-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
كما يخرج الطفل بكامل براءته من بطن أمه سليماً من كل إثم وخطيئة تتمثل صورة الحاج المتمم حجه وهو يفيض من حيث أفاض الناس مستلهماً قول الحق سبحانه عشية يوم عرفة (انصرفوا مغفوراً لكم) وقول النبي عليه السلام «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». ويختتم الحاج شعيرة الحج حاملاً بيده شهادة تزكيته وتقواه «ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» فتسمو روحه وتعلو أخلاقه وترتقي به جوارحه إلى المرتبة العالية والمنزلة السامية التي يضاهي بها الملائكة بروحه الطاهرة وقلبه السليم وخلقه الكريم، وإذا كان ضيوف الرحمن يختتمون فريضتهم بأجساد خفيفة وقلوب نقية فإن ذاكرة مؤدي الركن الخامس تظل عامرة بما نقشته المشاعر من رسوم وما طبعته المواقع من وسوم ومعالم لا تمحى إلى يوم الدين.

ويستمر الحاج على هيئته في الشكل واللباس حتى يبلغ المواقيت المكانية. لتبدأ أول مظاهر التحول في الشكل والمضمون من خلع المخيط وارتداء الإزار والرداء للرجال وإحرام المرأة في لباسها. ويتجنب الرجال تغطية رؤوسهم وتكف النساء عن تغطية الوجه ويتجنبون الطيب والأخذ من الشعر والظفر بمجرد التلبية بالحج. وميقات أهل المدينة ومن يمر عليها (ذو الحليفة) وهو موضع بينه وبين مكة ‏450 كيلو متراً، ويعرف بـأبيار علي، وميقات أهل الشام ومن في طريقهم (الجحفة) وهي في الشمال الغربي من مكة، بينه وبينها ‏187 كيلو متراً، وهي قريبة من محافظة رابغ بينها وبين مكة ‏204 كيلو مترات.‏ وأصبحت ميقات أهل مصر أيضاً ومن يمر عليها بعد ذهاب معالم الجحفة.‏ وميقات أهل نجد (قرن المنازل) في وادي السيل الكبير ويحاذيه (وادي محرم) قبل بلوغ قمة جبل الهدا المطل على عرفات، بينه وبين مكة ‏94 كيلو متراً.‏ وميقات أهل اليمن (يلملم) وهو جبل جنوبي مكة بينه وبينها ‏54 كيلو متراً.‏ وميقات أهل العراق (ذات عرق) وهي موضع في الشمال الشرقي لمكة بينه وبينها ‏94 كيلو متراً.‏


المغضوب

عليهم والطير الأبابيل

يحتل وادي محسر مكانة تاريخية بين أودية مكة المكرمة، ويحتل مساحة بين مشعرَيْ منى ومزدلفة، ويبلغ طوله كيلومترَيْن، ويبلغ عرضه عشرين متراً، ويطلق عليه أهل مكة وادي النار ووادي المغضوب عليهم، وتذكر كتب السير أنه لما وصل أبرهة بجيشه الفيلي بطن وادي النار حسر الفيل الكبير وتراجعت الفيلة من خلفه فأنزل الله عقابه وعذابه على الملك الحبشي بجيش الطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة نارية كانت تخترق جسد أحدهم من رأسه وتخرج من دبره فدب الرعب والهلع وانكسر الجيش. ويُسن للحاج الإسراع عند المرور بالوادي كما دعا النبي عليه السلام أصحابه للهرولة شأن توجيهاته في المواقع التي نزل بها بلاء.

رحمة عرفات

تلقى آدم من ربه كلمات

صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل الرحمة وألقى منه خطبة يوم عرفة، وتعددت الروايات عن جبل الرحمة وسبب تسميته، وترجح بعضها أنه الجبل الذي تلقى عنده آدم من ربه كلمات فتاب عليه، ويطلق عليه «جبل إلال. جبل التوبة. جبل الدُعاء. جبل النابت. جبل القرين». ويتكون جبل الرحمة من أكمة صغيرة مستوية السطح وواسعة المساحة، مشكلة من حجارة صلدة ذات لون أسود كبير الحجم، ويقع إلى الناحية الشرقية من جبل عرفات بطولٍ يبلغ 300 متر، ومحيطه 640 متراً، وترتفع قاعدة الجبل عن الأرض المحيطة به بمقدار 65 متراً، ويوجد على قمة الجبل شاخصٌ يبلغ ارتفاعه 7 أمتار.

هدايا

من الماء الشفاء

يطيب قلب الحاج باختتام مناسكه بالتضلع من ماء زمزم، بل والتزود منه بحمل عدد من القنينات هدايا لأهله وذويه في بلده، والتضلع من ماء زمزم وردت به السنة النبوية، يعني شدة الارتواء منه، بأن يشرب ويكثر من الشرب منه حتى يمتلئ جوف الشارب ويصل إلى أضلاعه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن في ماء زمزم شفاء، ولا يعني ذلك بحال أنه شفاء لكل مرض أو داء، بل يكون شفاء لبعض الأمراض، ولذلك فإن على المسلم أن يشرب من ماء زمزم على نية الشفاء من أي مرض فيه، جاء في الأثر (زمزم لما شرب له).

«اقرأ» تضيء

غار حراء وتخلد النور

يحرص الحجاج على الصعود إلى غار حراء في جبل النور برغم وعورة الطريق، أملاً في التعرف على أول بقعة نزل الوحي فيها على النبي عليه السلام ونقله جبريل عليه السلام من السماء بأعذب وأرقى كلمة (اقرأ) وبها انبثقت بشرى النبوة وانطلقت خاتمة الرسالات إلى الثقلين الإنس والجن. وجبل حراء، فريد الشكل والتكوين، وفي قمته ما يوحي برسمة صقر مجنح. يشرف جبل النور على أباطح مكة، ويبعد عن المسجد الحرام نحو عشرة كلم، وهو متميز بتشكيله الصخري الذي لا تخطئه أعين القاصدين، خصوصاً المتجهين إلى مدينة الطائف عبر طريق السيل الكبير، وصفه مسلم بن خالد بأنه «جبل مبارك قد كان يؤتى». وللجبل فضائل أوردتها كتب التاريخ على أنه أحد الجبال الخمسة، التي بنى بأحجارها أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام الكعبة، وأورد أبوالوليد الأزرقي في كتابه (أخبار مكة وما جاء فيها من آثار) عن سعيد عن قتادة في قوله عز وجل: «وإذ يرفع إبراهيم القواعد» قال: ذكر لنا أنه بناه من خمسة جبال: من طور سيناء، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحراء. وذكر لنا أن قواعده من جبل حراء، وأورد عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما تجلى الله عز وجل للجبل «طور سيناء» تشظى فطارت لطلعته ثلاثة أجبل فوقعت بمكة، وثلاثة أجبل فوقعت في المدينة، فوقع بمكة حراء وثبير وثور، ووقع بالمدينة أحد، وورقان، ورضوى.

جبل ثور..

لا تحزن إن الله معنا

لا يهدأ بال بعض الحجاج حتى يقتفوا أثر الرسول الكريم عليه السلام، خصوصاً في المواقع غير الملتبسة والعصية على عوامل التعرية؛ ومنها غار ثور الواقع في جبل ثور بحي الهجرة، باعتباره الغار الذي آوى إليه النبي الكريم مع صاحبه (أبي بكر) في طريق هجرتهما إلى المدينة المنورة، إثر تعقب كفار قريش لهما للنيل منهما، وقيل أن النبي عليه السلام مكث في غار ثور ثلاث ليال لرسم مسار الهجرة، وكفار قريش يمشطون الموقع عن يمينهم ومن فوقهم بحثاً عنهما، وخلّد القرآن غار ثور «ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» ألهم الله العنكبوت فنسجت بيتاً على مدخل الغار فسدته، وأوحى للحمامة فبنت عشاً في فوهة الغار، فحكم العقل باستحالة دخول أي كائن لداخل الغار. ويتكون غار ثور من صخرة كبيرة الحجم متكئة على صخور صغيرة لها فتحتان من جهة الغرب وأخرى من جهة الشرق، ولها تجويف داخلي يصل ارتفاعه إلى متر وربع، ويقع غار ثور على بعد نحو 4 كيلو مترات عن مكة المكرمة في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام، وارتفاعه نحو 748م من سطح البحر، ويقطع زوار غار ثور مسيرة ساعة إلى ساعتين ونصف الساعة على الأقدام للوصول إلى قمة الجبل التي تتجاوز الـ700 متر.

مسجد الخيف

صلى به 70 نبياً

يعتبر مسجد الخيف في منى، من معالم المشاعر الخالدة في مكة المكرمة، ويحظى باهتمام الحجاج الذين يحرصون على قضاء يوم التروية فيه، ويؤدون فيه صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم يعودون إليه يوم العيد ويقضون به أيام التشريق. ويقرأون القرآن ويستلهمون وصايا النبي صلى الله عليه وسلم التي ألقاها على منبر الخيف في خطبة الوداع، وتؤكد كتب المرويات أن 70 نبياً صلوا في مسجد الخيف فعرف بمسجد الأنبياء، ويلقى المسجد عناية واهتماماً كبيرين، إذ تمت توسعته وإعادة بنائه عام 1407 هـ، وشيدت له أربع منائر، وبداخله 410 وحدات تكييف،

و1100 مروحة، ويليه مجمع دورات المياه وله أكثر من ألف دورة مياه وثلاثة آلاف صنبور للوضوء، وبلغت طاقته الاستيعابية أكثر من 100 ألف مصلٍ داخل المسجد وخارجه. ويقع مسجد الخيف على سفح جبل منى، ويقرأ بفتح الخاء وسكون الياء، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل، ومكان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف عند الأحجار، التي بين يدي المنارة، التي تعتبر موضع مصلى النبي وكانت معروفة بالقبة التي في وسط المسجد، وهدمت عند تجديده. وعن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، أن خالد بن مضرس أخبره أنه رأى أشياخاً من الأنصار يتحرون مصلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمام المنارة قريباً منها.