ثمة مشكلة سورية تكمن في تركيبة الشخصية السورية التاريخية، فهي محبة للتجديد والسكون معا، سريعة التغير والتغيير وعصية على الفهم، لا تقبل بالقيادة المرنة، وتحتاج إلى شخصية صلفة، وهذا منبع الشائعة عن طبيعة الشخصية السورية الصلفة، إذ أنتج هذا المجتمع السياسي المزاجي رغم وعيه شخصية حازمة لوقف تلاعب المزاجية السياسية - إن جاز التعبير- بالبلاد، ولعل مقولة شكري القوتلي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر في توقيع بروتوكول الوحدة في عام 1958، حين قال «أسلمك 7 ملايين رئيس»؛ وهو بالطبع يقصد السوريين الذين لا يعجبهم العجب والكل يرى في نفسه الأهلية السياسية والعسكرية والثقافية، هذا جزء من الحالة العربية السائدة، لكنها أكثر وضوحا في الحالة السورية.
ضعف وتفكك
استنساخ التجربة البعثية
ولأن المعارضة السورية، فقيرة الخبرات السياسية وعديمة التنظيم ومعظمها تنتمي لجيل ثقافي بعيد عن الحياة السياسية، مثل برهان غليون وميشيل كيلو وآخرين، كل ما في رصيدهم كتاب أو ندوة ثقافية، كررت هذه المعارضة شكل النظام بطريقة أخرى، ورسخت المشهد الذي رسخه حافظ الأسد وبشار الأسد من بعده في نمط القيادة، والذي ثار عليه الشعب السوري أصلا. واستنسخت المعارضة التجربة البعثية بطريقة أخرى منذ تأسيسها في أكتوبر عام 2011 في هيئة المجلس الوطني في إسطنبول، منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة، ونحن أمام إعادة تدوير وإنتاج هذه المعارضة التي ربطت نفسها بالدول وليس بالقاعدة الشعبية السورية، وبالتالي منذ اللحظة الأولى خولت الدول في التدخل بشؤونها، وأصبحت المرجعية السياسية ترتكز على الدول لا على القوى الثورية السياسية والعسكرية، وهذا أفدح الأخطاء التي وقعت بها المعارضة، إذ استمدت المشروعية من الدول التي تربطها مصالح وأجندات في سورية، وهكذا فقدت مصلحتها وأجندتها التي حددها ما يقارب مليون شهيد من الطرفين وتدمير 80% من سورية، بينما بنيت الشخصية السياسية السورية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، حتى بشار الأسد الضعيف حاول في بداية الأزمة أن يتولى القمع منفردا، لكنه أجبر على جلب الإيرانيين والروس والمليشيات الأخرى.
التأقلم مع الهزيمة
يعتب السوريون الآن على مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» التي تبخرت منذ عامين وكانت تضم أبرز الدول العربية والإقليمية والغربية، لكن على ما يبدو فإن العلة في المعارضة السورية ذاتها، التي رأينا سرعتها في التأقلم مع الهزيمة السياسية والعسكرية دون أدنى محاولات المواجهة أو القدرة على الـ«لا»، فانتهاء عقد أصدقاء الشعب السوري قد يكون هو أداء المعارضة السورية نفسها، التي لم تكن منذ البداية على مستوى سورية، ولعل ثمة ذاكرة سورية موثوقة ستفتح يوما ما النافذة على «الصندوق الأسود».
التهميش
والثنائية المفروضة
همشت المعارضة السورية شخصيات عسكرية كان لها دور في صناعة صورة الثورة السورية، مثل رياض الأسعد مؤسس الجيش الحر على الرغم من بعض الملاحظات حول إمكانية هذا الرجل، حولت الضباط المنشقين إلى مرتزقة يمكن كسبهم بالدولارات، أسست مجالس من أجل جلب المال من الدول الصديقة وتحولت هذه المجالس إلى مقرات وتجمعات مشبوهة، وسيطرت على الناشطين الحقيقيين وأخرجتهم من سورية لتتحكم بالمستوى العاطفي للثورة، كان للمعارضة دور مهم في هندسة الفساد، لكنها لم تحاول على الإطلاق بناء مؤسسات فاعلة، وأصبح العمل في المعارضة تهمة بسبب كل ما تم ذكره.
أصبحت سورية الآن أمام ثنائية مفروضة على الشعب السوري والعودة إلى المربع الأول، الرئيس الأوحد والوزير الأوحد، لا حياة سياسية قادرة على توليد الكفاءات سواء في المعارضة أو النظام، أصبحت المعارضة ناديا خاصا لا يمكن الدخول إليه من دون توافق تكتلات وأحزاب أولا أو من دون موافقات دولية وهي أشبه بالموافقات الأمنية على عهد النظام للعمل السياسي، وجرى إقصاء الكثير من القوى السياسية والعسكرية النافذة على الأرض، وتبين بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المعارضة ما هي إلا صندوق بريد وفي بعض الأحيان ساعي بريد ليس إلا، لكنه يعمل لصالح الغير.
القوى المتنفذة داخل النظام السوري (سياسيا وعسكريا)، هي التي منعت التغيير وجعلت سورية التاريخية بيد شلة سياسية وأمنية، وذات المشهد وبنفس المنطق تحولت المعارضة السياسية إلى شللية قائمة على «التشبيك»، فالصراعات التي دارت في أروقة المجلس الوطني السوري ومن بعده الائتلاف الوطني، تفوق مسيرة الصراعات السياسية التي تحدث عنها باتريك سيل الكاتب البريطاني الشهير في كتابه «الصراع على سورية».. وحجم الاستعانة بالدول على بعضهم البعض تفوق استعانات الأسد ذاته بإيران وروسيا وغيرهما من الدول، لذا لا بد من نهاية لانفراد من هم لا يستحقون ذلك المكان بسبب الفشل - على الأقل- أن يكونوا على مستوى الألم وليس مستوى الأزمة.
وبعد تسع سنوات على الحرب، لا بد من التفكير جديا بصناعة جيل جديد من المعارضة السورية الواعية من الداخل والخارج، ليس عبر مؤتمرات يتم تركيبها إقليميا وإنما عبر حركة سياسية فكرية في كل الأوساط التي يعيش فيها السوريون، ربما لن يكون التغيير سريعا والعمل على هذا الأمر لن يكون في ليلة وضحاها، ولكن المهم إدراك الحالة التي يعيشها السوريون على المستوى السياسي.
جيل جيد
من المعارضة
حالة الضعف والتفكك التي تعيشها المعارضة السورية ليست مدخلا للنقد من أجل النقد، أو نوعا من جلد الذات الذي لا قيمة له سوى الندب، وإنما دعوة لمحاولة إنتاج نوع جديد في الذهنية السورية المعارضة.
هذه المعارضة التي أنتجتها دماء وليس منتديات أو رفاهية اقتصادية أو اجتماعية، وبالتالي لا يجب أن تكون المعارضة في خضم الحالة السورية شبيهة بالمعارضات الأخرى، لكن للأسف لم تجتمع هذه المعارضة على فكرة سياسية واحدة وتم اختراقها من أكثر من جهة منذ التأسيس، إذ كان للإخوان المسلمين الحصة الأكبر في تنظيم وبلورة هذه المعارضة باعتبارهم الوجوه المتوافرة في الحياة السياسية المقفرة التي خلفها الرئيس الراحل حافظ الأسد.
ضعف وتفكك
استنساخ التجربة البعثية
ولأن المعارضة السورية، فقيرة الخبرات السياسية وعديمة التنظيم ومعظمها تنتمي لجيل ثقافي بعيد عن الحياة السياسية، مثل برهان غليون وميشيل كيلو وآخرين، كل ما في رصيدهم كتاب أو ندوة ثقافية، كررت هذه المعارضة شكل النظام بطريقة أخرى، ورسخت المشهد الذي رسخه حافظ الأسد وبشار الأسد من بعده في نمط القيادة، والذي ثار عليه الشعب السوري أصلا. واستنسخت المعارضة التجربة البعثية بطريقة أخرى منذ تأسيسها في أكتوبر عام 2011 في هيئة المجلس الوطني في إسطنبول، منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة، ونحن أمام إعادة تدوير وإنتاج هذه المعارضة التي ربطت نفسها بالدول وليس بالقاعدة الشعبية السورية، وبالتالي منذ اللحظة الأولى خولت الدول في التدخل بشؤونها، وأصبحت المرجعية السياسية ترتكز على الدول لا على القوى الثورية السياسية والعسكرية، وهذا أفدح الأخطاء التي وقعت بها المعارضة، إذ استمدت المشروعية من الدول التي تربطها مصالح وأجندات في سورية، وهكذا فقدت مصلحتها وأجندتها التي حددها ما يقارب مليون شهيد من الطرفين وتدمير 80% من سورية، بينما بنيت الشخصية السياسية السورية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، حتى بشار الأسد الضعيف حاول في بداية الأزمة أن يتولى القمع منفردا، لكنه أجبر على جلب الإيرانيين والروس والمليشيات الأخرى.
التأقلم مع الهزيمة
يعتب السوريون الآن على مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» التي تبخرت منذ عامين وكانت تضم أبرز الدول العربية والإقليمية والغربية، لكن على ما يبدو فإن العلة في المعارضة السورية ذاتها، التي رأينا سرعتها في التأقلم مع الهزيمة السياسية والعسكرية دون أدنى محاولات المواجهة أو القدرة على الـ«لا»، فانتهاء عقد أصدقاء الشعب السوري قد يكون هو أداء المعارضة السورية نفسها، التي لم تكن منذ البداية على مستوى سورية، ولعل ثمة ذاكرة سورية موثوقة ستفتح يوما ما النافذة على «الصندوق الأسود».
التهميش
والثنائية المفروضة
همشت المعارضة السورية شخصيات عسكرية كان لها دور في صناعة صورة الثورة السورية، مثل رياض الأسعد مؤسس الجيش الحر على الرغم من بعض الملاحظات حول إمكانية هذا الرجل، حولت الضباط المنشقين إلى مرتزقة يمكن كسبهم بالدولارات، أسست مجالس من أجل جلب المال من الدول الصديقة وتحولت هذه المجالس إلى مقرات وتجمعات مشبوهة، وسيطرت على الناشطين الحقيقيين وأخرجتهم من سورية لتتحكم بالمستوى العاطفي للثورة، كان للمعارضة دور مهم في هندسة الفساد، لكنها لم تحاول على الإطلاق بناء مؤسسات فاعلة، وأصبح العمل في المعارضة تهمة بسبب كل ما تم ذكره.
أصبحت سورية الآن أمام ثنائية مفروضة على الشعب السوري والعودة إلى المربع الأول، الرئيس الأوحد والوزير الأوحد، لا حياة سياسية قادرة على توليد الكفاءات سواء في المعارضة أو النظام، أصبحت المعارضة ناديا خاصا لا يمكن الدخول إليه من دون توافق تكتلات وأحزاب أولا أو من دون موافقات دولية وهي أشبه بالموافقات الأمنية على عهد النظام للعمل السياسي، وجرى إقصاء الكثير من القوى السياسية والعسكرية النافذة على الأرض، وتبين بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المعارضة ما هي إلا صندوق بريد وفي بعض الأحيان ساعي بريد ليس إلا، لكنه يعمل لصالح الغير.
القوى المتنفذة داخل النظام السوري (سياسيا وعسكريا)، هي التي منعت التغيير وجعلت سورية التاريخية بيد شلة سياسية وأمنية، وذات المشهد وبنفس المنطق تحولت المعارضة السياسية إلى شللية قائمة على «التشبيك»، فالصراعات التي دارت في أروقة المجلس الوطني السوري ومن بعده الائتلاف الوطني، تفوق مسيرة الصراعات السياسية التي تحدث عنها باتريك سيل الكاتب البريطاني الشهير في كتابه «الصراع على سورية».. وحجم الاستعانة بالدول على بعضهم البعض تفوق استعانات الأسد ذاته بإيران وروسيا وغيرهما من الدول، لذا لا بد من نهاية لانفراد من هم لا يستحقون ذلك المكان بسبب الفشل - على الأقل- أن يكونوا على مستوى الألم وليس مستوى الأزمة.
وبعد تسع سنوات على الحرب، لا بد من التفكير جديا بصناعة جيل جديد من المعارضة السورية الواعية من الداخل والخارج، ليس عبر مؤتمرات يتم تركيبها إقليميا وإنما عبر حركة سياسية فكرية في كل الأوساط التي يعيش فيها السوريون، ربما لن يكون التغيير سريعا والعمل على هذا الأمر لن يكون في ليلة وضحاها، ولكن المهم إدراك الحالة التي يعيشها السوريون على المستوى السياسي.
جيل جيد
من المعارضة
حالة الضعف والتفكك التي تعيشها المعارضة السورية ليست مدخلا للنقد من أجل النقد، أو نوعا من جلد الذات الذي لا قيمة له سوى الندب، وإنما دعوة لمحاولة إنتاج نوع جديد في الذهنية السورية المعارضة.
هذه المعارضة التي أنتجتها دماء وليس منتديات أو رفاهية اقتصادية أو اجتماعية، وبالتالي لا يجب أن تكون المعارضة في خضم الحالة السورية شبيهة بالمعارضات الأخرى، لكن للأسف لم تجتمع هذه المعارضة على فكرة سياسية واحدة وتم اختراقها من أكثر من جهة منذ التأسيس، إذ كان للإخوان المسلمين الحصة الأكبر في تنظيم وبلورة هذه المعارضة باعتبارهم الوجوه المتوافرة في الحياة السياسية المقفرة التي خلفها الرئيس الراحل حافظ الأسد.