كانت الأيام الماضية أسبوع كوفيد-19 بامتياز في بريطانيا. فقد حمي وطيس المعركة بشأن الطريقة التي أدارت بها حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الحرب على نازلة فايروس كورونا الجديد. ولم يكد جونسون يحسم المواجهة القضائية بين وزارة شؤون مجلس الوزراء البريطاني والقاضية المكلفة بالتحقيق في إدارة الأزمة الصحية، بقيامه بتسليم رسائل «واتساب» في هاتفه الجوال إلى لجنة التحقيق، التي ترأسها ليدي هاليت، متجاوزاً الاعتراضات الحكومية؛ حتى بدأ التحقيق يتطرق لأخطاء رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، الذي كان آنذاك وزيراً للخزانة، خصوصاً مشروع الوجبات مخفضة الثمن، الذي أطلقه لتشجيع السكان على العودة للمطاعم، وإنعاش قطاع الضيافة. وكانت ليدي هاليت أمرت جونسون بتسليمها الرسائل بينه وبين وزراء حكومته على تطبيق «واتساب»، ومفكرته اليومية. فسارعت حكومة سوناك إلى رفض طلب رئيسة لجنة التحقيق، الذي أمر به جونسون نفسه. وقالت وزارة شؤون مجلس الوزراء، إنها ستتقدم بطلب للقضاء بمراجعة طلب ليدي هاليت. وتعللت الوزارة بأن تسليم مفكرة جونسون ورسائله سيمثل سابقة، قد تقود إلى تسليم الأوراق الخاصة بالوزراء إلى المحاكم. وادعت الحكومة البريطانية، أن مفكرات الوزراء ورسائلهم الخاصة لا تدخل في نطاق أغراض التحقيق الذي ترأسه ليدي هاليت. غير أن رجال القانون أجمعوا على أن القضية ستكسب، وأن الحكومة ستخسر هذه الدعوى. وقبل أن تبدأ فصول الدعوى الحكومية ضد ليدي هاليت، سارع جونسون بتسليم هاتفه الجوال إلى لجنة التحقيق. وأعلن أنه لا يريد لأوراقه الخاصة أن تكون اختباراً قضائياً للآخرين. وذكر جونسون، أن هاتفه الذي سلمه إلى لجنة التحقيق يحوي رسائل واتساب من ربيع 2021. وأضاف، أن الرسائل السابقة كانت في هاتف آخر طلب منه مستشاروه الأمنيون في رئاسة الحكومة التخلص منه نهائياً بسبب مخاوف أمنية. وأوضح، أن وزارة شؤون مجلس الوزراء أزاحت أكثر من 20 مفكرة دوّن عليها ملاحظاته. وبما أن ليدي هاليت طلبت الاطلاع على تلك الدفاتر، فقد طلب رئيس الوزراء السابق من الوزارة إعطاءها للجنة التحقيق. وزاد، أنه إذا رفضت الوزارة، فسيطلب منها أن تعيد إليه دفاتره الخاصة، حتى يمكنه تسليمها إلى لجنة التحقيق. وأوضح جونسون، أنه طلب من مسؤولي الأمن في رئاسة الحكومة إعادة تشغيل هاتفه السابق، الذي طلب منه مستشاروه الأمنيون إغلاقه نهائياً، حتى يستطيع استرداد الرسائل القديمة وإعطاءها إلى لجنة ليدي هيذر هاليت. وأعلنت الحكومة الحالية، أنها تأمل بأن تتمكن المحكمة العليا من النظر في دعواها بشأن صلاحيات لجنة التحقيق للحصول على الأدلة التي تريدها. ورجح خبراء قانونيون، أن المحكمة ستخلص إلى أن من حق ليدي هاليت أن تطلب المواد التي تريدها لتتمكن من التوصل إلى نتيجة نهائية لتحقيقها. وأثارت الدعوى الحكومية غضباً في الشارع البريطاني، الذي اعتبرها محاولة من الحكومة لإخفاء الحقائق. وفيما حرص سوناك على البقاء بمعزل عن هذا الجدل؛ قالت صحيفة «الغارديان»، إن مصادر أكدت لها أنه ونائبه أوليفر داودن وقعا على القرار الخاص برفع الدعوى إلى المحكمة العليا. وعلى رغم إعلان جونسون رغبته في مساعدة لجنة التحقيق بقدر ما يسعه؛ فإنه يبدو أن ليدي هاليت تريد أكثر من مجرد رسائل، أو مفكرات رئيس الحكومة السابق. فقد اتضح أنها أرسلت لجونسون في 3 فبراير الماضي قائمة تضم 150 سؤالاً، منها سؤال عما إذا كان صحيحاً أنه صرّح بأنه سيسمح بأن تتراكم جثث موتى كوفيد-19، لا أن يطلب منه اتخاذ قرار بفرض أحكام الإغلاق الكامل على البلاد للمرة الثانية. وسؤال آخر عما إذا كان صحيحاً أنه اعتبر كوفيد-19 مجرد مرض مثل انفلونزا الطيور. ومما تبحث فيه القاضية هاليت معرفة أسباب تغيب جونسون عن عدد من الاجتماعات التي عقدتها لجنة الطوارئ الحكومية (كوبرا). ويقضي النظام المتبع في دواوين الحكومة البريطانية بأن تعتبر مراسلات الوزراء في ما بينهم، ومفكراتهم «سرية للغاية». وتخضع هذه الأوراق لقاعدة السرية التي تقضي بحجبها 30 سنة، قبل السماح بنشرها. ويحق لأي تحقيق عام أنه يطالب بالاطلاع على أي معلومات حديثة. لكن ينبغي أن تعتبر تلك الوثائق «ضرورية للتحقيق». وأكثر ما يثير ضيق الحكومة البريطانية أن يسمح للجنة التحقيق في كوفيد-19، وهي ليست هيئة حكومية، أن تطلع على رسائل رئيس الوزراء السابق في شكلها «الخام»، وليس قبل حذف ما ترى الحكومة أنه ينبغي أن يكون مشمولاً بالسرية. وفي حال تمسك حكومة سوناك باعتراضاتها على تسليم القاضية البارونة هاليت ما تريده من وثائق، فسيكون من صلاحية البارونة هاليت أن تبدأ إجراءات «جنائية» ضد الحكومة، والطلب من المحكمة أن تصدر أمراً قضائياً يلزمها بتسليم الوثائق المطلوبة للتحقيق. وكشفت «الغارديان»، أمس الأول، أن محامي وزارة مجلس الوزراء أبلغوا جونسون بأنه إذا قرر الانصياع لرغبة لجنة التحقيق فستضطر الحكومة إلى التوقف عن دفع النفقات القانونية للدفاع عنه. وأشارت صحيفة «صانداي تايمز» إلى أن جونسون أرسل الأسبوع الماضي 300 صفحة من رسائل واتساب، التي تحوي مراسلاته مع وزرائه ومسؤولي حكومته؛ بعدما قررت الحكومة الحالية تصعيد الأمر إلى درجة مقاضاة لجنة التحقيق. ولم يسلم ريشي سوناك من تبعات التحقيق في إدارة الأزمة الصحية. فقد بدأت الصحف البريطانية فتح ملف قرار سوناك، عندما كان وزيراً للخزانة في حكومة جونسون، بإطلاق مشروع الوجبة مخفضة الثمن في المطاعم، بعد إلغاء تدابير الإغلاق، في خريف 2020. وقال خبراء، إن سوناك كان مهتماً فحسب بالجانب الاقتصادي للأزمة الصحية، ولم يكن لديه أدنى اهتمام بتبعات قراراته على تفشي الفايروس في بريطانيا. وكان تقرير برلماني في 2021 توصل إلى أن رفض سوناك وجونسون فرض الإغلاق مرة ثانية سبب في موجة عدوى فايروسية ضخمة اجتاحت بريطانيا. وترددت اتهامات لسوناك بالاستخفاف بنصائح المستشارين العلميين والصحيين للحكومة. وذكرت «الغارديان»، أن تحقيق البارونة هاليت لم يقتصر على جونسون وحده، بل سيشمل دور سوناك في إدارة الأزمة الصحية. ومن المقرر أن يمثل سوناك أمام البارونة هاليت خلال الأيام القادمة للإدلاء بشهادته، والإجابة عن أسئلة رئيسة لجنة التحقيق. ومن الأسئلة التي وجهتها هاليت خطياً إلى جونسون: «ما هي المناقشات التي دارت بينك ووزير الخزانة السابق (سوناك) قبل إعلان مشروع الوجبات الرخيصة؟ هل درست آنذاك تأثير ذلك القرار في احتمالات زيادة عدد الإصابات الجديدة بكوفيد-19؟ هل تأكدت أن وزارة الخزانة تلقت مشورة علمية قبل إعلان قرار الوجبات الرخيصة؟ وهل، في حال علمك بذلك، نصحت وزير الخزانة بالحصول على المشورة العلمية قبل اتخاذ القرار وتنفيذه؟ وذكر تقرير، أصدره علماء جامعة واريك البريطانية، أن تنفيذ مشروع الوجبات المخفضة أدى إلى ارتفاع ملموس في عدد الإصابات الجديدة. وخلصت «الغارديان» إلى أن سوناك يريد أن يصور نفسه باعتباره البطل في مواجهة الوباء العالمي، ولذلك قرر عدم تسليم رسائل جونسون إلى لجنة التحقيق، لأنه يخشى أن تتيح تلك الرسائل للبارونة هاليت أن تخرج بخلاصة مختلفة تماماً.
كوفيد... هل أصبح نسياً منسياً ؟
كان كوفيد-19 هو الخبر، ولا خبر سواه، في أتون الأزمة الصحية العالمية، التي استمرت ثلاث سنوات. وقبل أسابيع أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن كوفيد-19 لم يعد يمثل طوارئ صحية عالمية. وهو إعلان جعل كثيرين في أرجاء العالم يعتقدون أن الوباء العالمي انتهى. وقبل نحو أسبوع حذر مسؤول صيني كبير متخصص في مكافحة الأمراض المُعدية، من أن الصين مقبلة على موجة فايروسية جديدة، قد تسفر عما لا يقل عن 65 مليون إصابة بحلول نهاية يونيو الجاري. لكن ذلك لم يثر قلقاً يذكر داخل الصين وخارجها! وعلى رغم أن الأدوية واللقاحات نجحت في تحجيم خطر الفايروس؛ إلا أنه لا يزال يقتل شخصاً كل ثلاث دقائق، بحسب ما أعلنه مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور تادروس غبريسيوس. ويقول الخبراء، إن كوفيد لا يزال حاضراً بقوة في حياة كل شخص فقد عزيزاً، أو لا يزال يعاني من تبعات إصابته بالفايروس، أو فقد وظيفته، أو تفاقمت مشكلاته النفسية جراء الوحدة، والإغلاق، والخوف على المسنين من الآباء والأمهات. وما إن هدأت الأزمة الصحية نوعاً ما، حتى برزت مشكلات غلاء كلفة المعيشة، واندلاع الحرب في أوكرانيا، وتفاقمت تأثيرات التغير المناخي. وتشير الإحصاءات إلى أن ما لا يقل عن 65 مليون نسمة حول العالم يعانون من مرض «كوفيد المزمن»، بعد تعافيهم من الفايروس. ولا تزال المنظومات الصحية في بلدان العالم تعاني من وطأة الضغوط التي تسبب فيها الوباء. كما أن عشرات الملايين من الطلاب ضاعت عليهم قرابة سنة دراسية. وحذر تقرير، أصدره البنك الدولي خلال الربيع، أن التبعات على المدى الطويل ستستمر عقوداً، خصوصاً تضاؤل رأس المال البشري. ومهما يكن فإن تحديد عيوب وأخطاء مواجهة نازلة كورونا سيكون درساً مفيداً في مواجهة الوباء القادم. كوفيد-19 لا يزال حاضراً بقوة، مهما حاول كثيرون التقليل من شأنه بعد شيوع الأدوية واللقاحات.
كوفيد... هل أصبح نسياً منسياً ؟
كان كوفيد-19 هو الخبر، ولا خبر سواه، في أتون الأزمة الصحية العالمية، التي استمرت ثلاث سنوات. وقبل أسابيع أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن كوفيد-19 لم يعد يمثل طوارئ صحية عالمية. وهو إعلان جعل كثيرين في أرجاء العالم يعتقدون أن الوباء العالمي انتهى. وقبل نحو أسبوع حذر مسؤول صيني كبير متخصص في مكافحة الأمراض المُعدية، من أن الصين مقبلة على موجة فايروسية جديدة، قد تسفر عما لا يقل عن 65 مليون إصابة بحلول نهاية يونيو الجاري. لكن ذلك لم يثر قلقاً يذكر داخل الصين وخارجها! وعلى رغم أن الأدوية واللقاحات نجحت في تحجيم خطر الفايروس؛ إلا أنه لا يزال يقتل شخصاً كل ثلاث دقائق، بحسب ما أعلنه مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور تادروس غبريسيوس. ويقول الخبراء، إن كوفيد لا يزال حاضراً بقوة في حياة كل شخص فقد عزيزاً، أو لا يزال يعاني من تبعات إصابته بالفايروس، أو فقد وظيفته، أو تفاقمت مشكلاته النفسية جراء الوحدة، والإغلاق، والخوف على المسنين من الآباء والأمهات. وما إن هدأت الأزمة الصحية نوعاً ما، حتى برزت مشكلات غلاء كلفة المعيشة، واندلاع الحرب في أوكرانيا، وتفاقمت تأثيرات التغير المناخي. وتشير الإحصاءات إلى أن ما لا يقل عن 65 مليون نسمة حول العالم يعانون من مرض «كوفيد المزمن»، بعد تعافيهم من الفايروس. ولا تزال المنظومات الصحية في بلدان العالم تعاني من وطأة الضغوط التي تسبب فيها الوباء. كما أن عشرات الملايين من الطلاب ضاعت عليهم قرابة سنة دراسية. وحذر تقرير، أصدره البنك الدولي خلال الربيع، أن التبعات على المدى الطويل ستستمر عقوداً، خصوصاً تضاؤل رأس المال البشري. ومهما يكن فإن تحديد عيوب وأخطاء مواجهة نازلة كورونا سيكون درساً مفيداً في مواجهة الوباء القادم. كوفيد-19 لا يزال حاضراً بقوة، مهما حاول كثيرون التقليل من شأنه بعد شيوع الأدوية واللقاحات.