يجنح بنا الخيال وتنتفض الحواس، كلما سمعنا شعراً شفيفاً، يستحضر جغرافيا، أو تاريخاً، أو إنساناً جميلاً، أو معشوقاً فاتناً، لنرسم بالتخيّل بقية المشاهد والحلقات، في الاتجاه الذي يمليه علينا الإيحاء، ولعلنا طيلة أعوامٍ مضت، لم نسأل أنفسنا ونحن نردد:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكةَ سامرُ.
لماذا خصّ الشاعر الحجون، دون غيرها؟
سكنت جرهم؛ البلد الحرام، قادمة من بلاد الشام، ونزلوا على هاجر وابنها إسماعيل؛ الذي تزوج منهم وهم أخواله؛ وتولوا سدانة البيت الحرام؛ إلا أنهم بزيادة الجاه، ظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدى إليها؛ واستحلوا ما غلظ من حُرمتها فأضعف الله أمرهم، وسلّط عليهم بنو بكر بن كنانة، وبنو غبشان بن خزاعة، فهزموا جرهم ونفوهم من مكة، وفي ظل رهبة الهزيمة والانكسار، دفنوا بئر زمزم، وغزالتي الكعبة، وحجر الركن، وخرجوا إلى اليمن، فعاودهم الحنين، فأنشد شاعرهم عمرو بن الحارث بن مضاص الجرهمي، يذكر حالهم وغربتهم وتفريطهم:
وقائلة والدمع سكب مبادر
وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر!
ولم يُغفل شاعر التشبيب عمر بن أبي ربيعة (ريع الحجون) عنوان سكنى معشوقته «سلمى»، التي التقاها في الطواف، وسألها عن اسمها، وعن موقع منزلها، فأجابته عن الاسم تخصيصاً، وعن المكان تعميماً لتشعل فيه المزيد من وهج الإطراء والتعلق؛ فقال:
أقسمت بالبيت العتيق لتخبري
ما الاسم؛ قالت من سلالة آدما
الاسم سلمى والمنازل مكة
والدار ما بين الحجون وغيلما.
وربما نطقها البعض «الحجول»، والصحيح أنها بالنون، بحسب ما يؤكده علامة الجزيرة حمد الجاسر، أن الحجون بعد الحاء المفتوحة جيم مضمومة وآخره نون، جبل بأعلى مكة، من البيت على ميل ونصف، عليه سقيفة آل زياد بن عبدالله الحارثي، وكان عاملاً على مكة.
وينسب ابن منظور في لسان العرب الحجون إلى الجبل المشرف على مقابر المعلاة، ومسجد الجن، والاحتجان: جمع الشيء، وضمه إليك وهو افتعال من المحجن. وفي الحديث: ما أقطعك العقيق لتحتجنه. ويقول أيضاً: إن في حديث ابن ذي يزن: واحتجناه دون غيرنا. وحجن الدار: أقام بها. والحجن: القضبان القصار التي فيها العنب، واحدته حجنة. كما يقول إنه لمحجن مال: يصلح المال على يديه ويحسن رعيته والقيام عليه، وقال الأزرقي في (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) الحجون: الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة الذي يقال له مسجد الحرس، وفيه ثنية تسلك من حائط عوف من عند الماجلين إلى شعب الجزارين، وبأصله في شعب الجزارين كانت المقبرة في الجاهلية، وفيه يقول كثير بن كثير:
كم بذاك الحجون من حي صدق
من كهول أعفه وشباب.
وأورده ابن إسحاق ابن العباس الفاكهي في (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه)، نقلاً عن الزبير بن أبي بكر قول هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس:
لحا الله كل صائبة بوج
ومكة أو بأطراف الحجون
تدين لمعشر قتلوا أباها
أقتل أبيك جاءك باليقين.
كما يذكر الفاكهي قول عبدالله بن سالم الخياط عن الحجون:
سائل بطلحة بالبطاح
بطاح مكة فالحجون
هل مثل طلحة فيكم
فيمن يقيم ومن يبين.
وينقل الأندلسي قول نُصَيب:
سأنساكِ ما أرسى ثبير مكانه
وما دام جاراً للحجون المحصب.
ودلّت الأقوال على أن الحجون اسم للثنية التي تنفذ من المحصّب إلى ذي طوى، واسم للجبل المطل عليها، التي تقع في طرفه، لهذا فإنه كان يسمى الحجون، والثنية العلياء وكداء، وبعض العامة يقلبون النون لاماً فيسمونه ريع الحجول، ويتكرر ذكر الحجون في الشعر القديم:
ولما التقينا بالحجون تنفّست
تنفُّس محزون الفؤاد سقيم
وقالت وما يرقا من الخوف دمعها
أقاطنها أم أنت غير مقيم ؟
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيسٌ ولم يسمر بمكةَ سامرُ.
لماذا خصّ الشاعر الحجون، دون غيرها؟
سكنت جرهم؛ البلد الحرام، قادمة من بلاد الشام، ونزلوا على هاجر وابنها إسماعيل؛ الذي تزوج منهم وهم أخواله؛ وتولوا سدانة البيت الحرام؛ إلا أنهم بزيادة الجاه، ظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدى إليها؛ واستحلوا ما غلظ من حُرمتها فأضعف الله أمرهم، وسلّط عليهم بنو بكر بن كنانة، وبنو غبشان بن خزاعة، فهزموا جرهم ونفوهم من مكة، وفي ظل رهبة الهزيمة والانكسار، دفنوا بئر زمزم، وغزالتي الكعبة، وحجر الركن، وخرجوا إلى اليمن، فعاودهم الحنين، فأنشد شاعرهم عمرو بن الحارث بن مضاص الجرهمي، يذكر حالهم وغربتهم وتفريطهم:
وقائلة والدمع سكب مبادر
وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر!
ولم يُغفل شاعر التشبيب عمر بن أبي ربيعة (ريع الحجون) عنوان سكنى معشوقته «سلمى»، التي التقاها في الطواف، وسألها عن اسمها، وعن موقع منزلها، فأجابته عن الاسم تخصيصاً، وعن المكان تعميماً لتشعل فيه المزيد من وهج الإطراء والتعلق؛ فقال:
أقسمت بالبيت العتيق لتخبري
ما الاسم؛ قالت من سلالة آدما
الاسم سلمى والمنازل مكة
والدار ما بين الحجون وغيلما.
وربما نطقها البعض «الحجول»، والصحيح أنها بالنون، بحسب ما يؤكده علامة الجزيرة حمد الجاسر، أن الحجون بعد الحاء المفتوحة جيم مضمومة وآخره نون، جبل بأعلى مكة، من البيت على ميل ونصف، عليه سقيفة آل زياد بن عبدالله الحارثي، وكان عاملاً على مكة.
وينسب ابن منظور في لسان العرب الحجون إلى الجبل المشرف على مقابر المعلاة، ومسجد الجن، والاحتجان: جمع الشيء، وضمه إليك وهو افتعال من المحجن. وفي الحديث: ما أقطعك العقيق لتحتجنه. ويقول أيضاً: إن في حديث ابن ذي يزن: واحتجناه دون غيرنا. وحجن الدار: أقام بها. والحجن: القضبان القصار التي فيها العنب، واحدته حجنة. كما يقول إنه لمحجن مال: يصلح المال على يديه ويحسن رعيته والقيام عليه، وقال الأزرقي في (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) الحجون: الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة الذي يقال له مسجد الحرس، وفيه ثنية تسلك من حائط عوف من عند الماجلين إلى شعب الجزارين، وبأصله في شعب الجزارين كانت المقبرة في الجاهلية، وفيه يقول كثير بن كثير:
كم بذاك الحجون من حي صدق
من كهول أعفه وشباب.
وأورده ابن إسحاق ابن العباس الفاكهي في (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه)، نقلاً عن الزبير بن أبي بكر قول هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس:
لحا الله كل صائبة بوج
ومكة أو بأطراف الحجون
تدين لمعشر قتلوا أباها
أقتل أبيك جاءك باليقين.
كما يذكر الفاكهي قول عبدالله بن سالم الخياط عن الحجون:
سائل بطلحة بالبطاح
بطاح مكة فالحجون
هل مثل طلحة فيكم
فيمن يقيم ومن يبين.
وينقل الأندلسي قول نُصَيب:
سأنساكِ ما أرسى ثبير مكانه
وما دام جاراً للحجون المحصب.
ودلّت الأقوال على أن الحجون اسم للثنية التي تنفذ من المحصّب إلى ذي طوى، واسم للجبل المطل عليها، التي تقع في طرفه، لهذا فإنه كان يسمى الحجون، والثنية العلياء وكداء، وبعض العامة يقلبون النون لاماً فيسمونه ريع الحجول، ويتكرر ذكر الحجون في الشعر القديم:
ولما التقينا بالحجون تنفّست
تنفُّس محزون الفؤاد سقيم
وقالت وما يرقا من الخوف دمعها
أقاطنها أم أنت غير مقيم ؟