لم يدر بخلد العميد موسى الزهراني، حين قدِم إلى المدينة المنورة من محافظة قلوة بالباحة؛ لعلاج والده وهو الطفل آنذاك، أن يكون ذات يومٍ مدعياً عاماً بمحاكمها الشرعية، أو ضابطاً في أروقتها الأمنية، يحلّ ويحلحل قضاياها الصعبة، وألغازها الجنائية، ثم مديراً لشرطة محافظة المهد، قبل أن يتعرض لحادثة مرورية، ألقت بظلالها على جسده، لكنها لم تحجب شمس طموحه، ولم تكبح جموح إرادته، فعاود الركض في ميادين الأمن بضعة أعوام حتى تقلّد رتبته الأخيرة عميداً في شرطة المدينة قبل تقاعده، ليعود مرةً أخرى لرعاية أسرته، بعد أن نجح برعايتها في الأولى، حين أجاد كفل إخوته الخمسة، ورعاهم حقّ الرعاية بعد تيتّمه وإياهم، توفي والده دون أن يصل سن البلوغ، فصقلت هذه الفاجعة شخصيته العصامية، ونبعت منها أبوّته الحانية، فتنقل بين الأعمال الشاقة، حتى وصل به الأمر أن كان يعمل في اليوم الواحد في (3) مهن، وعلى الرغم من ذلك لم يهمل دراسته، حتى تخرج من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، ليتقدم بشهادته الجامعية إلى الكلية الأمنية، ويتخرج منها ملازماً، ومنها لازم المدينة أمنياً لـ(3) عقود بقضاياها وأحداثها، ولازمته وجدانياً بتاريخها وبركتها، حتى ووري جثمانه الثرى في بقيع الغرقد في الـ12 من جمادى الأولى لعام 1444هـ، تاركاً خلفه في ذاكرة محبيه سيرةً عطرة، وقصصاً مؤثرة، يتناقلها كل من عرفه، شاهدين له بالخير، وداعين له بالرحمة والمغفرة.