباركة عميقة في جذور التاريخ والجغرافيا ومتجذرة في أرض الوطن الطيبة، حيث إن الدولة كالبذرة المباركة التي تنبت من أرض الوطن ثم تنمو وتكبر لتصبح شجرة مثمرة ننعم بخيراتها ونتفيأ ظلالها، فدولتنا الحديثة اليوم ليست طارئة أو عابرة بل لها امتدادات تاريخية عميقة، فقد قامت على الإيمان بالله والبيعة الصادقة لولاة الأمر ووحدة القلوب تجمعها أسس ومرتكزات متينة سياسية واجتماعية واقتصادية متينة تعمل كصمام أمان وطني مستدام.

إن امتداد دولتنا المباركة لـ300 عام ماضية سيجعل دولتنا أكثر قوة في تحقيق مستهدفاتها وأكثر صلابة في مواجهة التحديات، بحيث تسير هذه الدولة المباركة بثقة كبيرة نحو المستقبل المشرق، ستعيش دولتنا عمراً طويلاً وتبقى أمداً مديداً بتوفيق الله تعالى ثم بحكمة وعناية قيادتنا الرشيدة التي تقود المسيرة بكل كفاءة واقتدار.

• متى شعر فيك المثقف بالانتصار لتاريخ الدولة؟

•• بشكل مباشر شعرت بالانتصار لتاريخ الدولة عندما تم إعلان ذكرى يوم التأسيس للمرة الأولى، وهي خطوة مباركة وذكية جداً جاءت في خضم تركز الاهتمام نحو المستقبل لكي تعيدنا إلى جذور ومنطلقات التأسيس الأولى، فالتاريخ الذي يصنعه العظماء ينطلق من بذرة أساسية ونواة أولية يشكلها مفهوم التأسيس ويجب الحفاظ عليها واستحضارها في كل مرحلة تنموية حالية ومستقبلية، وكما يقال في العامية الدارجة (اللي ما له ماضي ما له مستقبل)، ونحن أصحاب ماضٍ مجيد وتاريخ عريق سيقودنا إلى مستقبل مشرق بإذن الله تعالى.

• كيف نعزز علاقة الأجيال بالوطن من خلال التنمية؟

•• سؤال جميل جداً.. التنمية قوة ناعمة ينخرط في تنفيذها الجميع ويستفيد من منجزاتها ومخرجاتها الجميع، التنمية اليوم هي المنظومة التي تجمعنا وتكرس جهودنا في سبيل البناء الوطني.

وأنا أدعو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتبني المسار التنموي (ثقافياً وفكرياً) كأحد مرتكزات تعزيز علاقة المواطن بوطنه، فالأجيال هي أداة التنمية وهي المستفيد منها، والتنمية اليوم في ظل الرؤية الطموحة لم تعد تنمية تقليدية كمية أو خطية بل هي تنمية نوعية ذات طبيعة منظومية معقدة، وهنا يأتي دور الجيل الحالي والأجيال المستقبلية من أبناء الوطن في تشكيل وصناعة التنمية فلكل جيل احتياجاته وتوجهاته وقدراته ومهاراته، وعلى سبيل المثال تميز شباب المملكة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وريادة الأعمال على مستوى العالم، هنا تصبح الأجيال الممكنة قائدة وموجهة للتنمية وهنا أيضاً يتحقق الاندماج المجتمعي والشراكة الوطنية الراسخة وهي أمتن وأقوى شراكة تخدم وحدة الوطن.

• ما قراءتكم لمستقبل منطقتنا في ظل ما توليه القيادة من اهتمام؟

•• أنا أقرأ قصة تنمية مستقبلية مختلفة ومبهرة في منطقة الباحة، وقد بدأت القصة بالفعل في ظل رؤية المملكة الطموحة التي جعلت منطقة الباحة وجهة سياحية رئيسية على خارطة الوطن وفي ظل اهتمام القيادة الرشيدة ومتابعة أمير المنطقة وحرصه الكبير على مستقبل المنطقة التنموي، والدولة لم ولن تبخل بشيء والموارد متاحة ومتوفرة والمطلوب اليوم هو استمرار العمل المتسارع والمنظم ضمن إطار الرؤية الطموحة ومستهدفاتها لكي نتأكد أننا نسير في الطريق الصحيحة ونتجه إلى تحقيق مستهدفاتنا التنموية بفعالية كبيرة من أقصر الطرق وبأقل التكاليف في ظل مستهدفات كفاءة الإنفاق الوطني والرؤية الطموحة.

• بماذا تبشر الأهالي بهذه المناسبة؟

•• أبشر نفسي ومجتمعي قبل كل شيء بشموخ وطن معطاء وقيادة رشيدة مباركة، أما على مستوى تنمية منطقة الباحة فإن هناك بشارات كبرى سارة يجري طبخها الآن على نار هادئة وهي موجودة على طاولة مكتب الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحة، وأنا كأمين لمنطقة الباحة أتشرف بالعمل ضمن هذه المنظومة التنموية في المنطقة بقيادة أمير المنطقة، والمستقبل لمنطقة الباحة واعد ومشرق وسوف أختصر ذلك بالقول إن طيارة تنمية الباحة الجديدة أصبحت جاهزة ومحملة بالوقود وقد تحركت على المدرج ووصلت لسرعتها المطلوبة للارتفاع والتحليق والطيران إلى آفاق تنموية واسعة في فضاء الوطن الرحب وستخدم أهالي المنطقة والوطن والمواطن والزائر.