أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن المخدرات مما يهدم أركان مقاصد الإسلام، ويزلزل بنيانها، ويهد كيانها، وذلك يشمل جميع أنواع المخدرات والمسكرات من مشروب، ومأكول، ومستنشق، ومحقون، وسواء أكان سائلاً، أم جامدا، أم أقراصا، أم مسحوقا، أم غازياً.
وقال في خطبة الجمعة اليوم: أخرج الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الله لم يحرم الخمر لاسمها، وإنما حرمها لعاقبتها، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر.
وبين أن كل ما غطى العقل وستره فهو خمر، وكل ما أسكر فهو خمر، وكل خمر حرام، فكل أنواع المخدرات داخلة في اسم الخمر ومسماه، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، وفي الحديث المتفق عليه: «كل شراب أسكر فهو حرام».
وقال: من أجل هذا فقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريم المخدرات وزراعتها، وتصنيعها، وتعاطيها، ناهيكم عن تهريبها وترويجها، بل قال ابن عابد رحمه الله في حاشيته: من قال بحل الحشيشة فهو زنديق مبتدع، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «..وهي –أي الحشيشة– أخبث من الخمر من جهة أنها مفسدة للعقل والمزاج».
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: عالم المخدرات عالم مظلم، الداخل فيه مفقود، والخارج منه مولود، المخدرات جماع الشر، ومجمع الضر، ومستودع المفاسد، وملتقى المصائب، ومكمن الشرر، والمخدرات كل بلاء يصغر دونَها، هي آفة العصر، ومصيبة الدهر، وقاصمة الظهر، تذهب بالعقول، وتهلك النفوس، وأصل كل بلية، وأساس كل رذيلة، ومفتاح كل شر، ورجس من عمل الشيطان، توقع في العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن كل عمل صالح في الدين والدنيا.
وأردف: كم في البيوت من أخبار حزينة، وكم في الصدور من أسرار دفينة: هاهو شاب في مقتبل العمر مطيع لربه، بار بوالديه، مستقيم في أخلاقه، متفوق في دراسته، يعيش حياة جميلةً، مليئةً بالتفاؤل والتخطيط، وبين عشية وضحاها وقع في شباك رفاق السوء، وأصدقاء الإثم، ذئابٌ كاسرة، خادعون واهمون، فكانت بدايةَ النهاية، تحولت الحياة الجميلة إلى أشباح، وانطفأ ضوء المصباح، وأصبحت الطاعة فسوقا، والبر عقوقاً، والأخلاق تمرداً ونفورا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وتلك فتاة مسكينة، قرة عين والديها، وأمل أهلها وذويها، من أجمل البنات خَلْقا وخُلُقا، اقترب منها الحاسدات، وأحاطت بها الغاويات المغويات فوقعت المسكينة في الشِّراك، وأصبحت ألعوبة في يد كل خادع وأفاك، لا يدري وليها المسكين: «أيمسكها على هون أم يدسها في التراب».
وأكد أن المبتلى بهذه القاذورات، لا يملك تفكيرا سوياً، ولا قدرة على حسن الاختيار، ألعوبة بيد تجار الموت، الذين يجنون الأموال الملوثة والملونة بدماء الضحايا هذا المبتلى يخسر نفسه ودراسته، ووظيفته، وماله، وسمعته، وصحته، وأهله، يعيش حياة الانعزال، والإهمال، والكسل، والقلق، والاضطراب، حياته خمول، وعدوانية، واكتئاب، وخوف، وهلع، محطم الإرادة، أضرار بدنية، ونفسية، واجتماعية، واقتصادية، وبيئية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وواصل الشيخ الدكتور بن حميد يقول: ومع هذا كله فإن المبتلى مريض يجب علاجه، وليس مجرما يلزم عقابه، موضحا أن من أهم وسائل العلاج التمسك بالدين والقيم الأخلاقية، والاستقامة على أمر الله، والالتزام بشرعه، وأداء ما افترض الله، والبعد عن ما حرم الله، وإذا ضعف وازع الدين سهل تقبل الأفكار المنحرفة، والقيم الفاسدة.
وشدد على أن الأسرة في حسن تربيتها لأطفالها هي الحصن من الآفات الاجتماعية التي سوف يواجهها أطفالهم في حياتهم خارج المنزل، وهي التي تدفع الخطر الذي يهدد حياة أطفالهم، مشيرا إلى أنه ينبغي على ولي أمر الأسرة أن يكون يقظا، متابعا، مدركا لمسؤوليته، مبادراً في متابعة أولاده، يقضي مع أولاده الوقت الكافي لرعايتهم، والاستماع إليهم، والعيش معهم، والاهتمامِ بهم، وتبادلِ الحوار معهم، ومواجهةِ مشكلاتهم وكل ما يشغل تفكيرهم، وكذلك ينبغي تنمية الحب والاحترام بينهم، والابتعاد عن العنف والإيذاء الجسدي والنفسي ما أمكن، كما ينبغي تجنب العنف والشدة والسهر خارج المنزل، ويجب ملاحظة أصدقائهم وجلسائهم وقرنائهم، والحذر من قرناء السوء فجليس السوء هو بيت الداء.
وأضاف: كما ينبغي مساعدة الأسرة، والوقوف معها في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين معيشتهم من أجل تربية الأبناء والبنات على أسس أخلاقية سليمة، وتهيئة العيش الكريم لتقي من شر السقوط في هذه الموبقات.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإسهام في العلاج والتوعية مسؤولية الجميع، فالجهات المختصة لها دورها ومسؤوليتها، المدرسة، وأهل العلم في المساجد، وأصحاب القلم، والرأي، والحقوق، والاقتصاد، والصحة، والأندية الرياضية، والثقافية، والجمعيات المهنية بأنواعها، رجالية، ونسائية، والمؤسسات الثقافية والإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والجمعيات الخيرية، وكل غيور ومحب لدينه وبلده وأهله، كل هؤلاء عليهم مسؤولياتهم في المتابعة والتبليغ والعلاج، كما ينبغي النظر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتهيئة فرص العمل، والنظر في مشكلة الفراغ والبطالة.
وأكد الشيخ بن حميد أن بلادنا تقود حربا ضروساً واسعة ضد هذه الآفة على جميع الجهات الأمنية، والاجتماعية، والصحية، مستهدفة إشراك عناصر المجتمع كافة تعمل بجد وحرص، وتتخذ الإجراءات الوقائية والتربوية، والتوعوية بمخاطر هذه الآفة الفتاكة، كما تقوم بتوفير الدعم النفسي، والاجتماعي للمبتليين وأسرهم.
وقال في ختام خطبته: إن قدرات رجال أمننا وأجهزة مكافحة المخدرات الفذة وجهودهم الجبارة مع زملائهم في الجهات المختصة الأخرى في مكافحة هذه الآفة يسجل إنجازات، وتسطر بطولات، بإفشال طرق المهربين والمروجين بكل أنواعها وأشكالها.
وأضاف: أرقام مبهرة لهذه الأجهزة المباركة بقياداتها وأفرادها في مختلف مناطق بلادنا مترامية الأطراف، ومفتوحة الحدود براً، وبحراً وجواً، مشددا على أن مكافحة المخدرات هي قضية المجتمع كله فهي حرب تطهير شعبية، فلا بد من التعاون التام مع الدولة في كل أجهزتها على هذا العدو.