وداع مؤلم ورحيل حزين، طوى معه زميلنا العكاظي السابق عمار بوقس صفحته الأخيرة ورحل. مسيرة محفوفة بتحديات يجوز أن نصفها واقعياً بالخارقة، فالشاب الذي وُلد بمؤشرات حياة شبه مستحيلة، آمن بقدره وبنفسه وقدراته، فأصبح بارعاً في مجالات عدة ومؤثراً يفوق سواه من الأصحاء.
وُلد عمار بوقس عام 1986 في ولاية ويسكونسن الأمريكية، مصاباً بمرض نادر من أنواع ضمور العضلات الشوكي، المعروف بـ"ويرديغ هوفمان". توقع الأطباء ألا يعيش سوى بضعة أشهر، لكن عمار خيّب كل التوقعات بصموده. وعاد مع أسرته إلى المملكة العربية السعودية، حيث واجه تحديات إضافية في مسيرته التعليمية؛ إذ لم تتوفر له مدارس مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه واصل تعليمه بإصرارٍ، وانتقل من مدرسة إلى أخرى حتى أكمل دراسته بامتياز.
بعد تخرجه من المعهد العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود في جدة، التحق بجامعة الملك عبد العزيز، حيث حصل على المركز الأول في تخصص الإعلام والعلاقات العامة. كان تفوقه الأكاديمي رسالة واضحة بأن الطموح لا يعترف بالعوائق الجسدية.
عمل عمار في الصحافة السعودية، حيث بدأ في صحيفة المدينة ثم انضم إلى فريق "عكاظ" في القسم الرياضي. كان له حضور قوي، وكنا نراه يشارك في الاجتماعات بثقة استثنائية، يقف شامخاً بين زملائه، وكأن جسده المُقعد لم يكن حاجزاً أبداً أمام عزيمته. كتب مقالات حيوية في قضايا الرياضة والاجتماع، كما تناول موضوعات متعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة، داعماً لهم بصوته وفكره.
إضافة إلى عمله في الصحافة، شغل عمار منصب المتحدث الرسمي وعضو لجنة الإعلام والدراسات في الاتحاد السعودي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة. وعمل أيضاً في هيئة الإذاعة والتلفزيون، حيث كان له دورٌ مميز في تقديم قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة عبر منصات الإعلام، ليصبح صوتاً لهؤلاء الذين لم يجدوا من يتحدث عنهم بعمق وشفافية.
كانت لعمار إسهامات أخرى، فقد أسس مبادرة "عمار" لدعم المبدعين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وشارك في المحافل المحلية والدولية كمتحدث ومحاضر، مقدماً المحاضرات والندوات التوعوية، ومضفياً بنبرة صوته تأثيراً قوياً على كل من استمع له. وفي تكريم مؤثر، اختير ليمثل ذوي الاحتياجات الخاصة في المؤتمر الثالث للإعاقة، حيث ألقى كلمة مؤثرة باسمهم، وكان حضوره وقوفاً بحد ذاته شاهداً على أن الإصرار يمكنه تحقيق ما يعجز عنه الجسد.
وبعد مسيرة حافلة بالإنجازات، ترك عمار بوقس خلفه إرثاً من القيم والعزيمة، معلماً فينا أن الإرادة قادرة على تجاوز أقسى التحديات. رحل عمار بوقس، لكن ذكراه ستظل خالدة، تلهمنا لنرى العالم بعين الأمل والإصرار.