أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يتوسط بشارة وعقيلته في منزلهما.
أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يتوسط بشارة وعقيلته في منزلهما.




النوخذة عيسى يعقوب بشارة
النوخذة عيسى يعقوب بشارة




صورتان لبشارة في سنوات دراسته الجامعية ثم أثناء عمله الأكاديمي.
صورتان لبشارة في سنوات دراسته الجامعية ثم أثناء عمله الأكاديمي.




د. أحمد عيسى بشارة.
د. أحمد عيسى بشارة.
-A +A
بقلم: د. عبدالله المدني
إنه رجل من رجالات الكويت والخليج الأبرار، وإحدى قاماتها الأكاديمية المعروفة، ممن وهب حياته لتخصصه العلمي وتخريج الأجيال الجديدة المتخصصة في علوم العصر، دون أن يترك قدميه تغوص بعيدا في أوحال السياسة القذرة، مثلما فعل الكثيرون من أقرانه الخليجيين، فضاعوا وأضاعوا. كان صاحبنا إنْ حاصرته الهموم الوطنية المتقاطعة مع القضايا السياسية والاقتصادية لا يجبن أمامها فيستل من مخزونه الثقافي العام ومما علّمته الحياة من تجارب ما يعينه على الدلو بدلوه كمواطن حر حريص على مستقبل بلده الكويت. غير أن اقترابه من عوالم السياسية الشائكة الطافحة بالعداوات والخصومات والجدل العقيم كان مثل اقتراب الطبيب الذي يحاول علاج الداء بأدوات العلم والعقل والمنطق، من خلال مؤلفات ودراسات ومقالات صحفية رصينة وليس من خلال الشعارات الرنانة والنظريات الطوباوية والاستغراق في الجدل الأجوف وغير ذلك من الوسائل التي لئن نجحت في خلق رموز تتصدر المشهد الإعلامي ويطرب السذج والرعاع لأحاديثها ووعودها، فإنها لم تحقق إنجازاً يتيماً يشفع لها، كيلا نقول إنها أفسدت أكثر مما أصلحت، وأوسعت الشرخ أكثر مما رتقت.

نشرت صحيفة القبس الكويتية في الذكرى الأولى لرحيله في السادس عشر من يناير 2017 نصاً بقلم زوجته الوفية استشارية أمراض القلب الكويتية المعروفة الدكتورة فريدة الحبيب، هذا النص وحده يغني عن ألف مقال في ذكراه. كتبت الدكتورة الحبيب: «إن قطرات المداد التي رصع بها أحمد بشارة بياض صحائفه كانت من قطرات الحياة التي أراقها في خدمة الوطن والعلم، ولقد لقحها بمداد الحب والتفاني، فاحتوى الجميع بحبه واهتمامه، وخلال رحلته البالغة الثراء والعمل لم يغفل أحمد أبداً عن أبنائه الخمسة، ولم ينشغل عن أصدقائه، ولم يغفل قط عن عائلته، وقد أحبنا جميعاً حباً جماً. لم يكن أحمد بشارة يحب القمار! ولم يضع رأسه على مائدة اللعب السياسي، ليكسب أو ليخسر، أو يواجه النحس أو الحظ السعيد، لأنه كان يفكر، فيقرأ، فيقتنع، فيكتب، فيعمل ولم يثنه شيء حتى آخر لحظات حياته، فلم يجادل في أي موقع خوفاً، ولكنه كان لا يخشى الجدل، ولم ينحدر عقله للترهيب، ولم يرتجف وجدانه من الإرهاب، فمعلوماته راسخة مدروسة». واختتمت الدكتورة فوزية النص بجملة تعكس شحنة الحب والوفاء التي تختزنها في فؤادها لرفيق عمرها فكتبت: «رحل عني وتركني بملابسي السوداء تعبيرا عن فداحة فقداني لمرفأ رست عنده أحلى السنوات. أناديك وأقبّل يدك البيضاء التي أسديتها إليّ وإلى الكويت».


نعم، هكذا كان الصديق الدكتور أحمد بشارة، منذ أنْ التقيت به أول مرة في المنامة في أول اجتماع لمنتدى التنمية الخليجي يعقد في البحرين بُعيد إطلاق المشروع الإصلاحي للملك. وقتها كان الرجل سعيدا أيما سعادة بما تحقق في البحرين من خطوات إصلاحية، وكان يصفه بالتجربة المثيرة التي ستعم المنطقة الخليجية بأسرها مردداً عبارة فيها الكثير من التواضع والاعتراف بفضل الآخر.. «في الكويت نقول إحنا الأول في كذا وكذا، لكن الحقيقة أنكم أنتم أيها البحرينيون كنتم وما زلتم السباقين والمعلمين».

بعد هذا اللقاء تكررت لقاءاتنا في البحرين والإمارات على هامش فعاليات فكرية وإعلامية عدة، أتوقف عند إحداها لأنها جسدت واقعيته وبعد نظره. فقبل عدة سنوات نظمت جريدة الاتحاد في أبوظبي ندوة حول برامج إيران النووية المثيرة للجدل ومخاطرها على دول الخليج العربية، وكان لي شرف تقديم الورقة الرئيسية التي نالت استحسان وإشادة الدكتور بشارة، وهو العالم المتخصص أكاديمياً في الطاقة والمفاعلات، فيما حمل مشاركون آخرون من عرب الشمال (ومعهم بعض الخليجيين من أصحاب الفكر العبثي) لواء الرفض والنقد الجارح من منطلق أن برنامج إيران النووي هو «ذخر وسند للأمتين العربية والإسلامية في صراعهما ضد الصهيونية والإمبريالية».. هكذا!

ابن تجار الأبوام الشراعية

في التاسع عشر من يناير 1945، وتحديدا في منطقة شرق من العاصمة الكويت، أبصر أحمد يعقوب عيسى معيوف حسين بشارة النور في أسرة معروفة اشتهر رجالاتها بامتلاك الأبوام الشراعية وركوب البحر وقيادة المغامرات التجارية باتجاه سواحل الهند وأفريقيا. فجده الأكبر «معيوف بن حسين بشارة» كان ربانا على البوم المشهور «سهيل» أثناء الحرب العالمية الأولى. وجده المباشر «يعقوب بشارة» وكذا عمه «أحمد بشارة» كانا من النواخذة المعروفين. أما والده «عيسى يعقوب بشارة» فقد ركب البحر منذ عام 1929، متنقلا ما بين أبوام كبار تجار الكويت في زمنه من أمثال أحمد الخرافي وعبدالله العثمان ويوسف المرزوق ومحمد الغانم ومحمد ثنيان الغانم، إلى أن اشترى بوما خاصا به من شركة ماء الكويت في الخمسينات فصار يسافر عليه ناقلا التمور والخيول العربية إلى الهند وجالباً من الأخيرة مختلف أنواع البضائع للسوق المحلية. وواصل عمله هذا حتى توقف في عام 1958، ليتجه إلى تجارة الأخشاب من خلال محل افتتحه عام 1959 بالقرب من قصر السيف.

الشهادات الـ3 دفعة واحدة

من جهة أخرى، عُرف عن عائلة بشارة حبها للعلم والتزود بالمعارف. فوالد صاحبنا «النوخذة عيسى يعقوب بشارة» المولود بفريج غنيم عام 1919، درس قبل أن يركب البحر في أشهر مدارس الكويت في زمنه مثل مدرسة الملا عبدالعزيز قاسم حماده (قاضي الكويت الأسبق) والمدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية. كما أنه تعلم اللغة الإنجليزية مساء عند المعلم «إسرائيل» في بيت الربان، وواصل تعلمها في مدرسة الملا ميرزا ببراحة مبارك. إلى ذلك اعتمد الرجل على نفسه في تعلم الطباعة على الآلة الكاتبة باللغة الإنجليزية من خلال «كاتلوغ»، وذلك أثناء فترات فراغه على ظهر السفن الشراعية. كما تعلم الملاحة البحرية وفنونها ومقاييسها ومواقع النجوم وما شابهها من خلال أسفاره واحتكاكه بالآخرين.

وعلى نهج والده وأجداده ركب أحمد بشارة البحر أيضا، لكن بحاره كانت مختلفة وكذا وجهته وأهدافه. فمن بعد أن أنهى مراحل تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي بنجاح وتفوق شهد له الجميع، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإتمام تحصيله الجامعي. وهناك لم يكتف بشهادة واحدة كما يفعل معظم المبتعثين، وإنما أصر على ألا يعود إلى وطنه إلا وقد أنجز الشهادات الثلاث دفعة واحدة،. وهذا ما حدث فعلا. فبعد أن تخرج في عام 1970 من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك حاملا درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية، واصل دراسته في الجامعة نفسها حتى نال في عام 1972 درجة الماجستير في ذات التخصص، ليرحل بعدها إلى مدينة آن آربر Ann Arbor حيث التحق فيها بجامعة ميتشيغان التي منحته درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية في عام 1978.

مهندس الكيمياء

وبعد رحلته العلمية هذه عاد إلى وطنه، فعمل منذ سنة 1978 أستاذاً في كلية الهندسة والبترول بجامعة الكويت، مختصاً بهندسة التفاعلات، وتصميم المفاعلات الكيميائية، وكيمياء تفاعلات المواد البلاستيكية، وعلوم المواد الحفازة في الصناعة الكيميائية والبترولية، والتفاعلات بالطاقة الشمسية، وكذلك الدراسات الاقتصادية الهندسية وتحليلاتها المالية. وبينما هو على رأس عمله الأكاديمي، خصص جزءاً من وقته لإعداد الدراسات والأبحاث والتقارير في المجالات المذكورة وفي سياسات العلوم والتكنولوجيا واستخدام الحاسوب في التعليم، فأنجز أكثر من 180 بحثاً متنوعاً، واستقطع جزءاً آخر من وقته لتأليف الكتب في مجال تخصصه، فنشر خمسة مؤلفات علمية عالمية في مجالات الهندسة والطاقة (كتاب باللغة العربية و4 باللغة الإنجليزية).

النوخذة

من المناصب التي شغلها بشارة، منصب مساعد عميد كلية الهندسة والبترول ما بين عامي 1981 و1982، مسؤولا عن الشؤون العلمية والتخطيط في الكلية. وفي عام 1982 انتدب من جامعة الكويت إلى معهد الكويت للأبحاث العلمية ليتقلد فيه منصب نائب المدير العام للأبحاث. وظل يعمل في هذه الوظيفة حتى عام 1985، مشرفاً على عدة برامج بحثية وتطويرية في مجال البترول، ومطور علاقات المعهد الخارجية مع أقطار الخليج العربي وألمانيا، والولايات المتحدة. وفي الفترة ما بين عامي 1985 و1989 تولى منصب مساعد مدير جامعة الكويت للشؤون العلمية، فكان بحكم هذا المنصب مسؤولاً عن تطوير سياسات الجامعة وبرامجها وعلاقاتها العلمية مع دول العالم، وقام بمجموعة من الدراسات التعليمية والتطويرية شملت سياسات القبول والترقي، وتعيين الأساتذة، والنشر العلمي، والأداء الأكاديمي، والتخطيط الأكاديمي، والمشاريع التنظيمية والإنشائية.

وخلال الفترة من 2009 إلى 2011 شغل صاحبنا منصب الأمين العام للجنة الوطنية لاستخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأشرف -بالتعاون مع زملائه المختصين- على التجهيز لبرنامج الكويت لاستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية عبر التقارير والدراسات الفنية المختصة. كما كانت له أنشطة مهنية أخرى مثل مشاركته في عضوية المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية منذ أكتوبر 2008 وترؤسه لجنة التنمية البشرية والمجتمعية في المجلس.

وهكذا حق له أن يُسمى بـ«النوخذة» -على حد وصف صديق عمره الدكتور خالد أحمد الطراح- ليس امتداداً لتاريخ أسرته الكريمة فقط، إنما بسبب ما تميّز به لجهة دقة ومتعة التنظيم والإدارة المهنية الحكيمة في كل المواقع التي تبوّأها.

على أن العلم والتخصص الأكاديمي الذي اختاره بشارة لم يقيد مساره ولم يحد من نشاطه في مجالات أخرى. وحول هذا قال عنه وزير الدولة الكويتي السابق للشؤون الخارجية سليمان ماجد الشاهين ما مفاده بأن إيمانه العميق بضرورة اكتساب العلوم والمعارف كمنطلق لتغيير الواقع المحلي والعربي نحو الأفضل وتمسكه بمبدأ الحداثة والتجديد كجسر للارتقاء بالفرد والمجتمع، وطبيعته المتحفزة لاستحضار تجارب الدول المتقدمة والغرف منها دفعته لمواجهة قضايا أخرى عديدة بنفس الحماس الأكاديمي. وهكذا لم يكتفِ الرجل بما كان يقدمه في محاضراته ودروسه، وإنما خاض المعارك الأدبية والفكرية من خلال المقالات الصحفية الهادفة والرصينة والندوات التوعوية دون أن يستكين، ودون أن يتراجع في مواجهة تشنجات المتطرفين وأقلامهم المسمومة التي راحت تنهش لحمه وتثير البغضاء ضده فيما هو متمسك بمبدأ احترام الرأي الآخر وحريته في التعبير، نابذاً التعصب والفكر الإقصائي والتوجه الشمولي.

وأثناء انتدابه للعمل في مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تولى بشارة مسؤولية إصدار مجلة «العلوم» الصادرة عن المؤسسة، وهي الترجمة العربية لمجلة «العلوم» الأمريكية، وشغل موقع نائب رئيس تحريرها في الفترة من 1985 إلى 1989. كما عمل لعدة سنوات مستشاراً لمجلة «آفاق علمية» الصادرة عن مؤسسة شومان في الأردن. ومن المجلات التي عمل في تحريرها مجلة «دراسات الخليج والجزيرة العربية» الصادرة عن جامعة الكويت وذلك في الفترة ما بين عامي 1978 و1986، ومجلة «الدراسات الفلسطينية الإنجليزية» الصادرة عن مركز الدراسات الفلسطينية بواشنطن خلال السنوات من 1986 إلى 1989. إلى ذلك أصدر وترأس مجلة «ألبوم ALBUM» باللغة الإنجليزية، لعدة سنوات، قبل توقفها.

وحينما تأسس التجمع الوطني الديموقراطي في الكويت في مايو 1997 ككيان سياسي بغرض المساهمة في الحياة السياسية من خلال الترويج لفكر التنوير والحداثة وتقديم الأطروحات الجديدة المنفتحة، لم يكتف الرجل بشغل منصب الأمين العام للتجمع، وإنما استثمر أيضا خبراته المتراكمة في ترؤس تحرير المجلة الناطقة باسم التجمع وهي مجلة «كويت المستقبل» في الفترة ما بين 1998 و2005. ومن أنشطته ومساهماته الأخرى عضويته في مجالس إدارات عدد من الهيئات والمؤسسات مثل: الهيئة العامة للإسكان، المجلس الأعلى للمرور، الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، كلية الشرطة، اللجنة الوطنية لإدخال الكمبيوتر في التعليم العام، جمعية الحاسوب الكويتية.

كما شارك وترأس العديد من المؤتمرات العلمية المحلية والإقليمية والدولية، ومنها منظمة دراسات الطاقة الشمسية العالمية، ومقرها كندا، وكان أيضا عضواً في المنظمة الإسلامية العالمية للعلوم والتكنولوجيا، إضافة إلى رئاسة المجلس الاستشاري للتعاون العلمي بين الكويت وشركة (IBM) العالمية (1982ـ 1986).

وعمل مستشاراً لعدد من وزراء التربية والتعليم العالي ما بين عامي (1999ـ 2007)، وأشرف على تأسيس الجامعة العربية المفتوحة، وإنشاء معهد الكويت للإدارة والتكنولوجيا، وهو بمنزلة جامعة متخصصة في العلوم والهندسة والإدارة بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، ونال عضوية المجلس الاستشاري العالمي لمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك المهتم بتطوير العلاقات العربية الأمريكية. وأدار مكتباً استشارياً وطنياً (الدار العربية للاستشارات) منذ تأسيسه عام 1989 مع مجموعة مرموقة من المختصين الأكاديميين الكويتيين، وساهم في أكثر من 200 من الدراسات والأبحاث الصادرة عن المكتب في المواضيع الفنية والإدارية والعلمية والتعليمية واستشارات الكمبيوتر المختلفة، وأشرف على مئات البرامج التدريبية للمكتب، داخل الكويت وخارجها، كما ترأس مجلس إدارة الشركة المباركية للدواجن والبيض والعلف ما بين عامي 1990 و1997، وترأس مجلس إدارة شركة المركز الطبي الكويتي القابضة (شركة مساهمة تابعة لشركة الصفاة للاستثمار).

«مختارات أحمد بشارة».. مصدر إلهام للمعرفة

في وسط هذا الكم الكبير من المشاغل والمسؤوليات والأعباء الأكاديمية والإدارية والاجتماعية، كان بشارة يقتص سويعات من وقته لمزاولة النشاط الثقافي من خلال الكتابة للصحافة اليومية، ولا سيما صحيفة القبس وصحيفة أراب تايمز الكويتية الناطقة بالإنجليزية. وقد أحسنت قرينته الدكتورة فريدة الحبيب صنعا حينما جمعت أكثر من 350 مقالا من مقالاته المنشورة في «القبس»، ووضعتها بين دفتي كتاب من أربعة أجزاء تحت عنوان «مختارات أحمد بشارة». والمتمعن في محتويات الكتاب، الذي أضيفت إليها شهادات دوّنها أشخاص ارتبطوا بالراحل بعلاقة عمل أو زمالة أو دراسة أو جيرة، يجد أن الراحل قد كتب في السياسة والفكر والاقتصاد والطاقة والفلسفة والحياة والكون، إضافة إلى الفيزياء والعلوم الأخرى، حيث لم يترك مجالا إلا وغرس فيه نبتة ينتفع بها أبناء مجتمعه والبشرية جمعاء. وكان في كل ما كتب يضع نصب عينه الحيادية والشفافية والوضوح دون أن يخشى لومة لائم في قول كلمة الحق. كما أحسنت الدكتورة الحبيب صُنعاً مرة أخرى حينما جمعت أوراق زوجها المبعثرة، أو ما كان مخطوطة كتاب كان الراحل ينوي إصداره، ونشرته تحت عنوان «الإنسان والكون»، مع تقديم كتبه الأستاذ الدكتور عدنان شهاب الدين مدير عام مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الذي قال إن الكتاب «يفتح آفاق النقاش والتساؤل حول موضوع الإنسان في هذا الكون وعلاقته به، وتطور مفهومه لقوى الطبيعة وسننها من فكر يتّسم بالخوف والوجل يفرض عليه وضع تفسيرات ميتافيزيقية بحتة، وصولاً إلى عصر ارتياد الفضاء واستكشافه». ونقرأ في المقدمة التي كتبتها الدكتورة الحبيب النص التالي: «بعد رحيل أحمد وجدت نفسي أسبح في دموعي فإذا بي أشاهد جزراً من العلم والمعرفة في أوراقه التي تناثرت حولي في شتى أرجاء المنزل. شعرت بأنها أوراق أصابها زلزال فسقطت الحروف منها هنا وهناك؛ فقررت جمع شتاتها وصف حروفها على جهازي الشخصي، وتنازعتني شتى العواصف والعواطف وصواعق البرق، لاكتشف أنها حافظت على نسقها وتسلسلها، وقد كتبها بخط جميل ليتسنى للذهن العربي البحث عما نشره الغرب حول الفضاء والزمن». أما الذين استعرضوا محتويات الكتاب في الصحافة فقد أجمعوا على أنه عمل مهم وجهد علمي رصين ومصدر إلهام للمعرفة والبحث والاستشراف والتساؤل وإعمال العقل، ومحاولة جادة من مؤلفه لتبسيط فهم الكون، مضيفين أن الراحل أثرى عمله بما رسمه من أشكال توضيحية لبعض النظريات الفلكية، وأنه برحيله فقدت الكويت ومنطقة الخليج عالماً جليلاً وقيمة فكرية أجهدت نفسها كثيراً من أجل المعرفة وتحسين واقع الإنسان والحياة.