يشهد مسجد عثمان بن عفان التاريخي لأول مرة أعمال تنقيب للوقف على مرتكزاته التراثية عبر عهوده التاريخية المختلفة؛ بجهود فريق إدارة العناية بالآثار في برنامج جدة التاريخية، الذي يضم علماء آثار وخبراء دوليين ومحليين في مجالات البحث والتنقيب ودراسة التاريخ.
وكشف برنامج «المشروع» الذي يقدمه الإعلامي عبدالله الأسمري على شاشة قناة السعودية أنه تم وضع الإجراءات الخاصة بأعمال التطوير بحيث لا تؤثر على أعمال التنقيب في المنطقة، إذ إن كافة أعمال مشروع التنقيب عن آثار جدة التاريخية يشرف عليه برنامج جدة التاريخية.
وتابع برنامج «المشروع» أعمال البحث والتنقيب في موقع مسجد عثمان بن عفان، وما يمثله هذا الموقع كـ «كتاب ثلاثي الأبعاد لتاريخ جدة الإسلامي» يحكي العصور الإسلامية المختلفة من الأموي والعباسي وعهود الخلفاء الراشدين، وأن قد يصل فريق التنقيب إلى العصر الجاهلي باكتشاف عشرات الآلاف من القطع والبقايا الأثرية التي لا تقدر بثمن أهمها خشب الابنوس الذي تم إرسال عينات منه إلى مختبر متخصص في المانيا الذي أكد أن عمر هذا الخشب يعود إلى أكثر من 1400 عام.
وأكد المستشار التنفيذي ببرنامج جدة التاريخية المهندس سامي نوار، البدء في تطوير المواقع والتنقيب عن الآثار، وقد انطلق الفريق بتحديد عدد من المواقع للعمل فيها كمرحلة أولى، وهي إلى جانب مسجد عثمان بن عفان قلعة الشونة وموقع الكدوة، وموقع السور الشمالي للمنطقة التاريخية، بالتنسيق مع هيئة التراث وإحدى الشركات العالمية المتخصصة.
ونوه بالاهتمام بالمنطقة التاريخية في جدة انطلاقاً من القيمة التاريخية لهذا المكان الذي هو أساس كل أعمال التطوير. مشيراً إلى ما وصلت له الأعمال في التنقيب عن موقع السور التاريخي لجدة والبوابات، الذي يُعد ذا أهمية تاريخية بالغة، إذ يمثل أهم خطوط الدفاع عن جدة ضد أي هجمات عسكرية من البرتغاليين، والذي بناه حسين كردي أحد أمراء المماليك في العام 1509م، كسور محصن بقلاع وأبراج مزودة بالمدافع وأحاط السور بخندق زيادة في التحصين.
وبين أن جدة قد صمدت في ذلك الوقت وردت الغزاة ومعها صمد السور لعقود طويلة حتى العام 1947م، حين خرجت جدة من حدود سورها وأزيل السور. مضيقاً أنه مع اهتمام برنامج جدة التاريخية بالتنقيب عن كنوز هذه المدينة تم الكشف عن موقع السور التاريخي وجارٍ العمل على دراسة ما عثر عليه حول السور.
وذكر المهندس نوار أنه تم الوصول بحمد الله إلى أساسات البوابة الشمالية (باب المدينة) الذي دخل منه الملك المؤسس جدة، وتم الكشف عن عدد كبير من الاكتشافات الأثرية في الموقع وجارٍ العمل على تحديد موقع السور من كل الاتجاهات.
وقال: إن العمل جارٍ على إزالة كل المباني المستحدثة الملاصقة لقلعة الشونة وقد تم الانتهاء من الواجهة الغربية للقلعة لتكون موقعاً سياحياً مهماً، وسيتم تهيئته لاستقبال السياح وكل زوار جدة التاريخية.
وأفاد بدوره مدير مشروع أول بإدارة العناية بالآثار ببرنامج جدة التاريخية اوتو باجي أن لجدة تاريخاً عريقاً ومهماً خصوصاً أنها مدينة إسلامية بفضل ما تمتلكه من مواقع مهمة تاريخياً مثل: مسجد عثمان بن عفان، إذ ذكر أنه يتم حالياً التعرف على كثير من التاريخ الإسلامي عبر مساجد في مصر أو العراق أو تركيا في حين أن الأرض التي خرج منها الإسلام لكل العالم تمثل أهمية بالغة في رواية قصة هذا الدين.
وأردف يقول: إن مسجد عثمان بن عفان يمكن أن يكون من أهم المساجد التي قد تكشف لنا الكثير من التفاصيل التاريخية، إذ إن العمل مستمر منذ حوالى ثلاث سنوات ونصف، وقد وصلنا إلى أدلة أثرية تثبت أهمية المسجد تاريخياً، ويمثل هذا المسجد الأول من نوعه الذي يتم التنقيب فيه.
من جانبها أوردت مدير إدارة العناية بالآثار ببرنامج جدة التاريخية الدكتورة لورنس هابيوت أن جدة مدينة مهمة تاريخياً، وتعرف من خلال المصادر التاريخية فقط مثل الكتب وروايات المسافرين والوثائق، وتفتقد لأي دليل أثري علمي يوثق ويؤرخ لتاريخها، لكن جهود المسؤولين اليوم تعطي الكثير من الأدلة المادية لجدة، هذه المدينة التي اختارها الخليفة عثمان بن عفان في عام 647م لتكون ميناء لمكة، فاكتسبت منذ ذلك التاريخ أهمية كبيرة لاستقبالها الحجاج والتجار، لكن كان السؤال دائماً كيف وأين عاشوا؟ وكيف كانت مظاهر الحياة في ذلك الوقت؟ وأي نوع من السفن والأدوات كانوا يستخدمون؟ الكثير من الأسئلة التي لم تكن لها إجابات، لكن مع أعمال التنقيب والبحث والدراسة ستكشف بالتأكيد إجابات لكل هذه التساؤلات.