-A +A
زياد عيتاني (بيروت) ziadgazi@

من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان لم يعد فايروس كورونا مجرد وباء عالمي يضرب العالم برمته، وهذا أمر لا جدال فيه، بل وضع هذا الفايروس الخطير هذه البلدان الثلاثة تحت المجهر من حيث عناصر تكوين منظومة الحكم فيها، وأدوات الحكم والسيطرة في هذه المنظومة، المباشر كما يحصل في إيران أو غير المباشر كما هو حاصل في العراق ولبنان.

أن يحل وباء على بلدٍ ما فالأمر ليس عيباً، بقدر ما هو بلاء وأزمة كبرى. لكن أن يُساء التعامل مع هذا الوباء وإدارة الأزمة فإن في ذلك عيبا كبيرا، وقصورا فاضحا لمنظومة حكم كاملة.

ما قبل كورونا ومعه وما بعده هناك سلسلة من المؤشرات والوقائع تؤكد أن الملالي فشلوا في إرساء تجربة حكمٍ مؤسساتية، فشلوا في صناعة دولة بكل ما لهذا المصطلح من معنى. لقد تمكنوا بداية في إيران من صناعة منظومة حاكمة تمتلك حصرية، القوة والعنف والأمر صفات من مجموعات صفات تكتسبها الدولة بعد قيام مؤسساتها وليس قبل قيام هذه المؤسسات. أن تصنع منظومة حاكمة تقبض على السلطة لا يعني أنك نجحت في بناء دولة، فعملية بناء كهذه تحتاج لأكثر من أجهزة أمنية قمعية أو لسلطة مذهبية غيبية مهيمنة.

اكتفى الملالي منذ عودة الخميني من منفاه السياسي بإرساء القبضة الحديدية بيد المرشد على حساب كافة الكوادر السياسية والمؤسساتية في هيكل الحكم في إيران.

ولعل أبرز تلك المحطات كان فرار الرئيس بني صدر بثياب امرأة من إيران خوفاً من الاعتقال أو الإعدام. لقد وُجهت وسُخرت كل موارد الدولة المالية وغير المالية لتدعيم هذه القبضة وبلورتها وترسيخها وتمكينها على حساب مؤسسات الدولة. وهنا كانت المرادفات الدائمة، فرئيس البلاد هناك مرشد أعلى منه، وجيش البلاد هناك حرس ثوري أعلى منه، لقد تصرف الملالي مع الدولة كمؤسسة حكم بروح المعاداة. فسعوا إلى دويلة حاكمة للدولة المعتقلة المعطلة.

لا يمكن أن تعادي فكرة الدولة من حيث تكوينك الفكري والإيديولوجي ثم تسعى لإقامة دولتك الخاصة فالقاعدة تقول «إن فاقد الشيء لا يعطيه».

لقد كان فايروس كورونا أشبه بورقة التوت التي ما إن ما سقطت حتى تكشفت عورات هذه المنظومة وتحديداً في إيران، فالنظام الحاكم الذي كان يتحدث قبل أسابيع عن قدراته النووية والصاروخية والقتالية ظهر عاجزاً في تأمين أسرة للمرضى المصابين الذين تناقلت وسائل الإعلام صوراً لهم وهم يتساقطون على الطرقات.

فيما بدت الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ أي قرار لأزمة تتلمسها جيداً وتشاهدها بوضوح قبل صدور موقف عن حزب الله، وما إن خرج نصر الله متكلماً حتى بات ما هو مرفوض قبل كلامه مقبولاً وما كان محرّماً تناوله أصبح مباحاً.

لقد فشل محور ما يسمى بالممانعة، وهو المحور الذي يقوده نظام الملالي في ايران بإدارة أمور الناس التي تقبع تحت هيمنته وسلطته، فشل في إنشاء منظومة اجتماعية وأخرى طبية وأيضاً منظومة اقتصادية تؤمن قوت الناس ومستقبلهم. لم يقدم هذا المحور للناس سوى خيار بين أمرين إما أن يكونوا شهداء أو عوائل للشهداء، لم يقدم أي معادلة للحياة والبقاء فيها بحب وعزّ ورفاه.