عبدالإله بلقزيز.
عبدالإله بلقزيز.
-A +A
عرض: علي الرباعي Al_ARobai@
يؤكد المفكر المغربي الدكتور عبدالإله بلقزيز، أن التفكير في سؤال الدعوة اليوم ليس تفكيراً في سؤال ديني؛ وإنما هو تفكيرٌ في مسألة أُخرِجت من نطاق الدّين إلى السياسة، وباتت تجارةً مُربِحة يقصِد إليها كلُّ ذي مصلحةٍ في الكسب الدّنيوي.

وعدّ صاحب (نهاية الداعية) التفكير في الدعوة، بما هي ظاهرة دينيَّة، تفكيراً في مسألةٍ وقعتْ في زمنٍ مضى، وانتهت بانتهاء النبوَّة، واستكمال الرسالة. وهو لذلك، إذن، تفكير تاريخي في ظاهرة تاريخيَّة.


ويرى أن التفكير في الدعوة على نحو ما هو عليه أمرُها، اليوم، بل على نحو ما بات عليه أمرُها منذ انقضاء النبوَّة، فتفكيرٌ في ظاهرة أخرى مختلفة عن الأولى، وهي؛ بالتعريف (ظاهرةٌ سياسيَّة)، وهو لذلك السبب تفكيرٌ سياسي غيرُ متجرّد من أحكام الموقف السياسي.

ولفت إلى أنه لا يجوز الخلطُ في الحديث عن الدعوة بين شكلين منها مختلفيْن اختلافاً ماهوياً. ونعرف، على التحقيق، أنَّ مَن يَحْكم تفكيرَهم (اغتراضٌ) إنَّما يُمَاهون بين الشكلين في صورة واحدة، ويَسْعون في القول إنَّها صورتها الوحيدة، وبالتالي معناها الوحيد المتكرّر في الزمان، وفي المماهاة تلك ما يخلع الشرعيَّة الدينيَّة على أفعال ينهضون بها، باسم الدعوة، فيما هي أفعال سياسيَّة هي عن الدعوة بمعناها الدينيّ بمعزل.

وأكد، أنه سبق وصف الفعل السياسي لهؤلاء بأنه (فعلٌ) يُفصح عن نفسه من طريق استثمار رأس المال الدّيني في الصراع على المصالح والسلطة، وهو عينُه ما يصدق على الدُّعاة، والقائلين بوجوب الدعوة، أو استمرار وجوبها، عبر مؤسساتهم التي يُنشئونها لهذا الغرض؛ إما في صورة مؤسسات «دينية» دعوية، أو في صورة مؤسسات حزبية سياسية صريحة.

وأوضح، أنَّ التمييز بين معنييْ الدَّعوة المختلفيْن ووظيفتيْهما المتمايزتين لا يمنع من إعادة قراءة سياق تكوُّن المعنى الأوَّل، الدّيني، لاتِّصال بيان ذلك ببيان المعنى الذي صارَهُ معنى الدعوة بعد انصرام مفهومها الأصل. كما أنَّ إلقاء ضوء التحليل على معنى الدَّعوة، اليوم، والوظائفِ التي يَكِلُها الدُّعاة إلى دعوتهم ومؤسَّساتهم الدعويَّة، يتوقف إلى حدٍّ بعيدٍ على معرفة تاريخ هذه الدَّعوة المزعومة، أو التي يزعُمها أصحابُها لأنفسهم، بحسبانه ذلك الإطار المرجعي الذي إلى رصيده تستند دعوات اليوم، وتكتسب الشرعيَّةَ لنفسها.

مضيفاً، أنه ربما يفيدنا التعرُّف إلى هذا التاريخ المديد في فهم، أو إدراك، الأسباب التي تُمَكِّن للدعوة، في عصرنا الحاضر، وتزوِّد مشروعها بالطّاقة اللَّازمة للاشتغال؛ ذلك أنَّ قوَّتها تتغذَّى، بالذات، من هذا المخزون التاريخي الكبير، المنغرس في الذاكرة الجمْعيَّة، الذي يُشَكِّلُ العقلَ المتلقيّ وقابليتَه للتفاعل مع فِعْل الدعوة، حين يخاطبه، بوصفه فعلاً «دينياً» و«طبيعياً» ومألوفاً في تاريخ الإسلام والأمَّة.