أكد المفكّر المغربي الدكتور عبدالسلام بنعبدالعالي، أن الصورة أقوى بلاغة وأكبر قدرة من الكتابة على تكثيف المعاني وعرضها ونشرها، مؤكداً أن لكل منتج تأثيراً على المضمون ذاته، وعلى قيم الثقافة ومعانيها، ذلك أن حامل المعاني، وشكل الثقافة يؤثران في مضمونها.
وكشف صاحب كتاب «في الاتصال والانفصال» عن أسبقية نقادنا القدماء في إثارة قضية حامل المعنى وعلاقته بالدلالة، فلاحظوا أن النص يختلف معناه باختلاف الحامل الذي يكتب عليه، فالحامل المادي ليس مسألة شكلية ولا أمراً عرضياً، وهناك حوامل عابرة سيارة تظهر لتزول وتختفي مثل الصحف اليومية، وأخرى أقل سرعة في الاختفاء مثل الأسبوعيات والشهريات والفصليات والحوليات إلى أن نصل إلى الكتب التي يبدو أنها تظهر لتبقى.
ويرى بنعبدالعالي، أن المعاني ليست أرواحاً طاهرة، وإنما تسكن مادية الكتابة، وتتقمص جسدها، وتتغذى من حبرها ودمها، وتتنقل على ظهرها، وتقطن أرضيتها وتحمل لباسها، مضيفاً أن الكتابة التي تسكن دفتي كتاب يحمل اسماً بعينه، ليست التي تظهر صورةً على شاشة صغيرة، والاختلاف ليس هو الاختلاف بين الحبر، والذبذبات الصوتية والموجات الضوئية: إنما اختلاف بين ثقافتين، بل بين رؤيتين للعالم، أو على الأصح بين عالمين متباينين.
وعزا إلى الثورة الإعلامية، إرساء عالم مغاير، وعلاقة جديدة للإنسان بذلك العالم، وقال: «ليس مرمانا أن نتساءل ما إذا كانت الشاشة تلغي الكتاب، أو إذا كان النص الإلكتروني يلغي النص الورقي؟ ذلك أن المسألة الأساسية في نظرنا ليست هي أن نعرف ما إذا كانت الكهرباء تلغي الشموع، وما إذا كانت آلة الكتابة تلغي الأقلام، وإنما أن نتساءل ما القيم الجديدة التي كرسها، ظهور الكهرباء في القرن الماضي؟، وما التحولات الكبرى التي تعرفها مفهوماتنا الأساسية نتيجة اكتساح الصورة؟».
ولفت إلى أن الطفرة الإعلامية تجعلنا اليوم نواجه عالماً تعجز مفاهيمنا التقليدية عن استيعابه، لعل أهم مميزاته التضاؤل الذي أخذت تعرفه أهمية المكان ليغدو الزمان هو كل شيء وليحل الوجود الآني في الأمكنة المتعددة محل الأبعاد المكانية.
مشيراً إلى أنه بناءً على ما قال مخترع التلغراف البصري كلود شاب: «إن التلغراف يلغي المسافات ويمحو الأرض، ويقلص فرنسا ليختزلها في نقطة واحدة». بإمكاننا أن نعمم اليوم هذه المقولة على جميع أنحاء العالم، فنؤكد أن تكنولوجيا نقل المعلومات تقضي اليوم على المكان وتقلص العالم لتجعله نقطة واحدة فترده إلى زمان، ما يجعلنا نقتحم أنماطاً جديدة من التمثلات الحركية التي تتولد معانيها وقراءاتها مباشرة عن العلاقة المتبادلة بين العناصر الديناميكية الداخلة في تركيبها، كون تزاحم الصور وتشابك القنوات التي تنقلها يولدان اليوم رؤية بلورية للواقع تبدل تمثلاتنا وحساسيتنا، وتتيح لمخيلاتنا العمل في فضاءات جديدة.
ورأى أن أثر الشاشة الصغيرة على المشاهد تجعله يفهم العلائق ويربط مخالفته تمام المخالفة لما يقوم به وهو أمام نص مكتوب، ولعلنا اليوم نقتنع أكثر من أي وقت مضى أن الصورة تتيح نمطاً مخالفاً لبلوغ المعرفة والتمكن منها. إنها أقوى بلاغة وأكبر قدرة على تكثيف المعاني وعرضها ونشرها.
ويرى أن الأهم من ذلك هو أن التحول المشار إليه لا يقتصر على قدراتنا السيكولوجية ووظائفنا العقلية، وإنما يطال وجودنا في مجموعه والعلائق التي من شأنها أن تقوم بيننا، ذلك أن ثقافة الشاشة لا تختلف عن الثقافة الشفوية، وثقافة الكتاب في أدوات التعبير فقط، وإنما على مستوى الوجود ذاته. فالصورة والكتابة والكلام تحدد جميعها مجالاً معيناً للمعقولية.
ويذهب إلى أن ثقافة الشاشة ترى أن الكتابة والكلام يتأسسان معاً على الوجود من حيث هو مظهر، وفي هذه الثقافة يغدو الموجود مبتعداً عن ذاته مفوضاً بديله وصورة عنه. وهي ثقافة تستبدل العالم بالتلي-عالم، بمقتطف من الصور التي توجد «فوق» المحسوس، وتقدم نفسها على أنها هي المحسوس بلا منازع.
ودعا إلى تأمل الطفرة الإعلامية، التي لا تضعنا فحسب أمام عالم افتراضي، لا وجود فعلياً له، أمام مجموعة من الصور، بل تضعنا بالأولى أمام «علاقات اجتماعية تتوسطها الصور»، عالم فيه للخدعة نصيب من الحقيقة والفعل والفعالية، بل من الوجود الفعلي، عالم يكون فيه الشيء بقدر ما لا يكون، والصورة هي «لب» (لا واقعية المجتمع الواقعي) ووراءها عمليات تحويل وإنتاج وصناعة علها أهم صناعات العالم المعاصر.
وكشف صاحب كتاب «في الاتصال والانفصال» عن أسبقية نقادنا القدماء في إثارة قضية حامل المعنى وعلاقته بالدلالة، فلاحظوا أن النص يختلف معناه باختلاف الحامل الذي يكتب عليه، فالحامل المادي ليس مسألة شكلية ولا أمراً عرضياً، وهناك حوامل عابرة سيارة تظهر لتزول وتختفي مثل الصحف اليومية، وأخرى أقل سرعة في الاختفاء مثل الأسبوعيات والشهريات والفصليات والحوليات إلى أن نصل إلى الكتب التي يبدو أنها تظهر لتبقى.
ويرى بنعبدالعالي، أن المعاني ليست أرواحاً طاهرة، وإنما تسكن مادية الكتابة، وتتقمص جسدها، وتتغذى من حبرها ودمها، وتتنقل على ظهرها، وتقطن أرضيتها وتحمل لباسها، مضيفاً أن الكتابة التي تسكن دفتي كتاب يحمل اسماً بعينه، ليست التي تظهر صورةً على شاشة صغيرة، والاختلاف ليس هو الاختلاف بين الحبر، والذبذبات الصوتية والموجات الضوئية: إنما اختلاف بين ثقافتين، بل بين رؤيتين للعالم، أو على الأصح بين عالمين متباينين.
وعزا إلى الثورة الإعلامية، إرساء عالم مغاير، وعلاقة جديدة للإنسان بذلك العالم، وقال: «ليس مرمانا أن نتساءل ما إذا كانت الشاشة تلغي الكتاب، أو إذا كان النص الإلكتروني يلغي النص الورقي؟ ذلك أن المسألة الأساسية في نظرنا ليست هي أن نعرف ما إذا كانت الكهرباء تلغي الشموع، وما إذا كانت آلة الكتابة تلغي الأقلام، وإنما أن نتساءل ما القيم الجديدة التي كرسها، ظهور الكهرباء في القرن الماضي؟، وما التحولات الكبرى التي تعرفها مفهوماتنا الأساسية نتيجة اكتساح الصورة؟».
ولفت إلى أن الطفرة الإعلامية تجعلنا اليوم نواجه عالماً تعجز مفاهيمنا التقليدية عن استيعابه، لعل أهم مميزاته التضاؤل الذي أخذت تعرفه أهمية المكان ليغدو الزمان هو كل شيء وليحل الوجود الآني في الأمكنة المتعددة محل الأبعاد المكانية.
مشيراً إلى أنه بناءً على ما قال مخترع التلغراف البصري كلود شاب: «إن التلغراف يلغي المسافات ويمحو الأرض، ويقلص فرنسا ليختزلها في نقطة واحدة». بإمكاننا أن نعمم اليوم هذه المقولة على جميع أنحاء العالم، فنؤكد أن تكنولوجيا نقل المعلومات تقضي اليوم على المكان وتقلص العالم لتجعله نقطة واحدة فترده إلى زمان، ما يجعلنا نقتحم أنماطاً جديدة من التمثلات الحركية التي تتولد معانيها وقراءاتها مباشرة عن العلاقة المتبادلة بين العناصر الديناميكية الداخلة في تركيبها، كون تزاحم الصور وتشابك القنوات التي تنقلها يولدان اليوم رؤية بلورية للواقع تبدل تمثلاتنا وحساسيتنا، وتتيح لمخيلاتنا العمل في فضاءات جديدة.
ورأى أن أثر الشاشة الصغيرة على المشاهد تجعله يفهم العلائق ويربط مخالفته تمام المخالفة لما يقوم به وهو أمام نص مكتوب، ولعلنا اليوم نقتنع أكثر من أي وقت مضى أن الصورة تتيح نمطاً مخالفاً لبلوغ المعرفة والتمكن منها. إنها أقوى بلاغة وأكبر قدرة على تكثيف المعاني وعرضها ونشرها.
ويرى أن الأهم من ذلك هو أن التحول المشار إليه لا يقتصر على قدراتنا السيكولوجية ووظائفنا العقلية، وإنما يطال وجودنا في مجموعه والعلائق التي من شأنها أن تقوم بيننا، ذلك أن ثقافة الشاشة لا تختلف عن الثقافة الشفوية، وثقافة الكتاب في أدوات التعبير فقط، وإنما على مستوى الوجود ذاته. فالصورة والكتابة والكلام تحدد جميعها مجالاً معيناً للمعقولية.
ويذهب إلى أن ثقافة الشاشة ترى أن الكتابة والكلام يتأسسان معاً على الوجود من حيث هو مظهر، وفي هذه الثقافة يغدو الموجود مبتعداً عن ذاته مفوضاً بديله وصورة عنه. وهي ثقافة تستبدل العالم بالتلي-عالم، بمقتطف من الصور التي توجد «فوق» المحسوس، وتقدم نفسها على أنها هي المحسوس بلا منازع.
ودعا إلى تأمل الطفرة الإعلامية، التي لا تضعنا فحسب أمام عالم افتراضي، لا وجود فعلياً له، أمام مجموعة من الصور، بل تضعنا بالأولى أمام «علاقات اجتماعية تتوسطها الصور»، عالم فيه للخدعة نصيب من الحقيقة والفعل والفعالية، بل من الوجود الفعلي، عالم يكون فيه الشيء بقدر ما لا يكون، والصورة هي «لب» (لا واقعية المجتمع الواقعي) ووراءها عمليات تحويل وإنتاج وصناعة علها أهم صناعات العالم المعاصر.