-A +A
عبدالله الغضوي (إسطنبول) GhadawiAbdullah@
السيناريو في إدلب ليس الوحيد في الحالة السورية، هو بمثابة قانون في الصراع الدائر، ذلك أنه تكرر أكثر من مرة في درعا والغوطة الشرقية وحمص والرستن وحلب الشرقية، الشواهد كثيرة على العبثية التي تتبعها فصائل المعارضة المسلحة «المعتدلة».

في كل مرة يكون المدنيون الضحية والمزيد من التدمير هو الأكثر حضورا في الصراع السوري، إلا أن السؤال: لماذا لا تفهم المعارضة الدرس، ولماذا كل هذا الإصرار على المواجهة الخاسرة مع النظام المدعوم من الروس والمليشيات الإيرانية؟، بالطبع ليست المسألة مقاومة باعتبار الخلل في ميزان القوى بين الطرفين، خصوصا في ظل تدخل سلاح الجو الروسي الذي يدمر مدنا على رأس أهلها دون هوادة أو إنصات لأصوات المجتمع الدولي.


الصراع منذ البداية كان على الحسم العسكري بين المعارضة والنظام، كلا الطرفين كان يريد الحسم العسكري على رغم المشاورات السياسية ومضيعة الوقت لتحقيق الحل على الأرض، ومنذ عام 2011 وحتى منتصف 2015 بقي الصراع متوازنا من الناحية العسكرية «لا غالب ولا مغلوب».

بعد التدخل الروسي في سبتمبر 2015، مالت الكفة إلى النظام وحلفائه في الحسم العسكري، بينما تراجع الداعمون للفصائل المسلحة إلى أن أصبحوا صفرا وتحولت الكثير من الفصائل إلى كتائب إسلامية وانحلت معظم الفصائل بسبب الفوضى السياسية والعسكرية وأصبحت «النصرة» المسيطرة الوحيدة على المشهد السوري في إدلب وريفها، بينما استحوذت تركيا على قسم من هذه الفصائل لتشكل درع الفرات في صيف 2016.

لم يعد المشهد سورياً على الإطلاق، فشرق الفرات أصبح ساحة للنفوذ الأمريكي بالتحالف مع الأكراد (قوات سورية الديموقراطية)، وغربي الفرات أصبح تحت سيطرة المليشيات الإيرانية حتى البوكمال على الحدود العراقية السورية، بينما شمال حلب الغربي أصبح تحت سيطرة «الجيش الوطني» المدعوم من أنقرة، وبقية المناطق خاضعة لسيطرة النظام.

هذا التوصيف الحالي للوضع في سورية قابل للتغير مرة جديدة، خصوصا بعد العدوان العسكري التركي في شمال شرقي سورية بعد الانسحاب الأمريكي من نقاط المراقبة، وهذا ما يؤكد أن سورية أصبحت ساحة مفاجآت من دون أفق للحل على المستوى العسكري، ذلك أن القوى المتنافسة على الأرض غير راغبة في الحل ووضع حد للصراع، ولعل هذا هو التفكير الأمريكي الذي يعتمد على تعليق الصراع من رغبة للتحاور مع روسيا وتقسيم النفوذ والمصالح، إذ ترى واشنطن أن سورية جزء صغير من هيمنتها على الشرق الأوسط، وتكلفة النفوذ سهلة جدا، بينما ترى موسكو في سورية الساحة الوحيدة في المنطقة لتحقيق مصالحها على المستوى الإقليمي والدولي، وهنا يكمن تصور كل طرف للمكاسب، وهو في ذات الوقت يؤجل الحسم ذلك أن المقاربة بين الطرفين بعيدة، وما يجري في إدلب من محاولة أمريكية لوقف نجاحات روسيا العسكرية إضافة إلى سعيها لإبقاء حالة إدلب مؤشر على رغبة واشنطن في تعليق الصراع.