لأنه كان يلعب بالنار والدم، فلا يهمه أعداد الضحايا، ولا المكان الذي يسقطون فيه، المهم أن ينجز عمليات التطهير العرقي بأي ثمن، فقناعاته أن هذا التطهير يمر عبر بحر من الدماء، صاحب نظرية «التمدد الفقاعي» في المنطقة العربية، لغته لا تبتعد كثيرا عن لغة «البلطجية» يعمل في الظلام يفكر ويخطط ومن ثم ينفذ.
في يوم واحد (الجمعة) هلك أبومهدي المهندس الرجل الثاني في مليشيا «الحشد» ورجل المهمات الإيرانية القذرة في العراق، مع سليماني الذي وجد فيه ضالته ليكون حاضرا أينما تريد طهران تنفيذ مهمات قذرة.
لقد كانت حركته محددة فقط في الجفرافيتين العراقية والإيرانية، فالشرطة الدولية تطارده والكويت تطالب به لتنفذ حكم الإعدام الصادر بحقه، إذ فشلت وساطات عدة طيلة السنوات الماضية في دفع الكويت لإسقاط الحكم بحقه، كما رفض «الإنتربول» رفع اسمه من قائمة المطلوبين الخطرين لديها على مستوى العالم.
المليشياوي والذراع اليمنى للإرهابي سليماني يدعى «جمال جعفر إبراهيم» أو أبو مهدي المهندس، من مواليد البصرة عام 1954 من أب عراقي وأم إيرانية، أكمل دراسته في كلية الهندسة عام 1977، وانتمى لحزب «الدعوة الإسلامية» الذي يقوده نوري المالكي.
استقر في الكويت عام 1979 لعدة سنوات وأقام في «الجابرية»، مارس نشاطاً سياسياً وأمنيا معاديا لنظام صدام حسين، قبل أن تمنعه حكومة الكويت آنذاك من مزاولة أي نشاط على أراضيها. بدأ العمل مع الحرس الثوري الإيراني في الكويت عام 1983، واتهم بتنظيم هجمات على سفارات الدول التي أيدت صدام في الحرب مع إيران.
وبعد وقوف دول الخليج مع العراق في حربه ضد إيران، ومقاطعة بغداد لطهران بشكل شبه كامل مطلع عام 1983، هاجم المهندس مع مجموعة من زملائه ردا على ذلك عددا من المباني الحساسة في العاصمة الكويت، ومنها السفارتان الأمريكية والفرنسية وبعثات أخرى، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 80 آخرين، بينهم رعايا أوروبيون وأمريكيون.
هذا الأمر دفع القضاء الكويتي إلى الحكم بالإعدام على المهندس بعد إدانته بالضلوع في التفجيرات، لكن المهندس كان قد فر من الكويت بعد ساعات من التفجيرات إلى طهران عبر رحلة بحرية كان قد حجز تذكرة على متنها قبل يوم واحد من التنفيذ. واستقر هناك وتزوج من إيرانية تكبره بعدة سنوات واكتسب جنسيتها، ثم عين مستشارا عسكريّا لدى قوات القدس التي كانت تتولى مهاجمة القوات العراقية المرابطة حول البصرة، مسقط رأسه.
وفي 1985، وجهت النيابة العامة الكويتية له رسميا تهمة التورط في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد، وبات منذ ذلك الحين ولا يزال المطلوب الأول للكويت، وضمن القائمة الأمريكية السوداء للمطلوبين في أعمال إرهابية.
وتولى المهندس في عام 1987 رسميا منصب قائد مليشيا بدر، ثم انتقل بعد سنوات للعمل بمفرده ضمن قوة مرتبطة بفيلق القدس أيضاً تعرف باسم «التجمع الإسلامي» وشارك مع القوات الإيرانية في مهاجمة بلدات عراقية مختلفة مطلع عام 1988 ما أسفر عن مقتل المئات من المدنيين والعسكريين.
في مارس من عام 2003 وعقب دخول القوات الأمريكية العراق عاد المهندس مستخدماً اسم جمال الإبراهيمي، وترشّح في 2005 لانتخابات البرلمان عن قائمة حزب «الدعوة الإسلامية» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وفاز في دائرته الانتخابية عن بابل.
لكن قوة تابعة لمشاة البحرية الأمريكية اقتحمت مقر إقامته شرق بغداد بعد اكتشاف هويته، إلا أنه نجح بالفرار مرة أخرى إلى طهران بعد أشهر من تخفيه خارج العراق ومطاردة الأمريكيين له. ولم يدخل العراق إلا بعد انسحاب القوات الأمريكية شتاء عام 2010 وفي يناير 2015 تولى نائب رئيس هيئة «الحشد».