محمد الحلفي
محمد الحلفي
-A +A
د. محمد الحلفي mAl7elfi@ باحث في التاريخ الحديث

ثلاثة قرون منذ الخطوة السعودية الأولى في بوابة الدولة، وما تبعها من تحولات كبرى شهدتها المملكة منذ تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود إلى يومنا، وما زالت الدرعية التي اتخذت منطلقاً لبناء الدولة في واجهة السعودية أهمية واهتماماً، تجاوزت أعاصير العصيان لتبقى هي التي كانت والتي نراها اليوم وغداً برونقها وبريقها، بشموخ مبانيها وخلود سيرة بانيها، لم تغب صورتها يوماً عن الذاكرة الجمعية للشعب السعودي، صورتها كمدينة مقاومة، تحتشد برجالها خلف قائدها لمواجهة الأخطار التي تتربص بها محاولة إعاقة مسيرة انطلاقها وتحولاتها، وصورتها كمجتمع نقي برجاله ونسائه تنظمه قيم المحبة والوفاء. تراها والجيوش الغازية تتساقط على حصونها وقد أصابتها بعض كلوم الدهر، لكنها تقف بكبريائها عصية على الانقياد لغير أهلها، محتفظة بالصدارة كاستحقاق مكتسب.

بالإرادة أصبحت الدرعية في الصدارة ماضياً وحاضراً، وبكثير من الحب استمرت، وغدت في مصاف المدن السياحية العالمية في ظل قيادة لا تعرف إلا المزج المدهش بين الماضي والحاضر لرسم صورة السعودية بمقوماتها الحضارية والجمالية والعادات الأصيلة والرؤى الإستراتيجية التي حلقت بالدرعية في سماوات الدهشة بين المدن الأثرية والسياحية العالمية.

قيادة انتشلت المجتمع السعودي من الهامش، وتدرجت به شيئاً فشيئاً متجاوزة الانكسارات لتضعه في متن الحياة العالمية، وبهم تنفست الدرعية وفاح مسك تجددها في الجزيرة، وأصبحت نموذج الفخر في صناعة التحولات، بعد أن جعل قادتها المستحيل ممكناً، وأحالوا السكون إلى حركة، وصهروا الشتات في معمل القادة لإخراج منتج مدني جديد متمسك بأصالته ودولته معاً، بل أصبحت الدولة عنده كل شيء بعد أن منحتهم كل شيء من الأمن والاستقرار والرخاء.

إن الدرعية لم تكن إلا بالإرادة وحسن الإدارة التي استطاعت التوأمة بين مضامين الماضي الذي نعتز به ومتطلبات المستقبل الذي نتطلع إليه، والمزج بين الإنسان والوطن لطرد المستحيل من قاموس السعودية، وما زالت الدرعية بشموخها شاهدة على صلابة إرادة الماضي ووفاء الحاضر، ولولا ذلك لأصبحت أثراً يروى. إنها خلاصة معنى الإرادة الحقيقية.

وها هي اليوم في صدارة اهتمام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتفتح بوابتها أمام العالم ليرى الصورة الحقيقية للمملكة وهي تشق طريقها إلى قلوب سياح العالم، والمنافسة العالمية.

إنها قصة نسجت أحداثها وأحاديثها من الإرادة والحب والوفاء والاعتزاز، وهي صورة الماضي بحضارته وبوابة المستقبل بعصريته.