الرجال الذين عاصروا مسيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وكانوا ملازمين له في مرحلة بدايات البناء والنهضة والتنمية بإمارة أبوظبي، ثم في مرحلة بناء الكيان الاتحادي كُثُر، وأحد هؤلاء الذين حفروا أسماءهم بأسطر من نور في تاريخ دولة الإمارات، ولا يزال ذكرهم خالداً إلى اليوم، هو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان رحمه الله. الرجل الذي أسس وأدار باقتدار على مدى أربعة عقود جهازاً من أكثر أجهزة الدولة حساسية وأهمية لجهة توفير الأمن والأمان اللذين لا تقوم أي نهضة أو تنمية دونهما، مستثمراً في ذلك شخصيته القيادية الملتزمة وما تعلمه في بيت والده الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان من خصال حسنة وأخلاق حميدة وصفات الإيثار والبذل والعطاء ونقاء القلب والسريرة ورجاحة العقل.
كل هذه الصفات التي تربى عليها منذ نعومة أظفاره، ثم ما راكمه من معارف بفضل حرصه منذ يفاعته على حضور مجالس الكبار والتعرف على تجاربهم وحكمهم وما واجهوه من تحديات في الزمن الصعب، جعلته الشخص المناسب والخيار الأفضل لدى سمو الشيخ زايد لتكليفه بعملية إرساء النظام والأمن في إمارة أبوظبي وترسيخ الأمان المجتمعي، وهي عملية أولاها الشيخ زايد عناية خاصة بمجرد توليه حكم الإمارة في سنة 1966. وهكذا، تم تعيين الرجل في 18 سبتمبر عام 1966، رئيساً لدائرة الشرطة والأمن العام ودائرة الجنسية والجوازات العامة، عطفاً على ما بذله خلال السنوات السابقة، زمن الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان رحمه الله، من جهود أمنية ساهمت في شيوع اسمه بين الناس كشخصية حكيمة وإداري كفء وصاحب رؤية وطموح وأخلاق كريمة.
ولد الشيخ مبارك في أبوظبي في العشرية الثانية من القرن العشرين ابناً ثانياً لوالده الشيخ محمد بن خليفة بن زايد الأول آل نهيان من زوجته الشيخة موزة ابنة تاجر اللؤلؤ الشهير أحمد بن خلف العتيبة، وتربى في كنفهما، وتعلم أسرار الحياة وتحدياتها من مجالس الكبار.
والده هو الشيخ محمد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان (1909 ــ 1979)، الذي ارتبط بعلاقة متينة بابن عمه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وزوّجه ابنته سمو الشيخة حصة (1929 ــ 2018) والدة رئيس الدولة الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكان من كبار رجالات آل نهيان ورمزاً من رموز الحل والعقد في زمنه.
في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1968 تمت ترقية الشيخ مبارك إلى رتبة لواء، بعد أن حقق نجاحات في عملية تأسيس النظام الشرطي في إمارة أبوظبي والارتقاء به من خلال الاستثمار في الكادر البشري والعمل على تدريب وتأهيل الشرطة عبر ابتعاث أفرادها إلى كليات الشرطة والأمن العربية واستقطاب الكفاءات الشرطية من بعض البلاد العربية الشقيقة، ناهيك عن حرصه على السهر على راحتهم والاستجابة لمطالبهم ورعاية شؤونهم. ولعل هذه النجاحات هي التي شجعت الشيخ زايد على اختياره ليكون أول شخصية إماراتية تتولى حقيبة الداخلية بعد قيام دولة الإمارات في ديسمبر 1971، خصوصاً أن الشيخ مبارك كان معروفاً بتوجهاته الوحدوية وكان من الداعمين لفكرة أن المستقبل يتطلب تكاتفاً وترابطاً قوياً بين الإمارات السبع لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وبناء دولة حديثة قوية راسخة، وهو ما تجلى بصورة واضحة في الأدوار البناءة التي لعبها في كافة الاجتماعات والمداولات التي جرت تمهيداً لقيام دولة الإمارات بين أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.
قيادة وزارة الداخلية الاتحادية
وانطلاقاً من نظرته الاستشرافية الوحدوية تلك، تولى قيادة وزارة الداخلية الاتحادية بحماس، وراح يركز في عمله وخطاباته على ترسيخ الفكر الوحدوي في الأجهزة الشرطية ووضع الخطط والسياسات الكفيلة بمواجهة تحديات التكامل والدمج والانضباط والالتزام في فترة قياسية، الأمر الذي أثمر عن توحيد قوات الشرطة في الإمارات لتصبح وزارة الداخلية الاتحادية صاحبة سلطة الإشراف الكامل على جميع الشؤون المتعلقة بالأمن والهجرة والإقامة، وأدى إلى إزالة الحواجز الحدودية بين الإمارات السبع.
استمر الشيخ مبارك ممسكاً بمسؤوليات وزارة الداخلية الاتحادية، متحملاً أعباءها، محققاً النجاح تلو التجاج منذ عام 1971 وحتى عام 1990، حينما خرج من التشكيل الوزاري الخامس برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله، فخلفه في حمل حقيبة الداخلية معالي حمودة بن علي.
وخلال عمله وزيراً للداخلية شارك الشيخ مبارك في كافة الاجتماعات العربية التنسيقية بين المؤسسات الشرطية، كما كان حاضراً ومساهماً في المؤتمرات الدولية ذات الصلة بقضايا الأمن والتعاون العالمي لمكافحة الجريمة. ولم يترك منصبه دون أن يعد ويؤهل لبلده الصفين الثاني والثالث من القيادات الشرطية الشابة، بل إنه، فوق ذلك، يُذكر له استحداثه لوحدة للشرطة النسائية في فبراير 1978، مع إنشاء مدرسة للشرطة النسائية في أبوظبي، اعترافاً منه بدور المرأة إلى جانب شقيقها الرجل في تحمل المسؤوليات الوطنية، وإيماناً منه بأن المهمات الشرطية تتطلب وجودها ضمن المنظومة الأمنية، وبالتالي ضرورة تأهيلها وتدريبها وتسليحها بالعلم والمعرفة.
إلى ما سبق، كانت للراحل اهتمامات خاصة بالرياضة ولاسيما رياضة كرة القدم الأكثر شعبية، وذلك من منطلق أهمية الرياضة في بناء القيادات الشابة ورفع اسم الوطن في المحافل الخليجية والعربية والعالمية. وقد تجلى ذلك في مساهمته بتأسيس أول «اتحاد لكرة القدم في الإمارات»، ووضع القاعدة التنظيمية له، فكان أن اُختير لشغل منصب أول رئيس للاتحاد في الفترة من عام 1971 وحتى 1973. وهي الفترة التي شهدت أولى مشاركات منتخب دولة الإمارات في بطولة كأس الخليج، وحصول الإمارات على عضوية الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم.
في الرابع والعشرين من فبراير عام 2010 انتقل الشيخ مبارك إلى الرفيق الأعلى، فأعلنت الدولة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام على ابن بار من أبنائها ورجل من رجالاتها المخلصين ممن نالوا محبة وتقدير الجميع. وقد تمت الصلاة عليه رحمه الله بمسجد الشيخ سلطان بن زايد في البطين.
إبان عمله وزيراً للداخلية حصل الشيخ مبارك على العديد من الأوسمة المحلية والعربية ومنها: وسام زايد الثاني، ووسام عيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ووسام قوة دفاع أبوظبي، ووسام الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام السلطان قابوس من سلطنة عمان، ووسام الجمهورية التونسية، ووسام الملك الحسن الثاني من المملكة المغربية، ووسام الاستحقاق من دولة قطر، وغيرها.
ويُذكر أن الفقيد اقترن بزوجة واحدة هي الشيخة عوشة بنت شخبوط بن سلطان آل نهيان، وله منها من الأبناء خمسة هم: الشيخ أحمد بن مبارك (توفي سنة 2003)، والشيخ نهيان بن مبارك (وزير التسامح والتعايش السلمي) والشيخ حمدان بن مبارك (وزير الاشغال العامة من عام 2004 إلى 2013 ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ما بين 2013 و2014) والشيخة فاخرة بنت مبارك والشيخ سعيد بن مبارك. أما أخواه الشقيقان فهما الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء سابقاً، والشيخ طحنون بن محمد آل نهيان وزير البلديات والزراعة الأسبق وممثل الحاكم في المنطقة الشرقية (العين).
نهيان بن مبارك.. وزير التسامح
من أبرز أبناء الفقيد، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الذي يقوم منذ سنوات طويلة بأدوار مشهودة على الأصعدة التربوية والثقافية والمعرفية، ناهيك عن جهوده الدؤوبة في سبيل ترسيخ قيم التسامح والتعايش من خلال توليه منصب وزير التسامح والتعايش في الحكومة الاتحادية منذ أكتوبر عام 2017، خلفاً للشيخة لبنى بنت خالد القاسمي. وقبل ذلك تولى معاليه العديد من المناصب في الحكومة الاتحادية. حيث دخل الحكومة الاتحادية لأول مرة في عام 1990 حاملاً حقيبة التعليم العالي، وفي عام 1997 صار وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ثم تقلد حقيبة التربية والتعليم في عام 2004، ليعود في أول تشكيل وزاري في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد ويمسك مجدداً بحقيبة التعليم العالي والبحث العلمي. وفي عام 2013 تم تعيينه وزيراً للثقافة والشباب وتنمية المجتمع حتى عام 2016 حينما صار وزيراً للثقافة وتنمية المعرفة.
وحينما شكل سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزارة جديدة في فبراير عام 2016 اُستحدثت وزارة التسامح لأول مرة لتجسد وترسخ القيم والمباديء النبيلة التي قامت عليها دولة الإمارات وفي مقدمتها قيم التسامح والمواطنة والتعايش والمساواة، فعهد بحقيبتها للشيخ نهيان، علماً بأن مسمى الوزارة تغير في عام 2020 ليصبح وزارة التسامح والتعايش. وكان اختيار معاليه لحمل مسؤوليات هذه الحقيبة الوزارية الجديدة نابعاً من تاريخه وإسهاماته وتجاربه على مدى سنوات طويلة في مجالات الثقافة والفنون والمعرفة والتعليم التي تشكل مجتمعة جسراً للتفاهم والتعايش والمساواة بين بني البشر. وهكذا راح الشيخ نهيان ينفذ توجيهات وسياسات الدولة الخاصة بالتسامح والتعايش، وينشط داخلياً وخارجياً، مطلقاً المبادرات الإنسانية المتعددة ومنها نداء عالمي للتسامح حمل مسمى «نداء التسامح» الذي جاء في إطار الاحتفال باليوم الوطني للتسامح والتعايش تحت شعار «على نهج زايد»، بمشاركة المئات من المؤسسات والهيئات والاتحادات المحلية والعالمية.
ومن المناصب الأخرى التي تولاها معاليه: الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة من عام 1983 إلى 2013، ورئيس مجمع كليات التقنية العليا من عام 1988 إلى 2013، ورئيس جامعة زايد من عام 1998 إلى 2013. وهو، إلى ماسبق، رئيس مجلس إدارة بنك الاتحاد الوطني ومجموعة أبوظبي والبنك المتحد المحدود، ورئيس مجلس إدارة شركة وارد للاتصالات وصاحب شركة الظبي للمقاولات، ورئيس مجلس أمناء «المعهد الدولي للتسامح» منذ أغسطس 2020.
ولد الشيخ نهيان في أبوظبي عام 1951، وتلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية في مدرسة ميلفيلد (Millfield) الداخلية الراقية في المملكة المتحدة التي تأسست عام 1935. والتحق بعد ذلك بكلية ماجدالين (Magdalen College) التي تعد من أقدم الكليات الجامعية في مدينة أكسفورد البريطانية.
اقترن بالشيخة فاخرة بنت سعيد بن شخبوط بن سلطان آل نهيان، حفيدة حاكم أبوظبي الأسبق، فأنجب منها الشيخ سعيد بن نهيان (تُوفي في مايو 2007 في حادثة سير)، والشيخ محمد بن نهيان (درس في المملكة المتحدة ثم في الولايات المتحدة حيث تخصص في التنمية البشرية والتنظيمية وتخرج من جامعة «فندربيلت» في ناشفيل بولاية تنسي قبل عودته إلى الإمارات منذ عام 2008. وهو يتولى رئاسة شركة «ظبي ون» DOIS لخدمات الاستثمار، كما يرأس لجنة الإدارة التنفيذية لمجموعة EMC القابضة منذ تأسيسها عام 2011)، والشيخ شخبوط بن نهيان (يحمل درجة البكالوريوس في العلوم التطبيقية والدراسات الإعلامية من كلية التقنية العليا في أبوظبي، ودبلوم الدراسات الدبلوماسية من أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، والتحق أيضاً في الفترة من 2015 ــ 2016 بأكاديمية ساندهرست الملكية العسكرية في بريطانيا، وتلقى تدريباً عملياً في بنك ستاندر تشارترد في أبوظبي وفي شركة مبادلة للاستثمار، وشغل منصب سفير الإمارات لدى المملكة العربية السعودية من عام 2017 حتى 2021 حينما عُين وزيراً للدولة للشؤون الخارجية خلفاً لمعالي أنور قرقاش)، والشيخ مبارك بن نهيان.
كل هذه الصفات التي تربى عليها منذ نعومة أظفاره، ثم ما راكمه من معارف بفضل حرصه منذ يفاعته على حضور مجالس الكبار والتعرف على تجاربهم وحكمهم وما واجهوه من تحديات في الزمن الصعب، جعلته الشخص المناسب والخيار الأفضل لدى سمو الشيخ زايد لتكليفه بعملية إرساء النظام والأمن في إمارة أبوظبي وترسيخ الأمان المجتمعي، وهي عملية أولاها الشيخ زايد عناية خاصة بمجرد توليه حكم الإمارة في سنة 1966. وهكذا، تم تعيين الرجل في 18 سبتمبر عام 1966، رئيساً لدائرة الشرطة والأمن العام ودائرة الجنسية والجوازات العامة، عطفاً على ما بذله خلال السنوات السابقة، زمن الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان رحمه الله، من جهود أمنية ساهمت في شيوع اسمه بين الناس كشخصية حكيمة وإداري كفء وصاحب رؤية وطموح وأخلاق كريمة.
ولد الشيخ مبارك في أبوظبي في العشرية الثانية من القرن العشرين ابناً ثانياً لوالده الشيخ محمد بن خليفة بن زايد الأول آل نهيان من زوجته الشيخة موزة ابنة تاجر اللؤلؤ الشهير أحمد بن خلف العتيبة، وتربى في كنفهما، وتعلم أسرار الحياة وتحدياتها من مجالس الكبار.
والده هو الشيخ محمد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان (1909 ــ 1979)، الذي ارتبط بعلاقة متينة بابن عمه القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وزوّجه ابنته سمو الشيخة حصة (1929 ــ 2018) والدة رئيس الدولة الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وكان من كبار رجالات آل نهيان ورمزاً من رموز الحل والعقد في زمنه.
في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1968 تمت ترقية الشيخ مبارك إلى رتبة لواء، بعد أن حقق نجاحات في عملية تأسيس النظام الشرطي في إمارة أبوظبي والارتقاء به من خلال الاستثمار في الكادر البشري والعمل على تدريب وتأهيل الشرطة عبر ابتعاث أفرادها إلى كليات الشرطة والأمن العربية واستقطاب الكفاءات الشرطية من بعض البلاد العربية الشقيقة، ناهيك عن حرصه على السهر على راحتهم والاستجابة لمطالبهم ورعاية شؤونهم. ولعل هذه النجاحات هي التي شجعت الشيخ زايد على اختياره ليكون أول شخصية إماراتية تتولى حقيبة الداخلية بعد قيام دولة الإمارات في ديسمبر 1971، خصوصاً أن الشيخ مبارك كان معروفاً بتوجهاته الوحدوية وكان من الداعمين لفكرة أن المستقبل يتطلب تكاتفاً وترابطاً قوياً بين الإمارات السبع لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وبناء دولة حديثة قوية راسخة، وهو ما تجلى بصورة واضحة في الأدوار البناءة التي لعبها في كافة الاجتماعات والمداولات التي جرت تمهيداً لقيام دولة الإمارات بين أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد.
قيادة وزارة الداخلية الاتحادية
وانطلاقاً من نظرته الاستشرافية الوحدوية تلك، تولى قيادة وزارة الداخلية الاتحادية بحماس، وراح يركز في عمله وخطاباته على ترسيخ الفكر الوحدوي في الأجهزة الشرطية ووضع الخطط والسياسات الكفيلة بمواجهة تحديات التكامل والدمج والانضباط والالتزام في فترة قياسية، الأمر الذي أثمر عن توحيد قوات الشرطة في الإمارات لتصبح وزارة الداخلية الاتحادية صاحبة سلطة الإشراف الكامل على جميع الشؤون المتعلقة بالأمن والهجرة والإقامة، وأدى إلى إزالة الحواجز الحدودية بين الإمارات السبع.
استمر الشيخ مبارك ممسكاً بمسؤوليات وزارة الداخلية الاتحادية، متحملاً أعباءها، محققاً النجاح تلو التجاج منذ عام 1971 وحتى عام 1990، حينما خرج من التشكيل الوزاري الخامس برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله، فخلفه في حمل حقيبة الداخلية معالي حمودة بن علي.
وخلال عمله وزيراً للداخلية شارك الشيخ مبارك في كافة الاجتماعات العربية التنسيقية بين المؤسسات الشرطية، كما كان حاضراً ومساهماً في المؤتمرات الدولية ذات الصلة بقضايا الأمن والتعاون العالمي لمكافحة الجريمة. ولم يترك منصبه دون أن يعد ويؤهل لبلده الصفين الثاني والثالث من القيادات الشرطية الشابة، بل إنه، فوق ذلك، يُذكر له استحداثه لوحدة للشرطة النسائية في فبراير 1978، مع إنشاء مدرسة للشرطة النسائية في أبوظبي، اعترافاً منه بدور المرأة إلى جانب شقيقها الرجل في تحمل المسؤوليات الوطنية، وإيماناً منه بأن المهمات الشرطية تتطلب وجودها ضمن المنظومة الأمنية، وبالتالي ضرورة تأهيلها وتدريبها وتسليحها بالعلم والمعرفة.
إلى ما سبق، كانت للراحل اهتمامات خاصة بالرياضة ولاسيما رياضة كرة القدم الأكثر شعبية، وذلك من منطلق أهمية الرياضة في بناء القيادات الشابة ورفع اسم الوطن في المحافل الخليجية والعربية والعالمية. وقد تجلى ذلك في مساهمته بتأسيس أول «اتحاد لكرة القدم في الإمارات»، ووضع القاعدة التنظيمية له، فكان أن اُختير لشغل منصب أول رئيس للاتحاد في الفترة من عام 1971 وحتى 1973. وهي الفترة التي شهدت أولى مشاركات منتخب دولة الإمارات في بطولة كأس الخليج، وحصول الإمارات على عضوية الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم.
في الرابع والعشرين من فبراير عام 2010 انتقل الشيخ مبارك إلى الرفيق الأعلى، فأعلنت الدولة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام على ابن بار من أبنائها ورجل من رجالاتها المخلصين ممن نالوا محبة وتقدير الجميع. وقد تمت الصلاة عليه رحمه الله بمسجد الشيخ سلطان بن زايد في البطين.
إبان عمله وزيراً للداخلية حصل الشيخ مبارك على العديد من الأوسمة المحلية والعربية ومنها: وسام زايد الثاني، ووسام عيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ووسام قوة دفاع أبوظبي، ووسام الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، ووسام السلطان قابوس من سلطنة عمان، ووسام الجمهورية التونسية، ووسام الملك الحسن الثاني من المملكة المغربية، ووسام الاستحقاق من دولة قطر، وغيرها.
ويُذكر أن الفقيد اقترن بزوجة واحدة هي الشيخة عوشة بنت شخبوط بن سلطان آل نهيان، وله منها من الأبناء خمسة هم: الشيخ أحمد بن مبارك (توفي سنة 2003)، والشيخ نهيان بن مبارك (وزير التسامح والتعايش السلمي) والشيخ حمدان بن مبارك (وزير الاشغال العامة من عام 2004 إلى 2013 ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ما بين 2013 و2014) والشيخة فاخرة بنت مبارك والشيخ سعيد بن مبارك. أما أخواه الشقيقان فهما الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء سابقاً، والشيخ طحنون بن محمد آل نهيان وزير البلديات والزراعة الأسبق وممثل الحاكم في المنطقة الشرقية (العين).
نهيان بن مبارك.. وزير التسامح
من أبرز أبناء الفقيد، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الذي يقوم منذ سنوات طويلة بأدوار مشهودة على الأصعدة التربوية والثقافية والمعرفية، ناهيك عن جهوده الدؤوبة في سبيل ترسيخ قيم التسامح والتعايش من خلال توليه منصب وزير التسامح والتعايش في الحكومة الاتحادية منذ أكتوبر عام 2017، خلفاً للشيخة لبنى بنت خالد القاسمي. وقبل ذلك تولى معاليه العديد من المناصب في الحكومة الاتحادية. حيث دخل الحكومة الاتحادية لأول مرة في عام 1990 حاملاً حقيبة التعليم العالي، وفي عام 1997 صار وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ثم تقلد حقيبة التربية والتعليم في عام 2004، ليعود في أول تشكيل وزاري في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد ويمسك مجدداً بحقيبة التعليم العالي والبحث العلمي. وفي عام 2013 تم تعيينه وزيراً للثقافة والشباب وتنمية المجتمع حتى عام 2016 حينما صار وزيراً للثقافة وتنمية المعرفة.
وحينما شكل سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزارة جديدة في فبراير عام 2016 اُستحدثت وزارة التسامح لأول مرة لتجسد وترسخ القيم والمباديء النبيلة التي قامت عليها دولة الإمارات وفي مقدمتها قيم التسامح والمواطنة والتعايش والمساواة، فعهد بحقيبتها للشيخ نهيان، علماً بأن مسمى الوزارة تغير في عام 2020 ليصبح وزارة التسامح والتعايش. وكان اختيار معاليه لحمل مسؤوليات هذه الحقيبة الوزارية الجديدة نابعاً من تاريخه وإسهاماته وتجاربه على مدى سنوات طويلة في مجالات الثقافة والفنون والمعرفة والتعليم التي تشكل مجتمعة جسراً للتفاهم والتعايش والمساواة بين بني البشر. وهكذا راح الشيخ نهيان ينفذ توجيهات وسياسات الدولة الخاصة بالتسامح والتعايش، وينشط داخلياً وخارجياً، مطلقاً المبادرات الإنسانية المتعددة ومنها نداء عالمي للتسامح حمل مسمى «نداء التسامح» الذي جاء في إطار الاحتفال باليوم الوطني للتسامح والتعايش تحت شعار «على نهج زايد»، بمشاركة المئات من المؤسسات والهيئات والاتحادات المحلية والعالمية.
ومن المناصب الأخرى التي تولاها معاليه: الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة من عام 1983 إلى 2013، ورئيس مجمع كليات التقنية العليا من عام 1988 إلى 2013، ورئيس جامعة زايد من عام 1998 إلى 2013. وهو، إلى ماسبق، رئيس مجلس إدارة بنك الاتحاد الوطني ومجموعة أبوظبي والبنك المتحد المحدود، ورئيس مجلس إدارة شركة وارد للاتصالات وصاحب شركة الظبي للمقاولات، ورئيس مجلس أمناء «المعهد الدولي للتسامح» منذ أغسطس 2020.
ولد الشيخ نهيان في أبوظبي عام 1951، وتلقى تعليمه حتى المرحلة الثانوية في مدرسة ميلفيلد (Millfield) الداخلية الراقية في المملكة المتحدة التي تأسست عام 1935. والتحق بعد ذلك بكلية ماجدالين (Magdalen College) التي تعد من أقدم الكليات الجامعية في مدينة أكسفورد البريطانية.
اقترن بالشيخة فاخرة بنت سعيد بن شخبوط بن سلطان آل نهيان، حفيدة حاكم أبوظبي الأسبق، فأنجب منها الشيخ سعيد بن نهيان (تُوفي في مايو 2007 في حادثة سير)، والشيخ محمد بن نهيان (درس في المملكة المتحدة ثم في الولايات المتحدة حيث تخصص في التنمية البشرية والتنظيمية وتخرج من جامعة «فندربيلت» في ناشفيل بولاية تنسي قبل عودته إلى الإمارات منذ عام 2008. وهو يتولى رئاسة شركة «ظبي ون» DOIS لخدمات الاستثمار، كما يرأس لجنة الإدارة التنفيذية لمجموعة EMC القابضة منذ تأسيسها عام 2011)، والشيخ شخبوط بن نهيان (يحمل درجة البكالوريوس في العلوم التطبيقية والدراسات الإعلامية من كلية التقنية العليا في أبوظبي، ودبلوم الدراسات الدبلوماسية من أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، والتحق أيضاً في الفترة من 2015 ــ 2016 بأكاديمية ساندهرست الملكية العسكرية في بريطانيا، وتلقى تدريباً عملياً في بنك ستاندر تشارترد في أبوظبي وفي شركة مبادلة للاستثمار، وشغل منصب سفير الإمارات لدى المملكة العربية السعودية من عام 2017 حتى 2021 حينما عُين وزيراً للدولة للشؤون الخارجية خلفاً لمعالي أنور قرقاش)، والشيخ مبارك بن نهيان.