أكد رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) الدكتور عبدالله الغامدي أن الذكاء الاصطناعي سيُسهم في ظهور 69 مليون وظيفة خلال السنوات الخمس القادمة حسب آخر تقرير عن مستقبل الوظائف الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، مبينًا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيُعزز الوظائف البشرية الحالية أكثر من إلغائها من خلال أتمتة بعض المهمات وليس الاستحواذ على كل المهمات، استناداً إلى دراسة حديثة نشرتها منظمة العمل الدولية.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها اليوم خلال أعمال المؤتمر الدولي الأول لسوق العمل الذي تنظمه وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بمركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، بحضور أكثر من 6000 مشارك من 40 دولة.
وشدّد الدكتور عبدالله الغامدي على أن تطور سوق العمل حاليًا واتجاهاته نحو الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة تهديدًا للوظائف وإنما فرصة لتعزيز القدرات البشرية وإيجاد حلول ابتكارية إذا طُبقت على نحو سليم حسب السياسات والتنظيمات ذات العلاقة، وبصورة عامة فالذكاء الاصطناعي لن يسلب الموظف وظيفته ولكن الشخص الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي ستكون له الأولوية في شغل الوظائف المتاحة.
وقال: ظهرت في سوق العمل، مسميات وظائف لم تكن معروفة من قبل مثل: مهندس ذكاء اصطناعي، وباحث ذكاء اصطناعي، وعالم بيانات، وفنان ذكاء اصطناعي، وكاتب ذكاء اصطناعي، ومهندس مدخلات، وخبراء محتوى وغيرها، مشيراً إلى أن هذه المتغيرات الديناميكية في سوق العمل تقود لتحديات استراتيجية تكمن في نقص الموظفين المتمكنين في المهارات الجديدة وتَنَافُسُ جهات العمل على هذا العدد المحدود.
وأضاف أن الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 77 % من الشركات حول العالم يواجهون صعوبة في العثور على المواهب التي يحتاجون إليها عام 2023 متضاعفًا عن عام 2015 الذي سجل 38 %، مبينًا أن عدم معالجة هذا الوضع بشكل استراتيجي واستباقي قد يؤدي إلى مخاطر في سوق العمل بحيث يخلق فجوة كبيرة بين الباحثين عن وظائف وسوق العمل.
وأوضح أيضاً أنه في خطوة استباقية من القيادة الرشيدة لمواجهة هذا التحدي صدر أمر ملكي كريم بإنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» عام 2019 لتقود أجندة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في المملكة وتعزيز بناء القدرات المتخصصة وإيجاد حلول مستدامة لسوق العمل متعلقة بهذين المجالين الحيويين، مؤكدًا أنه من خلال الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي أطلقت عام 2020 يمكن بإذن الله تحويل الأزمات إلى فرص، وتحويل ثورة الذكاء الاصطناعي من مُهدد إلى داعم لسوقٍ العمل.
وأشار إلى أن الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي تستهدف تأهيل 20 ألفا ما بين مختص وعالم وخبير في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي ورفع الوعي لدى 40 % من القوى العاملة في السوق، وتعتمد سدايا فيها على ثلاث مراحل رئيسية تبدأ: بالإلهام وهي خلق حالة اهتمام للجميع بأهمية الذكاء الاصطناعي، والمرحلة الثانية: البناء والتمكين للمختصين في المجال، والمرحلة الثالثة: استدامة الحلول الذي يقوم عليها خبراء متميزين.
وفيما يتعلق بمرحلة الإلهام، أفاد الدكتور عبدالله الغامدي أن سدايا رفعت الوعي لدى 600 ألف شخص تجاه البيانات والذكاء الاصطناعي وأنه بمشيئة الله سنصل إلى 40 % من درجة الوعي لدى موظفي القطاعين العام والخاص بحلول عام 2030، مشيرًا إلى أن سدايا أطلقت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختين عام 2020 وعام 2022، وشارك بالنسخة الأخيرة أكثر من 200 خبير من 100 دولة و20 ألفا من المهتمين بالذكاء الاصطناعي، وكان أحد محاورها دور الذكاء الاصطناعي في سوق العمل حيث نوقش باستفاضة من المتخصّصين.
وبين أن سدايا رسمت خططًا إستراتيجية للوصول بالوعي تجاه الذكاء الاصطناعي إلى الجمهور العام بشكل مباشر، فأطلقت عام 2020 مبادرة (دوري ذكاء) مستهدفة الوسط الرياضي، وهو هاكاثون شارك فيه أكثر من 570 فريقًا توقعوا نتائج الدوري السعودي في ذلك العام مما أحدث وعيًا كبيرًا لدى الوسط الرياضي حول أهمية الذكاء الاصطناعي، وفي مجال الفن نظمت سدايا (آرتاثون الذكاء الاصطناعي) الذي تصب فكرته في استخدام الذكاء الاصطناعي في الفن بمشاركة 70 دولة وسبق ذلك إطلاق معسكر مكثف لتأهيل المهندسين والفنانين لاستخدام الذكاء الاصطناعي للخروج بأعمال فنية إبداعية رقمية بهدف نشر الوعي في المجال الفني.
وأشار الدكتور عبدالله الغامدي إلى أن سدايا لم تكتفِ بذلك بل توجهت إلى مجال التعليم، فأطلقت هذا العام بالتعاون مع وزارة التعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع «موهبة» الأولمبياد الوطني للبرمجة وعلوم الذكاء الاصطناعي (أذكى)، وسجل فيه 260 ألف طالب وطالبة من المرحلتين المتوسطة والثانوية، وأقيم على هامش الأولمبياد ( فعالية الطريق إلى أذكى) بحضور أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة مع ذويهم، وفي مجال الصحة أطلقت (هاكاثون الصحة) بالشراكة مع جامعة ستانفورد شارك فيها المختصين لابتكار حلول في مجال الذكاء الاصطناعي بمجال الصحة.
أما في محور البناء والتمكين ذكر أن سدايا انطلقت من خلال أكاديميتها في بناء القدرات والتنسيق مع جميع الجهات، وقال: يوجد 24 جامعة سعودية تقدم 33 برنامجًا في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي وبعضها فرضت إلزامًا على جميع التخصصات في مرحلة البكالوريوس والماجستير دراسة مقرّر واحد على الأقل للذكاء الاصطناعي.
ولفت النظر إلى أن سدايا بالشراكة مع أكاديمية طويق نظمت معسكرات مكثفة وأٌقامت الأكاديمية حتى الآن 500 معسكر استفاد منها أكثر من 15 ألف طالب وطالبة، ويدرس فيها حاليًا أكثر من ألف طالب وطالبة يوميًا، وتخرّج أسبوعيًا ما معدله أكثر من 100 مستفيد لسوق العمل، كما أقامت سدايا معسكرات تدريبية في البيانات والذكاء الاصطناعي: مثل النماذج اللغوية الكبيرة وتدرّب أكثر من 2000 شخص.
وأفاد أن سدايا نظمت الصيف الماضي مع جامعتي «كاوست» و«أكسفورد البريطانية» معسكرًا لتدريب 124 طالبًا في الجامعتين، كما تم إطلاق المبادرة العالمية «إيليفيت» بالتعاون مع قوقل كلاود لتدريب 25000 امرأة خلال الخمس سنوات القادمة في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وجرى الانتهاء من تدريب ألف امرأة من أكثر من 28 دولة، كما تم إطلاق برنامج مبرمجي ذكاء المستقبل عبر تدريب أكثر من1000 معلم ومعلمة لتدريب أكثر من 30 ألف طالب وطالبة، وأطلقت مبادرة لتدريب القيادات الحكومية في الذكاء الاصطناعي عبر تدريب 200 قائد حكومي على الحوكمة السحابية.
ونوه إلى أن المعسكرات التدريبية التي تنظمها سدايا ليست تقليدية في نهجها بل تُقدم بطريقة مبتكرة وبأحدث أساليب التعليم والتدريب على يدي مهندسين متخصصين بحيث يكون يُقدم كل مسار على مستوى عالمي بعدها يستطيع الخرّيج مزاولة العمل مباشرة متمكنًا من أدائه الذي أكتسبه في المعسكرات، وحتى الآن تم تخريج 4 آلاف من أصل 20 ألف مختص وخبير في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي مرحلة الاستدامة، قال: أطلقت المملكة مبادرة إنشاء المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتم اعتماده من منظمة اليونسكو الشهر الماضي من الفئة الثانية، وفي العام القادم سوف نطلق بإذن الله مبادرات عديدة على مستوى العالم لتعميم تجربة المملكة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي والاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال، كما تعمل سدايا على إعداد دليل وطني لمهن البيانات والذكاء الاصطناعي لترسيم الوظائف الناشئة المتسارعة غير التقليدية وبناء مسار مهني للشخص بحيث يستمر في مجاله الاحترافي التقني حتى بعد سن التقاعد ولا يحتاج إلى التحول إلى مسار إداري لزيادة دخله.
وأفاد بأن سدايا في إطار جهودها التوعوية والمعرفية قدّمت مسرّعات الأعمال لتشجيع الشركات الناشئة على مستوى العالم وقدمت خدماتها لنحو30 شركة حتى الآن وتستهدف 100 شركة في نهاية 2024، مؤكدَا أن هذه المسرعات تعد فرصة لروّاد الأعمال لرفع مستوى شراكاتهم.