-A +A
زياد عيتاني (بيروت) ziadgazi@
رحلة الخروج من السلطة بالنسبة لرئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري يبدو أنها ستصل إلى محطتها الأخيرة بعد تشكيل حكومة حسان دياب. وعلى الأرجح، ووفقاً لمصادر متقاطعة، فإن الحريري سيذهب في رحلة طويلة نسبياً بعد تشكيل الحكومة وسيكون قصره في المغرب هو المحطة الأساس في هذه الإجازة.

أزمة الحريري أنه لم يعتد الجلوس في صفوف المعارضة، فالرجل اعتاد السلطة وتفاصيل قوتها من أدوات وإمكانات وليس بقادر على مباشرة الأمور والأحداث من موقع الاعتراض والمشاكسة ومواجهة ضغوط السلطة وأدواتها والتي لطالما كانت عناصر يمتلكها بيده ويستعملها ضد منافسيه.


لم يُخرج أحد الحريري من السلطة بمقدار الدور الذي لعبه هو نفسه في الوصول إلى هذه النتيجة، فالرجل الذي وجد نفسه وريثاً لإرث والده السياسي بشكل مفاجئ ودون مقدمات، لم يُحسن الحفاظ على هذا الإرث الكبير الذي يترامى في الداخل اللبناني وفي المجال العربي والدولي. لقد تحدث الحريري بعد عودته إلى لبنان قبل التسوية الرئاسية عن ضياع الثروة من أجل الثورة، فيما الواقع تحدث عن ضياع الثروة والثورة حيث تخلى الحريري عن رجالاتها وحلفائها فيها، فأبعد رفاق والده الشهيد عن موقع القرار، فغاب الرئيس فؤاد السنيورة، وبعده اللواء أشرف ريفي، ومن ثم الوزير نهاد المشنوق، وقبله الوزراء أحمد فتفت ومعين المرعبي وغيرهم..

لقد بقي الحريري وحيداً في بيته بوسط بيروت وحل ظلال رجال لا يقدمون ولا يؤخرون، أدخلوه بالتسوية الرئاسية، وعوضاً أن تحقق هذه التسوية ابتعاداً في تحالف الرئيس ميشال عون مع «حزب الله» بات الحريري نفسه بقبضة حزب الله بملء إرادته ووقائع الفساد التي غرقت بها السلطة في لبنان.

لقد اعتقد الحريري أنه قادر على جني ثمار الثورة لوحده من دون حلفائه سمير جعجع ووليد جنبلاط، مؤمناً أن الرجلين معروفان بتأييده وتجاوز هفواته عندما يطلب منهما ذلك، وهو ما لم يتحقق لحظة الحقيقة، فخرج من شباك التكليف الحكومي ليجد نفسه في الهواء. لقد كان سعد الحريري مؤمناً بصداقته لجبران باسيل على عكس ما كان قبل التسوية ملزماً بصداقة سمير جعجع ووليد جنبلاط، لقد وجد الحريري مع باسيل الكيمياء المفقودة مع جعجع وجنبلاط فتعاطى عاطفياً مع باسيل ومن المنطق نفسه ابتعد عن الآخرين، فتحول بفعل هذا المنحى العاطفي إلى ما يشبه «العشيق المخدوع» الذي ينجرف بعشقه فيما الطرف الآخر في عالم آخر جداً جداً.

لقد وُصِفت التسوية الرئاسية من قبل الوزير نهاد المنشوق في حينه بـ«المغامرة» التي إن فشلت سينتهي كل شيء، وبالفعل فإن التسوية الرئاسية التي كانت أولى ضحايا الثورة في لبنان أنهت كل شيء بالنسبة لطرفيها سعد الحريري خارج الحكومة ولا عودة قريبة أو متوسطة له إلى السراي الحكومي، وجبران باسيل خارج سباق رئاسة الجمهورية اعترف هو بذلك أم لم يعترف.

إنها المغامرة التي خاضها الرجلان بعقلية المراهقة السياسية التي لا بدّ أن تصل إلى ما انتهت إليه.

سعد الحريري خارج السلطة إنها حقبة سياسية يبدو أنها انتهت بالفعل في 14 شباط 2005 عندما كتبت صحيفة «النهار» في مانشيتها باليوم التالي: «قتلوا رفيق الحريري» مستعملة الضمير المتصل الظاهر لتعريف الفاعل.